نقولا ناصر
عندما يشترط رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، لكي يؤيد قيام دولة فلسطينية، أن يوافق الفلسطينيون مسبقا وأولا على اعتراف "علني وملزم لا تردد فيه" ب"إسرائيل" كدولة يهودية "للشعب اليهودي"، فإنه يحول سياسة التطهير العرقي الرسمية غير المعلنة التي لولاها لما قامت لدولة المشروع الصهيوني في فلسطين قائمة إلى سياسة رسمية معلنة.
لذلك لم يكن مستغربا أن يحظى خطاب الثلاثة آلاف كلمة الذي ألقاه نتنياهو خلال ثلاثة وثلاثين دقيقة في مركز بيغن - السادات بجامعة بار إيلان -- القلعة الأكاديمية للدفاع عن المشروع الاستيطاني اليهودي قديمه وحديثه -- في الرابع عشر من الشهر الجاري بتأييد شبه إجماعي في المؤسسات الدينية والسياسية لأكبر تجمعين لليهود في العالم، أي في الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها. فقد أجمع "المؤتمر المركزي للحاخامات الأميركيين" الذين يوصفون بالإصلاحيين و"مجلس حاخامات أميركا" الذين يوصفون بالأورثوذكس والمنظمة الصهيونية الأميركية ومنظمة "إيباك" على تأييد دعم رؤيته المشروطة لحل الدولتين، بينما أيده (71%) من يهود إسرائيل حسب أحدث استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة هآرتس، دون أن تظهر أي معارضة جادة لرؤية نتنتياهو كما عرضها في خطابه الذي أشاد به شمعون بيريس رئيس دولة الاحتلال الحائز على جائزة نوبل للسلام -- مكافأة له عل شراكته مع منظمة التحرير الفلسطينية في إخراج "اتفاق أوسلو" سيء الصيت إلى حيز الوجود -- باعتباره خطابا "جريئا وواقعيا".
ولذلك لم يكن مستغربا أيضا أن يثير خطاب نتنياهو صدمة في أوساط "معسكر السلام الفلسطيني" الذي أدمن التفاوض حد العمى السياسي الذي جعل هذا المعسكر يوغل في رهانه على الوسيط الأميركي إيغالا جعله يتوهم بأن هذا الوسيط قادر أو يريد حقا الضغط على حكومة الحرب التي تمخضت عن الانتخابات الأخيرة في دولة الاحتلال لكي تناقض أيدولوجيا المكونات السياسية للائتلاف الحاكم في تل أبيب، بحيث كان صوت المفاوض الفلسطيني، لأول مرة منذ مدة طويلة، أعلى من صوت المعارضة الوطنية والسياسية له، وبحيث بدت القيادات الفلسطينية المنقسمة وكأنما تتحدث بصوت واحد طغى على انقسامها الدموي لأول مرة أيضا منذ فترة طويلة.
غير أن صدمة معسكر السلام الفلسطيني الناجمة عن الخطاب إذا كانت مؤشرا إلى انقشاع وهم وجود "شريك إسرائيلي" للسلام، ممثلا في الأقل في حكومة نتنياهو، فإنها ما زالت قاصرة عن التحول إلى صحوة مماثلة تبدد الوهم الآخر الذي ما زال يسكن المفاوض الفلسطيني ليستمر في الاعتقاد بوجود وسيط أميركي ذي مصداقية مدعوم أوروبيا.
فعندما ترحب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بخطاب نتنياهو الذي لم يخرج في خلاصته على إعلان التطهير العرقي كسياسة رسمية لحكومته ضد عرب فلسطين باعتباره مثلا "تحركا إيجابيا" و"خطوة كبيرة إلى الأمام" (الرئيس باراك أوباما) و"خطوة في الاتجاه الصحيح" (وزير خارجية الرئيس التشيكي الدوري للاتحاد الأوروبي جان كوهاوت) و"خطوة أولى هامة" (المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل)، إلخ، في مواجهة مطالبة صريحة من الرئاسة الفلسطينية ومفاوضيها بضرورة تصدي المجتمع الدولي لرؤية نتنياهو وبالحث على عزل حكومته دوليا، وفي تحد فج للمشاعر الوطنية الفلسطينية كما عبرت عنها خمسة فصائل فلسطينية مؤتلفة مع الرئاسة في إطار منظمة التحرير وسلطة الحكم الذاتي المنسوبة إليها مثل فتح وحزب الشعب والجبهات الثلاث الشعبية والديموقراطية والنضال التي اعتبرت بأن خطاب نتنياهو يرقى إلى "إعلان حرب على الحقوق الوطنية" للشعب الفلسطيني، وليس فصائل المقاومة المعارضة، فإن مثل هذا الترحيب الأميركي – الأوروبي يرقى بدوره إلى ترحيب بالتطهير العرقي كسياسة رسمية لدولة الاحتلال الإسرائيلي حري به، ومن المفترض أن يكون، حافزا لإعادة نظر فاصلة في استمرار الرهان العربي والفلسطيني على أي وساطة أميركية أو أوروبية نزيهة في التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي، حافز يمهد لاستراتيجية عربية بديلة بحثا عن سلام حقيقي يعيد الحقوق إلى أصحابها الشرعيين.
وليس من الصعب الاستنتاج بأن التناقض بين ردود فعل "شركاء السلام" العرب والفلسطينيين على خطاب نتنياهو وبين ردود فعل "وسطاء السلام" الأميركيين والأوروبيين عليه إنما هو دليل دامغ على أن نتنياهو قد نجح في احتواء الخلاف بينه وبين هؤلاء الوسطاء حول "استمرار التوسع الاستيطاني" والاعتراف ب"دولة فلسطينية" وفي تحويله إلى خلاف بينهم وبين "شركائهم" العرب والفلسطينيين.
ولا بد في هذه العجالة من التوقف عند نقطتين خلافيتين هامتين بين المفاوض العربي – الفلسطيني وبين الوسيط الأميركي – الأوروبي، وتتلخص الأولى في ما قال أوباما يوم الاثنين الماضي إن الخطاب يطرح "في الأقل إمكانية أننا نستطيع البدء مجددا في محادثات جادة"، يريد هو ومبعوثه الرئاسي جورج ميتشل استئنافها "فورا"، بينما اعتبرت الرئاستان الفلسطينية والمصرية بخاصة أن الخطاب يجهض الجهود الدولية التي تحاول إحياء أي محادثات كهذه.
وتتلخص النقطة الثانية في البيان الذي أصدره السكرتير الصحفي للبيت الأبيض الأميركي روبرت جيبس بعد خطاب نتنياهو ليعلن ترحيب أوباما بالخطاب ويجدد التزامه بحل الدولتين، "دولة إسرائيل اليهودية، وفلسطين مستقلة". إن تبني أوباما ل"يهودية" دولة الاحتلال الإسرائيلي يتناقض مباشرة مع الإجماع الفلسطيني الذي يتجاوز أي انقسام على رفض هذا التوصيف العنصري الذي يعتبر توقيعا أميركيا على بياض يسوغ التطهير العرقي الإسرائيلي السابق ويعطي ضوءا أخضر للمزيد منه في المستقبل.
أما استهتار أوباما بالشروط التي أعلنها نتنياهو لاعترافه بدولة فلسطينية باعتبارها مواضيع للتفاوض الثنائي فإنه استهتار لا يتعظ بتجربة الشروط الأربعة عشر التي أعلنها رئيس دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون عندما أعلن اعترافه بدولة فلسطينية عبر موافقة حكومته المشروطة على "خريطة الطريق" عام 2003، وهي الشروط التي حولت هذه الخريطة إلى مجرد حبر على ورق يسعى أوباما الآن إلى إحيائها مضافا إليها شروط نتنياهو الجديدة.
وإذا كانت مطالبة العرب وأولهم الفلسطينيون الاعتراف بدولة الاحتلال ك"دولة يهودية" من قبل شخص (نتنياهو) "فشل في الاعتراف بالفلسطينيين كشعب" (جدعون ليفي، هآرتس، 15/6/2009) تعتبر "مهينة تقريبا وعلى الأرجح لن يستجاب لها" (آفي إساكهاروف، هآرتس، 17/6/2009)، فإن الترحيب الأميركي الأوروبي بالخطاب يضيف الإهانة إلى الجرح الفلسطيني النازف منذ عقود، كما يقول المثل الإنكليزي، فالدولة الفلسطينية التي تشترط حكومة نتنياهو اعترافها بدولة الاحتلال ك"دولة يهودية" لمبادلتها الاعتراف هي "للسكان الفلسطينيين" الذين شاء القدر أن يفرضوا على "أرضنا الصغيرة – أرض إسرائيل"، والصراع قد استمر لأكثر من ستين عاما "بسبب رفض الاعتراف بإسرائيل كوطن تاريخي للشعب اليهودي"، كما قال في خطابه، وليس بسبب التطهير العرقي والاحتلال الذي رافقه وأعقبه.
إن "رش الملح الأميركي على الجرح الفلسطيني" مجددا يذكر بالخطأ الفادح الذي ارتكبه المجتمع الدولي عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991 قرارها رقم 4686 بأغلبية 111 صوتا ضد 25 صوتا لإبطال قرارها رقم 3379 لسنة 1975 باعتبار الصهيونية مساوية للعنصرية، كمساهمة في أكذوبة "عملية السلام" التي انطلقت في مدريد في تلك السنة، لكنه يذكر بالخطأ الأفدح الذي ارتكبه المفاوض الفلسطيني عندما توهم بإمكانية وجود شريك سلام إسرائيلي وما زال يتوهم بإمكانية أن يكون الوسيط الأميركي معه نزيها وغير منحاز في أي وقت منظور لكي يتخذ المجتمع الدولي من أوهامه السياسية مسوغا لتخفيف قبضته على دولة نشأت وتوسعت وتستمر فقط بالتطهير العرقي.
كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com
عندما يشترط رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، لكي يؤيد قيام دولة فلسطينية، أن يوافق الفلسطينيون مسبقا وأولا على اعتراف "علني وملزم لا تردد فيه" ب"إسرائيل" كدولة يهودية "للشعب اليهودي"، فإنه يحول سياسة التطهير العرقي الرسمية غير المعلنة التي لولاها لما قامت لدولة المشروع الصهيوني في فلسطين قائمة إلى سياسة رسمية معلنة.
لذلك لم يكن مستغربا أن يحظى خطاب الثلاثة آلاف كلمة الذي ألقاه نتنياهو خلال ثلاثة وثلاثين دقيقة في مركز بيغن - السادات بجامعة بار إيلان -- القلعة الأكاديمية للدفاع عن المشروع الاستيطاني اليهودي قديمه وحديثه -- في الرابع عشر من الشهر الجاري بتأييد شبه إجماعي في المؤسسات الدينية والسياسية لأكبر تجمعين لليهود في العالم، أي في الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها. فقد أجمع "المؤتمر المركزي للحاخامات الأميركيين" الذين يوصفون بالإصلاحيين و"مجلس حاخامات أميركا" الذين يوصفون بالأورثوذكس والمنظمة الصهيونية الأميركية ومنظمة "إيباك" على تأييد دعم رؤيته المشروطة لحل الدولتين، بينما أيده (71%) من يهود إسرائيل حسب أحدث استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة هآرتس، دون أن تظهر أي معارضة جادة لرؤية نتنتياهو كما عرضها في خطابه الذي أشاد به شمعون بيريس رئيس دولة الاحتلال الحائز على جائزة نوبل للسلام -- مكافأة له عل شراكته مع منظمة التحرير الفلسطينية في إخراج "اتفاق أوسلو" سيء الصيت إلى حيز الوجود -- باعتباره خطابا "جريئا وواقعيا".
ولذلك لم يكن مستغربا أيضا أن يثير خطاب نتنياهو صدمة في أوساط "معسكر السلام الفلسطيني" الذي أدمن التفاوض حد العمى السياسي الذي جعل هذا المعسكر يوغل في رهانه على الوسيط الأميركي إيغالا جعله يتوهم بأن هذا الوسيط قادر أو يريد حقا الضغط على حكومة الحرب التي تمخضت عن الانتخابات الأخيرة في دولة الاحتلال لكي تناقض أيدولوجيا المكونات السياسية للائتلاف الحاكم في تل أبيب، بحيث كان صوت المفاوض الفلسطيني، لأول مرة منذ مدة طويلة، أعلى من صوت المعارضة الوطنية والسياسية له، وبحيث بدت القيادات الفلسطينية المنقسمة وكأنما تتحدث بصوت واحد طغى على انقسامها الدموي لأول مرة أيضا منذ فترة طويلة.
غير أن صدمة معسكر السلام الفلسطيني الناجمة عن الخطاب إذا كانت مؤشرا إلى انقشاع وهم وجود "شريك إسرائيلي" للسلام، ممثلا في الأقل في حكومة نتنياهو، فإنها ما زالت قاصرة عن التحول إلى صحوة مماثلة تبدد الوهم الآخر الذي ما زال يسكن المفاوض الفلسطيني ليستمر في الاعتقاد بوجود وسيط أميركي ذي مصداقية مدعوم أوروبيا.
فعندما ترحب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بخطاب نتنياهو الذي لم يخرج في خلاصته على إعلان التطهير العرقي كسياسة رسمية لحكومته ضد عرب فلسطين باعتباره مثلا "تحركا إيجابيا" و"خطوة كبيرة إلى الأمام" (الرئيس باراك أوباما) و"خطوة في الاتجاه الصحيح" (وزير خارجية الرئيس التشيكي الدوري للاتحاد الأوروبي جان كوهاوت) و"خطوة أولى هامة" (المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل)، إلخ، في مواجهة مطالبة صريحة من الرئاسة الفلسطينية ومفاوضيها بضرورة تصدي المجتمع الدولي لرؤية نتنياهو وبالحث على عزل حكومته دوليا، وفي تحد فج للمشاعر الوطنية الفلسطينية كما عبرت عنها خمسة فصائل فلسطينية مؤتلفة مع الرئاسة في إطار منظمة التحرير وسلطة الحكم الذاتي المنسوبة إليها مثل فتح وحزب الشعب والجبهات الثلاث الشعبية والديموقراطية والنضال التي اعتبرت بأن خطاب نتنياهو يرقى إلى "إعلان حرب على الحقوق الوطنية" للشعب الفلسطيني، وليس فصائل المقاومة المعارضة، فإن مثل هذا الترحيب الأميركي – الأوروبي يرقى بدوره إلى ترحيب بالتطهير العرقي كسياسة رسمية لدولة الاحتلال الإسرائيلي حري به، ومن المفترض أن يكون، حافزا لإعادة نظر فاصلة في استمرار الرهان العربي والفلسطيني على أي وساطة أميركية أو أوروبية نزيهة في التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي، حافز يمهد لاستراتيجية عربية بديلة بحثا عن سلام حقيقي يعيد الحقوق إلى أصحابها الشرعيين.
وليس من الصعب الاستنتاج بأن التناقض بين ردود فعل "شركاء السلام" العرب والفلسطينيين على خطاب نتنياهو وبين ردود فعل "وسطاء السلام" الأميركيين والأوروبيين عليه إنما هو دليل دامغ على أن نتنياهو قد نجح في احتواء الخلاف بينه وبين هؤلاء الوسطاء حول "استمرار التوسع الاستيطاني" والاعتراف ب"دولة فلسطينية" وفي تحويله إلى خلاف بينهم وبين "شركائهم" العرب والفلسطينيين.
ولا بد في هذه العجالة من التوقف عند نقطتين خلافيتين هامتين بين المفاوض العربي – الفلسطيني وبين الوسيط الأميركي – الأوروبي، وتتلخص الأولى في ما قال أوباما يوم الاثنين الماضي إن الخطاب يطرح "في الأقل إمكانية أننا نستطيع البدء مجددا في محادثات جادة"، يريد هو ومبعوثه الرئاسي جورج ميتشل استئنافها "فورا"، بينما اعتبرت الرئاستان الفلسطينية والمصرية بخاصة أن الخطاب يجهض الجهود الدولية التي تحاول إحياء أي محادثات كهذه.
وتتلخص النقطة الثانية في البيان الذي أصدره السكرتير الصحفي للبيت الأبيض الأميركي روبرت جيبس بعد خطاب نتنياهو ليعلن ترحيب أوباما بالخطاب ويجدد التزامه بحل الدولتين، "دولة إسرائيل اليهودية، وفلسطين مستقلة". إن تبني أوباما ل"يهودية" دولة الاحتلال الإسرائيلي يتناقض مباشرة مع الإجماع الفلسطيني الذي يتجاوز أي انقسام على رفض هذا التوصيف العنصري الذي يعتبر توقيعا أميركيا على بياض يسوغ التطهير العرقي الإسرائيلي السابق ويعطي ضوءا أخضر للمزيد منه في المستقبل.
أما استهتار أوباما بالشروط التي أعلنها نتنياهو لاعترافه بدولة فلسطينية باعتبارها مواضيع للتفاوض الثنائي فإنه استهتار لا يتعظ بتجربة الشروط الأربعة عشر التي أعلنها رئيس دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون عندما أعلن اعترافه بدولة فلسطينية عبر موافقة حكومته المشروطة على "خريطة الطريق" عام 2003، وهي الشروط التي حولت هذه الخريطة إلى مجرد حبر على ورق يسعى أوباما الآن إلى إحيائها مضافا إليها شروط نتنياهو الجديدة.
وإذا كانت مطالبة العرب وأولهم الفلسطينيون الاعتراف بدولة الاحتلال ك"دولة يهودية" من قبل شخص (نتنياهو) "فشل في الاعتراف بالفلسطينيين كشعب" (جدعون ليفي، هآرتس، 15/6/2009) تعتبر "مهينة تقريبا وعلى الأرجح لن يستجاب لها" (آفي إساكهاروف، هآرتس، 17/6/2009)، فإن الترحيب الأميركي الأوروبي بالخطاب يضيف الإهانة إلى الجرح الفلسطيني النازف منذ عقود، كما يقول المثل الإنكليزي، فالدولة الفلسطينية التي تشترط حكومة نتنياهو اعترافها بدولة الاحتلال ك"دولة يهودية" لمبادلتها الاعتراف هي "للسكان الفلسطينيين" الذين شاء القدر أن يفرضوا على "أرضنا الصغيرة – أرض إسرائيل"، والصراع قد استمر لأكثر من ستين عاما "بسبب رفض الاعتراف بإسرائيل كوطن تاريخي للشعب اليهودي"، كما قال في خطابه، وليس بسبب التطهير العرقي والاحتلال الذي رافقه وأعقبه.
إن "رش الملح الأميركي على الجرح الفلسطيني" مجددا يذكر بالخطأ الفادح الذي ارتكبه المجتمع الدولي عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991 قرارها رقم 4686 بأغلبية 111 صوتا ضد 25 صوتا لإبطال قرارها رقم 3379 لسنة 1975 باعتبار الصهيونية مساوية للعنصرية، كمساهمة في أكذوبة "عملية السلام" التي انطلقت في مدريد في تلك السنة، لكنه يذكر بالخطأ الأفدح الذي ارتكبه المفاوض الفلسطيني عندما توهم بإمكانية وجود شريك سلام إسرائيلي وما زال يتوهم بإمكانية أن يكون الوسيط الأميركي معه نزيها وغير منحاز في أي وقت منظور لكي يتخذ المجتمع الدولي من أوهامه السياسية مسوغا لتخفيف قبضته على دولة نشأت وتوسعت وتستمر فقط بالتطهير العرقي.
كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق