الخميس، يناير 08، 2009

الاستعمار يُجدد نفسه.... والكلب لا يعض ذنبه

حسن عثمان

_ سوريا

بعد رحيل الاحتلال العثماني الهمجي عن بلادنا جاء الاستعمار الغربي ليصبح منذ مائة عام خلت العدو الرئيسي لمصالحنا القومية وما يزال كذلك من خلال ما أوجده داخل أمتنا من حظيرة للجماعات اليهودية المشرّدة, وذلك على الرغم من الكلام المعسول الذي يتحدث به إلينا ولغيرنا, وادّعاءهم لصداقتهم لنا واهتمامهم بمصالحنا. يُضاف إلى ذلك ما يصدّرون لنا من مفاهيم مطاطة تتغير وتظهر لها استثناءات بما يتناسب ومصالحهم كمفهوم الحرية و الديمقراطية, وحقوق الإنسان, وحق الشعوب في تقرير مصيرها, بالإضافة لما أقاموه من مؤسسات تتظاهر بالإنسانية وإقامة العدل ونشر الخير كمؤسسة الأمم المتحدة, و مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية حيث يتم داخلها وتحاك المؤامرات على الشعوب. ونستطيع أن نضيف إلى ذلك جائزة نوبل للإجرام.
يعني يمكننا أن نقول أنّ هذه المفاهيم أعلاه هي وجه آخر للاستعمار بكل ما تحمله هذه الكلمة من صفات اللاأخلاقية واللاإنسانية والاستغلال....الخ. المشكلة لا تكمن هنا, وإنما تكمن في الكثير من حكّام وشعوب العالم العربي والإسلامي الذين تأثّروا بهذه المفاهيم وراحوا يستبسلون لأجلها ويتغنون بها وبالدول الغربية سواء كان ذلك عن جهالة أو قناعة, حيث لم يغوصوا في أعماق هذه المفاهيم وكيفية تطبيقها ويشاهدوا ما بها وما علق عليها من طحالب وحشائش تستدعي النظر إليها بحكمة وتعقّل ومحاكاتها بمنطقية أكثر.

هذا طبعاً نلاحظه جليّاً بما يقوم به أكثر حكّام العالم العربي من ترحيب بكل ما يبادر لأجله الغربي وبكل ما يطرحه, وإن كان هذا الطرح ظاهر للأعمى السياسي أنّه لا يصب ولا بأي شكل من الأشكال في المصلحة القومية العليا. نعم إنه يصب حتماً وإن لم يكن مائة بالمائة فتسعين بالمائة في المصلحة القومية والوطنية الغربية, والتي من ضمنها استمرار سلطة الحاكم والذي يمثّل جزءً لا يتجزأ من هذه المصلحة الغربية.

إنّ تصريح ساركوزي الأخير حول معارضة المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية الجريمة في غزة , والذي هو بمعنى آخر دعم للعدوان اليهودي, لم يكن مفاجئة, وإنما استمرار للنهج الاستعماري الغربي, استمرار للنهج اللاأخلاقي للغرب( وقد كنّا ذكرنا في مقالنا السابق أنّ جريمة غزة هي مشروع يهودي _ غربي _ عربي).

أريد أن أسأل متى كان هناك دور غربي لدعم مصالحنا الوطنية والقومية وحل مشاكلنا ولو حتى بالحد الأدنى ؟.

أسأل بصورة أخرى أكثر دقة:

جذور المسألة الفلسطينية من غرسها ؟
اقتطاع أجزاء من أمتنا وبيع أجزاء أخرى من يتحمل مسؤوليته ؟
حروبنا الداخلية( العرقية, الدينية, المذهبية ) من الذي أوقدها وأججها ؟
كيانات وإمارات ودويلات وفئات العالم العربي والمتنازعة طبعاً من صنعها ؟
وعد بلفور من أصدره ودعمه وأيّده ؟
قرار تقسيم فلسطين بأي أخلاق جاء ؟
اتفاقية سايكس بيكو ماذا تعني ولمصلحة من ؟
اتفاقية الذل " كامب ديفيد " جوهرياً لصالح من ؟
اتفاقية الاستسلام والخنوع " اوسلو" هي سرقة لماذا ؟
اتفاقية الخيانة " وادي عربة " بأي حق تمت ؟
الدعم الخارجي الغربي الأوروبي والأمريكي لأشخاص وجماعات وطوائف وتحريضهم على نشر الفوضى وإقامة دويلات وضرب المقاومة أينما وجدت في مصلحة من يصب ؟
تفتيت العراق إلى ثلاث أقاليم هل هو لمصلحة العراق ؟
لقد ذكرت كل هذا حتى أستطيع أن أسأل : هل موقف ساركوزي اليوم برفضه للمقاومة ودعم العدوان بعيد عن المواقف الأوروبية والأمريكية السابقة بعيد أيضاً عن مواقفهم تجاه اجتياح لبنان في الثمانينات وتجاه مجزرة قانا وتجاه انتفاضتي فلسطين وتجاه مقاومة حزب الله لعدوان تموز 2006.

خُلاصة تساؤلاتنا السابقة ( والتي أجزناها كثيراً ) أنّه لا يمكننا أن نثق ونعتمد ونؤيد هذه الدول الاستعمارية مهما تغير رئيسها ووزيرها شخصاً أو بشرةً أو جنساً. هذه الدول التي لن نشاهدها يوماً إلى جانبنا والمشاهدة هذه تستثني طبعاً الخونة والعملاء وضعيفي النفوس وتجار الدين والوطن والوطنية وكذلك المتثقفين بالثقافة اليهودية و الغربية, المنادون بديمقراطية بوش والمهللون لحرية فرنسا.

علينا أن نعي شيئاً هاماً وجوهرياً بخصوص المسالة الفلسطينية: ألا وهو أنّ الغرب الأوروبي لم يفكر منذ أكثر من مائة عام بإقامة كيان للجماعات اليهودية المشرّدة, ومن ثمّ يُصدر وعداً بذلك تدعمه أمريكا وروسيا ... , ولم يفتت أمتنا إلى كيانات, و لم يشجع هجرة الطفيليات اليهودية, ولم يقف بجانبهم في حروبهم وعدوانهم ومجازرهم وجرائمهم بكل ما لديه من إمكانات عسكرية وسياسية ومادية , لكي يأتي الآن ليحمي أبناء فلسطين المحتلة من هذه الجريمة الجديدة, ولن يعمل أبدا على إيقاف العدوان عن غزة, إلا لما فيه مصلحة اليهود, ولن يحاول ولن يُساعد في منح الحرية والاستقلال ودعم أي حركة تحررية فلسطينية مهما طال الزمن.

هذا ما علينا إدراكه جيداً, وعلينا أن لا نصدق أبداً وأن لا نؤمن أنّ الغربي أتى إلينا ليساعدنا أو يحمينا.

إنّ الكثيرين يعرف هذه الحقيقة جيداً وخاصة من هم في رأس الهرم في العالم العربي ولكن هؤلاء ليس لديهم القوة والشجاعة والضمير على البوح والإفصاح عن هذه الحقيقة.

لا يمكن للدول الغربية أن تكون ذات نهضة حضارية وإنسانية وأن تتحدث عن الحرية والديمقراطية ما لم تعترف بالإثم الذي ارتكبته في الماضي بأمتنا وخاصة ضمن فلسطين وما زالت إلى الآن تتواقح في تكرار هذا الإثم.

أخوتي في العالمين العربي والإسلامي: لقد كان الغرب وسيبقى حذراً من أي مشروع نهضوي نقوم به, وجاهزاً لضرب أي مقاومة تحررية وطنية وداعماً لأي سلطة وأي مجموعة تعلن ولاءها لهم.

أبناء أمتي المتحررين من ثقافة اليهود والغرب علينا وخصوصاً في هذه المرحلة والهجمة الشرسة أن نحصّن أنفسنا من ألاعيب ومكر الغرب وأن نمنّع أنفسنا من عملاءهم في أرضنا والمتسترين بأسماء برّاقة لامعة ( سياسية _ دينية _ ثقافية _ اقتصادية ...) لا تُخفي داخلها إلّا الخباثة والكره العميق لنهضة أمتنا.

وبما أنّ فلسطين كل فلسطين هي أرضنا والشرفاء المناضلين المقاومين داخلها هم أخوتنا لذلك فإنّ أي شخص لا يعترف بحقنا الكامل بهذه الأرض وحقنا في المقاومة هو عدونا أيّاً كان هذا الشخص ( عربيا ًأم غربياً ). لذلك فإنّ أي اتجاه عربي كان أم غربي لضرب المقاومة أو الحد منها والاعتراف بدولة يهودية , وسلطة فلسطينية على بضعة كيلو مترات هو اتجاه معادِ لنا ولحقوقنا ولأخوتنا في فلسطين المحتلة وهو استهزاء بالشهداء الذين ضحوا لأجل هذا الحق و هو بشكل عام اتجاه معادِ لمصالحنا القومية العليا.

لقد سقطت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وأمريكا وغيرهم من شجرة الإنسانية وحُذفوا من كتاب الأخلاق منذ ما يقارب المائة عام عندما أكدّوا ودعموا سرقة فلسطين وتشريد أهلها, وسقط معهم أيضاً وما زال يسقط كل من يؤمن بأفكارهم وينحاز لآرائهم ويدعم ثقافتهم.

ومخدوع أو مخادع كل من يقول بالإنسانية والديمقراطية والحرية, الأوروبية والأمريكية, وهو يتحمل المسؤولية في كلتا الحالتين.

ليست هناك تعليقات: