صالح خريسات
الاستقلال نزعة إنسانية ذات طابع تحرري نبيل، تهدف إلى نوعين من الحرية: حرية الأمم والشعوب، ويعنون بها عدم الخضوع لحكم الأجنبي، وحرية الفرد، ويقصد بها التخلص من ظلم القوى القهرية غير الواعية، والمحاولات المذلة والخطرة التي يمارسها الأوصياء من أصحاب النفوس المريضة، تجاه العقل البشري وحريته الطبيعية المقدسة.
وبهذا المعنى، فإنه ابتداء أساسه الوعي، وهو ثورة فكرية ضد التقاليد البالية، ودعوة جريئة للبشرية، في سعيها المقدس نحو التحرر، من أغلال العبودية بكل أشكالها، وصورها المختلفة، من أجل التقدم والتعاون المشترك، بين البشر في مختلف مسالك الحياة.
وفي ذاكرة الشعوب الحية، يتربع الاستقلال على قمة المجد والتضحية والفداء، ويعبر عنه في دول العالم،بالراية ذات الدلالة على الحرية والمجد،وتصنع الشعوب شعارا خاص بها،يرمز إلى الشرف الرفيع، الذي تفاخر به الأمم، ونضعه بين عيني رجالها،في ميادين التضحية و الفداء، ليمارسوا عليه حراسة مشددة، ويحمونه بالمقل والأرواح.
فالاستقلال بالنسبة إلى الشعوب، أنبل مجد اكتسبه الرجال العظماء، من أجل كرامة الأجيال القادمة، فالزمن لا ينتقص من الأمجاد التي يخلفها هؤلاء الرجال الأفاضل، فنور فضلهم يبقى بعد موتهم يضيء.
وقد وهبنا العظماء، حياة هانئة، آمنة مستقرة، تكاد تخلو من كل أشكال الهيمنة، والعبودية، والاسترقاق، ووفروا لنا ضمانات الحرية، والسلامة الشخصية، وهو ما لا يتوافر، في ظل الحكم الأجنبي، وممارسته اللا إنسانية.
وإن إيماننا بالاستقلال، نابع من عقيدتنا، وحبنا للحرية لأنفسنا، ولغيرنا من بني الإنسان، فديننا الحنيف، يقوم على مبدأ التوحيد، ومبدأ التوحيد القائم، على لا إله إلا الله،هو منطلق كل الحريات الإنسانية، وقد أمرنا أن لا ندين، أو نتبع إلا الله، جلت قدرته، وبهذا خلصنا من كل أصناف العبودية، والتبعية، والالتزامات التي يحاول الآخرون،سواء كانوا دولاً، أو أفرادا، أو جماعات، ترتيبها في أعناقنا ً.
فالله يريدنا أحراراً، بكل ما تحمله كلمة الحرية من معنى، ويأمرنا أن نحافظ على حريتنا، وأن نكون جديرين بها، ونجاهد في سبيلها، مهما كلفنا ذلك من تضحيات، فالشيء الذي لا ينال بالرضا، قد ينال بالثورة، وما يقوم بالثورة إلا يائس.
وإذا كان الاستقلال قد خلصنا من عبودية الاستعمار، فقد كان فرصة لاستعادة الشعور بالأمن والأمان، وتوجيه ولاء الفرد نحو كيان سياسي محدد، هو الدولة أولا، ومن ثم الأمة.
والولاء درجات ودوائر متعددة، يبدأ بالأسرة أولاً، حيث لا تتحقق حياة الفرد وحريته، إلا في علاقة سليمة بالأسرة، والمجتمع، والدولة، والأمر يقتضي، خلق وتعميق قنوات للربط والاتصال، بين دوائر الولاء، بحيث يسودها الطابع التكاملي.
فالولاء للدولة القطرية أولاً، كما هو شعار كل الدول، ليس عيباً، وقد أخطأ من حاول أن يقفز فوق الولاء للدولة، إلى الولاء للأمة العربية، أو الإسلامية، ولا ندري كيف يتم العبور بدون الجسور التي تصل بين الشقين؟! إنما الولاء للقطر ظاهرة صحية، تعني أصلح نفسك أولا، تنفع الآخرين.
ويمكن أن يوجد الولاء للقطر، إطار عربي إسلامي، والعروبة لا تتعارض مع الإسلام، بل هي وعاء الإسلام الذي يمثل مصدراً هاماً من مصادرها.
وكل ما يجب أن نسعى إليه الآن، أن نجد لأنفسنا موطئ قدم، على خريطة التقدم الإنساني، أسوة ببقية شعوب العالم المتحضرة، ولكن علينا واجبات، كأعضاء في الإنسانية، وفي بلد يرتبط بعلاقات مختلفة، مع دول العالم، ولذلك يتطلب منا القانون الأخلاقي، بأن نعمل في اتجاه التقدم الإنساني، فيجب أن يكون التقدم ممكناً، أو على الأقل، يجب أن نعتقده ممكنا، ومن هنا ننطلق.
الخميس، يناير 14، 2010
لله يريدنا أحرارا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق