محمد داود
لقد اغتيل في الأيام والساعات الأخيرة الماضية المئات من الأطفال الذين قضوا ضحية لاحتلال مجرم لا يرحم الطفولة ولا يعرها أدنى اهتمام وكأنهم يقولون لنا يكفي أن تكون هويتك فلسطينية لتصبح هدفاً لصواريخنا، فقد بلغ الاستهتار الإسرائيلي في حياة وأرواح ودم الأطفال أمراً مشروعاً ومباحاً، ولأنهم فلسطينيون يبحثون عن وطن مستقر وآمن وعن حرية يتنفسوها أسوة بأطفال العالم الحر، إلا أنهم في قطاع غزة هم هدفاً متاحاً ومتوقعاً لطائرات الاحتلال المختلفة التي تبحث عن أطفالاً يلهون في أحد أزقة الحي أو فناء منزلاً فيكونوا فريسة تمزقهم الصواريخ الإسرائيلية بلا رحمة وتحرق أجسادهم والمشهد يروي مأساة ارتكبت خلال هذه الأيام السوداء وهي حافلة بالمجازر بحق الأطفال الأبرياء الذين رحلوا بالمئات والحديث عن أكثر من ثلاثمائة وأربعين طفلاً مزقتهم تلك الصواريخ القاتلة والحارقة الإسرائيلية وجعلت من أجسادهم لحماً متناثراً وطعاماً نهشت الحيوانات من بعض تلك الأجساد التي تركت أياماً فلم يستطع الصليب وهيئات الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان والإسعاف الاقتراب من هؤلاء الشهداء التي تحللت أجسادهم فيما بعد نتيجة منع قوات الاحتلال الإسرائيلي ذويهم من انتشالهم أو السماح بدفنهم وذلك بإطلاق الرصاص الكثيف والقذائف المستمرة على كل من يقترب ولكن فاحشة الجريمة اكتملت مراسيمها عندما رأت أحدى الأسر ابنها الشهيد أمام أعينها والكلاب تنهش من أجساد الشهداء وفي جريمة أخرى الطيور ولا تستطع أن تحرك ساكناً نتيجة احتجازهم من قبل القوات الإسرائيلية وإطلاق النار عليهم إذا اقتربوا منها كما أسلفنا بل قام الاحتلال الإسرائيلي بعرقلة إسعاف الأطفال الجرحى والنساء عبر حصاره المشدد لعملية نقلهم وإخلائهم للمشفى وحال طيلة أيام دون دفنهما، كما منع الصليب الأحمر من انتشالهم ... أحداث ومناشدات جميعها تتحدث عن جيش متجرد من الأخلاق والرحمة الذي لا يمط بصلة لأي قيمة إنسانية، مارس كل أشكال البشاعة والجرم بحق الإنسانية، فأي بشاعة بعد هذه الجرائم وأي إرهاب بعد إرهاب الدولة المنظم، فهم يحاكوا مؤامرتهم عندما قتلوا ونثروا الأشلاء البريئة على الجدران وتركوهم ينزفون في الساحات وتحت الأنقاض بين الركام... ليس هذا فحسب فلقد رحلوا أطفال غزة والعالم كله لا يزال على صمته وسيرحل آخرون والمجتمع الدولي صامت إزاء هذه الجرائم البشعة بحق الإنسانية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل والمتواجدين في بيوتهم في أحيائهم في شوارعهم؛ تحولوا على آثرها أطفال غزة إلى فريسة يسيرة للآلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة على مرأى العالم ومسمعه بعد أن زيفت إسرائيل الحقيقة وغيرت المفاهيم بأن النيل من أطفال فلسطين في أي مكان وبأي ثمن هو أمر مشروع ولا حرج فيه، وهذه الجرائم ارتكبتها إسرائيل في حرب تموز عندما أغارت الطائرات الإسرائيلية على المدن اللبنانية في العام 2006م وقتلت الأطفال كما ارتكبت مجزرة قانا وغيرها من المجازر الحافلة بالتاريخ الدموي الإسرائيلي "الصهيوني" بجرم صناعها وهو إعلان رسمي واستهتار واضح بدماء الفلسطينيين وطفولة أطفالهم وبراءتهم ، فهم يعرفون أن قطاع غزة يزدحم بالسكان ويعرفون أن هذه البيوت تعج بالأطفال الصغار رغم ذلك يستهدفون ويتعمدون قتلهم من خلال التوظيف المنهجي للقوة الفتاكة مستخدمين أسلحة محرمة دولياً لا سيما "الفسفور الأبيض واليورانيوم المشع والدخان السام والحارق و.." وغداً سنكتشف المزيد بحق المدنيين دون أدنى مراعاة في معظم الأحيان لمبدأي التمييز والتناسب ويشمل هذا التوظيف المفرط للترسانة العسكرية الإسرائيلية المميتة باستخدام الطائرات الحربية المقاتلة والمروحية والاستطلاع والدبابات والمدفعية في قصف أهداف مدنية وأحياء القطاع الصامد لا سيما في مناطق التماس التي أنفرد الاحتلال بارتكاب أفظع الجرائم بها، بل وصل حد تلك القذائف التي تلقى على البيوت بشكل عشوائي دون مراعاة بأن هناك سكان وأطفال يقطنون هذه البيوت، خاصة وأن سكان قطاع غزة تحولوا من سجن يبلغ مساحته 360 كيلو متراً، إلى سجن قوامه لا يتجاوز المائة متر و أقل للفرد... وتعكس أعداد الشهداء الأطفال والنساء وقصص استشهادهم استهتاراً إسرائيلياً واضحاً بالحياة ولا يختلف اثنان على حقيقة أن قتل الأطفال بشكل متعمد دون المبالاة بأرواحهم وحياتهم هو إفلاس أخلاقي قبل أن يكون إفلاس سياسي وأن هذه الجرائم والويلات والكوارث هي عدواناً وعنصرية وإبادة لشعب واستحواذ على مصير الشعب الفلسطيني وجرائم مستمرة منظمة ضد الحياة الإنسانية من أجل كسب أهداف سياسية.
وحول نوعية الأسلحة المستخدمة خلال العدوان على قطاع غزة، باستخدام الصواريخ والقذائف التي تطلقها الطائرات والدبابات الإسرائيلية فإنها تنفجر على مسافة متر من سطح الأرض وتتسبب في تقطيع الجسد إلى أشلاء متنافرة مشوهة المعالم وحروق كما تلحق الأذى بالممتلكات نتيجة استخدام المواد الفسفورية والدخانية والحارقة وبالإشارة إلى نسب الشهداء والجرحى التي بلغ عدد الشهداء والجرحى 1040 شهيداً وأكثر من 5000 جريح منهم 500 جريح أصيبوا بإعاقة مستديمة وحالات بتر والعدد مرشح للزيادة في كل حين.
فإسرائيل تفرض حصاراً محكماً على قطاع غزة وتطلق القذائف والرصاص على كل ما يتحرك أو يسير في شوارع القطاع مستخدمة الطائرات المختلفة؛ بذلك يكونوا الأهالي قد التزموا مساكنهم مما يكونوا عرضة وفريسة سهلة للاستهداف الجوي أو القذائف المدفعية التي لا تتوقف في ظل الانفجار السكاني الضخم لقطاع غزة ذو "الكثافة السكانية" في واحدة من أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان مخلفاً لذويهم المرارة والحسرة والحزن والألم دون ذنب يقترفه هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يتواصل سقوطهم ضحايا حتى اللحظة .
كما يروي المشهد مرحلة جديدة في حياة المواطنين الذين لجؤا إلى المدارس التي تكدست فيها آلاف العائلات المشردة بعد أن دمرت الطائرات الإسرائيلية منازلهم في ظل البرد القارص وذلك بإلحاق مزيد من الدمار للمنازل السكنية بقصفها بالصواريخ المدمرة لمساحات واسعة وتجريف الأخرى؛ لينضموا ساكنيها إلى قوافل من آلاف العائلات المشردين ومعظمهم من النساء والشيوخ الذين باتوا بلا مأوى في ظل الشتاء القارص؛ بعد أن دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي مساكنهم وبيوتهم، فهي أبادت عائلات وأسراً، نتيجة القصف الكثيف، كما ألحقت أعمال تدميرية واسعة النطاق في ممتلكات المواطنين ومزارعهم بما فيها البنية التحتية والمنشآت الصناعية والتجارية والخدماتية وعلى رأسها مؤسسات السلطة الفلسطينية التي عملت على تدشينها طوال عشرة أعوام على الأقل؛ كما تحولت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية التي التهمتها الجرفات والآلة التدميرية الإسرائيلية التي تركتها بعد عين إلى أرض جرداء قاحلة وهو ما خلف آثاراً مأساوية مست بكافة جوانب الحياة للمدنيين الفلسطينيين وأسفرت عن تدهور خطير في حقوقهم الإنسانية. ويتضح لنا أن شعارات الحرية والعدالة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والمدنيين وقت الحرب مجرد تمثيلية يسوقها العالم الغربي على الشعوب المستضعفة للاستخفاف بعقولهم.
كاتب وباحث
Mhsd_20100@hotmail.com
الأربعاء، يناير 14، 2009
أطفال غزة قصف وحرق وشهداء نهشت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق