سعيد علم الدين
قريبا جدا سيقف العالم صامتا وهو يستمع بخشوع إلى طرقات رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهي الهولندية، وهو يفتتح المحكمة بصوته المجلجل، قائلا:
بسم الله، بسم الشعب اللبناني، بسم الإنسانية جمعاء!
نفتتح محكمة العصر لنحقق العدالة للشهداء: رفيق الحريري، باسل فليحان، سمير قصير، جورج حاوي، جبران تويني، بيار الجميل، وليد عيدو، أنطوان غانم، فرنسوا الحاج، وسام عيد وإلى جانبهم أكثر من تسعين شهيدا ومئات الجرحى سقطوا بيد الإرهاب المنظم للاغتيال السياسي.
فأبشري يا مدينة الشهداء والحقيقة والعدالة والحكمة والشريعة والحضارة والنضارة يا بيروت!
يا عاصمة الأحرار وهي تنشدُ بالأرواح أغان المجد لشهداء الخلود!
يا دمعة عين المريسة التي ما زالت منسابةً على الخدودِ بِدِعة وصبرٍ وهدوء كقطرات الندى على الورود، إلى أن تتحقق العدالة ويعاقبُ القتلةُ: الرئيس قبل المرؤوس!
يا درةَ البحر الأبيض المتوسطِ المبسوطِ تحت قدميك اليانعتين يُقَبِّلُ شفة لبنان السيد الحر الديمقراطي العربي المستقل، الشامخُ بأرزه شبابا من الشمال الى الجنوب!
يا شمس الشرق الناهض من تحت ركام التاريخ الى العلى رغم فداحة المآسي وفظاعة الآلام وشدة الخطوب!
أبشري يا بيروت يا حبيبة الملايين والأمم والشعوب، ويا غالية كدرة الياقوت على كل القلوب، فالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بشرنا "بأننا على مسافة قريبة من بر الأمان عبر المحكمة الدولية". ولكن، لكي نقطع هذه المسافة الخطرة بسلام، فالحذر ثم الحذر الشديد جدا الآن من أحرار لبنان ورموز 14 آذار هو المطلوب!
كيف لا والمتضررون كثر والمتورطون كثر والعملاء كثر والقتلة والمجرمون ما زالوا يسرحون ويمرحون في لبنان ويعربدون على الطرقات والدروب!
فكيف إذا ما زال لهم في الدولة ويا للأسف عملاء وخونة وجيوب تسهر على تسليم أحرار سوريا من المعارضين لنظامهم القمعي الدموي القاتل، كما حصل مع المعارض السوري نوار عبود.
وأكده رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن، وأيضا النائب مصطفى علوش. حيث قامت مجموعة أمنية لبنانية عسكرية باعتقال عبود تعسفيا في مدينة طرابلس، نهار 24/12/2008، ومن ثم تسليمه الى المخابرات السورية دون المرور بالاطر القانونية اللبنانية ودون مراعاة لأبسط حقوق الإنسان والقوانين الدولية؟
هذا عمل خطير جدا ويؤسس لأعمال أخطر!
فالبارحة اضطر المعارض السوري الحر النائب مأمون الحميصي الهرب من بيروت لاجئا الى امريكا بعد ان اكتشف محاولة لاغتياله من قبل المخابرات السورية واليوم جاء دور عبود، وغدا على من الدور؟
على أحرار لبنان من قوى 14 آذار!
نطالب الحكومة اللبنانية بجلاء الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن هذا العمل الإرهابي الحقود.
فالعدالة لا تتجزأ، ونحن في عهد الرئيس الديمقراطي ميشال سليمان ولسنا في عهد الدمية البشارية لحود.
فسلام لك يا بيروت يا من تحملت المكاره والتعديات والتحديات والاستفزازات الى أبعد الحدود.
يا من واجهت بصدرك العاري الاغتيالات والاحتلالات وظلم ذوي القربى فخجل من مدى صبرك على المكاره حتى النبي أيوب.
يا من صمدت أمام عواصف الفتنة وزوابع الأشرار، كصمود "روشتك" أمام الأمواج الهائجة وأعاصير البحار.
يا مدينة الهامات الكبار في وجه مؤامرات الفتنة وعصابات الأشرار.
وما انحنت قامتك لاعتداءاتهم بل قاومت بعين الحق والحقيقة مخارز أبناء السوء، حتى أن اتفاق الدوحة الذي فرحوا به كالأطفال كانت نتائجه بالكامل، وكما نرى الآن لمصلحة لبنان أولا، ولإنجاز أهداف انتفاضة الاستقلال في الحرية والسيادة والديمقراطية والاستقلال وقيام المحكمة، وفتح البرلمان ومعها السفارة السورية، وباعتراف رسمي سوري موثق لأول مرة في التاريخ بدولة لبنان.
ونريد أيضا من الجارة الجبارة فك أسر المعتقلين اللبنانيين الذين اعتقلوا عشوائياً، واعتراف رسمي سوري موثق بلبنانية مزارع شبعا وليس شفهياً.
ومن أهم نتائج اتفاق الدوحة ايضا:
انتخاب الرئيس الديمقراطي ميشال سليمان، الذي أثبت في مؤتمر الدوحة ومن ثم في قمة الكويت أنه أرزة لبنانية شامخة، صلبة، عنيدة بالحق، محافظ على القيم والمبادئ والمعاهدات والمواثيق، جذورها في عمق الأرض ورأسها في عنان السماء.
فأبشري أيها الصابرة منذ سنوات فالمحكمة قادمة ونصر العدالة على جبينك العالي بيد الله مكتوب.
فأبشري يا أعطر مدينة في العالم. بعد أن تعطر نسيمك العليل بدماء أبناءك الزكية، ليفوح بأزهار الأبدية.
أبطال بررة واجهوا المنية بصدورٍ أبية وقدموا الروح دون خوف من ملامة أو رَدِيَّهْ.
وعاد الشهيد النائب جبران تويني الى لبنان بشجاعة الفرسان حاملا دمه وقلمه مشعلا سرمدياً في بلاد الشرق للأحرار والحرية.
ليتم اغتياله في اليوم الثاني من عودته. فالقتلة لهم عيون مبثوثة في كل مكان. والمحكمة ستعيد الى الشعب الأمان.
وعلى نفس طريق الجلجلة عاد الشهيد النائب انطوان غانم بشجاعة الفرسان حاملا دمه وفكره مشعلا سرمدياً في بلاد الشرق للديمقراطيين والديمقراطية.
ليتم اغتياله في اليوم الثاني من عودته.
لا بد من انتصار العدالة لكي تهدأ الأفئدة وترتاح القلوب.
زلزال 14 شباط الإرهابي البشع يطرق أبواب التاريخ مجدداً بطرقات القاضي ليؤكد للعام أجمع أننا على أعتاب عصرٍ جديد، عصرٌ ستنصر فيه العدالةُ على شريعة الغاب والافلات من العقاب وستنهض دولة القانون من تحت ركام القرون.
وكما بشرنا في كلمته في المجلس النيابي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأن: "المحكمة الدولية ستفتح ابوابها اول اذار لكشف قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتوجد توقعات كثيرة، ويتوقع ان تلبي توقعات الجميع، وتؤدي القوانين الدولية"، مذكرا النواب وكأن الجرح الدامي ما زال طريا بأن "الحريري كان قبل دقائق في هذه القاعة قبل دقائق من اغتياله منذ 4 سنوات".
فأبشري يا مدينة الشهداء يا بيروت وكفكفي الدمع المسكوب، فالحقيقة ستظهر ولا ملاذ للمجرم سوى العقاب الصارم. كيف لا ومعرفة الحقيقة في هذه الجريمة البربرية النكراء أصبح مطلبا أمميا، قبل أن يكون صرخة الملايين من اللبنانيين والعرب المطالبين بها.
وكل من يغطي الجريمة ويعمل على تشويه الوقائع واللعب بأمن لبنان واستقراره فسيدفع الثمن غاليا! وكل ممارسات وحركات وتصرفات المتورطين الحمقاء ومؤامراتهم المكشوفة ستنقلب على رؤوسهم.
المظلوم يجب أن يحصل على حقه من الظالم، من خلال الشرعية وليس أخذاً بالثأر. ونحن اللبنانيون نطالب فقط بالعدالة وإحقاق الحق وردع المجرمين. وتبقى الحقيقة ومهما كانت مرة الدواء الشافي لإنقاذ لبنان من الخراب والفتنة وإحلال السلام الحقيقي الأهلي في ربوعه.
لا بد من فقأ الدمل واستئصال المرض لكي يشفى المريض. وكفى بلبنان دمامل وأمراض وأوبئة وسرطانات كادت أن تقضي عليه.
دماء الشهداء الأبرار طهرت لبنان وكشف الحقيقة ستشفيه من كل أمراضه.
فأبشري يا مدينة الأحرار ولا تنامين على حرير، فالحذر الشديد جدا اليوم هو المطلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق