د. عبدالله المدني
إن المتابع لحلقات وأعمال الإرهاب سواء في الغرب أو الشرق، سيخرج، لا محالة، بنتيجة واحدة هي أن بعض المتورطين فيها إما أنهم ينتمون إلى باكستان أو تعود أصولهم إلى هذا البلد أو أنهم مروا وأقاموا به أودرسوا ردحا من الزمن في مدارسه الإسلامية المنتشرة.
وحينما نقول أن من واجب حكوماتنا، وعلى الأخص حكومات دول الخليج التي تقع على مرمى حجر من باكستان وتحتضن نسبة كبيرة من العمالة الباكستانية الأمية، أن تحترس من بعض الباكستانيين - نكرر كلمة "بعض" حتى لا نتهم بإعتماد التعميم الظالم – وأن تراقبهم و تتشدد في منحهم أذونات العمل والإقامة، فإننا لا ننطلق من عقدة الحقد والبغض والكراهية لباكستان المسلمة وشعبها الصديق، وإنما ننطلق من شواهد مدعومة بالأسماء والأرقام والوقائع التي في مجملها تثبت ضلوع بعض هؤلاء في أعمال إرهابية وتخريبية حول العالم، وبالتالي تثير الشكوك حولهم.
لا نريد في هذه العجالة أن نسلط الضؤ على أعمال الإرهاب التي يقوم بها الباكستانيون داخل بلدهم وضد بعضهم البعض. فتلك صارت بمثابة الحدث اليومي المتكرر إلى الدرجة التي باتت لا تثير إهتماما إعلاميا خاصا. وبالمثل فإننا لا نسعى في هذا المقام إلى تسليط الضؤ على أعمال الإرهاب التي يقوم بها مواطنون باكستانيون ويستهدفون بها الهند، فتلك الأعمال لها ظروفها التاريخية وتنطلق من منطلقات العداء التاريخي المستحكم بين الدولتين منذ تقسيم الهند البريطانية في عام 1947 إلى كيانين متناقضين في كل شيء تقريبا.
لذا سيقتصر حديثنا على ما يمارسه بعض الباكستانيين في دول العالم الحر من تلك التي إحتضنتهم وأمنت لهم السكن المريح والعيش الرغيد والتعليم المتقدم والضمانين الصحي والإجتماعي وفرص الإبداع العلمي والتفوق الوظيفي، وغيرها من الظروف والأمور التي لم يحلموا بها يوما في بلدهم الأم، فكان جزاء تلك الدول الطعن في ظهورها من خلال إستهدافها وإستهداف مواطنيها بأعمال التفجير والقتل والإرهاب المؤسسة على مفاهيم دينية ضيقة أو مبررات لا سند لها أو أفكار خرافية أكل الدهر عليها وشرب.
وهنا أيضا لن نذهب بعيدا لإقامة الدليل على صحة ما نزعم، فنفتح ملفات حوادث إرهابية قديمة طواها النسيان أو في طور النسيان، لكننا سنتطرق فقط إلى عدد من الوقائع الطازجة من العام الميلادي الذي لفظ أنفاسه مؤخرا.
ففي أسبانيا أصدرت السلطات القضائية مؤخرا أحكاما بالسجن لمدد تتراوح ما بين 8 و14 سنة على مجموعة من 11 إسلاميا (جلهم من الباكستانيين)، كانت قد خططت لمهاجمة مترو الأنفاق في مدينة برشلونة بشمال شرقي البلاد. وتفاصيل الأحكام – طبقا لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية في الخامس عشر من ديسمبر 2009 - أن زعيم المجموعة الباكستاني المدعو "أحمد ميرزا" صدر حكم بحقه بالسجن لمدة 10 أعوام ونصف العام عقابا له على إنتمائه وقيادته لمجموعة إرهابية، وأن شريكيه الباكستانيين "شهيب إقبال" و "قدير مالك" تلقى كلا منهما حكما بالسجن لمدة 14 عاما ونصف العام عقابا لهما على حيازتهما بطريقة غير شرعية لمواد متفجرة بقصد إستخدامها في تنفيذ أعمال إرهابية، وأن بقية رفاقهم نال كلا منهم حكما بالسجن لمدة 8 أعوام ونصف العام بتهمة الإنتماء إلى مجموعة إرهابية كانت تستهدف ترويع الأبرياء وقتل أكبر عدد من الناس من خلال التفجيرات أو اللجؤ إلى عمل إنتحاري إن تطلب الأمر.
وبالتزامن مع الأحكام المشار إليها، أصدرت محكمة أتلانتا في ولاية جورجيا الأمريكية أحكاما بالسجن لمدد تراوحت ما بين 17 و13 عاما على شابين أمريكيين من أصول باكستانية هما " إحسان الإسلام صديقي (23 عاما) الذي سبق له أن إعترف في أغسطس 2009 بأنه قدم دعما لمجموعة إرهابية عبر تزويدها بشريط مصور عن موقعي مبنى الكابيتول ومبنى البنك الدولي بواشنطون وتفاصيلهما الدقيقة، وأنه كان بصدد الذهاب إلى أوروبا للمشاركة في أعمال "جهادية" هناك لصالح المجموعة الإرهابية نفسها، حيث حكم عليه بالسجن 17 عاما عقابا له على هاتين الجريمتين، فيما حكم بالسجن لمدة 13 عاما على شريكه المدعو "سيد حارس أحمد" (24 عاما)، مع وضعه لمدة 30 عاما تحت المراقبة حينما يخرج من السجن.
أما في بريطانيا التي أبتليت أكثر من غيرها بهؤلاء كنتيجة لضخامة أعداد مواطنيها من ذوي الأصول الباكستانية، فضلا عن إستمرار إرتباطهم بوطنهم الأم بطرق مختلفة ( إعترف رئيس الحكومة البريطانية غوردون براون في ديسمبر المنصرم بأن باكستان هي جنة وحاضنة الإرهابيين والمكان الذي يتجمع فيه أعداء بريطانيا للتخطيط لإستهداف البريطانيين، مضيفا أن لدى المخابرات البريطانية مئات الأدلة حول إرتباط الإرهابيين بجماعات باكستانية) فقد إنتهت مؤخرا أطول محاكمة من نوعها في تاريخ القضاء البريطاني، ونقصد بذلك إسدال الستار في السادس عشر من ديسمبر 2009 على محاكمة إستغرقت 3 سنوات لمجموعة "جهادية" إرهابية كل أعضائها من ذوي الأصول الباكستانية بإستثناء عضو واحد. حيث أصدر القضاء احكاما بالسجن المؤبد على كل من "عمر خيام"(26 عاما) و"وليد محمود"(34عاما) و "جواد أكبر"(23 عاما) و "صلاح الدين أمين"(31 عاما) بتهمة تصنيع مواد متفجرة من أجل إستخدامها في تنفيذ أعمال إرهابية واسعة ضد مبنى البرلمان، والمجمعات التجارية، والمراقص الليلية، وستاد لكرة القدم. و لوحظ أن القاضي البريطاني وهو ينطق بهذا الحكم كان صارما، حيث قال للمحكومين " ستقضون بقية حياتكم في المعتقل وقد لا تخرجون منه أبدا لأنكم حمقى، وقلوبكم حاقدة، ومجردون من الإحساس، وقد خنتم البلد الذي آواكم وفتح لكم أحضانه".
وقد أعادت حيثيات الحكم السابق إلى الذاكرة واقعة تفجير مترو الأنفاق الناجحة في لندن في عام 2005 والتي راح ضحيتها أكثر من 56 قتيلا، و المحاولة شبه الناجحة للاعتداء على مطار غلاسغو في سكوتلاندا في عام 2007 و المحاولة الفاشلة لتفجير سبع طائرات ركاب مدنية عابرة للمحيط الأطلسي، حيث كان القاسم المشترك بين كل هذه العمليات هو ضلوع مواطنين بريطانيين من ذوي الأصول الباكستانية فيها.
ففي عملية مطار غلاسغو ، إعتقلت الشرطة في أماكن مختلفة خمسة أشخاص بريطانيين من ذوي الأصول الباكستانية بتهمة الضلوع في مخطط إرهابي وحيازة سيارة مليئة بالمتفجرات والمسامير وإسطوانات الغاز المعدة للانفجار. و تعقيبا على الحدث كتب مراسل صحيفة "نيوز" الباكستانية اليومية في لندن " رؤوف كلاسرا" في حينه تقريرا قال فيه: "في غلاسغو 50 ألف مسلم، منهم 35 ألفا من ذوي الأصول الباكستانية، والكثيرون من هؤلاء يشوهون صورة وطنهم الأم من خلال الإنضمام إلى حلقات إجرامية أو جماعات إرهابية متطرفة، الأمر الذي تسبب في نقمة البريطانيين عليهم وظهور مشاعر عنصرية تجاههم في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد ضلوع 3 منهم في إختطاف فتى اسكتلندي في الخامسة عشر من عمره والإعتداء عليه بوحشية، ومن ثم هروبهم جوا إلى باكستان". وأضاف المراسل في تقريره أن النائب المسلم عن حزب العمال "محمد ساروار" سافر شخصيا إلى إسلام آباد للالتقاء بالجنرال برويز مشرف وحثه على إعتقال الهاربين الثلاثة وتسليمهم للشرطة الاسكتنلندية من أجل تهدئة الأمور، وهو ما حصل فعلا وتبعه محاكمة الخاطفين و إنزال عقوبات مشددة ضدهم.
أما في عملية استهداف الطائرات المدنية العابرة للمحيط، فقد كان المتهمون ثلاثة بريطانيين من أصول باكستانية أيضا هم : عبدالله أحمد علي (28 عاما) وتنوير حسين (28 عاما) و أسد ساروار (29 عاما). وهؤلاء أصدر القضاء البريطاني بحقهم أحكاما مختلفة في سبتمبر 2009 بتهمة المشاركة في تشكيل خلية إرهابية تتخذ من بريطانيا مقرا لها وتعمل لحساب تنظيم القاعدة الإجرامي، وبتهمة التخطيط لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الأبرياء من خلال إدخال زجاجات تحمل مواد متفجرة إلى داخل طائرات الركاب المقلعة من لندن إلى الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن زعيم تلك الخلية والعقل المدبر لمخططاتها الإجرامية هو البريطاني المسلم من أصل باكستاني " رشيد رؤوف" الذي هرب من بريطانيا إلى مناطق قبلية باكستانية في عام 2002 ، قبل أن تعتقله السلطات الباكستانية، بضغوط أمريكية، في عام 2006 وتودعه سجنا تمكن من الهروب منه في ظروف غامضة في عام 2007.
واذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن كندا كانت لها أيضا نصيبها من إرهاب مواطنين من ذوي الأصول الباكستانية، على نحو ما كشفت عنه محاكمة الجماعة المعروفة بخلية "تورنتو 18" في أكتوبر عام 2008 . ففي الوقت الذي كانت فيه السلطات القضائية الكندية تستعد فيه لمحاكمة أكثر من 10 من أعضاء الخلية المذكورة (جلهم مسلمون من أصول باكستانية) بتهمة التخطيط للقيام بأعمال إرهابية بالقنابل في وسط مدينة تورنتو بولاية "أونتاريو" في عام 2006 ، كانت السلطات القضائية البريطانية قد فرغت من محاكمة زعيم تلك الخلية البريطاني من أصل باكستاني "عابد خان"، وأصدرت عليه حكما بالسجن لمدة 12 عاما. وقد جاء في حيثيات الحكم أن خان شكل مع آخرين في كندا خلية إرهابية للقيام بسلسلة من الهجمات، شبيهة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، ضد أماكن حيوية في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وأوروبا، وأنه لهذا الغرض إستحوذ على مواد كيماوية لصنع المتفجرات وتوجه شخصيا إلى كندا للالتقاء بإرهابيين محتملين وإستأجر لهم شقة في تورنتو، وخطط للسفر معهم إلى باكستان وأفغانستان من أجل التدريب في معسكرات القاعدة، على أن يعودوا لاحقا إلى كندا وبريطانيا لتنفيذ عملياتهم الإجرامية.
د. عبدالله المدني
باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة : ديسمبر 2009
البريد الإلكتروني: elmadani@batelco.com.bh
الاثنين، يناير 18، 2010
علينا أن نحترس من بعض الباكستانيين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق