صالح خريسات
الردع بالشك، نظرية سياسية، عسكرية، جديدة، ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، وهي تعني الضربة الاستباقية، وشن الحرب، ضد ما من شأنه أن يهدد الأمن القومي الأمريكي، أو السلم العالمي، على حد تعبير الإدارة الأمريكية.
المشكلة أن هذه النظرية، لم تحتوي معايير دولية ثابتة، لما يمكن أن يهدد الأمن القومي الأمريكي , أو يهدد السلم العالمي، فما قد تراه الولايات المتحدة تهديداً لأمنها القومي، قد لا تراه الدول الأخرى, وما تراه إسرائيل غير ما تراه الدول العربية...، وهكذا؟
فالحرب على العراق حرب استباقية، بذلت الولايات المتحدة جهدها، لتأكيد خطورة النظام العراقي السابق، على الأمن القومي الأمريكي، وعلى السلم العالمي، وادعت أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، يهدد بها دول المنطقة.
وسبق الحرب على العراق, الحرب على أفغانستان، بحجة أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 م، وادعت الولايات المتحدة أن حركة طالبان، و تنظيم القاعدة، بزعامة أسامة بن لادن، يسعيان إلى تصدير الإرهاب إلى قلب أوروبا، و أمريكا.
وبدأت الدبلوماسية الأمريكية، وماكينات الإعلام تعمل في اتجاه واحد، وهو إقناع دول أوروبا بان أمنها مهدد، و مصالحها مهددة، في كل أنحاء العالم, و الهجوم خير وسيلة للدفاع...!
وكان هدف أمريكا، من هذه الدبلوماسية النشطة، والحرب الإعلامية، الاستباقية، تهيئة الظروف لتشكيل قوات التحالف المشتركة، من اجل توزيع الأعباء، و اتساع المشاركة بهدف تقليل الجهد، والوقت، وضمان الحصول على النصر، وكانت هناك أسباب غير ظاهرة، تتعلق بإشراك دول أوروبا بالهزيمة، أو النصر، إذ ليس من السياسة، أن تقامر الولايات المتحدة، وهي قائدة العالم في النظام العالمي الجديد، بموقعها كدولة عظمى، تخرج منهزمة في معركة غير متكافئة، مع دولة صغيرة، ليست ندية لها، وهو مالا تقبله الإدارة الأمريكية، ولا تراهن عليه، فأما أن تكون أوروبا بأكملها منهزمة (كقوى متحالفة)، أو منتصرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وحين طفحت في أذهان قادة دول أوروبا، تساؤلات عن أسباب هذه الحرب، وحول ما إذا كان العراق يحتاج إلى كل هذه الحشود العسكرية، الضخمة، و تقنياتها العالمية ، عملت الدبلوماسية الأمريكية، والإعلام على إظهار الجيش العراقي، بأنه أسطورة العالم، و اكبر جيش عرفه التاريخ العسكري، من حيث العدة، و العدد، وبدا الحديث عن أسلحة خيالية، يملكها الجيش العراقي، وتم تصنيعها بأيدي العلماء العراقيين، المنتظمين، في الحزب الحاكم، منها الجمرة الخبيثة، و غازات الأعصاب بأنواعها المختلفة، و الأسلحة الجرثومية، و الأسلحة الكيماوية، و البيولوجية، وقنابل عجيبة، سمتها الإدارة الأمريكية (أسلحة أخرى ).
وصدق قادة أوروبا، كل ما يقال بشأن أسطورة الجيش العراقي، ووضعوا عصابة على أعينهم، و تركوا الولايات المتحدة ، تقودهم إلى حرب مجهولة الأسباب، و النتائج.
وبدا واضحا،ً أن طريقة استعراض القوة، أثناء حشد قوات التحالف لجيوشها، و معداتها العسكرية، الضخمة، من البوارج، و الطائرات، و الصواريخ، وغيرها، تظهر أن نتائج الحرب على العراق، لم تكن واضحة في علم الإدارة الأمريكية، و تقاريرها مشكوك في صحتها، ولا نغفل تضارب التصريحات العسكرية، و السياسية، من المسؤولين في الإدارة الأمريكية، حتى بدا الوضع وكأنه مسرحية، غاب مخرجها في إجازة، ولم يعد حتى الآن.
ونحسب أن الولايات المتحدة الأمريكية، خسرت حرب المعلومات في كل من العراق، و أفغانستان، رغم ما تمتلكه من أجهزة مخابراتية، وخسرت الحرب النفسية، التي كان من المفترض إن تجعل الجيش العراقي، وحركة طالبان، وتنظيم القاعدة، يتقبلون الهزيمة، قبل أن تبدأ الحرب، وتجعلهم في حالة سيئة من الروح المعنوية، بل إن الإدارة الأمريكية أظهرت للعالم اجمع، بان جيوش الحلفاء ستذهب في نزهة، وان الشعب العراقي سيستقبلها بالورود!!
وإذا كنا نثبت فشل نظرية الردع بالشك، و الحرب الاستباقية، فإن الأسباب التي قادت إلى هذه الحرب، لم تكن موجودة في الأصل، وهي ادعاءات مضللة قادتها الدبلوماسية، في البيت الأبيض، وأشاعها الإعلام، لغايات تعلمها الإدارة الأمريكية و إسرائيل.
فالعراق خرج من حرب طويلة مع إيران، استمرت ثماني سنوات، استنزفت قدراته العسكرية، و الاقتصادية، ولم يكن يهدد امن العالم، وليس بمقدوره ذلك، ولكنه في الواقع كان يهدد امن إسرائيل، وكان يملك النفط، و النفط وإسرائيل، التزام أمريكي قومي.
و العراق لم يكن يملك أسلحة الدمار الشامل، بل إن إسرائيل وحدها من بين سائر الدول العربية، تمتلك هذا السلاح و تهدد به.
ومن المفارقات العجيبة، أن الولايات المتحدة، التي قادت هذه الحرب غير المتكافئة، لمنع العراق من امتلاك قدرات نووية، تقوم هي باستخدام السلاح نفسه في حروبها المختلفة، في أفغانستان، والعراق، والبلقان.
وإذا كانت الجهود الدولية، قد اثمرت في إقناع بعض الدول، في التخلي عن برنامجها النووية، مثل ما فعلت ليبيا مؤخراً، أو من خلال ضغوط الولايات المتحدة، مثل ما حدث مع إيران، فان إسرائيل لم توقع بعد على معاهدة حظر الأسلحة النووية، و تعتبرها أشياء تخص إسرائيل !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق