صبحي غندور
هي مصادفة رمزية سلبية أن تكون القدس "عاصمة الثقافة العربية" لهذا العام في حين لا يزال الاختلاف ما بين المرجعتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة قائماً حتى الآن. هذا الاختلاف الذي وصل إلى حدّ تفاصيل كيفية الاحتفال بمعاني أن تكون "القدس عاصمة للثقافة العربية". فالقدس (كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة) هي أصلاً، منذ ما يزيد عن الأربعين عاماً، تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولن تستطيع أيٌّ من المرجعتين الفلسطينيتين أن تقيم احتفالاتها على أرض القدس المحتلة بحرّية وبشمولية، ورغم ذلك اختلفت "الحكومتان" على كيفية الاحتفال!. لكن الرمزية الإيجابية في اختيار القدس من قِبَل وزراء الثقافة العرب هي في تأكيد عروبتها بمواجهة محاولات تهويدها ونزع طابعها العربي المميّز والمهم دينياً وثقافياً وسياسياً للعرب المسلمين والمسيحيين جميعاًً.
إنّ حال الثقافة العربية الآن هو كحال القدس بالنسبة للمعنيين بالحفاظ عليها. فالثقافة العربية أيضاً تتهدّدها مخاطر "الاحتلال" و"نزع الهويّة العربية" بينما تعاني الحكومات العربية من صراعات وخلافات تنعكس سلباً على كلِّ المشترَك بين العرب، وفي مقدّمته الثقافة العربية.
القدس تجاوزت أهميّتها أبعاد المكان فقط، فهي رمز لتاريخ وحضارة ورسل ورسالات سماوية. كذلك هي الثقافة العربية أيضاً، التي لها أبعادها الحضارية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين العرب، كما للغتها العربية مكانة مقدّسة لعموم المسلمين في العالم.
فلقد كان للعرب ثقافة خاصة بهم قبل ظهور الدعوة الإسلامية، لكن وجود هذه الثقافة كان محصوراً جغرافياً في إطار البقع السكانية التي تتحدّث اللغة العربية. وكانت طبيعة هذه الثقافة تتّصف بما كانت عليه القبائل العربية من سمات وخصائص. أمّا بعد ظهور الدعوة الإسلامية، فإنّ الثقافة العربية أخذت مضامين جديدة حملها الإسلام بحكم نزول كتاب الله الحكيم باللغة العربية، وأيضاً من خلال بدء الدعوة وانتشارها عبر روّاد عرب حملوا الرسالة إلى بقاع عديدة في العالم، لا توجد فيها قبائل عربية ولا يتحدّث أهلها باللغة العربية .
وفي ذلك الحدث التاريخي، خرجت الثقافة العربية، من الدائرة العنصرية (الخاصّة بالعرب) إلى الدائرة الحضارية (الخاصّة بمضامين الدعوة الإسلامية). أيضاً من نتائج ذلك أنّ الثقافة العربية خرجت من دائرة التعريف بها وجوداً، إلى موقع متميّز دوراً، ارتبط ويرتبط بلغة القرآن الكريم.
وهذه علاقة خاصّة جداً بين الثقافة العربية والدعوة الإسلامية، تتميّز بها الثقافة العربية عن غيرها من الثقافات العالمية، بما في ذلك الثقافات المنضوية تحت الإسلام وحضارته.
وهذه العلاقة الخاصّة بين الثقافة العربية كإطار وبين الحضارة الإسلامية كمضمون، وإن كانت تعني تمييزاً لا تمايزاً عن باقي الثقافات في العالم الإسلامي، لكنّها أيضاً تعني دوراً مميّزاً لها ولِمن ينتمون إليها (أي العرب)، ففي الحفاظ على الثقافة العربية ولغتها، حفاظ على لغة القرآن الكريم وتسهيل لفهمه الصحيح ولاستيعاب مضامينه.
لكن الثقافة العربية، كغيرها من ثقافات العالم، يندمج فيها عبر حركة الزمن، الصالح والطالح معاً، وتكون مهمّة القائمين على هذه الثقافة والحاملين لها، إجراء عملية الفرز بين ما هو إيجابيّ في الأصل وبين ما هو سلبيّ في الإلحاق.
فالثقافة العربية، كغيرها من الثقافات أيضاً، يرتبط تأثيرها بدور الجماعة البشرية التي تنتمي إليها.
فحينما كان العرب ينشرون الدعوة الإسلامية، كانوا يتميّزون بأنهم حملة رسالة حضارية للعالم أجمع، ليس من أجل نشر ثقافتهم العربية الخاصّة أو اللغة العربية، بل في سبيل المضمون الذي حملته هذه الثقافة/الوعاء في كتاب كريم وقيم ومبادئ حضارية وخلقية، فانتشرت الثقافة العربية – أو في الحدّ الأدنى اللغة العربية – حيث انتشرت الدعوة الإسلامية.
ونجد في التاريخ أيضاً ما هو تأكيد على هذه المسألة حول الترابط بين دور الثقافة ودور الجماعة المنتمين إليها، وذلك من خلال مثال انتشار اللغة الإنجليزية إلى مشرق الأرض ومغربها حين كانت بريطانيا "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". فقد ارتبط انتشار اللغة الإنجليزية بمقدار انتشار سيطرة وهيمنة الشعب الإنجليزي على مناطق عديدة في العالم.
واليوم، وبعد عشرات السنين من التحرّر من الاستعمار البريطاني، ما زالت أستراليا ودول في شرق آسيا وغيرها من الدول شرقاً وغرباً تأخذ بالعادات البريطانية وتقاليدها الاجتماعية، إضافة إلى لغتها الإنجليزية.
فالانتشار الثقافي عالمياً يرتبط بقوّة تأثير ودور الجماعة التي تحمل هذه الثقافة. وذلك قد يتمّ من أجل خدمة رسالة دينية وقيم حضارية (كما كان الحال بين الثقافة العربية والحضارة الإسلامية) أو قد يحصل بفعل مصالح دولية وأسلوب قهري استعماري، كما انتشرت اللغة الإنجليزية سابقاً، واللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية أيضاً في أماكن أخرى من العالم.
واليوم نجد أن انتشار الثقافة الأمريكية (ومن ضمنها اللغة الإنجليزية طبعاً) جعلها هاجساً حتى لدول تنتمي إلى الحضارة الغربية نفسها، لكنها تتمايز ثقافياً عن ثقافة أميركا ولغتها، كما بالنسبة لفرنسا وألمانيا.
إذن، كلّما كان لأيِّ جماعة بشرية أو أمَّة دور فاعل (بمضامين حضارية أو بأساليب هيمنة)، كلّما انتشرت واتسعت ثقافة هذه الأمّة و"تَعَوْلَمت" على مرِّ السنين .
أمّا حال العرب اليوم فهو يسير من سيء إلى أسوأ، وتعاني أمّتهم الآن من انقسامات وصراعات انعكست على الثقافة العربية نفسها، لذا نجد الثقافة العربية مهدّدة الآن ليس من حيث الدور فقط، بل من حيث الوجود الفاعل نفسه.
فالثقافة العربية هي الآن رمز الجامع المشترك بين العرب. والخطر عليها كوجود لم يبدأ فقط مع وجود الاحتلال الأوروبي للمنطقة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بل بدأ مع سقوط الريادة العربية للعالم الإسلامي، وتسلّم السلطة العثمانية لدور كان أولى بالعرب الحفاظ عليه فأخذه منهم الجيش الانكشاري. من هنا كانت بداية تدهور حال الثقافة العربية بغضّ النظر عمّا حملته هده الثقافة (بعد انتهاء دولة الخلفاء الراشدين) من مفاهيم بعضها تناقض أحياناً مع المضمون الأصولي للقيم الإسلامية.
في سياق هذا الموضوع عن الثقافة العربية، أجد أنّ من المهمّ التمييز في المصطلحات بين "الحضارة" و"الثقافة". فقد كان من الخطأ استخدام تعبير "الثقافة الإسلامية" حينما تختار " المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" بعض المدن لتكون "عاصمة للثقافة الإسلامية" إذ الأصح القول "عاصمة الحضارة الإسلامية". فهناك "حضارة إسلامية واحدة" لكن قائمة على ثقافات متعدّدة، ومنها الثقافة العربية التي كان لها - وسيبقى- الدور المميز بالحضارة الإسلامية. فالثقافات تختصّ بشعوب معيّنة بينما الحضارات تشمل أكثر من شعب وثقافة. تماماً كما هو حال الحضارة الغربية اليوم التي تجمع تحت مظلّتها ثقافات متنوعة ولغات مختلفة كالفرنسية والألمانية والأسبانية والإيطالية والإنجليزية والأميركية التي هي في موضع الريادة الآن للحضارة الغربية.
إنّ العالم الواحد له شجرة حضارة إنسانية واحدة تقوم على جذوع حضارات إنسانية متميّزة عن بعضها البعض، ومتفاعلة مع بعضها البعض، تشترك في أشياء وتختلف في أخرى، كما أنّ كلَّ جذع حضاري يحمل أغصان ثقافات قومية متميّزة عن بعضها البعض بخصائص تختلف من أمّة إلى أخرى..
ومهما تقاربت دول العالم في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والإعلامية - وربما أيضاً في سمات الأنظمة السياسية - فإنّ الخصائص الثقافية لكل أمّة ستبقى قائمةً لتلعب دوراً رئيسياً في العلاقات والمصالح، وربما الصراعات، بين الأمم المختلفة على هذه الكرة الأرضية الواحدة.
وكما هو الواجب في الحفاظ على عروبة القدس وتحريرها من الاحتلال العسكري، كذلك هو واجب الحفاظ على "عروبة" هويّة العرب من خلال الحفاظ على "الهويّة الثقافية العربية" و"تحريرها" من أمراض الذات ومن هيمنة "الآخر" .
هي مصادفة رمزية سلبية أن تكون القدس "عاصمة الثقافة العربية" لهذا العام في حين لا يزال الاختلاف ما بين المرجعتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة قائماً حتى الآن. هذا الاختلاف الذي وصل إلى حدّ تفاصيل كيفية الاحتفال بمعاني أن تكون "القدس عاصمة للثقافة العربية". فالقدس (كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة) هي أصلاً، منذ ما يزيد عن الأربعين عاماً، تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولن تستطيع أيٌّ من المرجعتين الفلسطينيتين أن تقيم احتفالاتها على أرض القدس المحتلة بحرّية وبشمولية، ورغم ذلك اختلفت "الحكومتان" على كيفية الاحتفال!. لكن الرمزية الإيجابية في اختيار القدس من قِبَل وزراء الثقافة العرب هي في تأكيد عروبتها بمواجهة محاولات تهويدها ونزع طابعها العربي المميّز والمهم دينياً وثقافياً وسياسياً للعرب المسلمين والمسيحيين جميعاًً.
إنّ حال الثقافة العربية الآن هو كحال القدس بالنسبة للمعنيين بالحفاظ عليها. فالثقافة العربية أيضاً تتهدّدها مخاطر "الاحتلال" و"نزع الهويّة العربية" بينما تعاني الحكومات العربية من صراعات وخلافات تنعكس سلباً على كلِّ المشترَك بين العرب، وفي مقدّمته الثقافة العربية.
القدس تجاوزت أهميّتها أبعاد المكان فقط، فهي رمز لتاريخ وحضارة ورسل ورسالات سماوية. كذلك هي الثقافة العربية أيضاً، التي لها أبعادها الحضارية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين العرب، كما للغتها العربية مكانة مقدّسة لعموم المسلمين في العالم.
فلقد كان للعرب ثقافة خاصة بهم قبل ظهور الدعوة الإسلامية، لكن وجود هذه الثقافة كان محصوراً جغرافياً في إطار البقع السكانية التي تتحدّث اللغة العربية. وكانت طبيعة هذه الثقافة تتّصف بما كانت عليه القبائل العربية من سمات وخصائص. أمّا بعد ظهور الدعوة الإسلامية، فإنّ الثقافة العربية أخذت مضامين جديدة حملها الإسلام بحكم نزول كتاب الله الحكيم باللغة العربية، وأيضاً من خلال بدء الدعوة وانتشارها عبر روّاد عرب حملوا الرسالة إلى بقاع عديدة في العالم، لا توجد فيها قبائل عربية ولا يتحدّث أهلها باللغة العربية .
وفي ذلك الحدث التاريخي، خرجت الثقافة العربية، من الدائرة العنصرية (الخاصّة بالعرب) إلى الدائرة الحضارية (الخاصّة بمضامين الدعوة الإسلامية). أيضاً من نتائج ذلك أنّ الثقافة العربية خرجت من دائرة التعريف بها وجوداً، إلى موقع متميّز دوراً، ارتبط ويرتبط بلغة القرآن الكريم.
وهذه علاقة خاصّة جداً بين الثقافة العربية والدعوة الإسلامية، تتميّز بها الثقافة العربية عن غيرها من الثقافات العالمية، بما في ذلك الثقافات المنضوية تحت الإسلام وحضارته.
وهذه العلاقة الخاصّة بين الثقافة العربية كإطار وبين الحضارة الإسلامية كمضمون، وإن كانت تعني تمييزاً لا تمايزاً عن باقي الثقافات في العالم الإسلامي، لكنّها أيضاً تعني دوراً مميّزاً لها ولِمن ينتمون إليها (أي العرب)، ففي الحفاظ على الثقافة العربية ولغتها، حفاظ على لغة القرآن الكريم وتسهيل لفهمه الصحيح ولاستيعاب مضامينه.
لكن الثقافة العربية، كغيرها من ثقافات العالم، يندمج فيها عبر حركة الزمن، الصالح والطالح معاً، وتكون مهمّة القائمين على هذه الثقافة والحاملين لها، إجراء عملية الفرز بين ما هو إيجابيّ في الأصل وبين ما هو سلبيّ في الإلحاق.
فالثقافة العربية، كغيرها من الثقافات أيضاً، يرتبط تأثيرها بدور الجماعة البشرية التي تنتمي إليها.
فحينما كان العرب ينشرون الدعوة الإسلامية، كانوا يتميّزون بأنهم حملة رسالة حضارية للعالم أجمع، ليس من أجل نشر ثقافتهم العربية الخاصّة أو اللغة العربية، بل في سبيل المضمون الذي حملته هذه الثقافة/الوعاء في كتاب كريم وقيم ومبادئ حضارية وخلقية، فانتشرت الثقافة العربية – أو في الحدّ الأدنى اللغة العربية – حيث انتشرت الدعوة الإسلامية.
ونجد في التاريخ أيضاً ما هو تأكيد على هذه المسألة حول الترابط بين دور الثقافة ودور الجماعة المنتمين إليها، وذلك من خلال مثال انتشار اللغة الإنجليزية إلى مشرق الأرض ومغربها حين كانت بريطانيا "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس". فقد ارتبط انتشار اللغة الإنجليزية بمقدار انتشار سيطرة وهيمنة الشعب الإنجليزي على مناطق عديدة في العالم.
واليوم، وبعد عشرات السنين من التحرّر من الاستعمار البريطاني، ما زالت أستراليا ودول في شرق آسيا وغيرها من الدول شرقاً وغرباً تأخذ بالعادات البريطانية وتقاليدها الاجتماعية، إضافة إلى لغتها الإنجليزية.
فالانتشار الثقافي عالمياً يرتبط بقوّة تأثير ودور الجماعة التي تحمل هذه الثقافة. وذلك قد يتمّ من أجل خدمة رسالة دينية وقيم حضارية (كما كان الحال بين الثقافة العربية والحضارة الإسلامية) أو قد يحصل بفعل مصالح دولية وأسلوب قهري استعماري، كما انتشرت اللغة الإنجليزية سابقاً، واللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية أيضاً في أماكن أخرى من العالم.
واليوم نجد أن انتشار الثقافة الأمريكية (ومن ضمنها اللغة الإنجليزية طبعاً) جعلها هاجساً حتى لدول تنتمي إلى الحضارة الغربية نفسها، لكنها تتمايز ثقافياً عن ثقافة أميركا ولغتها، كما بالنسبة لفرنسا وألمانيا.
إذن، كلّما كان لأيِّ جماعة بشرية أو أمَّة دور فاعل (بمضامين حضارية أو بأساليب هيمنة)، كلّما انتشرت واتسعت ثقافة هذه الأمّة و"تَعَوْلَمت" على مرِّ السنين .
أمّا حال العرب اليوم فهو يسير من سيء إلى أسوأ، وتعاني أمّتهم الآن من انقسامات وصراعات انعكست على الثقافة العربية نفسها، لذا نجد الثقافة العربية مهدّدة الآن ليس من حيث الدور فقط، بل من حيث الوجود الفاعل نفسه.
فالثقافة العربية هي الآن رمز الجامع المشترك بين العرب. والخطر عليها كوجود لم يبدأ فقط مع وجود الاحتلال الأوروبي للمنطقة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بل بدأ مع سقوط الريادة العربية للعالم الإسلامي، وتسلّم السلطة العثمانية لدور كان أولى بالعرب الحفاظ عليه فأخذه منهم الجيش الانكشاري. من هنا كانت بداية تدهور حال الثقافة العربية بغضّ النظر عمّا حملته هده الثقافة (بعد انتهاء دولة الخلفاء الراشدين) من مفاهيم بعضها تناقض أحياناً مع المضمون الأصولي للقيم الإسلامية.
في سياق هذا الموضوع عن الثقافة العربية، أجد أنّ من المهمّ التمييز في المصطلحات بين "الحضارة" و"الثقافة". فقد كان من الخطأ استخدام تعبير "الثقافة الإسلامية" حينما تختار " المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" بعض المدن لتكون "عاصمة للثقافة الإسلامية" إذ الأصح القول "عاصمة الحضارة الإسلامية". فهناك "حضارة إسلامية واحدة" لكن قائمة على ثقافات متعدّدة، ومنها الثقافة العربية التي كان لها - وسيبقى- الدور المميز بالحضارة الإسلامية. فالثقافات تختصّ بشعوب معيّنة بينما الحضارات تشمل أكثر من شعب وثقافة. تماماً كما هو حال الحضارة الغربية اليوم التي تجمع تحت مظلّتها ثقافات متنوعة ولغات مختلفة كالفرنسية والألمانية والأسبانية والإيطالية والإنجليزية والأميركية التي هي في موضع الريادة الآن للحضارة الغربية.
إنّ العالم الواحد له شجرة حضارة إنسانية واحدة تقوم على جذوع حضارات إنسانية متميّزة عن بعضها البعض، ومتفاعلة مع بعضها البعض، تشترك في أشياء وتختلف في أخرى، كما أنّ كلَّ جذع حضاري يحمل أغصان ثقافات قومية متميّزة عن بعضها البعض بخصائص تختلف من أمّة إلى أخرى..
ومهما تقاربت دول العالم في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والإعلامية - وربما أيضاً في سمات الأنظمة السياسية - فإنّ الخصائص الثقافية لكل أمّة ستبقى قائمةً لتلعب دوراً رئيسياً في العلاقات والمصالح، وربما الصراعات، بين الأمم المختلفة على هذه الكرة الأرضية الواحدة.
وكما هو الواجب في الحفاظ على عروبة القدس وتحريرها من الاحتلال العسكري، كذلك هو واجب الحفاظ على "عروبة" هويّة العرب من خلال الحفاظ على "الهويّة الثقافية العربية" و"تحريرها" من أمراض الذات ومن هيمنة "الآخر" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق