زهير الخويلدي
"إن المسؤولية الأخلاقية تقتضي أن نأخذ بعين الاعتبار خير هؤلاء الذين تأثروا بقراراتنا اليومية دون أن يكونوا قد شاركوا في إتخاذها"[1].
يبدو أن بعض بلدان المركز فقدت الصواب وتخلت عن كل القيم الإنسانية التي أبدعها العقل البشري بعد رحلة من التقدم قادته من عصور الجمود إلى زمن النور ويبدو أن الكثير من دول الأطراف لم تعد قادرة على تحمل أعباء ومخلفات ما تصدره إليها دول المركز من نفايات سامة وسلبيات وما تصدره العولمة الاختراقية من فقر ومرض وبطالة وموت.
وقد تجلت هذه الداروينية السياسية المبرمجة التي تؤمن بالبقاء للأصلح والانتخاب الطبيعي مؤخرا في ما أصاب جزر هايتي من زلزال مدمر قضى تقريبا على ثلث سكانها أي مائتي مواطن برئ وحول عاصمتها إلى أكوام من ركام حيث ذهب ضحيتها العديد من الأشخاص من جنسيات مختلفة. وقد كشف الرئيس الفنيزويلي هوغو تشافاز نقلا عن مصادر روسية أن السبب الحقيقي وراء زلزال هايتي هو اختبار أجرته أمريكا على جهاز صدمات ونية البعض من بينهم إسرائيل استخدام أسلوب الكوارث الطبيعية مثل الصواعق والزلازل كطرق غير تقليدية في الحرب ضد بعض الدول المارقة وربما يكون النظام الإيراني وبعض فصائل المقاومة هو المستهدف القادم من هذه التجارب والمناورات.
إن قيام الدول المتقدمة ببعض التجارب التكنولوجية أو الصناعية والحربية غير التقليدية مثل "الكيمتريل" بقدر ما يفيد اقتصاديتها ويدفع البشرية نحو الأمام على مستوى التقدم المادي بقدر ما يضر بالتقدم الروحي ويهلك معالم الحياة في الدول النامية المجاورة لها والتي لا تتحمل المسؤولية ولا تجني أية فائدة من نجاح مثل هذه التجارب.
لقد أثبت قمة كوبنهاغ الأخيرة حول المخاطر التي تهدد الأرض مدى تكالب أقطاب العالم القدامى والجدد على الارتقاء الحضاري والتصنيع الطاقوي والحربي ولو كان ذلك على حساب البيئة والمحيط والأرض وبينوا عدم اكتراثهم بخطورة التهديدات بالتصحر وتناقص الأمل في البقاء والتعمير بالنسبة للنوع البشري على الكوكب.
إن تحذيرات بعض الدول الأمريكية بشأن الأضرار التي تحدث للطبقة الأرضية ولاستقرار المناخ وجيهة وذات مغزى وينبغي أن تؤخذ محل الجد من طرف الدول المصنعة لأنه لا يعقل أن يشطب مئات الآلاف من الآدمية بسبب حرص بعض الشركات الاحتكارية على إجراء تجربة نووية في عمق البحر أو في الصحراء رغم علم علماء الأرض لأن مثل هذه التجارب قد تولد مشاكل بيئية كثيرة وتحدث مضاعفات على التوازن وحركة التيارات المائية والهوائية وما تنتجه من أعاصير وكوارث في غير وقتها وتربك المشهد وتصيب المناخ بالجنون.
إننا نشاهد اليوم كيف ترتفع درجات الحرارة في الشتاء وتنخفض في الصيف وكيف أدت سخونة الأرض إلى ذوبان جبال الجليد في المتجمدين وارتفاع منسوب البحار فوق الدرجات المعهودة وهو ما يهدد بالطوفان واختفاء بلدان بأسرها من الخريطة ولنا في تسونامي خير مثال.
إن التفسير الفلسفي لما يحدث يتمثل عدم التناسب بين نمو القوة وتعاظم وسائل الفتك والتخويف ونمو الحكمة والتقدم في مملكة الغايات والقيم. إن عولمة التقنية قد تزايدت كثيرا بحيث أصبحت تمثل تهديدا خطيرا على التوازن الكوسمولوجي والتكامل بين الظواهر الطبيعية والمسؤولية الأخلاقية التي تشرع لها الإتيقا المستقبلية ينبغي أن تكون في نفس الحجم بالمقارنة مع كمية القوة العنفية التي تحاصر مستقبل الكائن الآدمي في الدنيا وتمنعه من الحلم والتحرك بحرية في الفضاء وحسن التصرف في الزمان.
إن الإتيقا المستقبلية كما بين هانس جوناس يجب أن تجمع بين معرفة الأسباب المادية التي تتحكم في الطبيعة من الناحية الموضوعية قصد توجيهها توجيها إنسانيا وبين معرفة الغايات البشرية من الناحية الذاتية قصد إصدار جملة من الأحكام والأوامر الإلزامية تجعل من فعل الإنسان في الحاضر مدركا للاستتباعات المنجرة عنه في المستقبل ومتحملا مسؤولية سكنى العالم ورعاية الوجود ومضطلعا بوظيفة الاستخلاف والتعمير.
إن المنطق يستوجب أن نعيد العقل والأخلاق إلى عالم يعيش دون ضمير ويعامل الأدميين دون رحمة أو شفقة وأن ننهي النمط الإمبراطوري في التواجد في الكون وننتقل من الفوضى الهدامة أوالخلاقة إلى التعقل الرشيد والتدبير العقلاني للشأن الانساني واستعادة التنظيم المؤسساتي للنوع البشري.
فكيف نعمل على مواجهة المخاطر المحدقة بالأرض نتيجة التصنيع ونوقف حمى التسابق على الإفناء؟ أليس المطلوب هو قيام ثورة خضراء ووعي ايكولوجي انسي من أجل إعادة الأمل إلى الوجود في عالم نظيف وخال من التهديدات؟
----------------------------------
[1] Hans Jonas, pour une éthique du futur, Editions du Rivages, 1998, p69.
الأربعاء، يناير 27، 2010
زلزال هايتي وفوضى الإمبراطورية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق