د. اميل قسطندي خوري
عندما كنت اقيم في الولايات المتحدة الاميركية، كان معارفي من الناس يسالونني من اين بلد انا. فعندما كنت اجيبهم قائلا انني من الاردن، كانوا يقولون لي بدهشة واضحة ومغلفة بابتسامة عريضة تعلو وجوههم: اه! الملك حسين!!! انه بالحقيقة لرجل طيّب Oh! King Hussein!!! He's really a good man.
كان وقع هذه الكلمات على قلبي قبل وقعها على اذنيّ كالنسيم العليل الذي يجري في العروق فينعش الجسد كله. وكنت كلما ترددت اصداء هذه الكلمات في اذنيّ امتليء فخرا وانتشي زهوا واشعر بحنين غامر الى ارض الوطن يسري في شراييني كالنار في الهشيم، منتظرا بفارغ الصبر اليوم الموعود الذي ساعود فيه الى بلد الحسين رحمه الله واسكنه فسيح جناته وكلي اشواق واماني الى لقاء هذا الرجل العظيم يوما ما. تحققت امنيتي هذه بفضل الله سبحانه وتعالى عندما تشرفت بلقاء جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في احدى الفعاليات الوطنية الثقافية، فكان اللقاء عظيما بقدر عظمة الحسين وهيبته ووقاره. سنوات عديدة مضت على ذلك اليوم وما زالت الذكرى العطرة لتلك المناسبة الطيبة محفورة في القلب، تعيش في صميم الوجدان، وتزداد عظمة على عظمة يوما بعد يوم.
كان زملائي من الاميركيين وغيرهم من جنسيات اخرى سواء على مقاعد الدراسة او في مجالات العمل قد سمعوا عن الاردن وعرفوا عنه الشيء الكثير من خلال الراحل الكبير طيب الله ثراه، هذا الرجل الانسان الذي حمل بلدنا بصورته المشرقة وسمعته الطيبة الى جميع انحاء بقاع العالم، وجعل منه اسما كبير الشان رفيع المقام، وعزز من مكانته الرفيعة في جميع المحافل الدولية، ووضعه في مصاف الدول الكبرى والمعتبرة على خارطة العالم باسره. فبحنكته الفريدة ورؤيته الثاقبة وشخصيته الكاريزمية الجذابة التي احبها الجميع في كل ارجاء المعمورة، استطاع جلالة الملك الحسين رحمه الله سبحانه وتعالى ان يجعل من الاردن صرحا منيرا للعلم ودارا معطاء للثقافة ومرتعا حضاريا للمدنيّة المعاصرة وبلدا امنا مستقرا يؤمّه القاصي والداني واحة امان وراحة للقلب والروح والفكر والجسد.
كان جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه واحدا من كبار وعظماء القياديين التحويليين transformational leaders امثال مارتن لوثر كينج الصغير وجون فيتزجيرالد كنيدي وماهاتما غاندي ونيلسون مانديلا وغيرهم، الذين يعرف عنهم شغفهم الواسع بالتغيير الدائم والتحسين المستمر وحبهم الجم للتحديث والتجديد والتفوق والتميز والابداع في جميع مناحي الحياة سياسية كانت ام اجتماعية ام ثقافية ام علمية ام اقتصادية ام تنموية. فقد كان جلالة المغفور له باذن الله سبحانه وتعالى شديد الايمان والقناعة بالدور المحوري للتثقيف الشمولي holistic culturalization في صناعة مستقبل واعد ومشرق للاردن، وذلك من خلال اتاحة كل الامكانات اللازمة وتوفير وتامين كافة الموارد الضرورية لاعلاء البنيان وتسليح وطننا الحبيب بالعلم والثقافة والتكنولوجيا المتقدمة والفنون والاداب وكل ما هو مظهر من مظاهر المجتمع الانساني المتحضّر civilized societyالذي من شانه ان يزيد من الاردن رفعة وتقدما ورفاها.
كما عرف عن جلالته رحمه الله سبحانه وتعالى دعمه المتواصل للانفتاح الكلي على الاقتصاديات الاقليمية والعالمية، وذلك من خلال وضع الاستراتيجيات المناسبة والبرامج الاقتصادية التحفيزية اللازمة التي سعت جاهدة الى جذب واستقطاب الاستثمارات البينية العربية والاجنبية المباشرة وغير المباشرة للاردن باعتبارها ركيزة لوجستية ذات دور اساسي في بناء اقتصاد وطني قوي وتحقيق مستوى افضل من النمو والرخاء الاجتماعي، الامر الذي من شانه ان يرتقي بمستوى معيشة المواطن الاردني الذي احبّه الحسين من صميم قلبه وكان يجهد دائما في العمل المستمر وبدون كلل على راحته وطمانينته، تجسيدا لمقولته الشهيرة "الانسان اغلى ما نملك".
وعرف كذلك عن الملك الحسين رحمه الله عز وجل تشجيعه الدائم على تكريس ثقافة الحريات المدنيّة وحقوق الانسان، وتجذير اسس الديموقراطية، وتعزيز مباديء التعددية السياسية وحرية الراي والتعبير، وترسيخ قيم المحبّة والعدل والتسامح والوسطية والاعتدال، والعمل المتواصل الدؤوب على تحقيق الامن وارساء قواعد السلام والاستقرار في كل مكان. وقد اولى جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه ايضا جلّ اهتمامه لبناء الدولة الاردنية الحديثة من خلال بناء قدرات الشباب الاردني واطلاق طاقاتهم المبدعة وتدريبهم وتأهيلهم لحمل راية الاعمار واستكمال مسيرة البناء والعطاء، ودعم الصناعات الاردنية بكافة انواعها واشكالها التي تمثل الوجه الانتاجي والتصديري لحضارة الاردن وازدهاره الاقتصادي، ودعم جميع مجالات الحياة الانسانية كالانفتاح الفكري والعلمي على حضارات العالم الاخرى والتقارب الحضاري والتبادل الثقافي بين الدول.
عندما نتكلم عن الراحل الكبير الملك الحسين رحمه الله عز وجل، فان الكلمات تقف عاجزة عن وصف هذا الانسان العظيم. واذا لم تسعفنا الكلمات فبخواطر بسيطة نقول: انت في القلب يا حسين .. وستبقى دائما وابدا رجلا عظيما لا يُنسى. واذا كان التاريخ قد صنع رجالا تشهد لهم الشعوب والامم، فيكفينا فخرا انك انت قد صنعت تاريخا عريقا ينفرد بشخصك، تاريخا فريدا ومتفرّدا لا يشرف الاردنيين كلهم فحسب، بل البشرية والانسانية جمعاء. لقد كان الاردن في عهدكم الميمون واحة امان واستقرار ينعم فيه ابناؤه بالحياة الكريمة، وسيظل هذا الوطن العزيز على قلب كل اردني وعربي باذن الله تعالى بيتا هنيئا وحضنا دافئا للجميع في ظل حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه وادام عرشه وصان تاجه، داعين الله العلي القدير ان يحفظ جلالته ذخرا وسندا للاردن وللامتين العربية والاسلامية.
لقد جعلتنا يا حسين، ومن بعدكم سيد البلاد وقائدنا المحبوب ابا الحسين، فخورين باننا اردنيون .. ولو لم نكن .. لوددنا ان نكون .. نعم .. لوددنا ان نكون.
_________________
dekh@myway.com
عمان – الاردن
الخميس، مارس 19، 2009
الحسين .. رجل عظيم لا يُنسى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق