محمد داود
استكمالاً للحديث حول المشروع الصهيوني إلى أين والذي سردناه في الأسبوع الماضي علي أبصاركم ضمن حلقتين متتاليتين، فقد اطلعت على عدة تحليلات لمجموعة من المحللين المخضرمين في الشأن الفلسطيني وما ستؤول عليه عملية السلام أو التصعيد العسكري نحو قطاع غزة وقد استنتجت التالي:
أن الأمن الإسرائيلي بات يتعرض لتحديات كبيرة، بسبب تغير البيئة السياسية والأمنية والإستراتيجية في المنطقة، لاسيما بعد تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، و فشلها في تحقيق الأمن في العراق وبلدان أخرى، وما تقوم به من اعتداءات وهيمنة مستمر تحت ستار نشر الحرية والديمقراطية والعدالة، فيما تتزايد نفوذ حركات المقاومة المسلحة في المنطقة المتمتعة ببعد شعبي واسع، وبروز إيران كدولة منافسة قوية. كما أن نظرة إلى المعطيات الراهنة تدل على أن العقلية الإسرائيلية ستبقى رهينة لعقلية القلعة المبنية على هاجس الأمن، والذي يحتل سلم أولوياتها في كل سياساتها الداخلية والخارجية باعتباره أحد أعمدة الفكر الصهيوني للحماية والدفاع، ووسيلة لسياسة التوسع الاستيطاني، ولبقاء إسرائيل والشعب اليهودي كمشروع حيوي. وقد خلقت نظرية الأمن الإسرائيلي وازعاً اجتماعياً يؤكد على عسكرة المجتمع الإسرائيلي فكرياً وعملياً، وإن على جميع مواطنيها أن ينخرطوا في هذه الخدمة- بغض النظر عن مواقعهم ومستوياتهم- من منطلق الاعتقاد بسياسة القوة المبنية على التفوق العسكري المطلوب، والإستراتيجيات العسكرية المبنية على الردع والقدرة على التهديد، وحقها في توجيه الضربات الاستباقيه والوقائية كذلك، وإجبار العدو على مسايرة السياسية الإسرائيلية.
وهذا ما نلمسه في توجه القيادة الحالية في "إسرائيل" التي تعكف على ربط بين رؤية بن غوريون لعام 1937م للدولة اليهودية ذات الأبعاد التوراتية وبين مشروع "الشرق الأوسط الكبير" وبين رؤيته وبين السياسة الأمريكية الخاصة "بالشرق أوسط الجديد"، وقد ظهر جلياً في تصريحات أيهود أولمرت ووزير الحرب الإسرائيلي الأسبق شاؤول موفاز عن ترسيم حدود إسرائيل خلال العامين القادمين يعني الإبقاء على المستوطنات المركزية والمحافظة على القدس الموحدة وغور الأردن، وهو أمر لن يتم بالتأكيد عبر مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين وإنما عبر إجراءات أحادية الجانب كما حصل مع قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام تقريباً.
لأن المشروع الصهيوني برمته يقوم على مبدأ الاحتلال وضم الأرضي، من خلال استكمال بناء الجدران العنصرية، الذي تواصل سلطات الاحتلال بناءه بهدف تكريس الأهداف الإستراتيجية الاستيطانية للمشروع الصهيوني على كامل مساحة فلسطين، والمنطقة الواقعة بين البحر والنهر، ومحاصرة من تبقى من الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين وعزلهم وفصلهم خارجيا بانتزاعهم من جسمهم وعمقهم العربي، وتجزئة كيانهم الداخلي، فيفصل الضفة والقطاع مثلا عن فلسطين 1948، والضفة عن القطاع، إضافة إلى تقطيع أوصال جسم الضفة بواسطة الكتل الاستيطانية والجدران الأسمنتية والالتفافية، وإنهاء المطالب والطموحات الوطنية الاستقلالية الفلسطينية، وفرض المحددات الجغرافية والسياسية لـ "اتفاق انتقالي طويل الأمد" باعتراف الشرعيات الفلسطينية والعربية والدولية به، فيما يسعى هو "الاحتلال" إلى تكريس الخريطة الاستيطانية اليهودية في أنحاء جسم الضفة الغربية، وضمه ما بين 55 - 60% من مساحة الضفة وتهويدها ، وهي أرقام مرشحة دوماً للارتفاع، إضافة إلى هدف تدمير البني التحتية المدنية الفلسطينية، وإنتاج المزيد من معسكرات الاعتقال الجماعية للفلسطينيين، وذلك وصولاً إلى إجبار الفلسطينيين على الاستسلام والتنازل عن حقوقهم الوطنية المشروعة.، لاسيما وأن الأخير لم يبقى له صدى في المحافل الدولية وفقد عمقه الاستراتيجي وبعده العربي والإسلامي، بعد أن عصفت به السياسة الداخلية ومشاهد الاقتتال المستمرة، التي أصبحت صورتها راسخة في الأذهان، والأخذة في الترسيخ كثقافة عامة، فيما باتت المهمات الملحة والعاجلة المطروحة على الأجندات الفلسطينية تتعلق بكيفية لململة الأوراق الفلسطينية المبعثرة ، وتحقيق المصالحة والتعايش الفلسطيني بين الفصائل، والتصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية لفصل الضفة عن القطاع، وتعميق الحصار، وذلك بعد أن كانت في وقت سابق تتركز حول بناء مقومات الاستقلال والدولة. فما هو واضح بأن السعي يجري من أجل تفتيت السلطة الوطنية الفلسطينية قد تكرست في عزل غزة، وفي الاقتتال الفلسطيني الداخلي، الذي يخدم إسرائيل في المقام الأول من أجل تخفيف حدة وطأة احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة، أو إعادة تنشيط فعاليات الانتفاضة مثل السابق، إلى جانب حصر السلطة الفلسطينية في منطقة الضفة الغربية، والشروع في عقد تفاهمات مع قيادة فتح السائدة في هذه المنطقة كونها قيادة علمانية ومعتدلة(حسب التعريف الإسرائيلي)، وهي على استعداد طوعي لقبول أملاءات إسرائيلية وأمريكية.
فالفكر الصهيوني يرفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رفضاً مطلقاً، وينادي بالتوطين سبيلا لتصفية القضية نهائياً، وذلك في إطار موقف مجمع عليه من كافة التيارات السياسية الإسرائيلية ولم يطرأ عليه أي تغيير، وهو ما تسعى إسرائيل بالاتفاق مع العالم الخارجي بما فيه الولايات المتحدة على طرح البديل ضمن مشاريع التوطين أو التعويض، وما كان تصريح ليفني حول يهودية الدولة إلا تأكيداً على انتهاء مسائلة العودة، وأن الضفة والقطاع هي دولة لكل الفلسطينيين، بالإشارة إلى عرب الداخل "48".
فالحديث بمجمله يتساءل عن ضرورة توفر الأمن الإسرائيلي الذي بات يتعرض لتحديات كبيرة، بسبب تغير البيئة السياسية والأمنية والإستراتيجية في المنطقة، خصوصاً في ظل تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة نتيجة الحروب التي خاضتها في الآونة الأخيرة خاصة في العراق الشقيق، وتزايد نفوذ حركات المقاومة المسلحة في المنطقة المتمتعة ببعد شعبي واسع، وبروز إيران كدولة منافسة قوية. كما أن نظرة إلى المعطيات الراهنة تدل على أن العقلية الإسرائيلية ستبقى رهينة لعقلية القلعة المبنية على هاجس الأمن، والذي سيبقى حاضراً في كل سياساتها الداخلية والخارجية وفي كل مكان وزمان.
فمن الواضح تماماً أن تعميق حدة الاقتتال الفلسطيني، وضرب الوحدة الوطنية، وإدارة الأمور السياسية ، مع تطويع فصائل فلسطينية موالية للسلطة الفلسطينية الرسمية هو نهج المشروع الصهيوني في المرحلة الحالية وأن فكرة التوصل إلى سلام أو تسوية دائمة مع الفلسطينيين، مستبعداً في ظل الحكومة الحالية واللاحقة ، وما سيكون هو الإبقاء على الوضع الحالي مع إدخال بعض التحسينات، أو مع تخفيف الحصار بنسبة درجة فوق الصفر"، والتهرب من الاستحقاقات القائمة على قيام دولة مستقلة بحدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشريف.
وستعمل إسرائيل خلل هذه المرحلة بمؤسستيها العسكرية والسياسية الحاكمة على استعادة تفوقها العسكري وتعزيز وتفعيل قواتها وأدائها الحربي الرادع ، بل وستسعى جاهدة على تفتيت قضايا مركزية وملحة في الشرق الأوسط، وإزالة أي خطر يهدد كيانها، لجعل الرؤى الإستراتيجية الإسرائيلية هي السائدة وهي من تفرض أجندتها، كما هو الحال في تعاملها مع القضية الفلسطينية واحتمالات القيام بعمل عسكري موجه ضد قطاع غزة بذريعة الحفاظ على أمنها من صواريخ المقاومة وإزالة القوة الناشئة في التعاظم، وبالتالي تبقى الساحة واسعة ورحبة لإسرائيل لتتحكم بقوانين اللعبة على منطقة الشرق الأوسط مع الاحتفاظ بمسألة الأمن القومي و" لاعتبارات الصراعية "، لأن المجتمع الإسرائيلي سيمر بمرحلة انتقال من مجتمع معبّأ إلى مجتمع غربي، وهنا سيكون سر هزيمته، حيث سيشهد تبدلاً في المعايير وشروخاً وانقسامات، وستتسع الفجوة بين القيم في المجتمع لتصل إلى القيم العسكرية، بل سيكون صراعات حزبية بين أطراف اليسار واليمين واليمين المتطرف من أجل قيادة المشروع في حال الإقدام على تنازلات لصالح الفلسطينيين من تجميد وإعادة انتشار في الضفة والقدس ومن مساءلة اللاجئين.
فمن خلال تلاوة لبعض التجارب وعلى مر الأزمنة فإن المشروع الصهيوني يرفض السلام، ويرتكز إلى مفاهيم أيديولوجية عنصرية توسعية تعتمد على القوة العسكرية في تحقيق الأهداف، وبالتالي فإن التحركات الدبلوماسية الراهنة ما هي إلا مجرد علاقات عامة لن تفضي إلى تحقيق إنجاز مرحلي حاسم للصراع يحمد عليه وأن خيار المواجهة يبقى حاضرً على الدوام، وأن ما ستقوم به أمريكا وتحقيقاُ لرؤية رئيسها بوش لا يخرج عن نطاق دفع الأطراف بإطلاق المفاوضات المحدودة بنهاية ولاية بوش العام القادم للوصول إلى التطبيقات وإعلان الدولة وسيشير في نهاية المؤتمر في مؤتمر ختامي الدعوة لبدأ مفاوضات على المسار السوري على حساب القضية الإيرانية, مع رسم الخطوط العريضة وآليات دولية وإقليمية لتنفيذ ومتابعة القضايا منها تجميد الاستيطان ودعم السلطة الفلسطينية ضمن برامج تنموية تقودها دول الاتحاد الأوروبي ، لاسيما بعد أن أعلنت السلطة أن تمر بأزمة مالية وتلف في قدرتها الأمنية.
صحفي /كاتب وباحث
Mhsd_20100@hotmail.com
استكمالاً للحديث حول المشروع الصهيوني إلى أين والذي سردناه في الأسبوع الماضي علي أبصاركم ضمن حلقتين متتاليتين، فقد اطلعت على عدة تحليلات لمجموعة من المحللين المخضرمين في الشأن الفلسطيني وما ستؤول عليه عملية السلام أو التصعيد العسكري نحو قطاع غزة وقد استنتجت التالي:
أن الأمن الإسرائيلي بات يتعرض لتحديات كبيرة، بسبب تغير البيئة السياسية والأمنية والإستراتيجية في المنطقة، لاسيما بعد تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، و فشلها في تحقيق الأمن في العراق وبلدان أخرى، وما تقوم به من اعتداءات وهيمنة مستمر تحت ستار نشر الحرية والديمقراطية والعدالة، فيما تتزايد نفوذ حركات المقاومة المسلحة في المنطقة المتمتعة ببعد شعبي واسع، وبروز إيران كدولة منافسة قوية. كما أن نظرة إلى المعطيات الراهنة تدل على أن العقلية الإسرائيلية ستبقى رهينة لعقلية القلعة المبنية على هاجس الأمن، والذي يحتل سلم أولوياتها في كل سياساتها الداخلية والخارجية باعتباره أحد أعمدة الفكر الصهيوني للحماية والدفاع، ووسيلة لسياسة التوسع الاستيطاني، ولبقاء إسرائيل والشعب اليهودي كمشروع حيوي. وقد خلقت نظرية الأمن الإسرائيلي وازعاً اجتماعياً يؤكد على عسكرة المجتمع الإسرائيلي فكرياً وعملياً، وإن على جميع مواطنيها أن ينخرطوا في هذه الخدمة- بغض النظر عن مواقعهم ومستوياتهم- من منطلق الاعتقاد بسياسة القوة المبنية على التفوق العسكري المطلوب، والإستراتيجيات العسكرية المبنية على الردع والقدرة على التهديد، وحقها في توجيه الضربات الاستباقيه والوقائية كذلك، وإجبار العدو على مسايرة السياسية الإسرائيلية.
وهذا ما نلمسه في توجه القيادة الحالية في "إسرائيل" التي تعكف على ربط بين رؤية بن غوريون لعام 1937م للدولة اليهودية ذات الأبعاد التوراتية وبين مشروع "الشرق الأوسط الكبير" وبين رؤيته وبين السياسة الأمريكية الخاصة "بالشرق أوسط الجديد"، وقد ظهر جلياً في تصريحات أيهود أولمرت ووزير الحرب الإسرائيلي الأسبق شاؤول موفاز عن ترسيم حدود إسرائيل خلال العامين القادمين يعني الإبقاء على المستوطنات المركزية والمحافظة على القدس الموحدة وغور الأردن، وهو أمر لن يتم بالتأكيد عبر مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين وإنما عبر إجراءات أحادية الجانب كما حصل مع قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام تقريباً.
لأن المشروع الصهيوني برمته يقوم على مبدأ الاحتلال وضم الأرضي، من خلال استكمال بناء الجدران العنصرية، الذي تواصل سلطات الاحتلال بناءه بهدف تكريس الأهداف الإستراتيجية الاستيطانية للمشروع الصهيوني على كامل مساحة فلسطين، والمنطقة الواقعة بين البحر والنهر، ومحاصرة من تبقى من الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين وعزلهم وفصلهم خارجيا بانتزاعهم من جسمهم وعمقهم العربي، وتجزئة كيانهم الداخلي، فيفصل الضفة والقطاع مثلا عن فلسطين 1948، والضفة عن القطاع، إضافة إلى تقطيع أوصال جسم الضفة بواسطة الكتل الاستيطانية والجدران الأسمنتية والالتفافية، وإنهاء المطالب والطموحات الوطنية الاستقلالية الفلسطينية، وفرض المحددات الجغرافية والسياسية لـ "اتفاق انتقالي طويل الأمد" باعتراف الشرعيات الفلسطينية والعربية والدولية به، فيما يسعى هو "الاحتلال" إلى تكريس الخريطة الاستيطانية اليهودية في أنحاء جسم الضفة الغربية، وضمه ما بين 55 - 60% من مساحة الضفة وتهويدها ، وهي أرقام مرشحة دوماً للارتفاع، إضافة إلى هدف تدمير البني التحتية المدنية الفلسطينية، وإنتاج المزيد من معسكرات الاعتقال الجماعية للفلسطينيين، وذلك وصولاً إلى إجبار الفلسطينيين على الاستسلام والتنازل عن حقوقهم الوطنية المشروعة.، لاسيما وأن الأخير لم يبقى له صدى في المحافل الدولية وفقد عمقه الاستراتيجي وبعده العربي والإسلامي، بعد أن عصفت به السياسة الداخلية ومشاهد الاقتتال المستمرة، التي أصبحت صورتها راسخة في الأذهان، والأخذة في الترسيخ كثقافة عامة، فيما باتت المهمات الملحة والعاجلة المطروحة على الأجندات الفلسطينية تتعلق بكيفية لململة الأوراق الفلسطينية المبعثرة ، وتحقيق المصالحة والتعايش الفلسطيني بين الفصائل، والتصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية لفصل الضفة عن القطاع، وتعميق الحصار، وذلك بعد أن كانت في وقت سابق تتركز حول بناء مقومات الاستقلال والدولة. فما هو واضح بأن السعي يجري من أجل تفتيت السلطة الوطنية الفلسطينية قد تكرست في عزل غزة، وفي الاقتتال الفلسطيني الداخلي، الذي يخدم إسرائيل في المقام الأول من أجل تخفيف حدة وطأة احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة، أو إعادة تنشيط فعاليات الانتفاضة مثل السابق، إلى جانب حصر السلطة الفلسطينية في منطقة الضفة الغربية، والشروع في عقد تفاهمات مع قيادة فتح السائدة في هذه المنطقة كونها قيادة علمانية ومعتدلة(حسب التعريف الإسرائيلي)، وهي على استعداد طوعي لقبول أملاءات إسرائيلية وأمريكية.
فالفكر الصهيوني يرفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رفضاً مطلقاً، وينادي بالتوطين سبيلا لتصفية القضية نهائياً، وذلك في إطار موقف مجمع عليه من كافة التيارات السياسية الإسرائيلية ولم يطرأ عليه أي تغيير، وهو ما تسعى إسرائيل بالاتفاق مع العالم الخارجي بما فيه الولايات المتحدة على طرح البديل ضمن مشاريع التوطين أو التعويض، وما كان تصريح ليفني حول يهودية الدولة إلا تأكيداً على انتهاء مسائلة العودة، وأن الضفة والقطاع هي دولة لكل الفلسطينيين، بالإشارة إلى عرب الداخل "48".
فالحديث بمجمله يتساءل عن ضرورة توفر الأمن الإسرائيلي الذي بات يتعرض لتحديات كبيرة، بسبب تغير البيئة السياسية والأمنية والإستراتيجية في المنطقة، خصوصاً في ظل تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة نتيجة الحروب التي خاضتها في الآونة الأخيرة خاصة في العراق الشقيق، وتزايد نفوذ حركات المقاومة المسلحة في المنطقة المتمتعة ببعد شعبي واسع، وبروز إيران كدولة منافسة قوية. كما أن نظرة إلى المعطيات الراهنة تدل على أن العقلية الإسرائيلية ستبقى رهينة لعقلية القلعة المبنية على هاجس الأمن، والذي سيبقى حاضراً في كل سياساتها الداخلية والخارجية وفي كل مكان وزمان.
فمن الواضح تماماً أن تعميق حدة الاقتتال الفلسطيني، وضرب الوحدة الوطنية، وإدارة الأمور السياسية ، مع تطويع فصائل فلسطينية موالية للسلطة الفلسطينية الرسمية هو نهج المشروع الصهيوني في المرحلة الحالية وأن فكرة التوصل إلى سلام أو تسوية دائمة مع الفلسطينيين، مستبعداً في ظل الحكومة الحالية واللاحقة ، وما سيكون هو الإبقاء على الوضع الحالي مع إدخال بعض التحسينات، أو مع تخفيف الحصار بنسبة درجة فوق الصفر"، والتهرب من الاستحقاقات القائمة على قيام دولة مستقلة بحدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشريف.
وستعمل إسرائيل خلل هذه المرحلة بمؤسستيها العسكرية والسياسية الحاكمة على استعادة تفوقها العسكري وتعزيز وتفعيل قواتها وأدائها الحربي الرادع ، بل وستسعى جاهدة على تفتيت قضايا مركزية وملحة في الشرق الأوسط، وإزالة أي خطر يهدد كيانها، لجعل الرؤى الإستراتيجية الإسرائيلية هي السائدة وهي من تفرض أجندتها، كما هو الحال في تعاملها مع القضية الفلسطينية واحتمالات القيام بعمل عسكري موجه ضد قطاع غزة بذريعة الحفاظ على أمنها من صواريخ المقاومة وإزالة القوة الناشئة في التعاظم، وبالتالي تبقى الساحة واسعة ورحبة لإسرائيل لتتحكم بقوانين اللعبة على منطقة الشرق الأوسط مع الاحتفاظ بمسألة الأمن القومي و" لاعتبارات الصراعية "، لأن المجتمع الإسرائيلي سيمر بمرحلة انتقال من مجتمع معبّأ إلى مجتمع غربي، وهنا سيكون سر هزيمته، حيث سيشهد تبدلاً في المعايير وشروخاً وانقسامات، وستتسع الفجوة بين القيم في المجتمع لتصل إلى القيم العسكرية، بل سيكون صراعات حزبية بين أطراف اليسار واليمين واليمين المتطرف من أجل قيادة المشروع في حال الإقدام على تنازلات لصالح الفلسطينيين من تجميد وإعادة انتشار في الضفة والقدس ومن مساءلة اللاجئين.
فمن خلال تلاوة لبعض التجارب وعلى مر الأزمنة فإن المشروع الصهيوني يرفض السلام، ويرتكز إلى مفاهيم أيديولوجية عنصرية توسعية تعتمد على القوة العسكرية في تحقيق الأهداف، وبالتالي فإن التحركات الدبلوماسية الراهنة ما هي إلا مجرد علاقات عامة لن تفضي إلى تحقيق إنجاز مرحلي حاسم للصراع يحمد عليه وأن خيار المواجهة يبقى حاضرً على الدوام، وأن ما ستقوم به أمريكا وتحقيقاُ لرؤية رئيسها بوش لا يخرج عن نطاق دفع الأطراف بإطلاق المفاوضات المحدودة بنهاية ولاية بوش العام القادم للوصول إلى التطبيقات وإعلان الدولة وسيشير في نهاية المؤتمر في مؤتمر ختامي الدعوة لبدأ مفاوضات على المسار السوري على حساب القضية الإيرانية, مع رسم الخطوط العريضة وآليات دولية وإقليمية لتنفيذ ومتابعة القضايا منها تجميد الاستيطان ودعم السلطة الفلسطينية ضمن برامج تنموية تقودها دول الاتحاد الأوروبي ، لاسيما بعد أن أعلنت السلطة أن تمر بأزمة مالية وتلف في قدرتها الأمنية.
صحفي /كاتب وباحث
Mhsd_20100@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق