السيد محمد علي الحسيني.
من الواضح والمؤكد أن إيران تستغلّ الرابطة المذهبية الشيعية التي تجمعها مع بعض المواطنين العرب لتمدّ معهم جسوراً سياسية وعسكرية وأمنية ودينية واستخدامها في مخططها التوسعي نحو المنطقة العربية . ولكن الحقيقة أن ما يجمع الشيعة العرب بإيران أي الرابطة المذهبية هو ارتباط فكري ثقافي لا أكثر لا يسوّغ وجود مشروع سياسي مشترك بين الجانبين . فالإيرانيون في ثورة 1979 ابتدعوا نظاماً للحكم يسمّى ولاية الفقيه وارتضوه لأنفسهم ، وهو اليوم موضع شكّ من الشعب الإيراني , وفي كلّ الأحوال فإن هذه الولاية ليست من صلب المذهب الشيعي ، إنما هي اجتهاد فكري سياسي لبعض الشيعة . أما الشعوب العربية والشيعة العرب جزء منها ، فاختارت لنفسها أنظمة سياسية مختلفة تتلاءم مع خصوصيّات بلدانها .
لقد حدد الشيعة العرب منذ زمن بعيد خيارهم ما بين الحالة القومية بشكل عام ،أي بكل الإنتماءات الدينية و الطائفية و الفكرية، وما بين الحالة الطائفية . ومع التزامهم وإيمانهم وإفتخارهم بإنتمائهم الطائفي کشيعة عرب واحترامهم وتقديرهم لأبناء الطائفة من الأعراق الأخرى، لكنهم قدموا الانتماء القومي على الانتماء الطائفي . وثمة مسوّغات كثيرة لذلك أهمها الانطلاق من القاعدة القرآنية المعروفة (الأقربون أولى بالمعروف)، کما أن التفاسير الواردة بحق الآية 215 من سورة البقرة(يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين) تجعل مسألة تفضيل الحسنى للأقربين هي الأولى . كما أن النبي الاکرم {ص} قد قال في هذه الآية وهو يخاطب أبا طلحة (أرى أن تجعلها في الأقربين).
إن تفضيل الشيعة العرب الانتماء القومي على الطائفي مبرر في الميزان الشرعي ذاته، ذلك أن الأغلبية العربية وإن لم تكن شيعيّة فإنها سنيّة أي أنها تنتمي للدين الإسلامي . وقد فضل الشيعة العرب العربي السنّي على الشيعي الإيراني أو الأفغاني أو أي کان عرقه مع التقدير له ولعرقه. ذلك أن الذي يجمع العربي الشيعي بالعربي السني بالإضافة إلى الرابطة الدينية الجمعاء، رابطة الدم والقربى وهذا يدفع الشيعة العرب للانحياز أکثر إنسانياً وعقلانياً ومنطقياً للانتماء العربي.
لا شك أن الأمة العربية مرت في مراحل تصادم أو تباين مضرً بين الحالتين السنية والشيعية ولكن أعطتنا الکثير من الدروس والعبر الغنية حتى لا نقع في الإشكاليات والمطبات والمزالق الضيقة ذاتها التي وقع فيها آباؤنا وأجدادنا . إن الشيعة العرب يسعون لبناء حاضر وواقع جديد بإمكانه أن يكون جامعاً للحالتين الطائفية والقومية ويتجاوز أية ثغرات من الممكن أن تستغل في إثارة عوامل الفرقة والاختلاف بين الطائفة والقومية . وخصوصاً إذا عمل الجميع وفق مبادئ ومفاهيم عملية وواقعية جديدة تضع المصلحة الثنائية المشترکة فوق أي إعتبار آخر.
*المرجع السياسي لشيعة العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق