خالد ساحلي
من سنين لا زلت أنا كما أنا، وهم من سنين لا زالوا كما أعرفهم. تغيروا لا كما كانوا. وما كانوا يوما ما أرادوا، تنشد ذاكرتي ما وعدوا، ما وعدوا لا زال على التلفاز أشاهده، تكبر صورهم الجميلة على الجرائد، تكبر أصواتهم، تكبر من فوقها العناوين. باعوا الغاز و البنزين ، باعوا الموت للإخوان، حين استحال قنابل ، تلدها طائرات المحتل على الرؤوس ، يا مصانع السلاح على ترابنا المباح ، تنتجين للأبرياء الفناء بما باعوك. يا شوارع الغضب، من اشترى منك الصياح. باع دمك لدم الأعداء.
من سنين لا زلت أنا كما أنا، أتلهى بلقمة العيش، اليأس رفيقي في اكتظاظ السير، رفقاء نحن الاثنين على فاحشة الليل و النهار، أنغام الفن الداعر، نتسلى ثم ننبطح، هزيمة زنا الكلاب المهجنة، نتقيأ التاريخ السخي حين ينثر روايات مصيره. ننهزم كالغثيان ، ننضّم للقبائل التي عُدَتها المعتقل وبارود الكرنفال، نكسب الحاكم وننال السخاء. من سنين لا زلت أنا كما أنا، أسرد للأطفال المواقع المقدسة بجزيرة العرب كيف تًجْمَعُ العرب، شعائر الحج و الطواف و الرجم. لا يسكن الشيطان هناك فقط، إبليس فينا ومنا، لا أحد يرجمه، هو الحليف. لا زلت أنا كما أنا، أظهر الطهارة بصلاة الرياء، بتعويذة تبعد وساوس النفس الخبيثة أسمعها في الدعاء لمن حولي، أخفي الوحش الخبيث و الأنانية التي أتمناها، عساها توصلني لحكم كل الرقاب . أن أتزوج كل النساء و تتواصل علاقاتي بكل أنثى داخل حدود مملكتي. أن أجول كل عواصم العالم و أتربع على خيرات كل البلاد كيف السبيل لأرقى في السماء، أو حتى أصير ملكا ولو على كثبان رمال. أنا لا زلت كما أنا أحلم بمكان فيه دفأ الربح و لو بالوشاية، يضمن لأبنائي مستقبلا كما الزهور من بعدي ، لا وجع رأس فيه و لا هتاف معارض وخروج. الخيانة لا تعني شيئا فالثمن عهد الكبار ولاء حتى الأبد. لا زلت كما أنا في حلقات السمر في ليالي البكاء، التعازي للعزاء، ألعب دور البطل المغوار، و لا أرضى بما دون البطولة في التمثيل كيف الشقاق يجول أزقة عربية حمقاء، وقصة أهل الكهف الذين ناموا ببلاد الشام. أرض العرب كبيرة عرفها الاحتلال ، الفرنسيس و الانجليز و الأمريكان و البرتغال والأسبان كلهم خرجوا وعادوا تحت جناحي إسرائيل . أسرد للأطفال من كان البارحة محتلا لا يمكنه الدفاع عن المظلوم.. لا يمكنه أن يكون حليف الضعفاء. أنا لا زلت كما أنا لا خجل، أغتنم أنين الضعفاء، وصراخ الثكلى أعلّق نياشين اليسار، انتعل زوج أحذية اليمين، وحين يغيب وعيي في فهم دور البطولة، ديمقراطيات اللعب المعلبة أركض ملتجئا للوسط فالعصا يحلو بها اللعب ، حين تشد من الوسط . أنا لا زلت من قديم الزمان كما أنا. أنتقد الضعف العربي وبتروله و ماله المنهوب المعطى للمستثمر من الأعداء، لا زلت أحتج بفتح الفم الذي لا يتوقف عن الكلام، سبحان الذي شق فمي وجعل عليه الرقيب. لا زلت أتساءل بخبث ابن آوى، بالأموال ينشر دين الله في أصقاع الأرض، و ملايين النسخ الفاخرة من القرآن. تُظِهرُ دين الله، تثبيت العقيدة، تظهر كيف يصير الخلق سواسية، كيف تهون الدنيا عند الله في قتل مسلم... يا أرض الله يا فلسطين كم من شهيد تزفين؟ يا دمع هارون الرشيد لضفيرة الحرة تقطعها قلة الإنفاق، كتاب الحرة لأمير المؤمنين في الصرة، أغلى ما عند الحرة ضفيرتان، أجعلها رباطا فرس تغزو من أستباح المقدس فينا. يا ارض الله في أقصى الأرض أشهدي تهنئة الشهداء لا القتلى.
من سنين، لا زلت أنا كما أنا أقيم الصلاة في المسجد، أحضر الجمعة، أسمع خطبة الأمة الواحدة والدين الواحد، المصير المشترك كالبناء المرصوص... وجزاء الشهداء الأحياء عند ربهم.
من سنين تغيروا، وقّعوا بالصمت على الصمت، لغة الفهم استحالت لا كلام... بقعة أقصى الأرض حولوها بالحصار لمعتقل وأقاموا لأهلها المحرقة. قصف ودك البيوت، غول طاعون الموت، وقنابل ملونة بالفناء، ورسائل في السماء ترتجف، تدعو للمغادرة. تغيروا من سنين، تركوا الأحياء للموت، مثل الذباب تغيروا من سنين لبسوا السكوت، ألفوا صور القتلى، ومناظر التنكيل. تغيروا من سنين، حين قالوا ليست فلسطين المقدسة وديعة في أعناقنا. ورضوا بالمذبحة.و أنا لا زلت كما أنا أثقل الأرض حتى لا يختل قانون الجاذبية، كصخر صلد، كحجر في جبل، كأي شيء لا يتحرك. أنا لا زلت كما أنا وهم تغيروا.
السبت، يناير 17، 2009
لا زلت كما أنا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق