سامي الأخرس
قلمي يرتجف وأنا أحاول أن استجمع قواي وأكتب عما تركته آلة القتل الصهيونية في غزة ، وما أعقبها من خطابات وقف إطلاق النار ، والعودة لنقطة البداية ... كما ارتجف قلمي ارتجف قلبي من خطاب أولمرت العاطفي الذي قدم به أهزوجة حب نشدها على أجساد أطفالنا بصواريخه ودباباته وجنده ، سيمفونية أكمل لحنها بخطابه ليتغني حباً وولعاً وعشقاً بأهل غزة ، ففطر قلوبنا واغمرنا بحب لم نشعر به أو بمثله ونحن ننتشل لحم أطفال من بين الركام ، حب نقشه بقلوبنا لن يبرحها أبداً ولن ننسي حلاوته ، ويتوجب علينا أن نعلمه لأجيالنا وأبناءنا نعلمهم كيف أحبنا عدونا فأبدع بحبنا ، وواجبهم رد هذا الحب له حتماً ، وكيف يكونوا أوفياء في رد هذا الحب وهذه السيمفونية الرائعة بروعة الألم والحزن والبكاء ، بلوعة دموعنا التي تسيل ونحن نقف على أطلال بيت يوماً كان عامر بالحياة ، وصدى ضحكات أطفال تتعالى بين جدرانه ، وأم تجلس في مطبخها تعد وجبة الإفطار لفلذات كبدها ، فلم يعد هناك بيت ولم تعد هناك أطفال ، ولم يعد هناك أب يقبل الحياة يوميا لأجل أطفاله .
نعم سيد أولمرت وسيد باراك لم أؤمن يوماً أ، إنجاب الكثير من الأطفال له فوائد ومميزات ، بل كنت دوماً أؤمن بأن القليل منهم أفضل وأن الكثرة ما هي سوى ترف عشائري ومباهاة ، وأن ولداً واحداً يكفي ، لكن اليوم تأكدت أننا لابد وأن يكون لدينا الكثير الكثير من الأطفال ونعيد النظر بقناعاتنا وبمرحليتنا وبتكتيكنا ، فلا بد أن نملئ البيت بالأطفال ونرسم لهم لوحات الحب التي رسمتها آلة الموت على أجساد أهلنا وأحبتنا وأعزاءنا ، نعلمهم أن يعشقوا إسرائيل كما عشقتنا ، وأن يحبوها كما أحبنا أولمرت وباراك بخطابهما وهذا قسم الوعد الذي سنعيش لأجله .
نعم اعترف أن قلمي انكسر بهول المصاب ، وقلبي لم يعد يخفق إلا ألماً من هول الفاجعة ، وأن ارتجافي ليس ضعفاً بل غضباً ، وغضباً لن يولد إلا غضباً .. غضباً أولده ثلاثة وعشرون يوماً تحت جثث متفحمة وأشلاء ممزقة وآهات مبعثرة ، وحسرة مكظومة مقهورة لا تفعل سوى الترقب لما هو آت ، هذا الآت من بين ثنايا خطابات وقف إطلاق النار التي أسدلت صفحاتها وبدأت صفحة أخرى جديدة من صفحات المحرقة تبدأ الإعداد ، صفحة لم تطوى أبداً لأن بها رائحة الموت ، ومنقوشة بالدم ، وأي دم ، دم أطفال ونساء وشيوخ ورجال ، دم قادة ، ودم مقاتلين ، دمنا الذي رسم مأساة جاثمة لن تبرحنا قط .. نعم طويت صفحة لكن لم نطوى فلسطين بعد ولن نطويها ، ولن نعجز أبداً عن النهوض ، ربما اليوم نعاني من الألم ، لكن الألم يولد التحدي والعزيمة التي لن ينكسرا ، وسننهض وننهض من جديد ونلملم جراحنا ونعيد لحمتنا ونتوحد ، ستتشابك الأيادي ، ويتمرد هذا الجيل الذي شاهد غزة تحترق ولن يمر فوق الأطلال ليغني على ذكرياتها ، بل سيلحن لحن جديد أسمه الغضب ألآت من بين الركام ، لحن رسالته من وحي إيمانه ، وإيمانه الفعلي الثأر والانتقام .
لا أخجل لحظة واحدة عندما أقول إنني بيوماً أمنت أن يكون لنا مع هذا العدو بدائل ومشاريع تكتيكية تعيد رسم موازين القوي لصالح شعبنا الفلسطيني ، وتعيد هيكلة إيماننا بحتمية الانتصار ، وحتمية النصر ، هذه الحتمية التي أثبتت إنها أضغاث أحلام ، وأفكار وردية بعالم متوحش ، لا يعرف سوي لغة الاستوحاش والافتراس ، والانقضاض على الفريسة . تجربة اعتبرها ملهاة أسمها سلطة وطنية وانتخابات شرعية ، ومؤسسات دولة تحت الاحتلال ، وحتمية تعدد الخيارات ، فكل هذا عبث ، ولهو بالعقول ، والعبث أن نرتكز لمقومات رؤيتنا السابقة في إدارة الصراع لأننا لم نعد نستطيع أن نتنبأ برؤية مستقبلية للصراع من خلال جيل قادم لن يؤمن سوى بالانتصار التحريري فقط ، انتصار معلوم بالبارود وبالحدود ، بالجغرافيا وبالأهداف ، لن يكون انتصار على صفحات فقط ، أو انتصار بطعم الانكسار ، لكنه سيكون انتصار تحرير كامل وشامل ، جيل غاضب لن يؤمن بعبثية أحد وبشعارات أحد ، ولن يوقفه تيار أو قرار ، جيل سيتمرد على الجميع ويصرخ لفلسطين فقط ، وبلغة واحدة الاستشهاد أو التحرير ولا بديل ، لن يكون جيل سلطة ومقاومة ، ولن يكون جيل وزير وقائد ، ولن يكون جيل رئيس ورئيس وزراء ، لن يحمل العصا من الوسط ، ولن يلقي بالبندقية في دهاليز أجهزة أمنية تارة ومقاومة تارة أخرى ، بل سيصب حمم بنادقه على رؤوس أعداءه وقاتلي شعبه .
إنها الحقيقة التي لن تمحوها حرب غزة الأخيرة ، فلا انتصار ولا انكسار كما حلله خبراء الاستراتيجيات العسكرية الفضائية ، بل حقيقة أن الانتصار لا يكون ولن يكون إلا عندما نثار لفلسطيننا ، ولأنفسنا ، ولأطفالنا ، ولوطننا ، ولقضيتنا ، ولكل آه صرخت بها أمهاتنا .
فلنؤجل كل القراءات ولنقرأ قصة وحيدة عزفها لؤي الفلسطيني ، ولحنها كل أطفال فلسطين الذين ذبحوا على صهوة الانتظار والإيمان بحتمية الانتصار ، وحتمية المعركة المستمرة ، أما باقي القراءات الخطابية المزخرفة بألقاب ومسميات ، وزير وسيد ودولة رئيس الوزراء والرئيس والمستشار فهي غير قابلة لفك طلاسمها أو للقراءة لدى جيل تجرع الغضب ، بمحرقة ومذبحة ، جيل لن يفهم سوى معنى معركة البقاء والتحرير .
ففلسطين اليوم سُرقت من أصحاب الياقات وربطات العنق ومطربي الفضائيات والخطابات ، ولكنها لن ولم تُسرق من قلوب أبنائها القابضون على زند الجرح والمواجهة ، والإيمان بالعودة ورسم الطريق فوق الأرض وليس تحتها ، والكتابة بالدم في أرض المعركة وليس بخنادقها .
نعم أهنئوا واجعلوا لكل حارة شيخ ولكل قبيلة زعيم يمنح نفسه ما شاء من ألقاب ، واحكموا وافسدوا وفرقوا كيفما شئتم ، ولكن كل الزعماء وكل شيوخ الحارات سيدركوا أن حاراتهم هشة ساقطة أمام فلسطين الوطن المنتصر بقلوب وأفئدة أبنائه ، فأنتم اهنئوا بحاراتكم وقبائلكم وخطاباتكم وقممكم ، وتلاعبوا بنا بكل الخطابات وبكل اللغات ولكن هناك لغة واحدة ستنتصر وهي لغة جيل الغضب القادم من وحي المحرقة .
فأي ثمن جنينا من أجساد بُعثرت ، وقلوب ُ تألمت ؟ سوى ثمن الانتظار والترحيل ألقصري لمعركة التحرير .
نعم غزة .. أنت البداية التي فجرت بركان المواجهة ، والبداية التي كتبت أول كلماتها الجديدة ، وأول أحرف فلسطين الواحدة ... وسيفهم الجميع أن فلسطين معشوقة ستنتصر بعشاقها ....
فمعركتنا طويلة ولم تنتهي بعد .. فتوحدوا تغنموا ... توحدوا تنتصروا ... توحدوا تحققوا حلمنا وحلمكم وحلم أنبائكم ....
الثلاثاء، يناير 20، 2009
إياكم وغضب الجيل القادم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق