زهير الخويلدي
" إن هذه الأفكار ليست أفكارا أمريكية فحسب بل هي حقوق إنسانية وهي لذلك الحقوق التي سوف ندعمها في كل مكان". باراك حسين أوباما
ألقى الرئيس الأمريكي أوباما اليوم 4 جوان 2009 أمام 2500 من الشخصيات المدعوة التي مثلت مختلف الشرائح العمرية والسياسية والعرقية والدينية في جامعة القاهرة خطابا موعودا به منذ مدة وأفرغ في النهاية سلة الهدايا التي حملها معه في جولته الشرق أوسطية والتي كان قد برمج منذ مدة إهداءها إلى العالم الإسلامي ولكن بمجرد أن أنهى كلامه انهالت التعليقات وتنوعت ردود الأفعال إلى حد التناقض، إذ رأى فيه الإسرائليون انحيازا إلى الفلسطينيين وقرروا عدم الاعتماد عليه في تنفيذ مخططاتهم وانتصارا للمسلمين على يد ابن حسين البار من جهة ولكن من جهة مقابلة أقر الفلسطينيون أن خطاب أوباما لا يخلو من تناقضات رغم ما فيه من هدوء ودغدغة للعواطف وبوادر تغير في السياسة الأمريكية بالمقارنة مع تشدد وتحامل سلفه بوش على العرب والإسلام.
غير أن الإشكال الذي يطرح بخصوص هذا الخطاب هو التالي: هل مثل الخطاب بداية ارتسام صورة جديدة لأمريكا انطلقت من بوابة السياسة الخارجية أم أنه تجميل للمشهد المعولم وتكريس ناعم للهيمنة الامبريالية على المعمورة؟
أوباما الذي كانت واقعيته السياسية وعقلانيته البراغماتية حاضرة في جامعة القاهرة وكان وجدانه وذاكرته ومخياله مشدودا وعلقا ومنجذبا إلى جامع الأزهر التزم بإرساء علاقة جديدة مع العالم الإسلامي وتجاوز التوترات التي أفسدت تلك العلاقة وأرست حالة من انعدام الثقة بين الطرفين وأدت إلى صدام بين الحضارات وحروب دينية. بيد أن الفكر الحاذق مدعو إلى استنطاق هذا الخطاب وتبين النوايا الحسنة من المغالطات ورصد مواطن التناقض ونوافذ الأمل التي فتحها وحسن التمييز بين ماهو ايديولوجي دعائي وماهو واقعي ممكن فيه وتصيد الفوائد ودرء المخاطر مما جاء فيه. فماهو مغزى هذا الخطاب؟ ولمن مصلحة من قيل؟ وماذا يخفي من أشكال المنفعة والسلطة بين ثناياه؟ ولماذا اختار القاهرة دون الرياض التي كان فيها ليوجه رسالة إلى مليار ونصف من المسلمين؟ هل يعقل أن يتجاهل رئيس أمريكا البعد المشترك العربي الذي تعتبره الإدارة الأمريكية التكتل الهووي الأكثر مزاحمة وتعطيلا لأجندتها في المنطقة؟ ماهي العناصر الثابتة التي حافظ عليها والتزم بها؟ وماذا حمل من جديد بالمقارنة مع خطب سلفه؟ هل سيؤثر هذا الخطاب في مستقبل العلاقة بين الغرب والشرق وبين أمريكا والإسلام خاصة إذا لم يترجم إلى أفعال وتخلق آليات لتنفيذه والى مدى يمكن اعتباره قد مثل تغييرا في العقلية والنظرة إلى الغيرية؟
1- توصيفات الواقع:
حدد أوباما ثلاثة مراحل في العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي:
- الأولى انطلقت مع تشكل الدولة الأمريكية حيث ساهم المسلمون في ذلك الانبثاق لاسيما وأن "منذ عصر تأسيس بلدنا ساهم المسلمون الأمريكان في إثراء الولايات المتحدة. لقد قاتلوا في حروبنا وخدموا في المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية كما قاموا بالتدريس في جامعاتنا وتفوقوا في الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعا وأشعلوا الشعلة الأولمبية. وعندما تم أخيرا انتخاب أول مسلم أمريكي إلى الكونغرس فقام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدما في ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم التي احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين توماس جيفرسون في مكتبته الخاصة".
كما كانت المغرب وهي الدولة المسلمة أول دولة تعترف رسميا بالاستقلال. هنا كانت العلاقة تتميز بحسن التعايش والتعاون وتجسد ذلك بتعهد "الرئيس الأمريكي الثاني جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس فقد كتب ذلك الرئيس أن "الولايات المتحدة لا تكن أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم".
- المرحلة الثانية كانت في الفترة المعاصرة وغلب عليها التوتر والصراع والحروب وتجلت حسب رأيه في 11سبتمبر 2001 ويبرر ذلك بظاهرة الاستعمار وهضم حقوق المسلمين والتمركز الحضاري وانتشار التطرف والوضع المتفجر بين الاسرائليين من جهة والفلسطينيين والعالم العربي من جهة أخرى اذ يقول:" توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن. وتشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية. وساهم الاستعمار خلال العصر الحديث في تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص كما ساهم في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة. وعلاوة على ذلك حدا التغيير الكاسح الذي رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.
- المرحلة الثالثة هي المنشودة والتي يطلب فيها الرئيس أوباما بناء صفحة جديدة تتميز بالاحترام المتبادل والتعاون بقوله:" لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أمريكا والإسلام لا تعارضان بعضها البعض ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما بل ولهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان".
2- مقترحات عملية:
دعا أوباما إلى الحوار الصريح بين أمريكا والإسلام قصد البحث عن أرضية مشتركة ومن أجل إنهاء حالة الارتياب والشقاق والتوقف عن ترويج الصراعات وبث روح الكراهية وترجيح التعاون والسلام من أجل الوصول إلى الازدهار وتبجيل المصالح المشتركة على مسببات الصراع وأكد على وجود قواسم مشتركة هي العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.
كما حارب أوباما الصورة النمطية التي يحملها الناس عن أمريكا وحاول الدفاع عن السياسة التي تتبعها بلادها وأظهرها على أنها دولة الرفاهية للجميع ،فهي الواحد المتكون من كثير وتسعى الى نشر ثقافة حقوق الإنسان في العالم عندما قال:" وأعتقد أن أمريكا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية: ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا. هذه هي قواسمنا المشتركة وهي تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء".
كما تطرق أوباما إلى قضايا الإصلاح السياسي وتوطيد أركان قيم كونية مثل الديمقراطية والحريات الدينية وحرية المرأة والتنمية الاقتصادية وحسن الرعاية الصحية لمقاومة بعض الأمراض المستفحلة مثل شلل الأطفال وألح على ضرورة حسم المعركة مع الماضي والإيمان بالتقدم والحرية الإنسانية.
مسؤولية المحافظة على مستقبل الحياة على الأرض وإيقاف النزعات ونشر ثقافة السلم والتسامح هي مهمة مشتركة بين الجميع حسب أوباما في إطار الشراكة والتعاون. من هذا المنطلق يحاول أوباما التوفيق بين المتناقضين وخدمة قضيتين بينهما نزاع تاريخي بقوله:"إن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن".
ماهو ظاهر على السطح أن هذا الخطاب خطوة في الاتجاه الصحيح اذ لا يخلو من تضامن إنساني ومن تعبير عن تعاطف نبيل وإحساس بالذنب ونية سليمة نحو التدارك وطي صفحة الماضى ولكن ماهو خفي ويوجد بين الطيات هو أن هذه الخطوة هي مجرد ذر الرماد على العيون ويحتوى على الكثير من المراوغة والمغالطة والتعامل مع الآخرين كمجرد وسائل لتحقيق جملة المصالح التي تبحث عنها الدولة العظمى في المنطقة، كما أنه يتضمن ميكيافلية برغماتية تجمع بين الجامعة العلمانية وقداسة الجامع وتوظف الدين والموروث والتاريخ من أجل بناء ديبلوماسية ناعمة تعالج اشكالية عالقة بتقديم بعض العلب من الحلوى للطرفين.
فهل يجوز لنا أن نقول أن خطاب الرئيس الأمريكي هو حرب على التطرف في كل الأديان و على كل الصور النمطية التي يحملها كل إنسان على الآخر أم هو اكتفى بممارسة نوع من الاستبداد الديمقراطي على العالم واخترع نوع من التظنن الاستيتيقي البارع في لاجدوى مشروع المقاومة ولاأحقية التمسك بالحقوق؟ هل هو دعوة العرب والمسلمين إلى حتمية الاعتراف والتطبيع كأمر واقع لا يمكن الهروب منه أم هو وصول إلى نقطة الحسم مع من يهدد استقرار النظام الدول ويحمل المخاطر إلى العلم ويضرب مصالح أمريكا في المنطقة؟ ثم هل تترجم السنوات القادمة طموحه في تغيير صورة أمريكا في العالم من شيطان أكبر إلى إمبراطورية تعمم الخير على الجميع بشكل منصف؟ ألم يتحول أوباما إلى مصلح ديني عندما تمكن من رسم الحدود الفاصلة بين الإسلامي وغير الإسلامي ونفذ إلى حقيقة الإسلام وشرع في محاربة كل أشكال المغالاة والتطرف؟
كيف سيحقق هذه البداية الجديدة عندما صرح:"إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذي نسعى من أجله ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة"؟ أليس الخطاب سوى نسخة كربونية من سياسات بوش لكن بكلمات أوباما كما علقت حركة كفاية المصرية؟ هل يشفع له خلع الحذاء عند الدخول إلى الجامع والاستشهاد بآيات من القرآن والعودة إلى ماضي الطفولة الإيماني لتجميل وجه الامبريالية القبيح وشراء صك غفران للدخول إلى الجنة ؟ أليس هذا تخليا واضحا عن خطابه الديمقراطي الليبرالي المحسوب على اليسار والتقنع بأدوات اليمين الموظف للدين توظيفا تبريريا محافظا؟ فإذا كان الإسلام دائما جزءا لا يتجزأ من قصة صعود أمريكا ورقيها الحضاري لماذا كانت أمريكا وربيبتها إسرائيل دائما وأبدا الواجهة الأمامية من قصة تأخر المسلمين وتعثر مشاريع نهضتهم واستئنافهم الحضاري؟ ألم يكن من المجدي له أن يشرح للمسلمين أسباب الأزمة العالمية المالية وحاجة الاقتصاد العالمي إلى مساعدة مالية عاجلة بغية إنقاذه من الإفلاس الحتمي؟ ألا يعلم أن الرأسمالية تحمل في ذاتها بذور فنائها وأن الحضارات تتدهور وتنحط إلى الأسفل عندما تكمل دورة صعودها وأن المعالجات الوعظية الأخلاقية هي مجرد عمليات جراحية تجميلية؟
كاتب فلسفي
" إن هذه الأفكار ليست أفكارا أمريكية فحسب بل هي حقوق إنسانية وهي لذلك الحقوق التي سوف ندعمها في كل مكان". باراك حسين أوباما
ألقى الرئيس الأمريكي أوباما اليوم 4 جوان 2009 أمام 2500 من الشخصيات المدعوة التي مثلت مختلف الشرائح العمرية والسياسية والعرقية والدينية في جامعة القاهرة خطابا موعودا به منذ مدة وأفرغ في النهاية سلة الهدايا التي حملها معه في جولته الشرق أوسطية والتي كان قد برمج منذ مدة إهداءها إلى العالم الإسلامي ولكن بمجرد أن أنهى كلامه انهالت التعليقات وتنوعت ردود الأفعال إلى حد التناقض، إذ رأى فيه الإسرائليون انحيازا إلى الفلسطينيين وقرروا عدم الاعتماد عليه في تنفيذ مخططاتهم وانتصارا للمسلمين على يد ابن حسين البار من جهة ولكن من جهة مقابلة أقر الفلسطينيون أن خطاب أوباما لا يخلو من تناقضات رغم ما فيه من هدوء ودغدغة للعواطف وبوادر تغير في السياسة الأمريكية بالمقارنة مع تشدد وتحامل سلفه بوش على العرب والإسلام.
غير أن الإشكال الذي يطرح بخصوص هذا الخطاب هو التالي: هل مثل الخطاب بداية ارتسام صورة جديدة لأمريكا انطلقت من بوابة السياسة الخارجية أم أنه تجميل للمشهد المعولم وتكريس ناعم للهيمنة الامبريالية على المعمورة؟
أوباما الذي كانت واقعيته السياسية وعقلانيته البراغماتية حاضرة في جامعة القاهرة وكان وجدانه وذاكرته ومخياله مشدودا وعلقا ومنجذبا إلى جامع الأزهر التزم بإرساء علاقة جديدة مع العالم الإسلامي وتجاوز التوترات التي أفسدت تلك العلاقة وأرست حالة من انعدام الثقة بين الطرفين وأدت إلى صدام بين الحضارات وحروب دينية. بيد أن الفكر الحاذق مدعو إلى استنطاق هذا الخطاب وتبين النوايا الحسنة من المغالطات ورصد مواطن التناقض ونوافذ الأمل التي فتحها وحسن التمييز بين ماهو ايديولوجي دعائي وماهو واقعي ممكن فيه وتصيد الفوائد ودرء المخاطر مما جاء فيه. فماهو مغزى هذا الخطاب؟ ولمن مصلحة من قيل؟ وماذا يخفي من أشكال المنفعة والسلطة بين ثناياه؟ ولماذا اختار القاهرة دون الرياض التي كان فيها ليوجه رسالة إلى مليار ونصف من المسلمين؟ هل يعقل أن يتجاهل رئيس أمريكا البعد المشترك العربي الذي تعتبره الإدارة الأمريكية التكتل الهووي الأكثر مزاحمة وتعطيلا لأجندتها في المنطقة؟ ماهي العناصر الثابتة التي حافظ عليها والتزم بها؟ وماذا حمل من جديد بالمقارنة مع خطب سلفه؟ هل سيؤثر هذا الخطاب في مستقبل العلاقة بين الغرب والشرق وبين أمريكا والإسلام خاصة إذا لم يترجم إلى أفعال وتخلق آليات لتنفيذه والى مدى يمكن اعتباره قد مثل تغييرا في العقلية والنظرة إلى الغيرية؟
1- توصيفات الواقع:
حدد أوباما ثلاثة مراحل في العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي:
- الأولى انطلقت مع تشكل الدولة الأمريكية حيث ساهم المسلمون في ذلك الانبثاق لاسيما وأن "منذ عصر تأسيس بلدنا ساهم المسلمون الأمريكان في إثراء الولايات المتحدة. لقد قاتلوا في حروبنا وخدموا في المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية كما قاموا بالتدريس في جامعاتنا وتفوقوا في الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعا وأشعلوا الشعلة الأولمبية. وعندما تم أخيرا انتخاب أول مسلم أمريكي إلى الكونغرس فقام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدما في ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم التي احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين توماس جيفرسون في مكتبته الخاصة".
كما كانت المغرب وهي الدولة المسلمة أول دولة تعترف رسميا بالاستقلال. هنا كانت العلاقة تتميز بحسن التعايش والتعاون وتجسد ذلك بتعهد "الرئيس الأمريكي الثاني جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس فقد كتب ذلك الرئيس أن "الولايات المتحدة لا تكن أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم".
- المرحلة الثانية كانت في الفترة المعاصرة وغلب عليها التوتر والصراع والحروب وتجلت حسب رأيه في 11سبتمبر 2001 ويبرر ذلك بظاهرة الاستعمار وهضم حقوق المسلمين والتمركز الحضاري وانتشار التطرف والوضع المتفجر بين الاسرائليين من جهة والفلسطينيين والعالم العربي من جهة أخرى اذ يقول:" توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن. وتشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية. وساهم الاستعمار خلال العصر الحديث في تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص كما ساهم في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة. وعلاوة على ذلك حدا التغيير الكاسح الذي رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.
- المرحلة الثالثة هي المنشودة والتي يطلب فيها الرئيس أوباما بناء صفحة جديدة تتميز بالاحترام المتبادل والتعاون بقوله:" لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أمريكا والإسلام لا تعارضان بعضها البعض ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما بل ولهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان".
2- مقترحات عملية:
دعا أوباما إلى الحوار الصريح بين أمريكا والإسلام قصد البحث عن أرضية مشتركة ومن أجل إنهاء حالة الارتياب والشقاق والتوقف عن ترويج الصراعات وبث روح الكراهية وترجيح التعاون والسلام من أجل الوصول إلى الازدهار وتبجيل المصالح المشتركة على مسببات الصراع وأكد على وجود قواسم مشتركة هي العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.
كما حارب أوباما الصورة النمطية التي يحملها الناس عن أمريكا وحاول الدفاع عن السياسة التي تتبعها بلادها وأظهرها على أنها دولة الرفاهية للجميع ،فهي الواحد المتكون من كثير وتسعى الى نشر ثقافة حقوق الإنسان في العالم عندما قال:" وأعتقد أن أمريكا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية: ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا. هذه هي قواسمنا المشتركة وهي تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء".
كما تطرق أوباما إلى قضايا الإصلاح السياسي وتوطيد أركان قيم كونية مثل الديمقراطية والحريات الدينية وحرية المرأة والتنمية الاقتصادية وحسن الرعاية الصحية لمقاومة بعض الأمراض المستفحلة مثل شلل الأطفال وألح على ضرورة حسم المعركة مع الماضي والإيمان بالتقدم والحرية الإنسانية.
مسؤولية المحافظة على مستقبل الحياة على الأرض وإيقاف النزعات ونشر ثقافة السلم والتسامح هي مهمة مشتركة بين الجميع حسب أوباما في إطار الشراكة والتعاون. من هذا المنطلق يحاول أوباما التوفيق بين المتناقضين وخدمة قضيتين بينهما نزاع تاريخي بقوله:"إن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن".
ماهو ظاهر على السطح أن هذا الخطاب خطوة في الاتجاه الصحيح اذ لا يخلو من تضامن إنساني ومن تعبير عن تعاطف نبيل وإحساس بالذنب ونية سليمة نحو التدارك وطي صفحة الماضى ولكن ماهو خفي ويوجد بين الطيات هو أن هذه الخطوة هي مجرد ذر الرماد على العيون ويحتوى على الكثير من المراوغة والمغالطة والتعامل مع الآخرين كمجرد وسائل لتحقيق جملة المصالح التي تبحث عنها الدولة العظمى في المنطقة، كما أنه يتضمن ميكيافلية برغماتية تجمع بين الجامعة العلمانية وقداسة الجامع وتوظف الدين والموروث والتاريخ من أجل بناء ديبلوماسية ناعمة تعالج اشكالية عالقة بتقديم بعض العلب من الحلوى للطرفين.
فهل يجوز لنا أن نقول أن خطاب الرئيس الأمريكي هو حرب على التطرف في كل الأديان و على كل الصور النمطية التي يحملها كل إنسان على الآخر أم هو اكتفى بممارسة نوع من الاستبداد الديمقراطي على العالم واخترع نوع من التظنن الاستيتيقي البارع في لاجدوى مشروع المقاومة ولاأحقية التمسك بالحقوق؟ هل هو دعوة العرب والمسلمين إلى حتمية الاعتراف والتطبيع كأمر واقع لا يمكن الهروب منه أم هو وصول إلى نقطة الحسم مع من يهدد استقرار النظام الدول ويحمل المخاطر إلى العلم ويضرب مصالح أمريكا في المنطقة؟ ثم هل تترجم السنوات القادمة طموحه في تغيير صورة أمريكا في العالم من شيطان أكبر إلى إمبراطورية تعمم الخير على الجميع بشكل منصف؟ ألم يتحول أوباما إلى مصلح ديني عندما تمكن من رسم الحدود الفاصلة بين الإسلامي وغير الإسلامي ونفذ إلى حقيقة الإسلام وشرع في محاربة كل أشكال المغالاة والتطرف؟
كيف سيحقق هذه البداية الجديدة عندما صرح:"إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذي نسعى من أجله ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة"؟ أليس الخطاب سوى نسخة كربونية من سياسات بوش لكن بكلمات أوباما كما علقت حركة كفاية المصرية؟ هل يشفع له خلع الحذاء عند الدخول إلى الجامع والاستشهاد بآيات من القرآن والعودة إلى ماضي الطفولة الإيماني لتجميل وجه الامبريالية القبيح وشراء صك غفران للدخول إلى الجنة ؟ أليس هذا تخليا واضحا عن خطابه الديمقراطي الليبرالي المحسوب على اليسار والتقنع بأدوات اليمين الموظف للدين توظيفا تبريريا محافظا؟ فإذا كان الإسلام دائما جزءا لا يتجزأ من قصة صعود أمريكا ورقيها الحضاري لماذا كانت أمريكا وربيبتها إسرائيل دائما وأبدا الواجهة الأمامية من قصة تأخر المسلمين وتعثر مشاريع نهضتهم واستئنافهم الحضاري؟ ألم يكن من المجدي له أن يشرح للمسلمين أسباب الأزمة العالمية المالية وحاجة الاقتصاد العالمي إلى مساعدة مالية عاجلة بغية إنقاذه من الإفلاس الحتمي؟ ألا يعلم أن الرأسمالية تحمل في ذاتها بذور فنائها وأن الحضارات تتدهور وتنحط إلى الأسفل عندما تكمل دورة صعودها وأن المعالجات الوعظية الأخلاقية هي مجرد عمليات جراحية تجميلية؟
كاتب فلسفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق