الياس بجاني
الإمام علي: "أوفوا إذا عاقدتّم، واعدلوا إذا حكمتّم"، و"خير المقال ما صدقَتْه الأفعال".
من موقعنا الاغترابي نسأل أين أصبحت مصداقية الرئيس ميشال سليمان، وتحديداً جدية وشفافية ووجدانية هذه المصداقية لجهة الالتزام بالوعد الذي كان قطعه على نفسه في خطاب القسّم، يوم أكد بأنه سيعمل على استعادة أهلنا من إسرائيل لأن "حضن الوطن يتسع للجميع"؟
إن مصداقية الرئيس سليمان بما يخص هذا الوعد تحديداً، وبعد مرور ما يقارب السنتين على رئاسته هي على المحك، إن لم تكن فعلاً قد نُحرت ودفنت. فكل الوقائع الملموسة تبين ودون أي إلتباس بأن الوعد قد تبخر وأن القضاء اللبناني العسكري ومن يحركه ومن له المونة على قراراته وأحكامه قد نفذوا عمليتي النحر والتبخير من خلال رزمة من الأحكام القضائية التي استهدفت بشكل مباشر مصداقية وعد الرئيس للجنوبيين من أهلنا الموجودين في إسرائيل.
من المحزن أن تكون مصداقية الرئيس في موقع رمادي غير ذاك الذي تمناه ومنّى النفس به المواطن اللبناني الشريف والسيادي والمؤمن بالدولة والقانون والشرعية، وخصوصاً المواطن الموجود في إسرائيل. لقد جاءت عملية النحر للوعد الرئاسي أولاً من خلال حكم بالسجن والأشغال الشاقة بحق اللواء انطوان لحد وهو المحكوم بالإعدام والموجود خارج لبنان منذ العام الفين.
الحكم: ("بتاريخ 28 تشرين الأول/2009 تحت عنوان: "الأشغال الشاقة 15 سنة بحق أنطوان لحد لاكتسابه الجنسية الإسرائيلية": "أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن نزار خليل حكماً غيابياً بحق قائد ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" اللواء أنطوان لحد قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة 15 سنة بحقه في جرم التعامل مع العدو الإسرائيلي واكتساب الجنسية الإسرائيلية. وقررت المحكمة أيضاً تجريد لحد من حقوقه المدنية. يذكر إن أحكاماً سابقة صدرت بحق لحد قضت بإنزال عقوبة الإعدام بحقه لتعامله مع إسرائيل وقتل مواطنين لبنانيين إبان قيادته للميليشيا المذكورة".)
علماً أن الدولة اللبنانية ومن خلال إعلامها الرسمي مستمرة باضطهاد أهلنا الموجودين في إسرائيل ونعتهم "بالعملاء والخونة"، وفي ما يلي نموذج مخزي لهذا التجني السافر: ("نشرت وكالة لأنباء الوطنية التابعة للدولة اللبنانية بتاريخ 29 كانون الأول/09 الخبر التالي تحت عنوان: عودة لبنانيين فارين إلى فلسطين المحتلة والجيش تسلمهما من الصليب الأحمر الدولي في الناقورة: "عاد من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة المتعاملان مع جيش انطوان لحد سابقا نديم ابو رافع (50 عاما)، وهو من منطقة حاصبيا، وخليل ابو حمد (90 عاما)، من منطقة مرجعيون، وذلك عبر الصليب الأحمر الدولي من منطقة رأس الناقورة، حيث تسلمهما الجيش اللبناني الذي استبقاهما لإجراء المقتضى القانوني". وأشار مندوبنا "ان ابو رافع وابو حمد كانا قد دخلا الأراضي الفلسطينية المحتلة إبان اندحار جيش الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب في العام 2000".)
يوم أمس نشرت الوكالة الوطنية للإنباء الخبر التالي: ("القاضي صوان طلب عقوبة الاعدام لموقوف فلسطيني من "جند الشام" والأشغال الشاقة ل 7 فارين إلى إسرائيل وحصولهم على الجنسية الإسرائيلية/وطنية - 18/1/2010 اصدر قاضي التحقيق العسكري فادي صوان اليوم قرارين اتهاميين. طلب في القرار الأول عقوبة الإعدام للفلسطيني الموقوف رامي عيسى عبدالله من تنظيم "جند الشام" في عين الحلوة لإقدامه على انتمائه إلى تنظيم مسلح بهدف القيام بأعمال إرهابية سندا إلى المواد 335 عقوبات 5-6 من قانون 11/1/58 و72 أسلحة . واصدر مذكرة إلقاء قبض في حقه وأحاله أمام المحكمة العسكرية الدائمة للمحاكمة . وطلب في القرار الثاني عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة لكل من المدعى عليهم الفارين إلى إسرائيل وحصولهم على الجنسية الإسرائيلية : سيمون الشوفي، حنا حليحل، نور زعرب، سمير عيد، كريم فرحات، منير هاشم وموسى هاشم، لإقدامهم على التواصل مع العدو الإسرائيلي والاتصال به ودخول بلاده من دون إذن سندا إلى المادتين 278 عقوبات و285 منه . وأحال الملف أمام المحكمة العسكرية الدائمة لمحاكمتهم".)
بالواقع إن الرئيس سليمان هو نفسه نقض الوعد، وذلك من خلال قبوله بالبيان الوزاري لحكومة الرئيس الحريري الذي جاء في فقرته رقم 17: "ستولي الحكومة اهتمامها بتسهيل عودة اللبنانيين الموجودين في لإسرائيل بما يتوافق مع القوانين المرعية الإجراء".
عندما نعلم أن القوانين المرعية الإجراء هذه تعتبر أهلنا الموجودين في إسرائيل "خونة وعملاء"، يتأكد لنا أمر نقض الرئيس لوعده عن سابق تصور وتصميم. لماذا؟ لأن مرسوم تشكيل الحكومة لا يتم دون توقيعه، وهو لو كانت عنده النية للوفاء بوعده لكان بمقدوره على الأقل جعل نص الفقرة رقم 17 هذه تكراراً لما جاء في قسمّه دون ذكر "القوانين المرعية الشأن". وما طلب القاضي صوان أمس كما هو مبين في الخبر أعلاه إلا تثبيتاً لتبخر الوعد وتخلي صاحبه عنه.
إنه ومن خلال تسلسل الأحداث ذات الصلة قضائياً وحكومياً وميدانياً يتبين لنا أن "حضن الدولة" الذي قال الرئيس سليمان أنه "يتسع للجميع" هو بالواقع المأساوي المعاش "حضن دويلة حزب الله"، وليس حضن الدولة اللبنانية. فالدولة اللبنانية إن كانت فعلاًً دولة كل اللبنانيين ودولة القانون والعدل والمساواة لا يُعقل أن تتخلى عن مواطنيها وتتهمهم باطلاً "بالعمالة والخيانة" وتعمل متعمدةً من خلال القضاء والبيان الحكومي والإعلام الرسمي على عرقلة عودتهم إلى حضنها.
الرئيس سليمان ومعه كل اللبنانيين يعرفون تمام المعرفة أن أهلنا الموجودين في إسرائيل هم من أشرف الناس ومن أكثرهم وطنية. نعم إنهم أشرف من الشرف نفسه، وما رفعوا في يوم من الأيام غير العالم اللبناني، ولا كان ولاءهم لغير وطن الأرز وهويته ومؤسساته. أما الذين يتهمونهم بالعمالة والخيانة من جماعات الانتصارات "الإلهية" والمال النظيف والغزوات والسلاح الإيراني فهم بالواقع يُسقطون عليهم ما هو فيهم لا أكثر ولا أقل.
إن المطلوب من الرئيس سليمان ومن غيره من المسؤولين، وأيضاً من السياسيين الذين يقولون أنهم مع الدولة والإنسان والقانون، إما أن يحكموا بالعدل ويجاهروا بالحقيقة ويلتزموا الدستور والثوابت ويتحلوا بالشجاعة والفروسية والتجرد، أو أن يذهبوا إلى بيوتهم مشكورين ويفسحوا في المجال لمن هم على استعداد لخدمة الوطن والمواطن بإيمان وتقوى وبمخافة الله.
لبنان الواقع تحت هيمنة حزب الله وإرهابه بحاجة إلى حكام ومسؤولين وسياسيين أبرار بكل ما في الكلمة من معنى والمواطن هو المسؤول عن إيصالهم إلى مواقع المسؤولية.
الثلاثاء، يناير 19، 2010
الرئيس ميشال سليمان والوعد المنحور
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق