كفاح محمود كريم
كشفت محاولة إقصاء مجموعة من المشبوهين بانتمائهم أو ارتباطهم بحزب البعث، الذي حكم العراق طيلة ما يقرب من أربعين عاما وتورط في عمليات إبادة جماعية للسكان في شمال البلاد وجنوبها، وتسبب في تدمير شامل للبنية التحتية لواحدة من أغنى وأثرى بلدان العالم قاطبة، كشفت تورط الكثير من المسؤولين العراقيين من الخط الأول في التغطية على هؤلاء المشبوهين وإيصالهم الى دفة الحكم في السلطات الثلاث، ومن ضمنهم السيد صالح المطلك الذي لم ينف انتمائه أو ارتباطه أو تضامنه مع البعث ومجمل سياسات النظام السابق، والذي يشغل موقعه في مجلس النواب الذي يفترض على خلفية قانون الاجتثاث وتعديلاته ومواد الدستور الدائم أن لا يكون تحت قبة البرلمان أي شخص تفوح منه رائحة البعث، فكيف كان المطلك رئيسا لكتلة مهمة في البرلمان وكيف كان ظافر العاني ( الشهير بجوابه لمراسل العربية قبل سقوط النظام عن عدد الصواريخ العراقية المتبقية حيث قال: لدينا سبعة وعشرين مليون صاروخ، ويقصد كافة المواطنين العراقيين والمعنى واضح جدا ) والآخر الذي يتفاخر بانتمائه للبعث أمام مجلس النواب وعشرات آخرين من أمثالهم ومن الحاقدين على العراق الجديد واهم ثوابته وأساسياته في الديمقراطية والفيدرالية طيلة السنوات الخمس الماضية؟
والمثير في عملية الإقصاء أنها تزداد وتكبر مثل كرة الثلج حيث من المتوقع أن يصل العدد الى مئات من المسؤولين والموظفين الكبار والعسكريين والأمنيين في وزارتي الداخلية والدفاع، في واحدة من أهم عمليات التطهير والاعتقال التي أطلق عليها الشارع العراقي بالانقلاب على خلفية ما جرى قبل عدة أيام من منع للتجوال وانتشار واسع للقوات المسلحة بشقيها العسكري والأمني في مناطق معروفة بولائها لحزب البعث ومجموعة إياد علاوي والمطلك، والغريب إن مفهوم الانقلاب كان يستخدم دوما حينما تنقلب ثلة من المغامرين العسكريين في جنح الظلام لتستحوذ على السلطة والمال كما فعلها البعثيون مرتين في 63 و 68، بينما هذه المرة تم توظيف المفهوم الانقلابي بشكل مغاير تماما حيث تنقلب السلطة على بعض من أجزائها وموظفيها!؟
وفي كلتا الحالتين أو الصراعين هناك خلل واضح في طبيعة الصراع الاجتماعي والسياسي في العراق بين مجاميع من الحركات والأحزاب والكتل السياسية في ما بينها ومع تشكيلات ترتبط بالماضي ومحاولة إعادته أو تصنيعه من جديد باستخدام آليات ووسائل واعتمادات، لشرعنة نشاط وفعل كل طرف من الأطراف في قوانين الاجتثاث والدستور تارة وشرعية المقاومة والاحتلال لإباحة العنف والإرهاب تارة أخرى، وبين هذا وذاك يتم صهر وإذابة الأهالي في بودقة العنف والعنف المضاد وما يلحقه من فاقة وبطالة وانحسار في الخدمات الأساسية وتقهقر في المستوى المعاشي والحضاري.
ويبدو إن عمليات الاجتثاث والإقصاء لم تشمل كل البعثيين بل حصدت مجموعة بعينها يصفها البعض بالجناح العلماني في حزب البعث والتي كانت ابعد مسافة عن صدام حسين مقارنة مع المجاميع الأخرى التي توصف هي الأخرى بالتشدد والشوفينية القومية والتطرف المذهبي وتتوافق مع أجندات داخلية للحكومة أو خارجية قريبة، وقد استبعدت من عمليات الاجتثاث والإقصاء، بل نالت كثير من الدعم والتأييد في انتخابات مجالس المحافظات في العام الماضي، كما حصل في الموصل وكركوك وديالى.
إن المراقب لعمليات الاجتثاث والإبعاد يخرج بحصيلة غير ايجابية لما يحصل فالعملية في مجملها تخضع لمزاجات ومحسوبيات الكتل والأحزاب الرئيسية التي تقصي من تريد وتبقي من تستفيد منه ومرور سريع على المشهد الرقمي عشية التاسع من نيسان على حجم الهيكل التنظيمي لحزب السلطة في العراق نرى جدولا يثير الرعب لأول وهلة ولكنه يبدو أكثر سهولة بعد التحقق من طبيعة معظم المنتمين الى صفوف ذلك الحزب، فقد ضم في صفوفه ما يقرب من ( 1200000 ) مليون ومائتي ألف عضو أي رفيق حزبي، يقابلهم ما يقترب من ( 32000 ) اثنين وثلاثين ألف عضو قيادة فرقة، يقودهم ( 6000 ) ستة آلاف عضو شعبة تقريبا، يخضعون لقيادة ما يقارب من ( 250 ) مائتين وخمسين عضو قيادة فرع في كافة محافظات العراق، ومع أعضاء القيادتين القطرية والقومية ومكاتبهما الرئيسية ( الإعلام والمهني والمنظمات والعسكري ) يصبح حجم هيكلهم اقرب الى ( 1240000 ) يتبعهم ما لا يقل عن ضعفهم من المؤيدين والأنصار وبحجمهم من المرتزقة والانتهازيين فيكون الرقم فعلا مثير للخوف والتوجس وأنت تفكر في اجتثاثه أو إلغائه بالكامل؟
إلا أن الحقيقة بعيدة كل البعد عن تلك الأرقام المثبتة على جداول وسجلات المسؤولين سابقا وحاليا عن الحجم التنظيمي لحزب البعث وحتى في تعريف البعثي نفسه، فالعراقيون يدركون كيف كان النظام يزج الناس في حزبه ويضطر أفواجا آخرين بالانتماء الى تنظيماته طلبا للماء والهواء والغذاء والتعيين، وليس كل من انتمى الى ذلك الحزب أصبح مجرما أو خارجا عن القانون لمجرد انه كان بعثيا حتى من أولئك الذين تقدموا في سلم المسؤوليات بحكم تراكم الزمن أو الموقع الإداري، وربما قادت هذه المعطيات والاستنتاجات الكثير من زعماء الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة بعد السقوط الى السماح لبعض من قيادات البعث والمتعاونين معه الى الاشتراك في العملية السياسية وخصوصا إن الأمريكان يفضلون بعثا علمانيا مدجنا على الكثير من المتطرفين الآخرين (!).
وهكذا تأتي عمليات الاجتثاث بعد ما يقرب من سبع سنوات حركة سياسية متأخرة جدا لا يمكن تعريفها في أحسن الأحوال إلا كونها تصفية لحسابات انتخابية ربما لا علاقة لها بموضوع البعث الذي يفترض إن معظم قياداته انتهت إما الى السجن أو الإعدام أو الهروب والتورط في تعاملات مأجورة مع دول الجوار، وتشتت الآخرون الى أحزاب وفرق متناحرة تقتاد على بقايا أموال هُربت وسرقت من المال العام قبل سقوط بغداد، وما تبقى منهم أولئك الذين تم إيصالهم الى مجلس النواب أو الحكومة بواسطة القطار الأمريكي أو بعض عربات الأحزاب السياسية الرئيسية، والأكثرية لا علاقة لهم بأي شيء يذكر لأنهم أساسا كانوا متورطين في الانتماء لحزب السلطة كما ذكرنا إما لتعيين أو دراسة عليا أو قبول في جامعة أو ما الى ذلك.
ومن هنا تبرز أسئلة أكثر جدية أو ربما أكثر مرارة حول طبيعة المرشحين الى مجلس النواب وهل إن الشبهة والإقصاء يبقى محصورا فقط بالانتماء الى الحقبة السوداء وحزبها ومؤسساتها بصرف النظر عن الأمور الأخرى؟
وهل سيأخذون بنظر الاعتبار النزاهة المالية والمصداقية في التعامل والطهارة الاجتماعية ومدى صلاحية المرشح وطنيا وأخلاقيا؟
أم إن هذه الأمور مجرد ذنوب بسيطة أو شطحات لا تأثير لها على مستقبل البلاد وسمعة مؤسساتها البرلمانية والتنفيذية؟
وأخيرا إذا كانت كثير من مفاصل الدولة تعج بالمشبوهين سياسيا وماليا وتأهيليا واجتماعيا وأمنيا، فانه من الكارثة والمأساة والإحباط أن يكون مرجعنا في الحكم والتشريع مرتعا لمجموعات من أولئك المشبوهين والمرتشين بعد أكثر من ست سنوات من التجربة والممارسة.
فلنعمل جميعا من اجل برلمان خالٍ من المشبوهين؟
kmkinfo@gmail.com
الجمعة، يناير 29، 2010
من اجل برلمان خال من المشبوهين؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق