الكولونيل شربل بركات
الرئيس بري هو من الرعيل الذي حارب الزعامات التقليدية يوم كان شابا ككل شباب لبنان كونها لا تمثل رغبات الشعب تمثيلا صحيحا، بحسب قولهم، وتسعى فقط إلى تنفيذ طموحاتها الشخصية من خلال تمسكها بالسلطة وتمرير كل حاجات الناس عبرها.
الرئيس بري كان تقدميا بالمعنى المتعارف عليه، خاصة بين الشباب الشيعي في الجنوب، قبل أن يبرز نجم الإمام الصدر والذي أصبح بعدها مثالا يحتذى في نظرته للأمور وفي مطالبته أبناء الطائفة بالعمل على نشر الوعي الثقافي والاجتماعي والدفع نحو إنصاف الفئات المحرومة من الشعب اللبناني والتي تشكل الطائفة الشيعية الجزء الأكبر منها.
الرئيس بري ناضل بجانب الكثيرين من أقرانه في سبيل تحقيق الحلم بالعدالة الاجتماعية وتأمين الفرص للشباب اللبناني وخفض النزف وتحسين الإنتاجية التي تؤمن استقرار المجتمع خاصة في قرى الجنوب التي، بسبب موقعها القريب من الحدود مع إسرائيل، عانت الكثير من المشاكل الأمنية، وبسبب قلة المجاري المائية السطحية فيها عانت من قلة التنويع في الإنتاج الزراعي فتشبثت بشتلة التبغ موردا أساسيا مع كل المشاكل التي ترافقها.
ولكن الحرب وتقلباتها وتغيّير التحالفات والتطلعات، ربما، جعلت من الرئيس بري شخصا آخر، فهو الآن يرئس المجلس النيابي منذ 1992 بدون انقطاع، بعد أن حسب من أمراء الحرب الفعليين ردحا غير قصير من الزمن، ويكاد أن يدخل موسوعة "جينيس" كأطول رئيس مجلس نواب في تاريخ الدول الديمقراطية المعروفة. فهل إن لبنان في اتفاق الطائف قلل من شأن الرئاسة الثانية لدرجة أنه لم يلحظ مادة تمنع التمديد ولو لأكثر من مرتين متتاليتين مثلا؟ أم أن اللبنانيين راهنوا على دينامية الطائفة الشيعية والتنافس الممكن بين المناطق والزعامات ولم يدركوا أن شيئا مما يحصل الآن قد يصبح واقعا على الأرض؟
نحن لسنا في مجال الغمز من قناة الرئيس بري الشخصية ليس لأنه غير قابل للغمز ولا لأنه الرجل المناسب في المكان المناسب ولكن موضوعنا اليوم هو النظام الديمقراطي الذي يُلزم التغيير ولا يجوز فيه أبدا التمسك بالمناصب والمواقع وإلا فإن أسسه تختل كما يحصل اليوم.
إن المناسبة هي إعادة انتخاب الرئيس بري بدون أن يكون هناك مجال للمنافسة فحتى من ترشح ضده سحب الترشيح قبل الانتخاب خوفا، ربما، من أن يسارع بعض النواب "الأحرار" فينتخبوه، ما يجعلنا نخشى بأن يمتد هذا النمط نحو الرئاسات الأخرى فنضطر إلى المطالبة بتغيير الدستور للتمديد لرئيس الجمهورية مثلا، كما عودنا السوريون، أو أن يصبح الرئيس الحريري العتيد رئيسا مدى الحياة، كما هي الحال في كثير من الأنظمة العربية وما نراه يحصل في إيران الآن؛ وهو عدوى التشبث بالسلطة وعدم التخلي عن المنصب إلا بالثورة الدموية، هذا مع احترامنا للجميع ولكل ما يمثلون. فهل إن اتفاقا ما وضع أسس النظام اللبناني الجديد حيث تكرّس فيه مناصب ومراكز لزعامات هذه الطوائف بينما يترك الوضع في الساحة المسيحية فقط حيث التنافس لا يزال مقبولا حتى الآن إلى أن تنقلب التحالفات ليفرض عنصرا مسيحيا نفسه "بالقوة" ويتشبث بمناصب هذه الطائفة فلا يعود هناك من يقلق هذا الوضع "الديمقراطي" المستقر كأمثاله في دول المنطقة؟
إن التدخل في شؤون لبنان وخاصة شكل ونظام الحكم فيه لا يقتصر على سوريا وإيران ورؤيتهما التوتاليتارية فقط إنما قد يكون هناك أنظمة عربية أخرى وربما غير عربية تسعى لدفع لبنان إلى هذا النمط من الترويكا التي لا تسمح بالممارسة الديمقراطية الصحيحة وتضع الناس بين منطق التطرف الأعمى الذي يهدد بعدم الاستقرار أو منطق الزعامات التقليدية التي تتقاسم المناصب وتتوارثها والتي يحميها الخوف من الآخر والتهيّب من أي تغيير قد يؤدي إلى المجهول.
فهل إن لبنان الذي كاد أن يكون السباق إلى فرض رأي الشعب على الزعامات وتعميم مبدأ التناوب في السلطات الذي يعتبر ركيزة الديمقراطية الأولى قد انحدر إلى مستوى الإمارة لا بل الولاية التي يحكمها واحد من اثنين: من يدفع أكثر أو من يجند أكثر، والاثنان لا يهتمان بأمر الرعية إنما بما يهم "الباب العالي" أيا كان هذا الباب؟
الرئيس بري هو من الرعيل الذي حارب الزعامات التقليدية يوم كان شابا ككل شباب لبنان كونها لا تمثل رغبات الشعب تمثيلا صحيحا، بحسب قولهم، وتسعى فقط إلى تنفيذ طموحاتها الشخصية من خلال تمسكها بالسلطة وتمرير كل حاجات الناس عبرها.
الرئيس بري كان تقدميا بالمعنى المتعارف عليه، خاصة بين الشباب الشيعي في الجنوب، قبل أن يبرز نجم الإمام الصدر والذي أصبح بعدها مثالا يحتذى في نظرته للأمور وفي مطالبته أبناء الطائفة بالعمل على نشر الوعي الثقافي والاجتماعي والدفع نحو إنصاف الفئات المحرومة من الشعب اللبناني والتي تشكل الطائفة الشيعية الجزء الأكبر منها.
الرئيس بري ناضل بجانب الكثيرين من أقرانه في سبيل تحقيق الحلم بالعدالة الاجتماعية وتأمين الفرص للشباب اللبناني وخفض النزف وتحسين الإنتاجية التي تؤمن استقرار المجتمع خاصة في قرى الجنوب التي، بسبب موقعها القريب من الحدود مع إسرائيل، عانت الكثير من المشاكل الأمنية، وبسبب قلة المجاري المائية السطحية فيها عانت من قلة التنويع في الإنتاج الزراعي فتشبثت بشتلة التبغ موردا أساسيا مع كل المشاكل التي ترافقها.
ولكن الحرب وتقلباتها وتغيّير التحالفات والتطلعات، ربما، جعلت من الرئيس بري شخصا آخر، فهو الآن يرئس المجلس النيابي منذ 1992 بدون انقطاع، بعد أن حسب من أمراء الحرب الفعليين ردحا غير قصير من الزمن، ويكاد أن يدخل موسوعة "جينيس" كأطول رئيس مجلس نواب في تاريخ الدول الديمقراطية المعروفة. فهل إن لبنان في اتفاق الطائف قلل من شأن الرئاسة الثانية لدرجة أنه لم يلحظ مادة تمنع التمديد ولو لأكثر من مرتين متتاليتين مثلا؟ أم أن اللبنانيين راهنوا على دينامية الطائفة الشيعية والتنافس الممكن بين المناطق والزعامات ولم يدركوا أن شيئا مما يحصل الآن قد يصبح واقعا على الأرض؟
نحن لسنا في مجال الغمز من قناة الرئيس بري الشخصية ليس لأنه غير قابل للغمز ولا لأنه الرجل المناسب في المكان المناسب ولكن موضوعنا اليوم هو النظام الديمقراطي الذي يُلزم التغيير ولا يجوز فيه أبدا التمسك بالمناصب والمواقع وإلا فإن أسسه تختل كما يحصل اليوم.
إن المناسبة هي إعادة انتخاب الرئيس بري بدون أن يكون هناك مجال للمنافسة فحتى من ترشح ضده سحب الترشيح قبل الانتخاب خوفا، ربما، من أن يسارع بعض النواب "الأحرار" فينتخبوه، ما يجعلنا نخشى بأن يمتد هذا النمط نحو الرئاسات الأخرى فنضطر إلى المطالبة بتغيير الدستور للتمديد لرئيس الجمهورية مثلا، كما عودنا السوريون، أو أن يصبح الرئيس الحريري العتيد رئيسا مدى الحياة، كما هي الحال في كثير من الأنظمة العربية وما نراه يحصل في إيران الآن؛ وهو عدوى التشبث بالسلطة وعدم التخلي عن المنصب إلا بالثورة الدموية، هذا مع احترامنا للجميع ولكل ما يمثلون. فهل إن اتفاقا ما وضع أسس النظام اللبناني الجديد حيث تكرّس فيه مناصب ومراكز لزعامات هذه الطوائف بينما يترك الوضع في الساحة المسيحية فقط حيث التنافس لا يزال مقبولا حتى الآن إلى أن تنقلب التحالفات ليفرض عنصرا مسيحيا نفسه "بالقوة" ويتشبث بمناصب هذه الطائفة فلا يعود هناك من يقلق هذا الوضع "الديمقراطي" المستقر كأمثاله في دول المنطقة؟
إن التدخل في شؤون لبنان وخاصة شكل ونظام الحكم فيه لا يقتصر على سوريا وإيران ورؤيتهما التوتاليتارية فقط إنما قد يكون هناك أنظمة عربية أخرى وربما غير عربية تسعى لدفع لبنان إلى هذا النمط من الترويكا التي لا تسمح بالممارسة الديمقراطية الصحيحة وتضع الناس بين منطق التطرف الأعمى الذي يهدد بعدم الاستقرار أو منطق الزعامات التقليدية التي تتقاسم المناصب وتتوارثها والتي يحميها الخوف من الآخر والتهيّب من أي تغيير قد يؤدي إلى المجهول.
فهل إن لبنان الذي كاد أن يكون السباق إلى فرض رأي الشعب على الزعامات وتعميم مبدأ التناوب في السلطات الذي يعتبر ركيزة الديمقراطية الأولى قد انحدر إلى مستوى الإمارة لا بل الولاية التي يحكمها واحد من اثنين: من يدفع أكثر أو من يجند أكثر، والاثنان لا يهتمان بأمر الرعية إنما بما يهم "الباب العالي" أيا كان هذا الباب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق