غادة مخُّول صليبا
تهرّع الأقلام للكتابة كلما حلّت كارثة ما في هذا العالم لتحلّل مصدرها وتواسي أهلها. إن زمن الكوارث الطبيعية والبشرية لم يكن ببعيد عنّا منذ سيول أمطار جدة وزلزال هاييتي مؤخراً ووصولاً إلى ما هزّ العمق اللبناني بتحطم الطائرة الأثيوبية فوق بحر لبنان. ذلك البحر الذي تقاذفنا فيه أسرار أحوالنا البائسة وغُسلت بأمواجه دماء شهدائنا وعلى شواطئه تنزّه أطفالنا. يوجد تناقض كبير في هذا البحر، فهو يتسع للأحزان والأفراح في آنِ واحدٍ.
إن ليد القدر لعبتها القاسية في هذه الحادثة الخارجة عن إرادتنا والتي كان لها الأثر الأكثر وجعاً. فالبرغم من تعودنا على مآسي الحروب والويلات التي لا تعد ولا تحصى في وطننا، إلا أن على متن تلك الطائرة كان هناك جزءٌ منّا تحطم وفقدناه إلى الأبد. كان الجزء الذي يحمل معه نفوساً حالمة بحياة أفضل في بلاد الاغتراب وكانت تشبهنا بالكفاح والإيمان والتذمّر اليومي من أوضاعنا الاقتصادية والأمنية المتدهورة.
إن وقع تلك الفاجعة كان بمثابة رسالة إلهية للبنان من غير حروف ومقدمات وشعارات. تسلّمها شعب بأكمله دون إستثناء. لم تفرّق بين غنّي أو فقير وسياسيّ أو مواطن عادي. وجدنا أنفسنا، ولأول مرة، نفتش عن ملء الغياب، واختفت أصداء الطوائف والانقسامات السياسية. شعرنا بروح واحدة تجمعنا في جميع أقاصي الأرض وصعقتنا تجربة الموت الفريدة والمديدة وانتابتنا رؤىً لفضاء لا نهائي. إننا كلبنانيين لدينا ما يكفي من الماضي وما زلنا ننثر الملح على جراحنا لعلّها تنام ولكن، إذ بها تعود بنا إلى وريدٍ يوجعنا.
مؤثرة هذه الكارثة اللبنانية غير السياسية التي وحدّتنا على الإحساس بالحزن والولاء لوطن واحد. كأنها عيدٌ سماويٌ بشّر به الخالق ليجمع قلوبنا ولو للحظات وكأنها صورٌ إنطبعت قُدسيّتها في أذهاننا، كما الموت والقيامة. نقفُ جميعنا اليوم إلى جانب جهود دولتنا وجيشنا الباسل للاستمرار في البحث عن ضحايانا ونجعل من لبنان بلداً محباً في وجه عاصفة صاعقة مزقتنا في الصميم ودون أن نسأل ذلك السؤال الذي لطالما رسخ في ذاكرتنا : من المهاجر؟ ولما لم يرجع إذاً؟
نحن، الأحياء على الأرض، أثبتنا مع أولئك الأحياء عند الله القدير، بأننا موحدون وطنياً ووجدانياً وإنسانياً وهذا يكفي لبقاء لبنان قوياً وعظيماً بأبنائه. ربما، قد كُتبَ لهذا الوطن بأن يخلّد بتاريخ أجيالِ من الألم والأمل. إن صلاتنا وشموعنا ودموعنا تقدمة لأرواحهم الطاهرة ولتكن مشيئتكَ يا رب.
كم تمنينا بأن لا يتّم توّحدنا فقط على يد مأساتنا وفي أرواحنا المنكوبة..
الثلاثاء، يناير 26، 2010
أرواحنا المنكوبة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق