غادة مخٌّول صليبا
ارتبط اسم العملاق الراحل منصور الرحباني بوجدانيات الحب والوطن باعثاً لبنان كرسالة سلام إلى جميع الشعوب في العالم وذلك من خلال الكلمة واللحن وصوت السيدة فيروز الملائكي. كان الفنّ الرحبانّي جسراً لملتقى كونّي يختصر التضحية والدفاع عن الظلم وتجسيد العشق الذي تجلت به صور روحانيّة الخيال وروحيّة ووطنيّة المنبع. كما ساهم بخلود الأغنية اللبنانية الرحبانيّة في أذهاننا إلى أن أصبحت أسطورة قومية عربية لا تفرق بين هوية ودين.
كان ظاهرة حقيقية منفردة، متمردة على الصعاب وكان حبه للبنان دوماً الأقوى، فرسمه فردوساً من الأحاسيس التي ما زالت تختلج في أفئدتنا حتى يومنا هذا بالرغم من رياح الإعصار السياسي المدمّر الذي عصف ببلداننا العربيّة. جاء شعره شاهداً على زمان لم نعرفه ولكننا عشقناه وتفاعلنا معه بثورتنا الذاتية الجديدة. لقد استولد قصائده من روحه وأوجاع وأفراح الآخرين. كان إبداعه يعتمد على أحلام متيقظة للواقع وأفكار عبقرية لم تخلُ من الرومنسية والخيال.
كان لبنانه هو لبناننا وكانت عروبته تشبه عروبتنا وتسيل أحزاننا من حرارة الشوق وتفيض أرواحنا بالحنين والدموع كلما سمعنا مطلع هذه الأغنية حين يقول: " نسّم علينا الهوا من مفرق الوادي ويا هوا دخل الهوى..خدني على بلادي". إستطاع أن يعزف ألحانه على أوتارنا المهترئة من هموم الحياة وكان يذكرنا بأننا قادرون على تنشق بعض من الحريّة والكرامة وأريج أشجار الصنوبر والصمود مع كل تغريدة بلبل في سماء الغربة التي تفصلنا عن جذورنا.
إن تاريخ هذا الراحل الكبير، أعلى مقاماً من أن يكرّم بعد رحيله وبأن تكتب الأقلام عنه وبأن تُقيّم أعماله التي لا تتكرر وإنما ستبقى مستمرة. فليعذرنا لبنان والوطن العربّي إن لم نفِ روح هذا الأستاذ الموقّر حقه، فاليوم، تعودت نفوسنا وأقلامنا على الكآبة وتقبل الهزائم أمام العدو وفقدان الأمل بنهوض وطننا العربي مثلما نهضت " بترا " وانتفضت " عودة طائر الفينيق " من تحت التراب. جمعنا بالأمس منصور في حلمِ وكان يجدر بنا أن لا نفترق ولكننا لم نحتفظ إلا بذكراه.
أغنياته هي كالنهر الذي يبلغ أعماقنا في عالم صمتنا ويبث لنا السكينة. يبقى صوت فيروز هو نور المحبة مع بزوغ كل فجر جديد، يتجدد بالرغم من الحروب والانقسامات السياسية بين العرب عامة واللبنانيين خاصة. نحن جميعاً لم نختلف يوماً على هذا العطاء الفنَي السامي وحتماً نؤمن برحبانيّة القلب، هذا القلب الواحد الذي لا يمنعه نزيف جرحه بأن يرنّم أغنية السلام لجيل وفيّ قادم. ولا ننسى أن اسم العملاق منصور الرحباني قد اقترن دائماً باسم عملاق آخر، هو شقيقه الراحل عاصي الرحباني وشكلا مع السيدة فيروز، أطال الله عمرها، ثلاثياً فنياً سيخلده التاريخ.
تحية لروح الراحل منصور الرحبّاني في ذكرى رحيله وكم تمنيتُ أن لا تنتهي الكلمات هنا، ولكنني سأردد
" أنا عندي حنين و ما بعرف لمين"..
الثلاثاء، يناير 19، 2010
رحبانيّة القلب
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق