أنطوني ولسن
عندما نريد ان نتحدث عن مجتمع من المجتمعات يصعب علينا أن نصف هذا المجتمع او ذاك بصفات غير انسانية او اجرامية. لاننا ولدنا ونشأنا في مجتمعات تحترم القيم الانسانية وتعمل على توريثها للأبناء لتنتقل من جيل الى جيل. وهذا لا يعني أبدا ان مجتمعاتنا كانت مجتمعات ملائكة وقديسين. لأن الانسان هو الانسان خير وشر، والجميع في الموازين الى فوق.. اي ناقصين لأن الكمال لله وحده.
كان الجار يحب الجار ويغار عليه وعلى اسرته ويهب مسرعا لنجدته وقت الضيق والحاجة، كانت القلوب عامرة بالحب، وكانت النفوس راضية مرضية قانعة بالحياة مكافحة من اجل الحياة الحرة الشريفة.
اتذكر ايام الصبا أن تشاجر أخي مع ابن جارنا.. غضبت والدته وتوجهت الى والدتي تشكو لها ما فعله شقيقي بابنها.
لم تكن امي كثيرة الاختلاط بالجيران.. ليس لتكبر او استعلاء، لكن لانها كثيرة العيال.. «ولادة»، فمن اين لها الوقت للاختلاط والتعارف، لذا عندما فتحت الباب لجارتنا رحبت بها وسألت عن من تكون، تعجبت الجاره وقالت لها أنا جارتك في البيت اللي جنبك وجايه اشتكي لك من ابنك اللي ضرب ابني.
ابتسمت امي وسألتها العفو عن عدم معرفتها لها ورحبت بها وطلبت منها التفضل بالدخول وقالت لها لا تغضبي الاولاد دايما كده.. لعب وخلافات ومشاجرات ولعب مرة اخرى مع بعضهم البعض.
شربت المرأتان الشاي سويا وصارتا صديقتين يتزاوران ولم يتشاجر اخي مع ابنها احمد مرة اخرى.
قصص المجتمع المصري خاصة والشرقي عامة متشاهبة.. الاخلاق الحميدة واحترام الجار والحب والوفاء بين الناس، ولا اظن ان هناك مثل انقى وأجمل من حكاية والدة قداسة الباب المعظم الانبا شنودة الثالث التي يعرفها الناس وسألخصها في كلمات قليلة.
ماتت السيدة الجليلة والدته بعد ولادته بما كان يعرف بحمي النفاس. فتولى الجيران رعايته وقامت جارة مسلمة.واضغط هنا على كلمة مسلمة بارضاعه وهو المسيحي ابن المرحومة المسيحية.
لم اقصد هنا ان اتكلم عن الاديان.. ولكني قصدت ان اشير الى ما كان عليه المجتمع المصري قبل خمسين عام مضت ما آل اليه المجتمع المصري الآن.
لم يكن هناك حجاب ولا نقاب ولا لحية ولا جلبية ولم يكن الصليب سواء الذهبي او الفضي الذي تتحلى به المرأة المسيحية يسبب لها حرجا او اشكالا مع الغير.. الغير مسيحي. ولم يكن «البرقع» او «البشمك» الذي تغطى به المرأة المسلمة وجهها من اسفل عينيها اعلانا بانها مسلمة.. بل كان بمثابة نوع من العادات والتقاليد لبعض الاحياء الشعبية ومعه «الملابة اللف» ولا شك شاهد الكثير منا افلاما مصرية تصور تلك الاحياء الشعبية في مدن مصر. وفي ذلك الزمان الجميل.
اتحدث كثيرا قبل ان ادخل في الموضوع الذي اعطيته عنوانا هكذا.. يا عالم يا هوووه.. هي الدنيا جرى فيها ايه!!
الحقيقة من اجل ان نعرف الدنيا جرى فيها ايه كان علي ان استعيد بعض ذكريات الزمن الجميل لادخل الى مآسي هذا الزمن الردئ والقبيح. سأعيد عليكم باختصار الحادث الذي سبق ان تعرضت له في كتاباتي.
يتلخص الحادث ان طبيبة مسيحية جاءتها ابنة جارة لهم سابقا وطلبت منها ان تذهب معها لمعايدة أمها المريضة جدا. ذهبت الطبيبة معها وفوجئت بوجود 4 رجال يرتدون الزي الاسلامي في استقبالها وقفت ابنة الجيران سابقا وقالت للطبيبة الحقيقة ان عليها ان تختار احد هؤلاء الاربعة ليكون زوجا لها على سنة الله ورسوله، وان رفضت سيتقاسمها الرجال الاربعة وتكون متعة لهم.
كانت مفاجأة للطبيبة بكل المعاير والمقاييس، ذهبت لمعايدة ام مريضة كانت جارتهم.. والجار للجار حتى لو بعد الدار، ولكنها الان تواجه مطلبا لم تكن يوما يخطر على بالها مواجهته.
تصرفت بكل حكمة واخذت تلقي نظرة على الاربعة عرسان ثم قالت لابنة الجارة اريد ان أخلد الى نفسي لاهتدي من يقع عليه اختياري. ادخلتها الى احدى حجرات الشقة واغلقت عليها الباب.
في داخل الحجرة كانت الطبيبة قد حسمت الأمر.. كتبت على ورقة كل ما حدث.. دست الورقة في صدرها.. صلت الى ربها طالبة منه المغفرة والقت بنفسه من بلكون الشقة التي في الطابق الثالث واستشهدت.
ولا احد يعرف عن تعامل رجال الامن والنيابة والقانون مع هذه القضية.. لان الشهيدة مسيحية وكان يجب عليها ان تقبل الزواج من احد اهل الجنة.
حدث هذا منذ عدة سنوات وكتبنا عنه في حينه بالتفصيل.
وفي يوم الاربعاء 5 من مارس/اذار 2009 اصدرت محكمة جنايات كفر الشيخ الحكم بالاعدام شنقا على عشرة متهمين وبالاشغال الشاقة المؤبدة على آخر وعلى حدث صغير السن لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره بالسجن خمس عشرة سنة لاشتراكه في اغتصاب امرأة.
تبدأ القصة عام 2006 عندما وقف «ميكرو باص» امام احد العمارات باحد أحياء مدينة كفر الشيخ التابعة لمحافظة كفر الشيخ بالوجه البحري.
خرج 3 رجال مسلحين من الميكرو باص» بينما بقي اثنان في داخل «الميكروباص». اتجه الثلاثة رجال الى الدور الثالث من العمارة بعد ان اشاعوا الرعب والفزع في قلوب سكان العمارة والعمارات المجاورة باطلاق الاعيرة النارية من اسلحتهم. هجموا على الشقة واقتحموها واتجهوا الى احدى الغرف حيث كانت تنام السيدة فاطمة والتي اجريت لها عملية «قيصرية» منذ ثلاثة ايام فقط. حملوها عنوة واخذوها ووضعوها داخل «الميكروباص» وانزلوها في حقول وزارة الزراعة، حدث كل هذا الساعة التاسعة ليلا.
في حقول وزارة الزراعة تمت المأساة.. وقعت الفريسة بين انياب وحوش مفترسة لا رحمة في قلوبهم ولا رادع في ضمائرهم ولا خوف من إله يحاسبهم ولا من قوة ارضية تعاقبهم .
لنا ان نتخيل منظر هذه المرأة المحرم الجماع بها شرعا لحداثة ولادتها لمولود منذ ثلاثة ايام فقط، وهي تغتصب من الرجال «الحشرة» اقصد العشرة حتى تعبوا هم من كثرة تناوب الاغتصاب مما دفع بهم تشجيع حدث كان موجودا معهم ان يغتصبها. بل لقد قام احدهم بالاتصال بصديق آخر وطلب منه الحضور ليشارك في متعة اغتصاب المرأة، وحينما حضر الرجل ليشارك كانت الفريسة في حالة لا يمكن ان تساعد اي انسان بمجرد النظر اليها لا اغتصابها.. غطاها الوحل والطين ونزف الدم منها بغزارة. والغريب ان الرجل تعرف عليها واخبرهم انها زوجة الرجل وليست شقيقته. وتركوها في الليل بين الحياة والموت. ويعثر عليها رجال الشرطة وتتعرف على من اعتدوا عليها وتستمر المحاكمة طوال هذه الفترة حتى نطق القاضي بالحكم.. ولم يسدل الستار بعد لاننا يجب ان نستعرض مشهد الاختطاف ثم ما بعد الاغتصاب.
1- اين الشهامة والنخوة التي كان يتميز بها المصريون؟!
صدقوني شيء محير ان كان في حكاية الطبيبة او حكاية السيدة فاطمة.
الطبيبة ارادوا اغتصابها شرعا بالزواج من احد الاربعة لانه في الواقع زواجا غير شرعي.. وان رفضت الزواج تغتصب من الاربعة. فهل ارادوا من ذلك الفعل هداية الطبيبة المسيحية حتى تكون الجنة من نصيب من يتزوجها حيث يستمتع بالحوريات والغلمان المخلدون؟!!
والسيدة فاطمة اغتصبوها وروا شبقهم الجنسي دون رحمة او شفقة، فهل كان هدفهم الانتقام من زوجها لشيء لم يعلمه احد حتى الآن؟!!
ونسأل اين شهامة ونخوة الرجال؟!..واين شهامة ونخوة اهل الحي الذين لم يتحركوا ولو للاتصال بشرطة لنجدة من داخل جحورهم والمعروف في مصر الأن ان الجميع كبارا وصغار يملكون المحمول.. فلماذا صمتوا؟!! هل لان المصريين بعد ان تم تعريبهم بالامر العسكري منذ تغير اسم وطنهم مصر الى الجمهورية العربية المتحدة او الى جمهورية مصر العربية بعد ذلك .. ضاعت الشهامة منهم وفقدوا النخوة وظنوا ان المجني عليها لا تمت لهم بصلة ولا اعرف ولا افهم لماذا لم يفعلوا شيئا
2-أين رجال الامن؟! سأكتفي بالكتابة عن السيدة فاطمة لان الطبيبة الشهيرة تم التعتيم الاعلامي عن الجريمة فلا احد يعرف عن القضية شيئا وشكرا لرئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير العدل وشيخ الازهر وكل العلماء الاجلاء لان الجميع اجمعوا على ان الحادث ليس ذا شأن يذكر.
عند اختطاف السيدة فاطمة لم يكن لا في الشارع ولا في الحي شرطي سمع اطلاق الاعيرة النارية، واسرع ليستفسر ويتقصى ويعرف اسباب اطلاق هذه الاعيرة النارية. فأين رجال الشرطة يا سيادة وزير الداخلية؟.. البعض قال انهم فقط.. رجال الشرطة للأمن السياسي وللتصدي لاي تجمعات تطالب بالحقوق الضائعة مثلما حدث على سلم نقابة الصحفيين واهانة صحفيات بأيدي رجال الشرطة الاشاوس ويكفي مشاهدة فيلم «هي فوضى» ليعرف المشاهد حقيقة رجال الشرطة في مصر!!
نأتي الى حالة السيدة فاطمة بعد الاغتصاب.
المغتصبون لم يرحموا المرأة فقتلوها وان كانت على قيد الحياة.. هتكوا عرضها واذلوا نفسها وقتلوا فيها كل كرامة وكبرياء.. ولا استطيع ان اتخيل وضعها مع زوجها بعد ذلك.
ولم يقتصر عذابها على ما عانته المسكينة.. ولكن الناس الذين لم يرحموها.. لم يرحموها ساعة الاختطاف والاسراع الى نجدتها.. ولا بعد الاغتصاب وواسوها في مصيبتها. بل اخذت السنتهم تلوكها وعيونهم تحتقرها وكأنها هي التي ارتكبت الجرم لا الكلاب المسعورة.
من شاهد مسلسل «قضية رأي عام» ليسرا لم يصدق ان هذا يحدث في مصر المحروسه.. الفارق في المسلسل والواقع الذي حدث للسيدة فاطمة ان المسلسل ركز على التفكك الاسرى، ابناء الوزراء والاغنياء والسجود للريال والدرهم على حساب الاسرة والبنون. اما الواقع فإنما يدل على ضياع القيم التي كانت وماتت وتحول الناس الى وحوش كاسرة لا رحمة في قلوبهم ولا مكان للانسانية ومساندة الناس وقت الشدة.
فما الذي غير هذا الشعب من شعب محب الى شعب كاره.. من شعب يعرف معنى الجيرة الى شعب تبلد ولم يعد يهتم لا بالجيرة، ولا بمساندة المحتاج ماديا ومعنويا.
وهناك استطلاع دولي جرى في الفترة من 2006 الى 2008 شمل الف راشد في كل من الدول المعنية بالامر. ويقول الاستطلاع عن مصر ان المصريين هم الاكثر تدينا في العالم.
ويبدو ان هذا الاستطلاع حقيقي جدا وواقع ملموس بالفعل ويؤكده ما يحدث كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وثانية في مصر. ارتفاع في التدين.. تدني في الاخلاق والعياذ بالله..
الخميس، مارس 12، 2009
يا عالم يا هوووه.. هي الدنيا جرى فيها ايه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق