هل في لبنان ديمقراطية؟-5

سعيد علم الدين
كل الذي يهاجمون النظام السياسي اللبناني ويفرغونه من جوهره الديمقراطي مستهزئين حاقدين، أو متهمين جاهلين، أو ناقدين غير عارفين، وكنا قد أشرنا إليهم في الأجزاء السابقة، إنما يفعلون ذلك بحجة أنه نظام وراثي، عشائري، إقطاعي وحتى عنصري طائفي لا علاقة له بالديمقراطية من قريب أو بعيد.
هؤلاء نستطيع اختصار انتقاداتهم تحت بندين أساسيين سنعالجهم بالتفصيل:
- الوراثة السياسية. أي يموت الأب فيرثه ابنه، أو الأخ فيرثه أخيه.
- الطائفية السياسية. أي تقسيم المجتمع والوظائف على أساس طائفي فرئيس الجمهورية ماروني، ورئيس مجلس نواب شيعي، ورئيس مجلس وزراء سني ... إلخ من التقسيمات الطائفية.
شاكراً لكل هؤلاء انتقاداتهم وحتى استهزاءاتهم لأنها شحذتني فكريا ودفعتني إلى الرد عليهم ومبارزتهم بهذا المقال المطول. معتذرا إذا كان هناك ترديد لبعض الأفكار بسبب التوسع في هذا الموضوع المهم.
لا توجد وراثة سياسية في لبنان. أي لا ينتقل كرسي الحكم أو الوزارة أو النيابة من الوارث الى الوريث هكذا على السليقة وكما يحدث في معظم الجمهوملكيات العربية.
والسبب أن لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي لا ولم ولن تعرف الاستبداد في الحكم، والتصاق الرئيس او الزعيم بالكرسي حتى الموت.
سوى في هذه الأيام السوداء الكأداء التي تمر بها الديمقراطية اللبنانية منذ اربع سنوات على ايدي أتباع النظاميين الاستبداديين سوريا وإيران من جماعات 8 اذار وبقيادة حزب الله وزعيمه حسن نصر الله المفتخر بان يكون فردا في ولاية الفقيه. أي الالتصاق بالكرسي حتى الموت كما حصل لحافظ الأسد وكما حصل للخميني وكما سيحصل لبشار الأسد وكما سيحصل لخامنئي.
واليوم بدل ان يبتعد الرئيس السوداني عمر البشير بسبب المحكمة الجنائية طواعية عن كرسي الحكم، مضحيا بذلك من أجل وحدة شعبه وعدم تعريض السودان لخطر التفتت والفوضى والانقسام، نراه يلتصق بالكرسي اكثر وأكثر ويرقص بصولجان الحكم والفروسية زهوا على رؤوس الحشود.
نفس كلام الالتصاق بالكرسي حتى الموت يقال عن كل الجمهوملكيات العربية: من موريتانيا الى ليبيا واليمن ومن سوريا الى مصر والسودان. إلا العراق الديمقراطي الجديد ولبنان!
فلبنان رغم كل مساوئ نظامه الطائفي يبقى الدولة العربية الديمقراطية التي عندما تنتهي مدة رؤسائها يتركون الكرسي عن طيب خاطر لغيرهم ويذهبون إلى بيوتهم ليرتاحوا من تعب الحكم.
حتى أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما اغتيل كان قد استقال من رئاسة الحكومة، حيث جلس عليها عمر كرامي ومن ثم ميقاتي واليوم السنيورة وكل ذلك بإرادة الشعب ممثلة بنوابه.
وما يقال عن رئاسة الحكومة يقال عن رئاسة الجمهورية. فهذا اميل لحود رغم كل مساوئه لم يلتصق بالكرسي بعد التمديد وذهب الى بيته، حيث انتَخَب النواب الرئيس الحالي ميشال سليمان بعد مخاض عسير بسبب تدخلات سوريا وايران واذنابهما في لبنان.
وما يقال عن رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية يقال على مجلس النواب أيام العز الديمقراطي من صبري حمادة إلى كامل الأسعد إلى حسين الحسيني، إلا في هذه السوداء الكأداء، حيث يجلس نبيه بري الديمقراطي المزيف طفل سوريا وايران المدلل في لبنان منذ 17 سنة دون أن يوجعه ظهره من كثرة الجلوس والالتصاق. وحتى أنه أغلق البرلمان أكثر من سنة ونصف خدمة لأسياده في سابقة تاريخية لم تحدث في تاريخ الشعوب.
وإلى الذين ينتقدون الديمقراطية اللبنانية في نقطة الوراثة السياسية شططا نقول: أن زعماء ورؤساء ووزراء ونواب البلاد يخضعون كل أربع سنوات إلى انتخابات تنافسية تفرض نفسها عليهم وتحجمهم أحياناً ومنهم من يفشل.
فالزعيم كمال جنبلاط فشل في الحصول على مقعد نيابي مثلاً في الستينيات في الشوف، ولائحة الزعيم صائب سلام اخترقها نجاح واكيم عام 72 في بيروت، وأيضاً حدث نفس الشيء للائحة رشيد كرامي التي اخترقها عبد المجيد الرافعي في طرابلس. هذا كان يحصل قبل أن يُفْسِدَ النظام السوري ومخابراته الانتخابات الديمقراطية النزيهة ويحولوها إلى ورشات محادل وجرافات، تجرف الشعب اللبناني الى الاتجاهات التي يريدها الباب العالي.
إلا أن انتخابات عام 2005 أعادت النزاهة إلى الديمقراطية اللبنانية.
ومن نتائجها التي يجب أن يعرفها المنتقدون:
أن حفيد رئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية فشل في الحصول على مقعد نيابي في عقر داره. فأين هي الوراثة السياسية؟
وأن حفيد رئيس الجمهورية السابق كميل شمعون فشل أيضا في الحصول على مقعد نيابي في عقر داره. فأين هي الوراثة السياسية؟
وأن وريث عائلة كرامي ورئيس الوزراء السابق عمر كرامي توقع معاقبه الطرابلسيين له لتبعيته لنظام الأسد فلم يتقدم للانتخابات خوفا من الفشل. فأين هي الوراثة السياسية؟
وأن وريث الأمير مجيد أرسلان ابنه طلال فشل في الحصول على مقعد انتخابي في عقر داره في الجبل. فأين هي الوراثة السياسية؟
وحتى أن رئيس الجمهورية السابق امين الجميل فشل في الحصول على مقعد انتخابي في عقر داره ايضا كان لإبنه الشهيد بيار.
فأين هي الوراثة السياسية؟
هذا مع العلم أن الفشل في الحصول على مقعد انتخابي يعني أن الشعب خذله ولكن لا يعني أنه لا يستطيع متابعة العمل السياسي والشعبي تحضيرا للجولة القادمة.
لا بد من التذكير على أن كل ديمقراطية في العالم لها خصوصياتها وتقاليدها. فلا الفرنسية تشبه البريطانية، ولا الألمانية تشبه الأمريكية، ولا الكندية تشبه الماليزية، ولا اللبنانية تشبه السويسرية.
ومن خصوصيات الديمقراطية اللبنانية وجود عائلات سياسية تاريخية عريقة لها جذور شعبية طبيعية وليست مفروضة على الشعب، وهي جزء من المجتمع ولا يستطيع الإنسان قطعها او نفيها.
المهم ان هذه العائلات خاضعة لنظام التنافس الديمقراطي النزيه وكما رأينا تنجح وتفشل.
وهناك عائلات سياسية تقليدية، كانت تحكم البلد. والآن، لم يعد لها دور كبير على المسرح السياسي. كما كان لها سابقا:
كعائلة الصلح وكرامي وسلام وادة والحكيم والاسعد وحمادة والدويهي والخوري .... الخ.
ونجد ان هناك عائلات جديدة ظهرت على المسرح السياسي كالحريري وبري ونصر الله وعون والصفدي ولحود ... الخ.
أما بالنسبة لعائلة الحريري فسعد لم يرث والده فالوريث هو بهاء. الا ان بهاء لم يرغب في العمل السياسي. فهب الشيخ سعد شابا يقارع في انتخابات عام 2005 كبار القوم وينتصر عليهم في انتخابات تنافسية ديمقراطية نزيه. الشيخ سعد فُرضت عليه السياسة وفُرض عليه أن يقود مشروع رفيق الحريري في قيامة لبنان. انها المسؤولية السياسية والوطنية وليست الوراثية. كما ورث بشار الأسد والده حافظ.
ولولا حماقة بشار الوريث ورعونته في فرض التمديد للحود تحدياً لإرادة الشعب اللبناني والإرادة الدولية، والذي أدى إلى القرار 1559، وإنبثاق فَجر انتفاضة الاستقلال، لما زالت القوات السورية في لبنان.
ولو أن النظام السوري طبق اتفاق الطائف عام 91 الذي رعاه يومها مع السعودية، لما حصلت كل هذه المصائب والاغتيالات في لبنان، ولما ارتفع سيف المحكمة الدولية على رؤوس قادة نظام دمشق.
الجزء السادس والاخير سأعالج فيه موضوع الطائفية السياسية. يتبع!