عطا مناع
لا يجوز التعامل مع القضايا الجليلة بطريقة كاريكاتيرية تفقدها مضمونها وتبهت حضورها، ولا يصح أن نسطح واقعنا ونخفي رؤوسنا في الرمال ونقول أن الدنيا بخير وكأننا بهذا السلوك نزيل عن كاهلنا وزر الممارسة الوطنية التي يفترض أن ترتقي لحجم المخاطر التي تتهدد جذورنا كفلسطينيين.
وما بين ركاكة الشعار وبؤس الممارسة تختلط الألوان وتبهت الصورة لنتورط في العادية المملة التي عودونا عليها، عادية تجند كل الطاقات للإفراد وتستبعد القضايا كما هو حال القدس المنكوبة ثقافيا وديمغرافيا، القدس التي تتعرض لهجمة لم يشهدها تاريخ الصراع مع الصهيونية العالمية واذرعها الاقتصادية التي جندت مليارات الدولارات لسحقنا والاستيلاء على تاريخنا.
جميل أن يعلن عن القدس وبعد عمليات الذبح المستمرة لكل ما فيها من حجر وبشر وثقافة بأنها عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 ، هذا الإعلان الذي أثار النخبة الفلسطينية والعربية وبات كما القشة التي يتمسكون بها هربا من البيروقراطية والموسمية الكفاحية التي أعطت دفعة قوية للبلدوزر الإسرائيلي لدوس تاريخها وحضارتها.
أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية لا يعني أن نشحذ أقلامنا ونكتب معلقات الغزل فيها، وان نتوجه بعيوننا للقدس لا يعني أن ننظم المؤتمرات والمهرجانات ونصدر البيانات ونطلق المسابقات، صحيح أن كل ما يعمل من اجل القدس وفلسطيني يترك أثرة الايجابي على مجمل الفعل الهادف والمتعاطف مع القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية القادمة لا محالة.
إن القدس بحاجة لمنظومة عمل غير موسمية تجد ترجمتها على الأرض في مكافحة عمليات التهويد والاعتداء على المقدسات وتفريغ أحياءها القديمة من سكانها الأصليين، ولا يعقل أن نسير ضد التيار والتفكير العلمي من خلال إقناع أنفسنا بأننا بهذه نعطي القدس حقها بان نعلن أنها عاصمة الثقافة العربية والاكتفاء بالقليل الذي لن يسمن من جوع القدس للتضامن الحقيقي المتمثل بوقفة جادة تشمل دعم حقيقي لكافة الميادين لإحداث نهضة حقيقية تؤسس لأسباب الصمود في وجه دولة الاحتلال.
حال القدس كحال عموم فلسطين، فلسطين التي نفض النظام العربي الرسمي يده منها وتركها لقمة صائغة للإجراءات الإسرائيلية التي مهدت للرأسمال الصهيوني السيطرة على كل متر فيها كان تحت الأرض أو فوقها، وما أوامر هدم المنازل في القدس ومحيطها إلا دليل واضح على المخطط الإسرائيلي الذي يستهدف تفريغها من سكانها والسيطرة على كل شبر فيها.
القدس التي ننادي بها عاصمة للثقافة العربية تطمس وتهود مع كل صباح، وفي القدس يعلو صوت الجرافة الإسرائيلية على صوت الأذان وأجراس كنائسها، والمحظوظون من أبناء فلسطين الذي يدخلون القدس يستطيعون وبدون تدقيق أدراك الكارثة التي تقل كاهل عاصمة الفقراء، فأسواقها شاحبة يبتلعها الكساد الاقتصادي، وسكانها يكافحون من اجل الحياة والحفاظ على سقف يحميهم في ظل أوامر الهدم المتكررة ومنه البناء وحتى ترميم ما هو قائم، والسياحة في القدس في تراجع مستمر لصالح المشاريع الصهيونية المدعومة من الصهيونية العالمية التي تخطط لتفريغ المدينة المقدسة من سكانها المثقلون بالضرائب الباهظة التي تفرضها دولة الاحتلال.
تحتاج القدس لاكثر من اقامة الافراح والليالي الملاح والمكرمات الرئاسية التي لا تسمن وتغني من جوعها أمام مليارات الدولارات التي تضخها الصهيونية العالمية لتهويدها، والاكيد حتى تتعافى القدس التي ينادي الفلسطينيون بانها عاصمتهم السياسية والعرب عاصمتهم الدينية يتوجب عليهم ربط الشعار بالممارسة والا فقد هذا الشعار محتواة، والواضع وضمن السياسة العربية الرسمية تجاة القدس فان عام 2009 سيكون كارثي على الفلسطينيين والقدس بشكل خاص.
الجمعة، مارس 20، 2009
القدس عاصمة الفقراء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق