سامح عوده
كثر اللغط والجدل حول دور الإعلام في حياة الشعوب سواء كان ايجابياً أم سلبياً، وبالتأكيد اجتاحت وسائل الإعلام عالمنا من أوسع الأبواب، لذلك فقد شرعنا الأبواب لها دون أن نفكر ما هو التأثير الايجابي أو السلبي لها علينا كمجتمعات عربية لها ثقافتها الخاصة وتقاليدها التي بدأت تتخلى عنها ولو تدريجياً أمام ما تنقله وسائل الإعلام المختلفة من مشاهد فاضحة ..
بعد ثورة تكنولوجيا المعلومات التي بدأت بعد اتساع نطاق استخدام الشبكة العنكبوتية وتخمة القنوات الفضائية التي أصبحت منتشرة في معظم عواصمنا العربية، هناك العديد من القنوات الفضائية الجديدة تحت البث التجريبي لتكون جاهزة للبث الرسمي بعد فترة قصيرة ، وعندما نمعن في أسمائها وفي مضمونها تجد أنها لا تخدم إلا أصحاب الكروش..!! من أصحاب الذمم الخراب، وتجار المال الذين لا يسعون إلا للربح السريع، من الخطأ التعميم فهناك قسم منها يحاول أن يغطي ولو جزءاً من الهم العربي وتفاصيل الحياة اليومية للمواطن العربي، بل وتوجه الأنظار إلى معاناته، ولكنها إذا ما قورنت بما تنشره أو تبثه تكنولوجيا المعلومات فهي قليلة جداً، على صعيد القنوات الفضائية تجاوز عدد القنوات الفضائية ألـ ( 600 ) قناة، منها مئة على الأقل تختص بهز الوسط وأغاني الواوا ..!! وأكثر من عشرة تختص بالسحر والشعوذة، وأخرى طائفية تخدم طوائف محددة وإذا أمعنت أكثر وأكثر في المشهد الإعلامي العربي ستجد العجب العجاب..!! وستصاب بالغثيان مما يبث، وفي النهاية إذا ما حاولت تصنيف المهم منها والذي يخدم تطلعات الأسرة العربية والمسلمة فلن يتجاوز عددها الـ ( مئة ) قناة، وهذا الرقم قد يذهل القارئ إذا ما أجرى نسبة وتناسب مع عددها الإجمالي .
ظهرت ثورة قنوات بلا حدود فتجاوزت الحدود وعبرت هواءنا، بالتأكيد مهما حاولنا أن نمنعها فلن نستطيع، فهي تتسلل إلى بيوتنا شئنا أم أبينا ودون رقيب ، فيها الضار وفيها النافع ، وهذه مسالة ذوق كيف تصنف الضار والنافع تتبع التربية والانتماء والمزاج الشخصي، تكنولوجيا الإعلام الفضائي وهي الأكثر تأثيراً كونها أصبحت سهلة الاقتناء عبر الأطباق اللاقطة المنتشرة على أسطح منازلنا، أو من خلال مواقع الشبكة التي بدأت تبث بثاً مباشراً من خلالها، هذه الطفرة الإعلامية شكلت منذ ظهورها قفزة نوعية على صعيد التأثير المباشر في الحياة الثقافية للجمهور العربي ، وبصرف النظر عن ماهية المادة الإعلامية المقدمة فقد شكلت ثقافة لدى شرائح واسعة في مجتمعنا العربي ، سواء كانت تلك الثقافة ايجابية أم سلبية ، فكل مشاهد له رؤياه الخاصة وتقيمه الخاص، بالنظر إلى إجمالي الوجبات الإعلامية فيما يقدم عبر قنواتنا الفضائية ، نلاحظ إن القضايا الساخنة والحياتية للمواطن العربي مغيبة ، ولا تناقش بموضوعية ، هذا إذا ما قورن بإجمالي ما يبث .
بالأمس كان العدوان " الصهيو- أمريكي " على قطاع غزة، إذا قام الصهاينة باستخدام كل الأسلحة المحرمة دولياً، بدءاً من القنابل العنقودية وانتهاءً بالفسفور الأبيض المحرم دولياً، باعتقادي أن الصورة لم تغب عن أذهاننا، فما زالت الجثث تحت ركام الموت تنتظر من يبادرُ إلى دفنها، وفي كل يوم يقوم الجيش الإسرائيلي بمجازر بشعة على ارض الفلسطينية، من قتل للمواطنين ، ونهب لأرضهم ، وتدمير وتخريب كل ما هو كائن على تلك الأرض ، ومع ما تناقلته وسائل الإعلام العربية المرئي والمسموع منها وحتى المقروء كم تحتل هذه المناظر التراجيدية المحزنة من إجمالي ما يقدم للمواطن العربي في المساحة الإعلامية العربية اليومية؟ أكاد أجزم بأنها قليلة جداً إذا ما قورنت في المشهد الإعلامي العام.
ولم يكن الموضوع الفلسطيني وحده المهمل في الإعلام العربي، فهناك قضايا عربية ساخنة لا تقل أهميةً عن الموضوع الفلسطيني، العراق، ولبنان ، والسودان ، والصومال وأحداث سياسية أخرى كثيرة في عالمنا الجريح، وهناك قضايا أخرى ذات أهمية ثقافية واجتماعية في كافة مناحي الحياة لا يتم الإشارة لها ولو على شكل خبر على شريط الأخبار كالأمية، والفقر، والبطالة، وهجرة العقول، وقوارب الموت، وغيرها مما تعصف باركان بنائنا الاجتماعي العربي، كان أولى على الإعلام العربي أن يقف أمامها وقفة جدية ، يتعامل معها بموضوعية بعيدا عن المزاج الشخصي ، ولا يمر عليها مر الكرام ، تبعا لسياسة الدولة التي يبث على أراضيها ..!!
بات من الضروري الوقوف مع الذات قليلاً اليوم قبل الغد، وقراءة الواقع الإعلامي العربي بإمعان أكثر، كما هو بحلاوته ومرارته بعيداً عن التبرير الغير مقنع، إذ أن حالة العبث بالمؤسسة الإعلامية العربية يجب أن تتوقف، فإبقاء النافذة مفتوحة على العبث لن يدخل إلا العبث إلى بيوتنا، وسيفرغنا من محتوانا بحيث نصبح كعلبة مشروب غازي إذا ما افرغت مما فيها تداس بالنعال أو تلقى في حاويات القمامة ..!! ولذلك أصبحت الحاجة ملحة لتقيم الواقع الإعلامي العربي، ووضع خطة إعلامية شاملة يتشرك في صياغتها الرسمي وغير الرسمي بحيث تتوافق ورؤانا الواقعية، والاهم أيضاً تشكيل مجلس إعلامي عربي موحد يقف جاداً عند مسؤوليته، بحيث يساهم في رسم سياسة إعلامية واضحة للنهوض بمجتمعنا العربي وقضاياه العادلة ، مع الاستعانة بالكفاءات الإعلامية العربية صاحبة الخبرة والكفاءة، المغيبة خارج أوطانها والتي قدمت للغرب الكثير في مؤسساته الأكاديمية والإعلامية .
الجميع على قناعة أن الأمة العربية لم تستطع أن تحقق الوحدة على غرار الاتحاد الأوربي سياسيا واقتصاديا، وفضلت أن تكون شعوب وقبائل مفككة رغم عوامل التجانس والتشابه فيما بينها، ولان عوامل الوحدة بالمفهوم السياسي غير متوفرة الآن فلنحقق تلك الوحدة في المجال الإعلامي، بحيث نجمع على حزمة من القضايا التي تهم مجتمعاتنا، ونوجه أقلامنا وعدسات كاميراتنا إليها، بحيث نبتعد عن الاجتهادات والفتاوى الإعلامية التي في أغلب الأحيان تفرغ الموضوع من محتواه، إننا نريد وسائل إعلام متنوعة ترتقي بالعقل العربي وترفع من مستواه بعيداً عن ثقافة السيقان المكشوفة وهز النواعم ..!!
السبت، يناير 31، 2009
أي نوع من الإعلام نريد؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق