راسم عبيدات
........واضح جداً أن هناك حالة من الانقسام والتباين الفلسطيني والعربي حيال المبادرات المطروحة لوقف العدوان على شعبنا الفلسطيني،وهذه المبادرات تتمثل في قرار مجلس الأمن رقم 1860 والمبادرة المصرية،والموقف الفلسطيني حيالهما يعكس خلافاً بين منهجيين ومشروعين سياسيين،واحد يرى بأن لا خيار إلا خيار المقاومة والنضال،والذي يجب أن يعول عليه من أجل انتزاع الحقوق والتحرير وإعادة الهيبة والكرامة والعزة للإنسان العربي، وخيار آخر يرى بالمفاوضات طريقاً وسبيلاً لانتزاع دولة من فم الوحش الصهيوني؟،ومن هنا رأينا قوى الإسلام السياسي حماس والجهاد والقوى الفلسطينية الأخرى شعبية وديمقراطية وقيادة عامة ...،ترى أنه من غير الممكن الموافقة على المبادرة المصرية،والتي تشكل دعماً ومساندة للضحية على الجلاد،والمقاومة ما رفضته قبل العدوان لن تقبل به تحت ضغط العدوان،فعضو المكتب السياسي لحركة حماس السيد موسى أبو مرزوق والدكتور ماهر الطاهر مسؤول فرع الجبهة الشعبية في الخارج في تصريحاتهما ولقاءاتهما مع قناة الجزيرة أكدا على رفض المبادرة المصرية دون أخذها بجوهر الملاحظات الفلسطينية عليها،والتي حسب قولهما لا تشتمل على ربط وقف العدوان بانسحاب إسرائيلي من المناطق التي أعادت احتلالها في قطاع غزة،وكذلك يجري الحديث عن هدنة طويلة من 10 – 15 خمسة عشر عاماً،ناهيك عن نشر قوات دولية على المعابر والحدود ليس لحماية شعبنا الفلسطيني من العدوان،بل من أجل توفير الأمن والحماية لإسرائيل،عدا عن منع المقاومة ليس من تهريب الأسلحة بل وتصنيعها،والوقف الدائم لإطلاق الصواريخ على إسرائيل،وكل ذلك في مقابل فتح المعابر بترتيبات يجري الاتفاق عليها وعلى أن يصار إلى رفع الحصار لاحقاً،وبمعنى آخر استسلام فلسطيني كامل وتأبيد وشرعنة الاحتلال،ولعل وزيرة الخارجية الإسرائيلية"تسفي ليفني" عبرت بشكل واضح عن موقف إسرائيل وما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي من المبادرة المصرية بالقول أن ما يجري من مباحثات في القاهرة حول المبادرة المصرية هو ضد حماس وقوى المقاومة الفلسطينية وليس في مصلحتهما،وموقف السلطة الفلسطينية يصل حد التطابق والتقاطع الكبير مع المواقف المصرية والسعودية من هذه المبادرة حيث يؤكدان على أهمية قبولها والموافقة عليها فلسطينياً،وفي رأيهما أن المهم هو الآن وقف العدوان .
في حين ترى حماس ومعها باقي القوى الفلسطينية ودول عربية وإقليمية أن هذه المبادرة تشكل خدمة ومكافأة للعدوان.
ومن هنا فنحن نرى أنه في ظل استمرار انقسام الموقف الفلسطيني حول المبادرة المصرية وقرار مجلس الأمن،فإن ذلك سيشكل ربحاً صافياً للعدو في استمرار عدوانه وذبح شعبنا،وهذا يتطلب من السلطة الفلسطينية أن ترفع سقف مواقفها بما ينسجم وحجم العدوان والهجمة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني،والتشديد على أن المطلوب الآن ليس فقط وقف العدوان،بل ضرورة إنهاء الاحتلال،لكونه هو السبب الرئيسي في كل ما يحدث وأن لا عودة إلى المراهنة على وعود فارغة وجوفاء لا من الإدارة الأمريكية ولا من الرباعية،والتعامل مع شعبنا بالقطاعي والمفرق وكأن هناك فقط عدوان إسرائيلي على القطاع غير دقيق،فالعدو يمارس عدوانه على الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وفي مناطق 48.
أما حول حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية،فواضح أن هذه المبادئ والقيم والمعايير تخضع لاعتبارات المصالح ومدى خدمتها وتوافقها مع أهداف الدول المعتدية،وليس لاعتبارات أنها قيم ومعايير إنسانية يجب أن تطبق على الجميع وبغض النظر عن اللون والجنس والدين وغيرها .
والمهم هنا أن الكثير من الفلسطينيين والعرب السذج،يرهنون حركتهم وحقوقهم إلى الرأي العام الدولي والمواقف الأوروبية الغربية،والتي يعولون عليها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً بتأييد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة،ناسين أو متناسين أن من زرع إسرائيل في خاسرة الشعب الفلسطيني وقسم وجزء الوطن العربي،لن تخرج أو تبتعد مواقفه عن المواقف الأمريكية،بل هي تتقاطع معها استراتيجياً وتختلف في جزئية هنا أو هناك. فرغم كل همجية وبربرية ووحشية العدوان على شعبنا الفلسطيني في القطاع وقتل الأطفال والنساء،وجدنا أن الغرب بكل تلاوينه الرسمية وقف إلى جانب العدوان،من ساركوزي الى ميركل الى براون،فقد أعلن الاتحاد الأوروبي بأن ما تقوم به إسرائيل من عدوان ومجازر ومذابح بحق الشعب الفلسطيني،هو حرب دفاعية،ومن ثم في مجلس حقوق الإنسان،رفضت إدانة إسرائيل واعتبار ما تقوم به جرائم حرب، في نفاق و"تعهير" لكل المعايير الإنسانية،وبما يعري ويكشف حقيقة وازدواجية معايير ونفاق هذا الغرب وطبيعته العدوانية والاستعمارية.
أما عن المواقف العربية الرسمية وتحديداً ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي منه،فهذا المعسكر بدا أنه في خانة المشارك في العدوان على الشعب الفلسطيني،من خلال التصريحات والمواقف أو المبادرات المطروحة،وتعطيل عقد القمة العربية أو اتخاذ قرارات عربية ترتقي الى مستوى وحجم العدوان،وهذا المعسكر رغم دخول الحرب أسبوعها الثالث وعدم التزام إسرائيل بقرار مجلس الأمن رقم 1860 الذي سعى إليه وزراء الخارجية العرب،بعدما فشلوا في اتخاذ أي موقف وقرار من شأنه دعم ومساندة صمود شعبنا الفلسطيني في القطاع ووقف العدوان الإسرائيلي عليه،واليوم مع اتضاح حجم المجازر والمذابح المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني،استمر في مواقفه الرافضة لعقد قمة عربية،قمة ترتقي في قراراتها الى حجم المجزرة والمذابح،وأصر على أن الحل يكمن في موافقة المقاومة على المبادرة المصرية،هذه المبادرة التي تكبل وتفرض قيود واشتراطات على المقاومة،بل من شأنها إن تشكل ربحاً صافياً للعدوان.
واليوم باكتمال النصاب لعقد هذه القمة،فإن هذا المعسكر يجد نفسه في مأزق يتعمق ويزداد انكشافه أمام شعوبه والجماهير العربية،هذه الجماهير التي لا تبرأ هذه الأنظمة من الدم الفلسطيني،والتي ترى بأن العرب إذا ما أضاعوا هذه الفرصة،فأنهم سيكونوا قد أضاعوا فرصتين لتحقيق انتصار على العدو ولو بالنقاط،في تموز /2006 وكانون أول/2008 .
وهذا المعسكر هو نفسه الذي تآمر وشكل الغطاء لإسرائيل في عدوانها على حزب الله والمقاومة اللبنانية في عدوانها في تموز/2006،ها هو يوسع من دائرة علنيته ومشاركته في العداء لخيار ونهج المقاومة،من خلال الاصطفاف العلني والواضح مع أعداء الأمة،تحت حجج وذرائع،أن هذه الحروب والمعارك تشن لصالح قوى إقليمية في المنطقة،هذه القوى التي مواقفها لا تقارن بالمواقف الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية،والتي لم تجلب لمنطقتنا وشعوبنا سوى الموت والدمار والاحتلال،من العراق ومرورا بلبنان وانتهاءً بفلسطين.
وهذه الأنظمة عليها أن تعرف وتعي جيداً أن إسرائيل وأمريكا،لن تشكل حاضنة وداعمة لها في الحفاظ على مصالحها اذا ما شعرت أن هذه الأنظمة غير قادرة على تنفيذ ما يطلب منها، فالكثير من الأنظمة التي تخلت عنها أمريكا عندما كفت عن تأدية دورها وخدماتها،وهذه الأنظمة والتي تأتمر بالإرادة الأمريكية،وتعطل كل جهد من شأنه أن يعيد الاعتبار لهيبة ووجود وحضور هذه الأمة،أنا واثق أنه مهما طال الزمن أو قصر لن يكون مصيرها بأفضل حال من مصير شاه إيران.
فلسطين
الأربعاء، يناير 14، 2009
عن المبادرات وعن قرارات مجلس حقوق الإنسان وعن القمة العربية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق