راسم عبيدات
..... لعل الجميع من أبناء شعبنا صغاراً وكباراً شيوخاً ونساءا ،تترسخ في أذهانهم وذاكرتهم الشعبية حجم الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها بريطانيا بحقهم،وهي التي أقامت وأنشئت هذا الكيان في خاصرة الوطن العربي،على حساب شعبنا الفلسطيني المهجر والمشرد في المنافي ومخيمات اللجوء،وأيضاً كل أبناء أمتنا العربية من مشرقها لمغربها أكتوا بنار الاستعمار والاحتلال البريطاني والفرنسي لبلدانهم،والتي عملوا على تقسيمها وتجزئتها وتشظيتها،ونهب خيراتها واحتجاز ومنع تطورها وتوحدها وبناء دولتها القومية الواحدة .
هذه الخطيئة والخطايا التي ارتكبها البريطانيون والفرنسيون بحق الشعب الفلسطيني خاصة والأمة العربية عامة،يجب أن تكون حافزاً لهم للتكفير عن هذه الخطايا والاعتذار لكل لشعوب منطقتها وتعويضها عن فترات الاستعمار والاحتلال،ولكن هذا الغرب الأوروبي المتسلح بالعنصرية والنظرة الدونية للعرب والمسلمين والفكر قائم على نهب واستغلال الآخرين خدمة لمشروعهم الرأسمالي المعولم،يجعل حديثهم عن ما يسمى بقيم ومبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الانسان،وحق الشعوب في تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال،مجرد شعارات فارغة،فهذه القيم والمبادئ يجري التعاطي والتعامل معها في إطار وسياق خدمة أهداف ومصالح الغرب الاستعماري،ويجري تحوريها والارتداد عليها والتخلي عنها،إذا ما تعارض ذلك مع مصالحهم وأهدافهم.
وهذا التقديم جاء لكي نلقي الضوء على المواقف الأوروبية الغربية من قوى وحركات وأحزاب المقاومة العربية والإسلامية،والتي لا تبشر بالخير مطلقاً،بل أن"توني بلير"رئيس الوزراء البريطاني السابق،والذي يعتبر من المشاركين المباشرين في الحرب على العراق واحتلاله وارتكاب المجازر والمذابح بحق أبناء شعبه،وفي إطار تكريس مفاهيم جديدة تضمن استمرار إسرائيل كقوة مهيمنة ومسيطرة في منطقة الشرق الأوسط،وأداة غليظة في قمع أي دولة أو حركة مقاومة عربية وإسلامية تشق عصا الطاعة الأمريكية والأوروبية الغربية،وبما يدلل وينفي أطروحات الكثيرين من العرب والفلسطينيين السذج بتراجع أهمية ودور ووظيفة إسرائيل في المنطقة بالنسبة لأمريكا وأوروبا الغربية،ولكن يبدو أن هناك متغير في الأدوار بين أمريكا وأوروبا الغربية،حول من سيتولى الحضانة الكاملة لإسرائيل وحمايتها والدفاع عنها،وإذا كانت هذه المهمة قد أنيطت بشكل خاص بأمريكا من بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اللحظة الراهنة،فإن التداعيات التي نتجت عن الحروب العدوانية التي شنتها إسرائيل على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006 وكذلك على الشعب الفلسطيني وقوى مقاومته في كانون أول/2008 ،وعدم قدرة إسرائيل على تحقيق انتصارات في هذه الحرب،بل أن المقاومة في تلك الحربين صمدت وسجلت نصراً بالنقاط على رابع جيش في العالم وألحقت العار والهزيمة بهيبته وقوة ردعه وأظهرته على انه نمر من ورق وليس جيش لا يقهر،بل جيش يتحفظ جنوده في المعارك بحفاظات الأطفال ويبقوا مختبئين في دباباتهم وعرباتهم المصفحة خوفاً من المواجهة مع قوى المقاومة.
إن تلك التداعيات دفعت بالدوائر الأوروبية الغربية وعلى ضوء ما تواجهه الولايات المتحدة من أزمات داخلية وانهيارات اقتصادية وفشل في السياسات الخارجية،حيث الإخفاق في العراق وأفغانستان ومعالجة الملف النووي الإيراني وعدم القدرة على تطويع وسحق قوى المقاومة في لبنان وفلسطين،إلى التفكير بالعمل على توفير الحماية والحضانة لإسرائيل من خلال حلف الناتو،ومن مهندسي هذا التوجه كل من رئيس وزراء فرنسا "ساركوزي"،الصديق الأقرب لإسرائيل والذي كان همه في زياراته لإسرائيل مصير الجندي الإسرائيلي المأسور"شاليط"حامل الجنسية الفرنسية،وكان يحرص على عدم تفويت أي فرصة دون الالتقاء مع عائلته،أما الأحد عشر ألف أسير فلسطيني والذين من ضمنهم صلاح الحموري حامل الجنسية الفرنسية،فهؤلاء ليس لهم لا أسر ولا عائلات،أما رئيس الوزراء البريطاني السابق والمسمى كمبعوث"سلام" للجنة الرباعية في الشرق الأوسط "توني بلير" والذي كان ما يقلقه ليس القمع والجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني،بل الصواريخ الفلسطينية التي تسقط على سديروت،ونفس الحال والموقف عند المستشارة الألمانية"ميركل"،والتي ربما تعتقد بأن التكفير عن المحرقة التي ارتكبها النازيون الألمان بحق اليهود،يكون بتأيد ودعم الجرائم والمجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
هذا الثالوث الأوروبي الغربي بالتحديد،وجد أنه بعد الحربين العدوانيتين التي شنتهما إسرائيل على قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية،وعدم تحقيق أهدافها من هذه الحروب،يستدعي أن تكون هناك إجراءات وآليات جديدة توفر الحماية الكاملة لإسرائيل واستمرار تفوقها العسكري الدائم في المنطقة،ومنع أي تهديد من شأنه أن يشكل خطر على وجودها،من خلال تأمين الحماية العسكرية الكاملة لها ليس على المستوى التسليحي فقط،بل ومن خلال مشاركة فعلية ومباشرة من حلف الناتو،في مراقبة بحرية دائمة لكافة الممرات والطرق المائية من بحار ومحيطات والمؤدية إلى لبنان وفلسطين،لكي تمنع تزود المقاومة بالسلاح،وليس هذا فقط بل وبترتيبات أمنية تشارك فيها أطراف إقليمية ودولية على هذا الصعيد.
والمؤشر الخطير هنا هو صياغة ورسم مفاهيم جديدة خادمة لقوى البغي والعدوان،ألا وهي مصادرة حق الشعوب في مقاومة المحتل،ومناصرة ودعم الجلاد ضد الضحية،وهذا ما لمسناه جيداً عندما شنت إسرائيل حروبها العدوانية في تموز/2006 وكانون أول/2008 ،فعدا عن الدعم السياسي اللامحدود والذي وفرته أوروبا الغربية لإسرائيل،واعتبرت حروبها العدوانية حروب دفاعية،ودعمت وأيدت قرارات ومبادرات دولية حملت في مضامينها فرض شروط إذلالية على قوى المقاومة من أجل حمل إسرائيل للموافقة على وقف حروبها العدوانية،وقد تجلى ذلك عندما رفضت دول أوروبا الغربية التصويت على إدانة المجازر والمذابح الإسرائيلية بحق الأطفال والنساء الفلسطينيين في مجلس حقوق الإنسان،وبما يكشف ويعري المواقف الأوروبية وازدواجية "وتعهير" معايرها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والجرائم وغيرها،وهي بدلاً من ذلك لبت على عجل النداء الأمريكي- الإسرائيلي،للمشاركة في منع تسلح المقاومة وتوفير الحماية للجلاد والطرف المعتدي،من خلال قيام قوات حلف الناتو البحرية بمراقبة دائمة للمرات المائية المؤدية لقطاع غزة.
إذا نحن أمام معادلات جديدة،تلقى على قوى المقاومة والممانعة والمعارضة العربية والإسلامية،قوى وأحزاب ودول أعلى درجة من التنسيق وتوحيد الجهود والطاقات من أجل إفشال هذه المخططات الاستعمارية الجديدة،والتي لا تهدف فقط لتأمين الحماية الكاملة لإسرائيل،وإطلاق يدها في المنطقة العربية،بل تأبيد وشرعنة للاحتلال،ومصادرة لحق قوى المقاومة في مقاومة الاحتلال والحرية والاستقلال،وربما تجريم قوى المقاومة وسوقها إلى المحاكم الدولية بتهم"الإرهاب" وجرائم الحرب،وتوفير الحماية والتغطية للإرهابيين والمجرمين الحقيقيين.
الأحد، يناير 25، 2009
لماذا تحريم تسلح المقاومة؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق