محمد داود
منذ أن بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها الهمجي جواً وبحراً وبراً على الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة الصامد؛ ما زال شلال الدم الفلسطيني النازف مستمراً بلا حدود ولا يستثني أحداً على حد سواء ، فالأشلاء والدماء والدمار والاستهداف من كل جانب وعلى مدار الساعة وفي كافة الأماكن وأحياء القطاع الصابر الذي يتعرض بيوته لحمم الصواريخ وقذائف الدبابات التي تستهدف كل شيء متحرك وحدث بلا حرج عن القصف المتوالي للبيوت على رؤوس ساكنيها وفي أحيان ضرورة إخلائها وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعن مئات العائلات المشردة التي أصبحت بلا مأوى في ظل وضع إنساني صعب للغاية والذي يحدث بلغة القانون الدولي والإنساني وبلغة حقوق الإنسان، وبكل اللغات فإنه يبقى جريمة حرب ترتكب مع سبق الإصرار والترصد، فالاحتلال الإسرائيلي يستخدم كافة أنواع الصواريخ والقذائف الحارقة الخانقة "السامة والغازية والفسفورية المتفجرة" وهي محرمة دولياً ويحاسب القانون الدولي على مستخدميها.
فرغم هذا الاستنكار والتنديد من قبل العالم المحلي والإقليمي والدولي بالمجزرة البشعة وبجرائم الإبادة الجماعية بحق الإنسانية التي يتعرض لها المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر منذ عامين على الأقل، وأمام المجزرة التي يطلق عليها الاحتلال الإسرائيلي اسم "الرصاص المسكوب" يقف العالم العربي والإسلامي والغربي مكتوف الأيدي وعاجزاً أمام لجم هذا الكيان المعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني؛ الذي يبحث عن حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته على أرضه التاريخية .. يقف عاجزاً أمام وقف الجرائم التي ترتكبها الآلة الإسرائيلية المعتدية والمدمرة للإنسان والشجر والحجر ولكل ما يسبح لله، وصلت حدة هذا الاستخفاف بعد أن أصدر مجلس الأمن قراره بضرورة وقف إطلاق النار على الفور، بعد أن ساوى بين الضحية والجلاد ونسي حقوق الشعب الفلسطيني وقراراته التاريخية منذ نصف قرن على الأقل، وعلى رأسها ضرورة الانسحاب من الأراضي المحتلة لعام 67م و حقه في إقامة كيانه المستقل وكنس الاحتلال، إلا أن إعلان الاحتلال الإسرائيلي جاء رداً على قرارات مجلس الأمن وكأنها لم تصدر؛ بتصعيد عمليات الإبادة بحق الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين في مساكنهم في القطاع وهو ضوء أخضر اكتملت فصوله عندما زودت البحرية الأمريكية بسفينة محملة بالذخائر والقذائف والصواريخ الحارقة المحرمة دولياً لقتل الأطفال والنساء العزل، فهي منحت إسرائيل المزيد من الجرائم وحرب الإبادة والتصفية كما حدث في حرب تموز 2006م وفي حصار بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلاً عندما منح "فيليب حبيب" الفرصة الكافية لإسرائيل لأن ترتكب المزيد من المجازر بحق قوات "منظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982م، وهكذا السيناريو المستمر والهدف كسب مزيد من التصفية السياسية للقضية الفلسطينية وكسر إرادة الشعب الفلسطيني ومعاقل المقاومة والدفاع، فمثل هذا الترخيص منحته الولايات المتحدة مسبقاً التي تدعي أنها رأس الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وحاميتهما، وهي التي منحت مرات عدة عبر استخدامها حق النقض الفيتو لإفشال أي قرار يحد من الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل منذ زمن بعيد ، وقد اعتادت أمريكا على أن توفر للكيان الصهيوني منذ نشأته الرعاية والحماية وتوفير الغطاء القانوني والعسكري والسياسي مما مكنها من اقتراف ما يحلو لها من انتهاكات وجرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين العزل .
ولا يختلف اثنان حول وصف الاحتلال الإسرائيلي بأنه أبشع صور الإرهاب الدولي المنظم، وهو الذي كشفت عنه الصور والمشاهد الحية والمباشرة حول فظاعة المشاهد التي تلتقطها عدسات الصحفيين التي تعتبر عين العالم على المجريات والجرائم التي ترتكبها آليات الاحتلال، من جرائم تقشعر منها الأبدان نتيجة القصف الجنوني للمنازل ومساكن الآمنين تحدث السياسيون عنها بعد أن نفذ قادة الحرب الإسرائيليين شخصياً هجومهم على قطاع غزة سواء عبر الجو أو البر أو البحر في خطوة لتشجيع جنودهم المرعوبين لقتل المزيد من الأطفال والشيوخ والنساء وهو الذي كشفت عنه الصحف العبرية يوم أمس وأسأل هنا .." هل بقتل المدنيين وانتهاك حقوقهم الإنسانية ومحاربة الحريات الصحفية وتدمير البنية التحتية ومؤسسات السلطة هو الانتصارات لقوات الاحتلال في نظركم ؟!"
لقد بات واضحاً انه لا أحد خارج دائرة الاستهداف في قطاع غزة فبعد استشهاد أثنا عشر رجلا من طواقم الإسعاف وأحد عمال الإغاثة التابعين للأنروا, وثلاثة صحفيين خلال يومين، ورغم علم قوات الاحتلال بأماكن تواجد المؤسسات الصحفية والصحفيين فقد عمدت على قصف واستهداف الأطقم الصحفية ووسائلهم بعد أن دعت إسرائيل في وقت سابق إلى إخلاء الصحفيين والمراسلين الدوليين من قطاع غزة بهدف حجب الحقيقة عن أعين العالم وعن المجازر التي ترتكب في القطاع، وهو ما يتأكد لنا أن الحرب ليست حرب عسكرية بل إعلامية تمارس إسرائيل كافة الخيارات الحربية خلالها فهي كما عمدت على اختراق بعض المحطات الإذاعية والتلفزيونية ومواقع ووكالات الانترنت لبث شائعاتها المغرضة ضد المقاومة بالتالي كما أسلفنا هي حرب مفتوحة "سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً ونفسياً وثقافياً و.." فمنذ عام على الأقل استشهد أكثر من سبعة شهداء على الأقل وهم يمارسون نشاطهم الصحفي أثناء تغطيتهم لمجازر الاحتلال الإسرائيلي كما أصيب العديد ونذكر "الشهيد فضل شناعة والشهيد حسن شقورة وحمزة شاهين وباسل فرج وعلاء مرتجى والزميل الصحفي إيهاب الوحيدي واستشهاد زوجته ووالدته، والشهيد جلال نشوان؛ كما جرح العديد من الصحفيين ونذكر منهم الصحفي "مؤمن قريقع" الذي يمتثل للعلاج في الخارج بعد أن بترت أطرافه السفلية أثناء إعداده تقريراً خاصاً حول أزمة الحصار وإغلاق المعابر الإسرائيلية قبل شهر على الأقل، ففي محاولة جريئة من الصحفي "قريقع" أثناء التقاطه صوراً عن قرب لمعبر المنطار شرق حي الشجاعية أغارت طائرة استطلاع إسرائيلية عليه فأصاب الصاروخ الصحفي "قريقع" إصابة مباشرة أدت إلى بتر ساقيه، لكن الزميل "قريقع" أفادنا بأنه سيواصل عمله الصحفي رغم ما أصابه من ألم وفاجعة مستثمراً في ذلك لسانه وطرفيه العلويين بالإشارة إلى " صوته ويده" ليكون ناقلاً للصورة عبر كلماته التي يسطرها قلمه ليرسم الحقيقة للرأي العام ويروي المشهد الإنساني الفلسطيني بصورة أخرى مدافعاً عن حق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة وعزة، وهكذا يتبين أن آلة الحرب الإسرائيلية تسعى إلى إسكات وإخراس الأقلام والكاميرات الحرة التي تفضح جرائمهم"، رغم أن حماية الصحفيين هي حق دولي أقل ما يمكن تقديمه للصحفيين لتأدية واجبهم لاسيما وأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكافة المواثيق الدولية تدعو إلى حماية الحريات الصحفية وتحث أيضاً على حماية المدنيين أثناء الحرب، بالتالي الصحافة الفلسطينية اليوم مهددة بنيران وصواريخ الاحتلال و حالها كلسان باقي بؤر الاستهداف، خشية من أن تصدح الحقيقة ويكتشف العالم الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة لا سيما بعد أن أرتفع عدد الشهداء إلى 900 شهيد وأكثر من 5000 جريح أصيبوا بحروق وبتر أعضاء وإعاقات والعدد مرشح للزيادة في كل وقت؛ نتيجة استخدام الصواريخ الحارقة والمسمارية والخانقة ، لكن رغم ذلك ستظهر الحقيقة وسيعرف العالم حجم المحرقة وغداً سيحاسب مرتكبي هذه الجرائم حتماً أمام محكمة العدل الدولية طال الزمان أم قصر لأن الشمس لا تغطى بغربال .
كاتب وباحث
الأحد، يناير 11، 2009
حتى الكلمة والكاميرا تقصف بالصواريخ الإسرائيلية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق