الجمعة، يناير 08، 2010

تطمينات أميركية لا تطمئن

نقولا ناصر

خلاصة الحراك السياسي العربي والدولي الجاري حاليا هي ممارسة ضغوط أميركية وعربية على منظمة التحرير الفلسطينية توفر ذريعة لرئاسة المنظمة وسلطة الحكم الذاتي التابعة لها وحركة فتح التي تقودها للتراجع مجددا عن شروطهم المعلنة لاستئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في تكرار لسيناريو تراجع الرئاسة الفلسطينية عن شروطها التي كانت قد أعلنتها لحضور مؤتمر أنابوليس عام 2007.

وفي مواجهة هذه الضغوط تناقض قيادة المنظمة نفسها، فبينما يؤكد رئيسها محمود عباس أن "علينا ضغوطا للعودة إلى المفاوضات" (قناة الجزيرة الفضائية يوم الأربعاء الماضي) ينفي أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة، ياسر عبد ربه، وجود أية ضغوط كهذه (الحياة يوم الخميس)، لكن الهدف في الحالتين واحد، فتأكيد الضغوط يمهد كمسوغ للتراجع عن شروط المنظمة المعلنة لاستئناف التفاوض، ونفيها يمهد للتراجع نفسه باعتبار الاستجابة للضغوط الأميركية مبادرة من المنظمة لا خضوعا لها.

واللافت للنظر أن الإدارة الأميركية لا تخفي ممارستها الضغوط على عباس لاستئناف المفاوضات، ويكاد يكون هذا هو الهدف الرئيسي للجولة السادسة التي سيقوم بها المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل للمنطقة أواسط الشهر الجاري، وتسعى إدارة باراك أوباما حاليا إلى دفع اللجنة الرباعية الدولية التي تضمها إلى جانب الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة إلى إصدار بيان مشترك خلال اجتماعها في بروكسل هذا الأسبوع يدعو دولة الاحتلال وسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية لاستئناف المفاوضات و"تأمل" واشنطن في أن يقود هذا البيان إلى "إقناع" عباس بأن يكون "أكثر مرونة" فيوافق على استئناف المحادثات.

واللافت للنظر أيضا أن واشنطن قد نجحت في تجنيد القاهرة لدعم الضغوط الأميركية، والقاهرة بدورها جاهدة على قدم وساق في تجنيد الدعم العربي لهذه الضغوط، فطبقا لصحيفة الجمهورية المصرية الأربعاء الماضي تتبنى القاهرة الآن مبادرة دبلوماسية جديدة "مستقلة" في ظاهرها عن الضغوط الأميركية من أجل تحقيق الهدف الأميركي ذاته لاستئناف المفاوضات بالشروط الإسرائيلية ودون شروط الرئاسة الفلسطينية المعلنة لاستئنافها.

وهذه "المبادرة" التي توصف ب"المصرية" مثلها مثل الجدار الفولاذي "المصري" الذي يبنيه سلاح المهندسين الأميركي تحت الأرض على الحدود المشتركة مع قطاع غزة كانا متوقعين غداة توقيع أوباما على قانون المعونات الخارجية في كانون الأول الماضي.

ومما يثير الاستهجان أن الاستجابة العربية – الفلسطينية للضغوط الأميركية ما زالت تتعامل مع شعوبها تعامل الراعي مع قطيع من الأغنام، حيث يجري التعتيم الكامل على ما يدور وراء الكواليس، وعلى سبيل المثال بينما يقول ياسر عبد ربه إنه لم يقدم أي "عرض" للمنظمة حتى الآن، أكد عباس يوم الأربعاء أن واشنطن قد صاغت خطة لإطلاق المفاوضات، وتتزاحم عناوين وسائل الإعلام في الحديث عن حزمة مقترحات ينقلها عباس إلى نظرائه من عرب وغير عرب ردا على حزمة مقترحات إسرائيلية، وعن اقتراح مصري – سعودي لاستئناف المفاوضات كان أبو الغيط وسليمان سيحملانه إلى واشنطن، وعن خطة أميركية سيحملها ميتشل معه إلى المنطقة.

ومما يثير الاستهجان أكثر في الحراك العربي – الفلسطيني الراهن أنه انطلق مباشرة بعد اجتماع القمة الأخير بين الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهي قمة لم يتسرب منها وعنها سوى تقارير إعلامية عن اقتراح من نتنياهو لعقد قمة إسرائيلية – فلسطينية ثنائية أو ثلاثية مع مصر، دون أي توضيح لما اقترحه، أو ما اتفق عليه، كجدول أعمال.

وبالرغم من تكرار الرئاسة الفلسطينية لشرطها الخاص بتجميد "مؤقت" للاستيطان كرد على هذا الاقتراح، فإن زخم الحراك السياسي والدبلوماسي العربي والفلسطيني المتوقع أن يتوج بالنتائج التي ستتمخض عنها زيارة وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط وزميله الوزير عمر سليمان إلى واشنطن قبل وصول ميتشل إلى المنطقة لا تترك مجالا للشك في أن نتنياهو قد ألقى في القاهرة طعما التقطته عواصم السلام العربية بسرعة، وتحركت على أساسه، فانعقدت اجتماعات قمة، وتنقل وزراء خارجية بين عواصم عربية وأجنبية، ويجري الحديث عن التحضير لمؤتمر دولي للغرض ذاته، بحيث لم يتركوا للمفاوض الفلسطيني إلا خيار التراجع الذي أدمن عليه بقدر ما اعتاد على أن يجد غطاء عربيا لهذا الإدمان.

لكن بالرغم من كل التعتيم، تكاد المصادر تجمع على أن الخطة الأميركية لإطلاق المفاوضات من جديد، مثلها مثل الخطة المصرية التي كشفتها صحيفة الجمهورية، تعتمد عل "تبادل الأراضي"، بنسب يجري التفاوض عليها، تتلخص في رسالتي "تطمينات"، سيحملهما ميتشل معه في جولته السادسة المرتقبة، واحدة لعباس تتضمن "انتقادا" للمستعمرات الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية المحتلة وتعرب عن "اعتقاد" الولايات المتحدة بأن حدود الرابع من حزيران 1967 هي الأساس لأي صفقة سلام في المستقبل، والثانية لنتنياهو تؤكد في جوهرها تجديد التزام إدارة أوباما برسالة الضمانات التي بعثها سلفه جورج بوش لرئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق الغائب عن الوعي آرييل شارون في الرابع عشر من الشهر الرابع عام 2004 وتقر فيها بوجوب أن تأخذ أي صفقة كهذه في الحسبان "التغيرات الديموغرافية" التي أعقبت العدوان الإسرائيلي عام 1967، أي المستعمرات الاستيطانية اليهودية، خلافا للقانون الدولي الذي يعتبرها مكاسب إقليمية تمت حيازتها بالقوة المسلحة وتم فيها نقل سكان من القوة القائمة بالاحتلال إلى الأراضي المحتلة، لا بل إن الجمهورية قالت إن "الخطة المصرية" تنص على موافقة منظمة التحرير على بناء ثمانية آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية وعلى تبادل للأراضي بنسبة تعادل ثلث مساحة الضفة!

وهذه بالتأكيد "تطمينات" أميركية مريبة لا تطمئن أبدا، ورسائل ميتشل التي ستحملها هي في الواقع رسائل "ضمانات" أميركية بتأطير الوضع الاستيطاني الراهن في الضفة العربية في صفقة "سلام" رسمية ملزمة، فالخطة الأميركية التي تقول المصادر إنها تحدد سقفا زمنيا مدته سنتان لإنهاء التفاوض على وضع نهائي "ينهي النزاع" تنقسم إلى مرحلتين يتم في المرحلة الأولى منهما الاتفاق على الحدود على أساس تبادل الأراضي ويتم تأجيل التفاوض على وضع القدس واللاجئين إلى مرحلة ثانية في السنة الثانية، مما يمثل ضمانة أميركية بتوفير غطاء فلسطيني وعربي ودولي لمزيد من الوقت تتسارع خلاله عملية تهويد القدس بخاصة بحيث لا يبقى ما يمكن التفاوض عليه في أي مرحلة لاحقة.

* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: