الاثنين، يناير 05، 2009

من جيوس إلى غزة

سامح عوده

– فلسطين
لأنه الدم الفلسطيني الواحد، ولأنها الأرض الفلسطينية الواحدة، فهي لا تقبل القسمة إلا على فلسطينيين، هي الأرض التي كانت تسمى فلسطين وأصبحت تسمى فلسطين، ليس المجال مفتوحاً لكافة العمليات الحسبية، ولسنا صفحة في أجندة أحد، نحن الورثة الحقيقيون لهذه الأرض لذلك كان قدرنا أن نكون فلسطينيون، نموت ونحيا نتعب ونشقى، نداس بأسلحة الغدر، ونقتل بسيف الصمت العربي..!!

بالأمس كانت الفعالية الأسبوعية في بلدة جيوس شرق قلقيلية، اجتمعت الفعاليات الرسمية والشعبية في البلدة، وساندتها مؤسسات المجتمع المدني، والفصائل في المحافظة، ليكون عنوانها وحدة " شعب واحد لا شعبين " " دم واحد لا دمين " هكذا هتفت الجماهير، فكانت غزة الحاضرة في جيوس كان العنوان " غزة "، هتفت الحناجر عالياً، بوحدة وطن، وبأرض واحدة، وبمصير واحد، هكذا كانت جيوس أكثرُ من الألفين فلسطيني وفلسطينية رفعوا العلم الفلسطيني عالياً، استظلوا بظله، وتوحدوا تحته، ساروا في شوارع البلدة باتجاه جدار الفصل العنصري، حيث تواجد الجند والعسكر، كانوا بالانتظار وكأنهم على موعد، فيوم الجمعة وتحديداً بعد الصلاة هو القبلة الثانية لأهالي البلدة، يوم الاشتباكات، ويوم الصدور العارية التي تتحدى بإرادتها المخرز ..!!..

في جيوس رأيتهم يشبكون اليد باليد، والساعد بالساعد، تعالت إرادتهم فوق الجرح، وتمسكوا بأن يكون هذا اليوم يوم الوفاء لغزة ، ما لبث أن وصل الفلسطينيون إلى الجهة الشمالية الغربية من البلدة حيث يطوق الجدار بين الضم والاقتلاع " 8600 " دونم، بدأ الفصل الحقيقي للمعركة، وبدأ الحاقدون يطلقون نارهم الحاقدة، غاز مسيل، ورصاص مطاطي، وذخيرة حية، كانوا يظنون بأن المسيرة الحاشدة سيتم تفريقها بكل سهولة، ظنوا خطأً بأن صور القتل المرعب وما يحدث في غزة سينال من إرادتهم، استمرت المواجهات ساعات وساعات، وليرغم الجيش الفلسطينيون على التراجع بدأ بإطلاق الغاز على المساكن الآمنة، التي لا يوجد بها إلا العجائز، والصبية، والمرضى، ومع ذالك توحد الشبان في حالة عشق قل ما تجد لها مثيلاً هذه الأيام، لم يكن بالإمكان إلا أن يكتبوا بالدم رسالة وفاء إلى غزة، ويجدوا البيعة لهم بأننا موحدون، همنا واحد، لن نسلم ولن نستسلم، ولن نساوم على ثوابتنا .

النساء والشيوخ والعجائز تقدموا إلى الصفوف الأولى، والى خط المواجهة الأول، أكدوا بأن مشهد الوفاء لن يكتمل إلا إذا قال الكل كلمته، دون خوف، أو رعب من محتل، أصروا على ما أصر عليه الجميع، بعثوا بكل ما يمكن أن يبعث من وفاء إلى غزة، وعاهدوهم بأن نكون على موعد دائم نتواصل روحانياً، نتوارد ذهنياً، نحمل أيادينا على الأكف وننتظر مصيراً واحداً إما الموت، وإما النصر، علامةٌ فارقة في سجل عطاءات شعبنا، وأيقونة معطرة بدت واضحةً في سماء جيوس .

منذ أكثر من شهرين والفعاليات في بلدة جيوس تنظم المسيرة تلو المسيرة، بشهادة كل المراقبين الذين تابعوا ما يجري في البلدة، فالمسيرات الأسبوعية يزداد زخمها، ويزداد ترتيبها، ولان الإصرار الذي رأيته في عيون الناس في جيوس يختصر كل بلاغة الكلام، وفلسفات اللغة، لذلك هم مصرون على الاستمرار رغم همجية الاحتلال وبشاعته، فالجدار، والاستيطان، والعدوان على غزة هي دليل على تشابه الاحتلال في أدواته وقمعه رغم اختلاف المكان والزمان .

بكل أسف رغم الصفاء، والنقاء، والطهارة التي يحملها شعبنا في الضفة وغزة، ورغم حالة التوحد التي صاغها شعبنا في مواجهة إجرام العدو الصهيوني إلا أن إعلامنا العربي وبكل أسف يحاول وبكل عبثية نقل المشهد بضبابية ودون وضوح، في بلدة جيوس رأيت مشهداً وحدوياً، وطنياً متقدم، في مسيرة يتجاوز المشاركون ال " 2000 " مواطن تجري المواجهات، وتضرب المنازل بالغاز المسيل للدموع، ويطلق الرصاص الحي على الصدور العارية، ويسقط الجرحى، بالمقابل لم ينقل الحدث وما جرى في البلدةعبر فضائياتنا العربية حفظها الله، كأن ما جرى في البلدة لم يكن حدثاً معبراً لينقل إلى العالم، بالمقابل مسموح أن يظهر قادة العدو الصهيوني بدئاً من " تسيفي لفني " وانتهاءً بالمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وهم يدلون بدلوهم ويتوعدون الفلسطينيون والمقاومة عبر فضائياتنا العربية ووسائل إعلامنا العربي ، فإلى متى يبقى هذا العبث والتضليل في الإعلام العربي؟ سؤال أبقيه للفضائيات النفطية، ولمقاولون الذين يرقصون على جرحنا ..!!

الحرب على غزة تتشابك خيوطها، وخسائرنا في صفوف الأبرياء والأطفال والمدنين مرتفعة، كما أن هناك تدميراً لكل مقومات الشعب الفلسطيني من بنى تحتيه وممتلكات، ومع ذلك ما يزال الصمود هو العنوان، الحال في غزة وفي جيوس التي خسرت الكثير من أرضها، واقتلع زيتونها، وحاصرها الاحتلال من كل الجهات، هي الحالة نفسها، إما حصار وإما موت تحت قنابل الدمار، ومع ذلك فالفلسطيني الأقدر على الحياة، حتى وسط حقول الألغام، من هناك من جيوس علت الحناجر، وارتفعت الأيدي الطاهرة إلى رب الكون " اللهم أنزل غيثك، وثبت جندك، وكسر عدوك، انك على كل شيء قدير " هذا ما يملكه الفلسطينيون صدورٌ عارية خلقت لتجعل من الموت فلسفة، وقلوب لا تتوجه إلا لله ترتجي منه الثبات والنصر .

ليست هناك تعليقات: