الخميس، مارس 05، 2009

الأولوية لنيل الحقوق وليس لحقائب الفلوس

راسم عبيدات

.......من الواضح جداً أن ما يريده الغرب وأمريكا،هو التعامل مع القضية الفلسطينية على أساس أنها قضية إنسانية واغاثات ومساعدات،وليس قضية شعب يريد نيل حقوقه وإقامة دولته المستقلة كباقي شعوب المعمورة،وهذا لمسناه ليس من خلال مؤتمر شرم الشيخ وحجم المساعدات التي وعد بتقديمها لإعادة أعمار قطاع غزة،بل ومنذ ما سمي بمؤتمر أنابوليس للسلام ومن بعدها خطة "بلير" الاقتصادية،وانتهاء بتصورات وأفكار"نتينياهو" زعيم حزب الليكود ورئيس الوزراء المتوقع للحكومة الإسرائيلية القادمة،والذي يختزل حقوق الشعب الفلسطيني في تحسين الظروف الاقتصادية للشعب الفلسطيني،دون منحه أية حقوق وطنية.

وما كشف عنه مؤتمر شرم الشيخ وكذلك المواقف الأوروبية والأمريكية من الحوار الوطني الفلسطيني،يدلل بشكل قاطع على استمرار الاصطفاف الأمريكي- الأوروبي الغربي حول المواقف الإسرائيلية،وما يريدونه هو استسلام فلسطيني كامل واستجابة للشروط والإملاءات الإسرائيلية فيما يتعلق بالعملية السلمية،فأمريكا وعلى لسان وزير خارجيتها"هلاري كلينتون" أعلنت أن الحوار الفلسطيني سيكون بدون معنى ونتيجة إذا لم يشتمل على التزام حماس بشروط الرباعية والاتفاقيات السابقة والاعتراف بإسرائيل،وكذلك الأوروبيين قالوا وعلى لسان أكثر من مسؤول لهم بأنهم لن يتعاملوا مع أي حكومة تتمثل فيها حماس،أي تدخل سافر ووقح في الشأن الفلسطيني،حتى أن"نتينياهو" قال بأنه يتحفظ على أن تمر أموال الأعمار عبر السلطة الفلسطينية قبل وقف الصواريخ.

من الواضح أن أمريكا وأوروبا الغربية،تريدان استثمار أموال أعمار غزة والتي دمرت بفعل الأسلحة الأمريكية الصنع،لتحقيق جملة من الأهداف السياسية،يقف في مقدمتها العمل على استمرار حالة الانقسام الفلسطيني بشقيها السياسي والجغرافي ،وبما يبقي الوضع الداخلي الفلسطيني في حالة من الضعف والتآكل،وبما يمكن إسرائيل من الاستمرار في ممارساتها وإجراءاتها على الأرض،ويلغي أية إمكانية واقعية لحل الدولتين أو أسطوانة الرئيس الأمريكي الأسبق"بوش" المشروخة عن الدولة الفلسطينية القابلة للحياة،وما يجري على الأرض خير دليل وشاهد على ذلك،ويجعل الدعوة لاستمرار المفاوضات ضرب من العبثية،بل ويشكل خدمة مجانية وغطاء وخدمة للاحتلال في إجراءاته وممارساته وإضرار فادح بكل حقوق شعبنا وثوابته،وأي مفاوضات هذه الذي يستمر الطرف الفلسطيني بالدعوة والتشبث لها وبها؟،والحكومة الإسرائيلية القادمة بقيادة أحزاب اليمين أعلنت أنه لا وقت مستقطع لديها،وستبدأ بتنفيذ برامجها وخططها بتكثيف الاستيطان وعمليات التطهير العرقي،حيث الطرد والترحيل الجماعي يتهدد سكان القدس العربية،والمخطط يشمل طرد وترحيل وتهجير أحياء بكاملها كما هو الحال في حي البستان في سلوان،حيث يتهدد خطر الطرد والترحيل والهدم أكثر من 1500 فلسطيني وهدم أكثر من 90 بيت،وكذلك تم تسليم 55 عائلة فلسطينية في منطقة شعفاط / رأس خميس أوامر هدم لمنازلهم وطبعاً ودون أن تحرك أمريكا وأوروبا ساكناً تجاه ذلك،وحتى جولة العلاقات العامة لقناصل وسفراء الدول الأوروبية لحي البستان اعتذر عنها السفير الأمريكي،وكذلك عندما تعلن إسرائيل عن نيتها إقامة 73000 وحدة سكنية في الضفة الغربية،لم نرى الاستنفار الأمريكي والغربي والمطالبة من إسرائيل بشكل حازم بضرورة التوقف عن مثل هذه الممارسات والتي لا تغلق فقط أي نافذة للسلام بل وتقتلها،في حين استغلت أمريكا وأوروبا مؤتمر شرم الشيخ المخصص لأعمار غزة لكي تعلن دعمها المطلق لإسرائيل،وتشن حملة شرسة على المقاومة الفلسطينية وتدعوها للاستسلام الكامل،حتى أن"ساركوزي" كان همه الأساسي هو مصير الجندي المأسور و"الحمل الوديع جلعاد شاليط" وضرورة الإفراج الفوري عنه،والمأساة هنا أن الطرف الفلسطيني الحاضر للمؤتمر،لم يرد على ذلك بالدعوة لإطلاق سراح أحد عشر ألف أسير فلسطيني ،العشرات منهم دخلوا كتاب"غينس" للأرقام القياسية والمخجل والمهين أنه عندما يتحدث "ساركوزي" عن أن الجندي المأسور"شاليط" يحمل الجنسية الفرنسية،فهناك أسير فلسطيني مناضل محكوم بالسجن سبع سنوات في السجون الإسرائيلية،لم يكن لا بلباس عسكري ولا في دبابة،بل قاوم الاحتلال بعمل عنفي وجماهيري،لم يأتي على ذكره "ساركوزي" ولم يقلق لمصيره،كحال الطرف الفلسطيني والذي عدا أنه لم يرد على"ساركوزي"بل ربما لا يعرف أن هناك أسير فلسطيني يحمل الجنسية الفرنسية،وهو معذور "لكثرة همومه ومشاغله".

إننا ندرك حجم حاجة الناس في القطاع إلى إعادة أعمار ما دمره الاحتلال،حيث يعيش الناس ظروف غاية في المأساوية،ولكن هذا الأعمار يجب أن لا يكون مصدر لتعميق خلافاتنا الداخلية والاستثمار السياسي ،والمطلوب هو ضرورة تعاون الجميع في سبيل المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني،وإيجاد أفضل وأقصر الطرق التي تساهم في دوران عجلة الأعمار بشكل سريع،وعدم تسيس عملية الأعمار تلك وبدون أي إهمال أو تجاهل لأحد،أو رهن ذلك بنتائج الحوار أو الاشتراطات الأمريكية- الأوروبية.

وكذلك في ظل الاصطفاف الأمريكي- الأوروبي الغربي خلف أولوية المطالب والاحتياجات الأمنية الإسرائيلية على حقوق الشعب الفلسطيني واستمرار محاصرته وتجويعه،يجب العمل ومن خلال الدول العربية مجتمعة على رفع الحصار عن شعبنا الفلسطيني وممارسة ضغوط جادة وفعالة على إسرائيل من أجل فتح المعابر،وهذا لن يتأتى إلا من خلال استخدام كل الإمكانيات والطاقات العربية في هذه المعركة،معركة يجب أن تكون فيها لغة المصالح حاضرة،وإفهام أمريكا وأوروبا الغربية بأن استمرار اصطفافهم الأعمى خلف إسرائيل،سيكلفهم الكثير من خسارة مصالحهم في المنطقة،وليس هذا فقط،بل والتفكير بشكل جدي وعملي بوقف خيار المفاوضات العبثية،والاستعاضة عنه بالتلويح بورقة المقاومة بكل أشكالها وأنواعها كشكل بديل لنيل الحقوق واستعادة الأرض، فما هو منظور وواضح من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية"كلينتون" وقادة الإتحاد الأوروبي،انه لا رهان على تغير في السياسة الخارجية الأمريكية،وحسب المأثور الشعبي"الكلب أخو السلك"،وأي تغير جدي في السياسة الأمريكية الخارجية منوط ورهن بالتغيرات في العالم العربي نفسه،ومن خلال استعادة قراراه السياسي المغتصب،ووقف عملية خصي الخيار العسكري،واستخدام المال والقدرات الاقتصادية في المعركة،وإطلاق يد المقاومة ودعمها ومساندتها بكل الطرق والوسائل،وما دون ذلك لن يقودنا إلا نحو المزيد من العجز والانهيار،ولن يكون رأس المقاومة هو الوحيد المطلوب،بل ستكون الدائرة على الزعامات العربية الواحد تلو الأخر،والتي لن يكون البشير أولها ولا آخرها.

فلسطين - القدس

ليست هناك تعليقات: