د. صلاح عودة الله
من المعروف أن مقالة الصحفية السعودية نادين البدير والتي تعمل في قناة"الحرة".."أنا وأزواجي الأربعة" والتي نشرتها صحيفة"المصري اليوم" قبل ثلاثة أسابيع قد أثارت ردود فعل واسعة النطاق في العالمين العربي والاسلامي, ولم يكن مقالها الثاني" بعدما ذقتم طعم العلقم", والتي ترد فيه على من هاجموها أقل اثارة من مقالها الأول. ردود الفعل تراوحت بين معارض مهاجم ومكفر لها وبين مؤيد ومتعاطف معها وان كان المعارضون المهاجمون هم الأكثرية الساحقة. لقد كنت من بين القلائل الذين دافعوا عن الكاتبة وذلك من خلال مقالي"قراءة عقلانية في مقال نادين البدير..أنا وأزواجي الأربعة", وباختصار شديد وضحت للقراء بأنها لم تكن تقصد بجد أنها تطالب بأن يكون من حق المرأة الزواج من أربعة رجال, فهذا الأمر ترفضه كافة الشرائع السماوية والوضعية وحتى أكثر الأمم ديموقراطية..فهذه دعوة واضحة للفجور والدعارة, وقلت كذلك بأنني أختلف معها في كيفية طرح الموضوع, ولكنني أتفق معها بأنها أرادت من خلال مقالها اثارة الرجال الذين يعتبرون المرأة سلعة تباع وتشترى متى وكيفما يشاؤون..نعم انها أرادت أن تضع هؤلاء الرجال في موقف يشبه تماما موقف تلك المرأة التي لا ينقصها أي شيء وهي تشاهد شريك حياتها يزف الى أخرى لأنه قادر ماليا أن يقوم بذلك ليس الا. لست بصدد اعادة ما جاء في مقالها, ولكنني أجزم أن معظم من تصفحوه قاموا بمهاجمتها بمجرد قراءة عنوان مقالها, فنحن أمة سطحية كل ما يهمها هو الشكل وليس المضمون وهذا الأمريعتبر أحد أسباب تخلفنا وتراجعنا, وفي نفس الوقت لا نزال نتغنى بأننا خير أمة أخرجت للناس, ولكن هل نملك ولو قليلا من الجرأة أن نسأل أنفسنا سؤالا بسيطا:هل حقا وفعلا أننا لا نزال خير أمة أخرجت للناس في وقت تعصف بأمة المليار ونصف المليار حالة من التشرذم والانقسام والعهروالتخلف والتبعية؟..لماذا يريد الكثير منا أن يعيدوننا الى القرون الوسطى وصكوك الغفران؟..هل ابداء الرأي والتعبير عنه أصبح جريمة يعاقب عليها القانون؟..لماذا لا نحترم رأي الاخرين ولماذا نتمسك بمقولة:من لا يتفق معي فهو ضدي؟. متى سيفهم علماء المسلمين الأجلاء مقولة"أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله", بأنها ليست حرباً بين الدين والدولة، ولا بين الدين والدين الاخر, بل ضد من وضع نفسه حاميا للدين وكان غيورا على فرض تصوراته وممارساته على الاخرين. لقد استطاعت الكاتبة من تحقيق أهدافها وأهمها أنها تمكنت من اثارة أعصاب الكثيرين من الرجال الذين يفهمون نصوص القران ويقومون بتفسيرها كما يطيب لهم, وأما الهدف الثاني فقد أصبحت مشهورة جدا, فلو لم تقم الدنيا ولم تقعد على ما جاء في مقالها لبقي الأمر محدود النطاق..وهنا أستذكر كتاب"ايات شيطانية" للكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي, وصدر هذا الكتاب في لندن عام 1988 وبعد أيام من نشره منعت الهند المؤلف من دخولها, وثار العالم الاسلامي عن بكرة أبيه ضد هذا الكاتب, وفي عام 1989 أصدر اية الله الخميني فتوى باباحة دمه..عشرون سنة مرت على اصدار هذه الفتوى, مات خلالها الخميني وأما سلمان رشدي لا يزال حيا يرزق, والنتيجة أن مبيعاته لكتابه تضاعفت كثيرا, باختصار شديد, لقد روج المسلمون لكتاب سلمان رشدي وهو لهم من الشاكرين..وأستذكر هنا مقولة الجنرال الصهيوني الماكر موشي ديان مع كرهي الشديد لها"العرب أمة لا تقرأ, وان قرأت لا تفهم, وان فهمت لا تطبق", فهل صدق ديان في مقولته؟. قبل أيام خلت وأنا أتصفح المواقع الالكترونية المختلفة لفت نظري الخبر التالي:" أمر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بالتحقيق في بلاغ يتهم الإعلامية السعودية نادين البدير ورئيس تحرير "المصري اليوم" مجدي الجلاد، على خلفية نشر الأولى مقالة تدعو فيها إلى السماح لها بالزواج من أربعة، فيما اعتبره مقدم البلاغ دعوة إلى الفجور". لنفترض جدلا أن الكاتبة ارتكبت خطأ كبيرا من خلال نشر مقالها, ولكنني أقول بأن الغالبية الساحقة جدا من السيدات يرفض جملة وتفصيلا دعوتها-ان كانت تقصد- بأن تتمتع المرأة بحق تعدد الأزواج, ومن هنا نقول بأن الخطر محدود ومحصور جدا ولم يكن ليس الا زوبعة اعلامية..والسؤال الذي يطرح نفسه وبالحاح:هل فعلا يجب تقديم الكاتبة للقضاء ومعاقبتها, وهل يجب كذلك مقاضاة صحيفة"المصري اليوم" التي نشرت المقال؟. لماذا لا يقوم من طالبوا بمقاضاة الكاتبة بالمطالبة بانزال أقسى أنواع العقوبات بحق من يسرقون خيرات شعوبهم ويحتكرونها لصالحهم ولصالح حاشيتهم, بينما تعيش الغالبية من هذه الشعوب تحت خط الفقر؟..لماذا لا يقوم من اتهموا الكاتبة بالدعوة الى الفجور بالمطالبة باغلاق النوادي الليلية والبارات والملاهي وبيوت الدعارة المنتشرة في كل مكان"على عينك يا تاجر"؟..لماذا لا يحاكم من هو مسؤول عن الكوارث البشرية غير الطبيعية كحوادث القطارات والطائرات والعبارات التي كان من الواجب اخراجها من الاستعمال لعدم صيانتها كما يجب, ونتيجة لذلك تزهق أرواح الالاف من المساكين..بينما نشاهد المسؤولين وذوي الشأن والطبقة الغنية لها وسائل نقلها المتطورة الخاصة بها والتي تخضع لأدق الفحوصات وباستمرار..لماذا لا يثورون ضد حكوماتهم لعدم تأمينها العلاج اللازم لملايين الأطفال, بينما نشاهد عملية نقل ابن مسؤول على متن طائرة خاصة ليعالج في الخارج..أين العدل يا سادة؟. الأمثلة تطول وليس بمقدوري حصرها, ولكن أين العلماء الأجلاء من كل هذه الأمور؟..لماذا أصبح شغلهم الشاغل هو ما تفوهت به نادين البدير ونسوا أمورا كثيرة أشد خطورة على مجتمعاتنا؟..لماذا نشاهد بعض الملتحين الذين صممت رؤوسهم بطريقة غريبة لا يرون بها سوى الوراء, يمضون أوقاتهم الرخيصة في شتم التغيير الايجابي؟..ولماذا نشاهد أصحاب أصوات"ليبرالية" مشهورة يصرخون دفاعا عن حريات النساء فيما لا تكشف رؤوس نسائهن على أحد، يطالبون بحق المرأة بكل شيء ويحرمون نساءهم من كل شيء؟..أليس هذا هو العهر بعينه؟..أليس هذا هو النفاق وأليست هذه هي الفاحشة؟..ومربط الفرس يكمن في مطالبة العلماء والمفكرين الغيورين على مصالح الأمة بتجسيد منظومة قيم اجتماعية تعبر عن جوهر الأديان وروحانيتها بدلا من التوقف عند قضايا شكلية واشكالية في نفس الوقت. ومن هنا نقول لكل من هاجم الكاتبة: قبل أن تفعلوا ذلك عليكم بتقديم أنفسكم لعدالة شعوبكم المغلوب على أمرها..وهي عدالة لا ترحم, وان غدا لناظره قريب.
-القدس المحتلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق