صالح خريسات
أخطأ صديقي في تقديره للأمور، عندما دعا والده ووالدته، للتعرف على صديقه الأجنبي اليوناني، الذي حضر لزيارته، ومعه زوجته الفلندية.
فقد جلسوا في غرفة الاستقبال، وكانت الزوجة الفلندية، رشيقة القوام، جذابة المظهر، وطريقتها في اللباس، تضفي على مظهرها أناقة لا تبدو متكلفة.
وحسبما نقله صديقي، فإنها لم تكن تضع مساحيق للتجميل على وجهها، ولا تضع أساور ذهبية في معصمها، إلا أن قلادة من العقيق اللحمي، كانت تتأرجح على صدرها المكشوف، بدت كافية لتألقها، فيما بدا شعرها الذهبي كأمواج السنابل، تتجاوب مع كل نسمة هواء طارئة.
ومن سوء حظ تلك السيدة –يقول صديقي- أن تنورتها كانت قصيرة نسبياً، والسلسلة كانت مفتوحة عند خصرها، تتدلى منها ماركة تجارية "جيدة الصنع"، وعلق صديقي على ذلك قائلاً: إن والدها ثري، ويمتلك ميداناً خاصاً لسباق الخيل، وبدت تلك السيدة الأجنبية، منطلقة في أحادثيها العفوية، وهي تحاول أن تعبر بلغتها المختلطة بالعربية، عن مشاعر الغبطة والسرور، بهذه الزيارة غير الطبيعية، التي قلما يجود الزمان بها، سوى مرة واحدة في العمر كله.
وقالت: هذا شيء لن أنساه أبداً،.. لن أنساه أبدا، ولو عشت مائة سنة.
وجرى حديث بين الرجال الثلاثة، عن تبدل الطقس في مدن العالم، ومطاراتها، وانعكاسات ذلك على الصحة، وتطرقوا للحديث عن ظروف السفر ومتاعبه، وإجراءات الأمن في المطارات، وشكر الزوج الأجنبي والد صديقي، لإعطائه فرصة التحدث عن أشياء كثيرة، تخص اليونان، فبلادهم بلاد الحضارة، والفكر، والثقافة.
وفي الجانب الآخر، جرى حديث بين السيدتين، على أن والدة صديقي، لم تتجاوب مع تلك السيد الأجنبية، إلا بكلمات الترحيب المعتادة، والإيماءات الموافقة، على كل ما تقول.
وقال والد صديقي: إنه يشعر بسعادة غامرة، لأنه يتحدث مع سيدة محترمة، بينما شعرت الأم بأن زوجها يبتسم باستمرار، على غير عادته، أو أنه قد أسر تلك السيدة، بطريقته المهذبة في الحديث، وأدبه الزائد، وحين وجهت تلك السيدة حديثها، إلى والد صديقي، لتعبر عن امتنانها لهما، ووضعت ساقاً على ساق، حدث ما لم يكن بالحسبان، فقد نهضت الأم من مكانها، وتناولت بشكيراً كان معلقاً على الحائط، وألقته على سيقان تلك السيدة بنزق وعصبية، الأمر الذي أدهش الجميع، وأخرس ألسنتهم، بعض الوقت.
وقد لاحظ الجميع علامات الحيرة والذهول، على وجه تلك السيدة الأجنبية، التي نظرت إلى الأم بدهشة، وكأنها تسألها عن سبب تصرفها، وبأي حق تتحكم في أفعالها، أو حركاتها؟ ولكنها رأت من الأفضل، أن لا تفكر في الأمر كثيراً، وتظاهرت بالغباء، وحملت البشكير وألقته جانباً، وقالت لزوجها: يجب عدم الاكتراث".. لا شيء له قيمة".
وفيما حاول صديقي أن يتدخل، معاتباً والدته ليكون تصرفها إزاء السيدة الأجنبية، أرقى مما بدر منها، عادت والدته من جديد، وألقت البشكير مرة ثانية على سيقان تلك السيدة، وقالت: "الحشمة مطلوبة"، ونظر الزوج إلى زوجته، وكأنه يطلب منها أن تتحلى بروح رياضية، وتمنحه فرصة للتدخل، وقال لها: من الأفضل أن يعد الأمر منتهياً، إنها لا تقصد الإساءة إليك! ووجد صديقي نفسه في ورطة شديدة،لكنه بدا يتماسك عندما نهض والده، متعللاً بوجود أعمال كثيرة،لابد أن ينجزها، وأخذ بيد زوجته وهو يقول:. كنت في منتهى الصبر معك!.
وانزاح عن صدر صديقي وطأة الموقف، وعاد لتهدأة خاطر تلك السيدة، موضحاً أن والدته لم تكن تقصد غير ما جرت عليه العادة في بلادنا، وقال إن معايير الشعوب وقيمها مختلفة، وفي بلادنا توجد ضوابط اجتماعية، وقيم أخلاقية، لا يصح تجاوزها، وبخاصة في المدن المحافظة، فهم يفضلون الملابس الطويلة للنساء،وغطاء الرأس أيضاً.
هناك تعليق واحد:
ما اسخف هذا الموقف شكرا
إرسال تعليق