عبـد الكـريم عليـــان
سألتني : لماذا توقفت عن الكتابة؟ حيث أننا بحاجة إلى الكلمة الصادقة، والفكرة الصائبة، فأجبت : ما جدوى الكتابة إن أصبح جل الناس مغيبون بالنصر؟ وما جدوى الأفكار الواقعية إذا توج النصر بكرامات وأساطير يبثونها من على منابر الله، وفضائياتهم الكثيرة؟! فقالت: وهل أنت غير مؤمن بذلك..؟ قلت: أنا أؤمن بما أحس به وأبصره.. فقالت: كيف سترى وتحس وأنت لست بين المجاهدين المحاربين في أرض المعركة؟ قلت: بل أنني أر وأحس بكل شيء، وأتابع ما يدور بدقة متناهية.. صارت الدبابات على مقربة أمتار من المخيم، وكذلك وصلت إلى داخل أحياء من غزة والطائرات لم تترك مكانا إلا واستهدفته، والزنانات (طائرات الاستطلاع وهي بدون طيار، طور نوع منها لإطلاق صواريخا محدودة لتغتال بها أبناءنا، وسميت كذالك لصوتها الذي لم يتوقف عن الزّن..) تصور وتتابع كل حركة على الأرض، وكذلك سيطرت التكنولوجيا عل شبكة الجوال؛ فأصبحت خطوط العوام مغلقة، ما عدا خطوط المجاهدين والعاملين في الشأن العسكري والسياسي.. ولم أسمع عن معركة حقيقية تدور رحاها في أرجائنا كي ألتحق بها، والمجاهدين انسحبوا إلى البيوت ينتظرون معركة الشوارع. قالت: أنت تقول ذلك لأنك ضد حماس، فقلت: صحيحا، لأنها لا تحمل مشروعا وطنيا لشعبنا.. يا إلهي كيف لي أن أفسر لها ذلك..؟! ماذا أقول لها؟ كيف سأشرح لها أهداف حماس وأيدلوجيتها؟ أسعفتني فكرة طازجة حيث كان إسماعيل هنية قد ألقى خطابا مسجلا في أثناء العدوان وسمعت هي ذلك الخطاب، فقلت لها: ماذا كانت مطالب حماس سوى فك الحصار وفتح المعابر؟ هل قضيتنا الفلسطينية صارت معابر لدخول الموز والفواكه الإسرائيلية؟ وهل كان علينا أن ندفع كل ذلك الثمن..؟ أين غابت قضية الدولة واللاجئين والقدس؟ وإذا كانت حماس تؤكد في كل مرة أنها لن تعترف بإسرائيل فلماذا تريد معابرا معها؟ ولماذا تريد هدنة طويلة لا أحد يعرف لما ستؤول؟ هل سيكون لهذه الهدنة ما سيمكننا من استعادة حقوقنا؟ كيف ذلك..؟
الأبناء باتوا منهمكين ومنبهرين بصور لإطلاق الصواريخ الكاذبة التي تبثها الأجهزة الإعلامية لفصائل المقاومة..! ولا شيء يعنيهم سوى مشاهدة أفلام الرعب والسوبرمان التي تبثها الفضائيات العربية والعبثية.. وأصبحوا يهربون من البرامج الإنسانية والثقافية، وإذا قلت لهم يا أبنائي إن ذلك لا يفيدكم فلا أحد منهم يستجيب لندائك، وإذا ما تذاكيت وحاولت السيطرة على التلفزيون وفرضت عليهم أن يشاهدوا فيلما ثقافيا، أو عاطفيا فإنهم يهربون ويهزؤون منك؛ فعالم الحداثة لديهم هي أفلام الآكشن وصور الرعب والثأر التي تبثها التلفزيونات المؤدلجة والغير واقعية في تناولها للأحداث.. يا إلهي! توقفوا عن التعلم وصارت مهمات التربية صعبة وشاقة للمدرسة والبيت معا.. صارت حياتهم عبثية بدون هدف، أو معنى.. ستنتهي الحرب وتضع أوزارها بدون أن نتمكن من تنفيذ برامجا وأنشطة تعيد إعمار غزة، ونقصد النفس الإنسانية لأهلنا، وأبنائنا..
بعد انتهاء العدوان الشرس على غزة انتابتني حالة من القلق وعدم الاستقرار إضافة إلى العصبية والانفعال السريع من أبسط الأشياء مما سببت لي هذه الحالة كثيرا من المشاكل مع الناس والأصدقاء، خاصة مع زوجتي وأبنائي.. خفت من أن تستمر هذه الحالة لتصاحبني ما تبقى لي من الحياة وبالطبع هذا غير لائق لي وغير ملائم لرجل كبير السن يحب أن تنتهي حياته ويكون حلمه قد تحقق ويفرح إن تأكد أن أبناءه سوف يعيشون مستقبل أفضل.. قررت أن أزور الطبيب حتى يصف لي دواء شافيا يعافيني من حالة القلق والانفعال السريع.. سألني الطبيب عن مشكلتي حيث لم يظهر على ملامحي علامات للمرض؟ احترت في الرد، لكنني لا أعرف كيف طلبت منه أقراصا، أو عقارا يمنعني عن الحكي..؟ استغرب الطبيب طلبي وأعاد السؤال كي يتأكد من إجابتي العجيبة والغير مألوفة.. بعدما تفقد الغرفة إن كان يتواجد بها أحد غيرنا؟ فأعدت الإجابة مؤكدا بأنني بحاجة لعقار يمنعني عن الحكي.. تعجب الطبيب مرة أخرى، وسألني لماذا؟ فقلت له: يا سيدي أنا تعبت من حالتي حيث لا يمكنني الصمت، لكن لم يعد أحد يفهمني؛ فإن قلت لزوجتي غربا تعاكسني شرقا، وإن قلت لأبنائي بأن يتجهوا شمالا؛ فإنهم يتجهون جنوبا.. وإن تحدثت مع الناس في أمورنا؛ فسوف أفقد ساقيا.. أليس الأجدر بي أن أتناول أقراصا لمنع الحكي..؟!
عضو صالون القلم الفلسطيني
Elkarim76@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق