عمرة هاس / ترجمة صالح النعامي
يتضح إن إسرائيل تلجأ إلى الكثير من الوسائل والطرق لتكريس تصورها لحل الصراع مع الفلسطينيين، وسرعان ما يتبين أن أي إجراء يقدم عليه الكيان الصهيوني يأتي فقط لخدمة هذا التصور الذي يتناقض تماماً مع التصور الفلسطيني. الكاتبة والمعلقة الإسرائيلية عميرة هاس أشارت إلى واحدة من الأساليب التي تحاول من خلال إسرائيل تحديد حدود الكيان الفلسطيني العتيد، وذلك من خلال تعاطيها مع موظفي المنظمات الدولية العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية. وفي مقال نشرته في صحيفة " هارتس " توضح هاس المنطق الإسرائيلي منطق السياسة الإسرائيلية في التعاطي مع موظفي المنظمات الدولية وعلاقتها بموقفها من الصراع مع الفلسطينيين، وهذه ترجمة المقال:
تواصل إسرائيل عبر وزارة داخليته البصق في وجه العديد من الدول الصديقة لها، وهذه الدول تواصل الثناء على إسرائيل بسبب المطر المنهمر عليها. لقد قامت الوزارة مؤخراً بإلغاء بطاقات الإقامة والعمل لعدد كبير من موظفي المنظمات الأجنبية العاملة بشكل خاص في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، ومعظم هذه المنظمات منظمات تعمل في المجال الإنساني. وبدلاً من هذه البطاقات قامت الوزارة بمنح الموظفين الدوليين بطاقة سائح وهي بطاقة تحد إلى حد كبير من حرية العمل والحركة لهؤلاء الموظفين.
بهذا الأسلوب تعبر إسرائيل عن قمة الاستخفاف بمنظمات الإغاثة الإنسانية الدولية والجهود الإنسانية التي تقوم بها، مع العلم أن هذه المنظمات تقوم بإطفاء النيران التي تشعلها سياسة التمييز العنصري التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، فمؤسسات رسمية وخاصة في دول الغرب الصديقة لإسرائيل بشكل خاص تقوم بالتعويض عن بعض الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين جراء الاحتلال الإسرائيلي. لأول وهلة تبدو المساعدات التي تقدم للسلطة الفلسطينية والمنظمات الدولية العاملة في المناطق المحتلة كدليل على تأييد العالم للفلسطينيين وحقهم في إقامة دولة في حدود الرابع من حزيران عام 1967. لكن هذه المساعدات في الواقع تساعد إسرائيل على مواصلة الاحتلال. في العام 1993 عندما تم التوقيع على إتفاقية أوسلو لم يطلب أحد من إسرائيل دفع تعويضات للفلسطينيين بسبب الاضرار التي نجمت عن الاحتلال، حيث قامت الدول الغربية بدور إسرائيل في ذلك، بدلاً من ممارسة ضغوط قوية عليها لتضع حد لسياساتها الهادفة لمنع تطوير الضفة الغربية وتلك التي تؤدي الى مزيد من المآسي في غزة. وترى الدول الغربية أن أخذ مليارات الدولارات مما يجود به دافع الضرائب الأوروبي أسهل من ممارسة ضغوط على إسرائيل لكي تحترم القرارات والقوانين الدولية بشكل يؤدي إلى تقليص مدى ارتباط الفلسطينيين بالمساعدات الدولية. إلغاء بطاقات العمل لموظفي المنظمات الدولية هو صورة أخرى من الصور التي تعبر عن الكيفية التي تحدد بها إسرائيل حدود الكيان الفلسطيني العتيد. فهذا السلوك يدلل على أنه ليس وارداً لدى إسرائيل السماح بضم القدس الشرقية للدولة الفلسطينية، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عن كثب محاولاتها تقليص الثقل الديموغرافي للفلسطينيين في المدينة. كما أن الكيان الفلسطيني الجديد لن يضم قطاع غزة، حسب العرف الإسرائيلي، في نفس الوقت فإن جدار الفصل الذي أقامته إسرائيل في عمق الضفة الغربية بات يمثل محور الإجماع الإسرائيلي كالحدود الفاصلة بين إسرائيل والضفة الغربية، والآن تجري إسرائيل محاولات لضم منطقة ( ج ) التي تشكل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل. من هنا فإن وزارة الداخلية الإسرائيلي تلعب دورها في تكريس هذه الحقائق وذلك عبر فرض قيود على رعايا الدول الأجنبية، حيث أن هذه الإجراءات تدلل على إن اسرائيل تسمح لهؤلاء الموظفين بالحركة في مناطق ( أ ) و ( ب )، التي تشكل معاً 40% من مساحة الضفة الغربية، وبدون القدس وغزة و تقريباً جميع مناطق ( ج ). لقد فظنت وزارة الداخلية لتحديد لتمييز حدود إسرائيل غير المحددة عن قصد والجيوب التي تشكل السلطة الفلسطينية.
وحسب المنطق الإسرائيلي فإنه لا يحق للسلطة الفلسطينية السماح لأحد من الأجانب بدخول الجيوب التي تشكلها عبر المعابر الدولية التي تسيطر عليها إسرائيل، لذلك تواصل وزارة الداخلية عدم السماح لعشرات الرعايا الأجانب من دخول مناطق السلطة، مع العلم أن لهؤلاء علاقات عمل مع السلطة الفلسطينية، أو علاقات أسرية واجتماعية. والذي يثير الدهشة إن ممثلي الدول الغربية يبررون ذلك لإسرائيل ويقولون أنه من حق إسرائيل السيادي فرض قيود دخول على الأجانب تحديداً في المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل. بهذا العمى السياسي والكرم المالي تتعاون دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة في تنفيذ الخطوات أحادية الجانب التي تقدم عليها إسرائيل، وعلى الأخص تحديد الجيوب الفلسطينية.
رابط المقال:
http://www.haaretz.co.il/hasite/spages/1145134.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق