الأربعاء، مارس 04، 2009

حقوق الانسان تُمنح أم تُكتسب

انطوني ولسن

في البدء خلق الله آدم وحواء وأسكنهما جنات عدن وأمدهما بكل ما تشتهيه النفس وسلط آدم على كل حيوانات الارض وجعله متسلطا عليها ومتحكما فيها. لكن منعه من الاقتراب من شجرة المعرفة والأكل من ثمارها.
في علم الله المسبق يعرف ان آدم وحواء سوف يأكلان من ثمر الشجرة.. شجرة المعرفة وتبدأ البشرية وتمتليء الأرض بنسليهما ويعمر النسل الارض او يخربها.. ويتحكم الأخ بأخيه وتتقاتل الامم فيما بينها، وتضيع حقوق البعض لتسلط وظلم البعض الآخر. فيعيش البعض مهمشين لا حقوق لهم ولا تساوى بينهم وبين اخوة لهم يعيشون على نفس الارض ويأكلون من ثمارها جميعهم ويتنشقون نفس الهواء ويشربون نفس الماء.
تحكمت المرأة في الرجل.. خرجت المرأة للصيد على الرغم انه عرف عن الرجل انه الصياد.. لكن سبحان من له الدوام.. فهكذا تتغير الاحوال وتتبدل فكانت تلك الحقبة الزمنية التي استطاعت المرأة بالفعل ان تتحكم في الرجل «ارجو ان لا يظن احد اننا نعيش هذه الايام نفس الحقبة الزمنية التي اتحدث عنها من تحكم المرأة».
لم يقبل الرجل ان يستمر على ذلك الحال. واخيرا اهتدى الى قوة النار في طهي الطعام وإبعاد الحيوانات المفترسة عن عرينه وبيته فبدأ يخيف المرأة بها «النار» حتى عادت إليه رجولته والزمها بالبقاء في البيت (ان كان كهفا او عُشا او ما شابه) لاعداد الطعام وتربية الاولاد.
الانسان حيوان مفكر.. وهكذا بقية مخلوقات الله من الحيوانات.. التركيب الجسدي متشابه جدا بينهما.. ولا شك ان الحيوان يفكر.. لكن الاختلاف بين الانسان والحيوان في التفكير.. الانسان يفكر ويتخيل ويتذكر واهم شيء يتكلم. اما الحيوان فتفكيره منصب على اشباع غرائزه المنصبة على البقاء حيا عن طريق الصيد.. صيد فريسته وبقاء جنسه عن طريق الانجاب.
أما الانسان فهو وان كان يحتفظ مثل الحيوان بغريزتي البقاء حيا وبقاء الجنس. لكنه يزيد عليها بحب المعرفة (التي اخرجته من جنات عدن).. بالرغبة في التطور.. بالرغبة في التغير.. بالرغبة في الاستقرار.. فبدأ في البحث والتنقل والترحال..وبدأت اشكال الحياة الجماعية تظهر.. فظهرت القبيلة.. ثم القرية.. ثم المدينة.. ثم الدولة.. ثم الامبراطورية.
ومع تحقيق كل هذا ظهرت القوة التي تخضع الآخر، ومع ظهور قوة الاخضاع والارهاب بدأ الانسان اللجوء الى الغيب.. الى اللامرئي وتخيله قوى او تخيلها قوية واطلق لخياله العنان وجعل من ما تخيله القوة التي تدافع عنه وتحميه من شر تسلط اخوه الانسان ولأجل الوصول الى هذه القوة لا بد من وسيط.. فجاء الساحر والساحرة للوساطة بين الانسان والقوة التي تحميه وتستجيب لطلباته سواء لمنفعة شخصية او لدرء الخطر عنه اوحتى تولي الانتقام من اعداءه بدلا منه.
في كل هذا الانسان يحاول ويفكر ويعمل من اجل حياة لا تشوبها شوائب السيطرة والاخضاع والظلم. وُجد في اثينا قبل الميلاد حاكم حكم المدينة اسمه «صولون». احب الحاكم شعبه الذي اولاه السلطة عليه.. اي ان الشعب اختار بكامل حريته صولون ليكون مسؤولا عنهم يرعاهم ويرعى شؤونهم.
لذا فكر صولون في استمرار هذاالفعل بين اهل المدينة بعد وفاته. اهداه تفكيره الى وضع اول ثماني قوانين ديمقراطية تضمن التساوى في الحقوق والواجبات بين جميع اهل المدينة لا فارق بين غني وفقير او بين رجل وامرأة. وكانت تلك القوانين اول قوانين اعطت الشعب ما يعرف الأن بحقوق الانسان.
استمر الشعب في اثينا يحترم تلك القوانين ويعمل بها، بينما العالم كله يعيش في ظلام الجاهلية والتخلف ولا حقوق للانسان في اي مكان. وتسلط الظلم، ظلم القوي على الضعيف الى ان جاء عصر النهضة وتغير كل شيء في اوروبا وبدأت قوانين صولون تطفو على سطح الاصلاحين فأخذوها وطوروها لتتلائم مع الانسان الجديد الذي اخذ على عاتقه خلع الرداء العتيق وارتداء رداء الحرية والديمقراطية وكانت انكلترا السباقة في تبني ونشر هذه المبادئ.
لا شك ان العالم واجه كوارث ومجاعات وحروب بعد ذلك. فظهرت ايدولوجيات لبس بعضها في الظاهر لباس الدين، بينما باطنها تحكم رجال الدين انفسهم في الانسان. وبنفس الاسلوب القديم بدأ سحر رجال الدين في تخدير شعوبهم ووعدهم بحياة افضل بعد الموت ان قاموا بتنفيذ ما يؤتمرون به من رجال الدين او من يتبعونهم ويمثلونهم. ولاقت هذه الايديولوجية نجاحا كبيرا بين الشعوب التي لم ترقَ من المدنية والحضارة ما وصلت اليه الشعوب الاخرى التي تعيش تحت حكم القانون الانساني الذي اخذت فكرته من قوانين صولون الثمانية. نعموا بالحرية والديمقراطية وتفتحت عقولهم وبدأت تبحث عن المعرفة في كافة شؤون الحياة او ما يدور حول كوكبهم الارضي من فضائيات ومحاولة المعرفة في الحياة والموت وما بعد الموت دون ان يأكل اي منهم من ثمار الشجرة المحرمة.. شجرة معرفة الخير والشر لان آباهم الاول آدم وامهم الاولى حواء كانا قد اكلا منها.
ومع ذلك خرجت ايدولوجيات اخرى تعطى القوة والسلطة للحاكم ومن معه في السلطة، فظهرت النازية والفاشية والشيوعية والديكتاتورية وقامت حروب ومع الحروب بدأ فكر الهجوم والتصدي للهجوم. وتم اختراع اسلحة الشيطان نفسه لم يحلم يوما ان يمتلك مثلها.
تعرضت الحرية والديمقراطية الى هزات عنيفة، وابتعد البعض عنها من اجل الحياة. والفارق كبير جدا بينهما.
قَبِل من ابتعد عن الحرية والديمقراطية الذل والخنوع والخضوع لاصحاب القوة النازية او الفاشية او الشيوعية والديكتاتورية فعاشوا حياة الذلة والمهانة.
اما من تمسكوا بالحرية والديمقراطية ولم يفرطوا فيهما، فعلىالرغم من قسوة الحياة التي واجهتهم والحروب التي تعرضوا لها. ايمانهم بما حصل عليه ابائهم واجداداهم من حرية جعلهم يضحون بانفسهم في سبيل الحفاظ على الحرية والديمقراطية التي كفلتها القوانين فوق سيادة الانسان.
كل هذا حدث في العالم كله حتى بعد اكتشاف اميركا واستراليا وغيرهما الذين تعرضت شعوبهم لنفس المأساة.. مأساة انكسار الديمقراطية والحرية.. لكن اجمع الجميع على الوقوف في وجه الطغيان الذي حاول من سادوا به اما بطرد الفكر الديني نهائيا من عقول من سيطروا عليهم باقناعهم بان الدين «افيونة الشعوب». اي مخدر ومغيب للشعوب. او باحلال القادة انفسهم محل الإله، فصاروا آلهة طاعتهم واجبة ومقدسة.
لكن لا الذين تمسكوا بالحرية والديمقراطية نسوا المعرفة ولم يطوروا من حياتهم، ولا ايضا الذين داسوا على الحرية والديمقراطية باقدامهم لم يطوروا من حياتهم.
ما عدا اهل الشرق الحزين.. العالم كله تطور.. العالم كله تقدم ونعمت الشعوب بالحرية والديمقراطية وارتقت حياتهم واصبحوا صانعي معجزات في جميع المجالات الارضية منها والفضائية.. ما عدا اهل الشرق الحزين.
دائما اسال نفسي لماذا؟.. نعم لماذا نحن ابناء الشرق لا نستطيع تطوير انفسنا ومواكبة ركب الحضارة والتقدم والرقي؟!!
نحن ابناء الشرق الحزين مهد الحضارات ومنبع الاديان السماوية ومصدر المعرفة التي انتشرت في العالم كله من طب وكيمياء وبناء واكتشاف.. الخ حتى انهم سادوا العالم وكونوا امبراطوريات واناروا عقول البشر بنور العلم والمعرفة.
لكن يبدو ان العالم يسير في طريقين متضادين.. يصحو الشرق.. يغفو الغرب والعكس.. ونحن الآن نعيش في فترة الاغفاء.. لا بل النوم العميق ولا يوجد من يوقظننا من ثباتنا.. لان في غفونا ونومنا العميق حياة لمن سادوا علينا..
كنا نلقي باللوم على الذين سادوا علينا من المحتلين.. لكن الذين يسدون علينا الآن هم اخوة لنا في الوطن.
كنا ايام المحتل قد تعلمنا قليلا واحببنا ما تعلمناه من الف باء الحرية والديمقراطية والعلم والعمل. ولكننا تطلعنا الى الحرية فقاومنا المحتل وطردناه.. وكان عملا عظيما فعلناه. اما بعد ذلك فقد ضاعت الهمة ولم تعد لدينا الرغبة في الحياة.. لان الحياة عطاء.. وليس عندما ما نعطي واستمرأنا الأخذ ونمد ايدينا للغير. قضينا على الوحدة والتضامن في مواجهة العدو المحتل.. وبدلنا ذلك بالتفرقة والتمييز بين ابناء الوطن الواحد.
وبعد ان كان الدين يساعدنا على التآخي والمحبة والتسامح. رأينا الدين الآن يساعد على الفرقة والكره وعدم التسامح، مع العلم الدين هو الدين لم يتغير.. ولا اعرف ما سبب هذا التغير.. وطبيعي لا احد يستطيع ان يفتح فمه ويتحدث عن حقوق الانسان.. الانسان الموجود على ارض هي ارضه وارض اجداده لكنه محروم من ابسط الحقوق وهو حق المساواة..
القانون لا يفرق.. لكن من يطبقون القانون يفرقون. القانون اوصى بتشريعه الدستور.. لكن الدستور مواده تفرق بين ابناء الوطن الواحد.. لانها دساتير غير مدنية.. وهناك فرق بين الحكم بالدين والحكم بالقانون.
الدين إلهي ولا يمكن معارضته.. اما القانون فقد وضعه الانسان ويمكن معارضته بل وتعديله او الغاؤه.
واجد نفسي حائرا متسائلا هل حقوق الانسان تُمنح أم تكتسب؟!!
فإذا قلنا انها تمنح.. فقل علينا يا رحمن يا رحيم.. لانه لا يوجد من يمنح الآن.
واذا قلنا انها تكتسب.. نعرف ان لا شيء يكتسب دون المطالبة به We have to fight for it اي يجب النضال من اجل اكتسابه.والنضال هو التكاتف والتماسك ومعرفة ما نريد.. ومن نطالب.وان يكون لنا قلب واحد وفكر واحد وتجمع واحد.
لان حقوق الانسان المسلوبة من اهل الشرق الحزين ليست فقط بين فئات وفئات بسبب الدين او العرق او الجنس.
ولكن لان اهل الشرق الحزين تشرذموا وتفرقوا واصبحوا غير قادرين على تحمل اي مسؤولية لاكتساب اهم شيء في الحياة.. الا وهو الوجود..
وأسأل اهل الشرق الحزين.. هل حقا لهم وجود؟!!
وانا لا املك سوى ان اسال فقط!!

ليست هناك تعليقات: