أ. د. اميل قسطندي خوري
إدارة التغيير هي الإدارة التدبيرية التي تعنى بعملية الانتقال من حالة معينة (الوضع الراهـن والذي يشكل المشكلة) إلى وضع جديد (الوضع المرغوب الانتقال إليه والذي يعتبر بمثابة الحل). وهذه العملية تتطلب إطار عمل يتمثل في إتباع مجموعــة من الخطـوات وهي تشخيــص وتحليــل المشكلة، تحديد الاهداف المنشودة، تنفيذ وتحقيق هذه الأهداف، وضع خطـة مفصلة مبنية على رؤية معينة لعملية الانتقال من الوضع القديم إلى الحالة المرغوب فيها بشكل منتظم، البحث عن البدائل الممكنـة لإيجاد حلول مناسبة، الحصول على دعم ومساندة لعملية التغيير والالتزام بها، اختيار البديل الأمثل الذي يحقق أفضل النتائج، اتخاذ القرار المناسب، مراقبة سير العمل وادائه، ومتابعة الية وكيفية تحقيق النتائج.
هناك حزمة من الأسباب التي تدعو إلى التغيير، وهذه الاسباب هي عدم الرضى عن الوضع الراهن dissatisfaction with the status quo، الشعور بأن التغيير وارد كحقيقة لابد منهـــا، الوصول إلى وضـع أفضل (كشغل وظيفة أخرى براتب أعلى مثلا)، وتحقيق طموحات شخصية أو تحقيق ألذات .self-actualization أما أسباب فشل عملية التغيير فهي عديدة أهمها مقاومة عاملي وموظفي المؤسسات والشركات للتغييرemployees resistance for change. ومن الأسباب الكامنة وراء مقاومة الأفراد للتغيير الاعتقاد بأنه لا توجد هناك حاجة حقيقية للتغيير، وأن التغيير له مخاطر تفوق الفوائد risks exceed benefits، وأن عملية التغيير محكوم عليها بالفشل change process is doomed to fail. وقد توصلت معظم الأبحاث التي أجريت على موضوع التغيير إلى انه لا يمكن للمؤسسات الإبقاء على أداء متميز للعاملين فيها على المدى البعيد ما لم تكن لديها فلسفة مؤسسية راسخة تشجع على ثقافة التأقلم أو التكيف مع بيئة عمل متغيرة corporate philosophy that encourages adaptation to change. وقد توصلت دراسة أخرى إلى إن 60% من مشاريع إعادة هيكلة أو إعادة هندسة عمليات الأعمال business process re-engineering قد فشلت بسبب مقاومة الموظفين لعملية التغيير. وقد أكد هذه الدراسة مسح surveyاجري على عدد كبير من مدراء المؤسسات والشركات التنفيذييــن top-level executives إذ توصــل هذا المسح إلى إن السبب الرئيسي في فشل معظم عمليات التغيير هو أيضا مقاومة العاملين والموظفين لمبدأ التغيير نفسه.
من الحلول الفاعلة في إدارة التغيير خلق أجواء مناسبة للشفافية المطلقة والتواصل الفعال والمفتوح مع الموظفينtransparency, openness, and effective communications ، الاستماع إلى أرائهم ومقترحاتهم، الحصول على دعمهم على جميع المستوياتgaining employees' buy-in and support، توضيح أهمية التغيير لهم وللشركة، العمل الجاد على التغلب على مقاومتهم للتغيير، وإشراكهم في كافة مراحل عملية التغيير وذلك بجعلهم شركاء فاعلين في هذه العملية active participants and co-partners. إن تفعيل عملية التغيير وجعلها عملية ناجحة بكل المقاييس يتطلب وضع استراتيجيات مدروسة ومحكمة جيدا بحيث تؤخذ في الاعتبار جميع ردود الفعل المحتملة (كرفض عملية التغيير من أساسها لا سيما أثناء مرحلة الانتقال). ويجب على وكلاء التغيير change agents مساعدة الموظفين على الانتقال من الحالة القديمة إلى الوضع الجديد بكل ارتياح وثقة وتوضيح الأهداف المرجوة من عملية التغيير بدقة وشفافية وطمأنتهم بان التغيير لن يكون ضد مصالحهم الشخصية وذلك من خلال بناء علاقات جيدة معهم، الامر الذي يتطلب حرفية مهنية عالية المستوى في إدارة العلاقات relationships management. ولابد أيضا لوكلاء التغيير أن يهتموا اهتماما جليا بتكوين فريق عمل متخصص ad hoc teamلعبور مرحلة الانتقالtransition phase بشكل امن وبذل كل جهد ممكن من اجل إنجاح عملية التغيير. ولا بد من الذكر ان نجاح عمل الفريق إثناء المرحلة الانتقالية يتطلب التركيز على الضرورات الست التالية وهي المعرفة الواسعة والرؤية الثابتة والإيمان الراسخ والمبادرة والتدريب والتطويرknowledge, vision, faith, .initiative, training, and development ومن المهارات التي يجب أن يتحلى بها وكلاء التغيير المهارات السياسية political skills وهي تتمثل في الحكم على الأشياء حسبما يفرضه الواقع الراهن والمهارات التحليليةanalytical skills كالتحليل العقلاني والموضوعي للأمور rationalization، فالتخمين guesstimationمثلا لا ينفع في التعامل مع أية معطيات في غياب دراستها وتحليلها بما يتوافق كليا مع مباديء المنطق العلمي scientific logic (مثلا كدراسة عوامل معينة من خلال اخضاعها للمقارنـة او التحليل النسبي comparative analysis).
هناك أربع فرضيات أساسية يمكن استخدامها في إدارة التغيير. الاستراتيجية الأولى تفترض أن الأفراد يهتمون فقط بمصالحهم الشخصية وان هذا الاهتمام نابع من كونهم أناس عقلانيين. والفرضية الثانية تجاهر بان الأفراد هم كائنات اجتماعية، وبناء عليه فهم يلتزمون بالأعراف الثقافية والقيم الاجتماعية .cultural norms and social values والفرضية الثالثة تقول بأن الأفراد هم ببساطة أناس متجاوبون أو متعاونون مع غيرهم، وبالتالي سوف يقومون بعمل ما يطلب منهم. أما الاستراتيجية الرابعة فهي تفترض بان الأفراد يرفضون الخسارة ولكنهم بالرغم من ذلك قادرون على التكيف مع أية ظروف جديدة تفرضها حيثيات وقوى التغيير change forces and dynamics. ومن العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند اختيار الاستراتيجية المناسبة مراعاة مصالح الأفراد الذين تشملهم عملية التغيير، درجة اعتماد المؤسسة او الشركة عليهم، ودرجة مقاومتهم لعملية التغيير. ولكي تتكلل عملية التغيير بالنجاح المطلوب هناك خمسة حواجز يجب اجتيازها وهي الوعي أو الإدراك بان التغيير مطلب ضروري، وأن تكون هناك رغبة قوية من الأفراد بدعم عملية التغيير والمشاركة الفاعلة فيها، والعمل على تنمية مهارات وسلوكيات جديدة تتناسـب مـع الوضع الجديد، وأن يكون هناك استعداد واف لجعل عملية التغيير مستمرة ومتواصلة، وعدم العودة أو حتى التفكير بالعودة إلى العهد القديم.
وأود أن اخلص في نهاية هذا المقال الى أن عملية التغيير هي عملية تتطلب ما اسميه "ذكاء المسافـر" traveler intelligence بمعنى إن تتخيل طبيعة الرحلة التي سوف تقوم بها وطبيعة المكـان او الغايــة final destination التي تود الوصول إليها، الامر الذي يتطلب رؤية ثاقبة وخيالا خصبا وابداعا خلاقا vision, imagination, and creativity. فمــن خلال أبحاثي ودراساتي الواسعة وإطلاعي المتواصل على موضوع إدارة التغيير change management والدورات التي اعقدها في هذا المجال وجدت أن عملية التغيير ليست معقدة أو صعبة المنال كما يعتقد الكثير من الناس. فعمليــة التغيير تشبــه في رأيي الشخصي المتواضع إدخال المتغيرات المناسبة variables في أطراف المعادلة equation حتى تتحقق المعادلة بالشكل الصحيح. فإذا ما عرفنا المعادلة أصبح الحل في متناول اليد. والمعادلة التي اقترحها واطرحها في إدارة التغيير للوصول إلى الحالة المرغوب فيها هي معادلة الديسو DISOوهي كالتالي:
Desired State = Implementation + Strategy + Objectives
فالوصول إلى الحالة المرغوب فيها يتطلب ثلاث خطوات لوجستية: تحديد الأهداف المراد تحقيقها بشكل واضح ودقيق، وضع الاستراتيجيات المناسبة واستخدام الاليات الممكنة لتحقيق هذه الاهداف، وتنفيذ هذه الاستراتيجيات تنفيذا جيدا سليما. وتذكـــر اولا واخيرا انـــك مهمــــا عملت ومهما حاولت ومهما بذلت من جهد حثيث ووقت طويل وكلفة عالية، يجــــب عليك إن تضع ثقتـــك دائمــا وأبـــدا في الله عز وجل، فإذا عزمــت فتوكل على الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم، فارادته فوق كل ارادة، كل شيء بامره يسير، وهو على كل شيء قدير.
__________________
أ. د. اميل قسطندي خوري
dekh@myway.com
Amman - Jordan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق