د. فايز أبو شمالة
"لو رسائلنا إليكم تحملها الكلمات، لما حملتها إليكم الطائرات" هي بلاغة لغة السلام التي لا تفهمها أمريكا، وبلاغة السياسة التي لن تدركها إسرائيل، فبهذه الكلمات القليلة اختصر الشيخ أسامة بن لادن الصراع الدائر بين التحالف الأمريكي الإسرائيلي من جهة، وبين الأمة العربية والإسلامية من جهة أخرى، فلو لم يكن أعداء الأمة قتلة، ومجرمين، وقساة قلب متوحشين، لما كان جيش المسلمين كما هو متهم اليوم، وطالما لا ينكر عاقل وجود هذا التحالف الأمريكي الإسرائيلي المشئوم، فهو يدرك تجلياته التي تظهر على هيئة صراعات متعددة الألوان، صراعات تدور على أرض العرب والمسلمين بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين حرية الرأي والاستبداد، بين ديمقراطية الشعوب ودكتاتورية الأنظمة، بين كرامة الإنسان ومهانة المكان، الذي صار مطيّة للمصالح الأمريكية الإسرائيلية، حتى وصل الاستخفاف بمصالح العرب، والاستهانة بهم إلى حد عدم الاستماع الأمريكي إلى شكواهم، وأنينهم، وتوسلهم، واستجدائهم، ليواصل التحالف المشئوم هجومه في اتجاهين؛ الأول: القتل الجماعي للإنسان العربي والمسلم، وقصفه بالطائرات الإسرائيلية والصواريخ الأمريكية، والثاني: القتل المنهجي لتطور الحياة العربية بالفساد والإفساد، وتوظيف الولاة القساة.
لم يبتعد ابن لادن عن حقيقة الصراع الدائر وهو يقول: "ليس من الإنصاف أن يهنأ الأميركيون بالعيش ما دام إخواننا في غزة في أنكد عيش"، فقد أحسن الرجل الربط بين المساعدات العسكرية والمالية الأمريكية لإسرائيل، وبين شلال الدم المتدفق على أرض غزة، فكلما فتحت أمريكا مخازن سلاحها ومالها لإسرائيل، كلما فتحت إسرائيل فوهات الرشاشات على المدنيين الفلسطينيين، وأغدقت في إطلاق الصواريخ عليهم، و كلما توسع الغطاء السياسي الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، كلما توسعت في حصار قطاع غزة. لقد أدرك أسامة بن لادن هذه العلاقة، وأمسك بالعصب الحساس في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو يشير إلى رسالة الفلسطينيين الذين مدوا رقابهم للذبح على طاولة المفاوضات ثمانية عشر عاماً، وانتظروا ما بعد اتفاقية أوسلو، ولكن إسرائيل أخرجت لسانها إلى دعاة التفاوض، أولئك الذين توسلوا السكين اليهودي لقطع شريان حياتهم، وتمنوا على الإسرائيلي أن يعطيهم ولو مساحة قبر، يواري رفاتهم، ليسمونه دولة فلسطينية مستقلة، ولكن دون جدوى، بل لقد أخرجتهم إسرائيل للناس عراة، إلا من ملابسهم الداخلية كما حدث في سجن أريحا!.
إن فشل المفاوضات في حمل رسالة العرب السياسية إلى إسرائيل، هو الذي أجبر ابن لادن، وسيجبر غيره على تحميلها بالطائرات إلى أمريكا، وهو الذي أعطى لحركات المقاومة الفلسطينية، والإسلامية هذا الحضور الجماهيري اللافت، وأعطاها كل الدعم، والتأييد، وأمدهم بالإسناد العربي، والإسلامي، رغم أنف إسرائيل، ورغم قصف أمريكا.
fshamala@yahoo.com
الثلاثاء، يناير 26، 2010
ابن لادن أَمْسَكَ بالعَصَب
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق