راسم عبيدات
المناضلان مؤيد عبد الصمد"الشيص" واحمد حنني"أبو السعود"
شموع على طريق الحرية
........عندما تذكر إسم "الشيص" وأبو السعود في المعتقلات الإسرائيلية، او حتى خارجها فهم أشهر من أن يعرف بهما،وعلى حسب علمي ومعرفتي أنهما لم يترك سجن من سجون الإحتلال يعتب عليهم إلا ودخلوه وطبعاً ليس بمحض إرادتهم، بل قسراً إما نقلاً أو قمعاً ً من إدارات السجون الإسرائيلية ، لدورهم القيادي والريادي في قيادة الحركة الأسيرة الفلسطينية، وهم بعامهم الإعتقالي الحادي والعشرين، شاركوا في جميع المعارك الإعتقالية التي خاضتها الحركة الأسيرة الفلسطينية ،دفاعاً عن منجزاتها ومكتسباتها في وجه جلاديها من إدارات السجون الإسرائيلية، و"الشيص" وأبو السعود، إرتبط إسمهما بمشروع التقاسم الوظيفي،والذي كان مطروحاً لحل القضية الفلسطينية في عام 1985، ولكون هذا المشروع يشكل خطر جدي على القضية الفلسطينية، فإنه كان المطلوب التصدي له وإسقاطه ، ومن هنا فإن ما قام به هؤلاء الرفاق جاء في إطار قرار سياسي من الجبهة الشعبية ، ولعل دورهم في هذا الجانب كان حاسماً في التصدي لهذا المشروع وإسقاطه، ومع دخولهما المعتقل عام 1987 تعرضا لحملة تنكيل منظمة من قبل ضباط وطواقم السجون الإسرائيلية المنتمين للطائفة الدرزية تحديداً ، لكون واحدة من العمليات التي نفذتها مجموعتهما العسكرية، كانت قتل أحد الضباط الدروز العاملين في إطار جيش الإحتلال، وهذه العملية التنكيلية مستمرة حتى اللحظة، وأبو السعود "والشيص" اللذان إلتقيتهما في سجن عسقلان عام 2002 ، ورغم أنهما أبناء مجموعة واحدة، إلا أن سجاياهما مختلف ومتمايزة، فأبو السعود قائد من الطراز الأول في العمل الحزبي والتنظيمي ، وهو في هذا الجانب صارم حتى " الستالينية" ، وهو فلاح بسيط ومخلص ومبدئي إلى حد التصوف والعبادة، والجيل الجديد من المعتقلين، والذي عاصر" التلفزيونات والستالايت" في المعتقلات وقادم من مجتمع غارق في الثقافة والإعلام الإستهلاكي، لا ينسجم مع أبو السعود، ويشعرون أنه يحاصر تطلعاتهم ورغباتهم، وأنه من الجيل القديم، الذي لم يستوعب التطورات والتغيرات ، وأنت تراه في لباسه الشخصي، يرفض إرتداء "الشورط" في المعتقل، أو المشاركة في سماع نكات ومزح ،تتضمن تلميحات وإيحاءات نسائية وجنسية، وتراه يقوم بإغلاق أزرار قميصه حتى الزر الأخير، ورغم ذلك إلا أن المعتقلين يشعرون أن أبو السعود في داخله طفولة لم يعشها أو يتمتع بها كغيره من أبناء شعبنا الفلسطيني، وانا لا أعرف سر محبة أبو السعود، لمطربة لبنانية تدعى الين خلف، حيث كان مهووس في سماع أغانيها، وخصوصاً أغنية "دلع الحبايب يا دلع"، حتى انه كان يطلب من الأسرى إيقاظه من النوم، عندما تغني الين خلف، وأبو السعود والحق يقال أنه ينتمي ليس فقط لأسرة وعائلة مناضلة، بل لبلدة مناضلة وحتى عريقة في النضال، قدمت وما زالت تقدم الكثير من الشهداء والجرحى على مذبح الحرية، وكنت عندما أريد أن أستفزه أقول له يا أبو السعود " إسمع ماذا كتبت الجريدة عن بلدتنا جبل المكبر، فلان أو فلانه يحققون نتائج باهرة في إمتحان التوجيهية العامة، وبلدة بيت فوريك غارقة في التخلف، وعندها يستفز ويقول نحن بلد الشهداء والجرحى ، وليس بلد المثقفين وأبناء" الشمينت " ، نوع من انواع اللبن الإسرائيلي، وكنت بدوري وبسلاطة لساني أرد عليه، بيت فوريك أولها مزبلة وآخرها مزبلة ولحد اليوم ما فيها كهرباء ولا ماء، وأبو السعود كالعجايز القديمات ،يحتفظ تحت"برشه" سريره، في كراتين يضع فيها أشياءه ومذكراته، وكذلك ما يحتاجه في عمل البراويز أو رثي الملابس وغيرها من "الكراكيب" .
أما المناضل العملاق مؤيد عبد الصمد" الشيص"، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الأسير المحرر رمضان داود الجعيدي، على إعتبار أن شكله أقرب إلى صنارة السمك، فهو بحق يحظى بإحترام كل ألوان الطيف السياسي الإعتقالي، الذين يتفقون أو يختلفون معه ،"والشيص" أنا أجزم أنه إنسان وطني من الدرجة الأولى ويغلب الإنتماء الوطني على الإنتماء الحزبي، وهو إنسان مثقف وواسع الإطلاع، ولديه جلد وصبر في التعامل مع المعتقلين، حيث تراه يقوم بتعليم معتقل جديد القراءة والكتابة، او كان يقوم بالقراءة للمعتقل الكفيف علاء البازيان، وعلى ما أذكر ويذكر المعتقلين أن الشخص الوحيد الذي كان يعتني بشكل متواصل بالمرحوم المناضل رجا نعيرات"أبورفعت"، حيث انه في السنوات الأخيرة من عمره بحكم السن ،وطول فترة الإعتقال أصيب بمرض "الزهايمر"، وكان ينسى إذا ما تناول الطعام أو لا، وينسى الغرفة التي يسكن فيها، و"الشيص" كان يقوم على حمامه والإعتناء به، و"الشيص" إنسان مرح وصاحب نكتة، وأذكر أنه في إحدى الخطوات الإحتجاجية على ممارسات إدارة السجن ضد الأسرى، أقنع "الشيص"و"الشمبر" ومعهم عدد آخر من الأسرى ، الأسرى ان يقوموا على العد المسائي بتقليد الكلب والنباح بشكل جماعي على طواقم العدد الإسرائيلية،و"الشيص" للعلم فهو كاتب متمكن في الجانب الأدبي ، وله إصدارات في هذا الجانب، وأذكر أنه في عام 2001، عندما ذهبت في شهر آب/2001 للمحكمة المركزية في القدس، وضعونا في "معبار" سجن الرملة تمهيداً لنقلنا صباحاً إلى المسكوبية في القدس،وطبعاً وضعونا في"إكسات" الواحدة تتسع بالكاد لشخصين، وكنا فيها أربعة مناضلين من ضمنهم مهراج من طولكرم ومحمود النادي من قلقيلية، وبعد منتصف الليل ونحن نيام ، فاضت المجاري داخل "الإكس" وإذا محمود النادي ومناضل آخر يسبحون في بركة من "الخراء" ، وللوهلة الأولى كان النادي يعتقد أن قنينة الماء التي يحتفظ بها قد سكبت عليه ، ولكن عندما إكتشف الحقيقة بدأ بالصراخ وإيقاظنا وهو يقول" غرقنا في "الخراء " يا أبو شادي، وبدأنا بالصراخ على ضباط السجن ، والذين لم يخرجونا منها إلا بعد مرور ساعة، ولك أن تتصور كيف يذهب معتقل للمحكمة وملابسه قد تعطرت"بالخراء"، وعندما عدنا لسجن عسقلان كانت الحادثة حديث المعتقل،"والشيص" اللئيم كتب موضوعة حول ذلك سماها"طوفان في المعبار" ووضع لها رسم كاريكاتيري، ونحن في ملابس المعتقل ، ونسبح في بركة من " الخراء"، وعلى ما أذكر أن ما كتبه"الشيص"، كان من أجمل ما كتب ،ويستحق ان يمثل من قبل المسرح الشعبي سنابل، حيث أن الفنان أحمد أبو سلعوم وفرقته، هم الأقدرعلى نقل الحدث وتصويره مسرحياً.
وبحق فإن"الشيص" وأبو السعود هما معلمان من معالم الحركة الأسيرة اللسطينية، وشاهد حي على عمق المأساة والخذلان التي يعيشانها،هما وباقي أبناء الحركة الأسيرة من السلطة والأحزاب والقوى الفلسطينية ، والتي قبلت لهما ولغيرهما في إتفاقيات أوسلو المذلة ،أن يجري تصنيفهما ضمن الأسرى الملطخة أيديهم"بالدماء" ، وهذا بحد ذاته ليس قتلاً للمناضلين، بل تصريحاً وتشريعاً لهم، لفقدان الثقة بمثل هكذا قيادات، تقبل أن تكون نضالاتهم مدار مساومة وإشتراطات إسرائيلية، و"الشيص" وأبو السعود رغم طول الأسر وكل مراحل الردة والإنكسار والتراجع والإنهيار، إلا أنهما مثالاً ورمزاً للشموخ والإباء الفلسطينيين.
القدس- فلسطين
شموع على طريق الحرية
........عندما تذكر إسم "الشيص" وأبو السعود في المعتقلات الإسرائيلية، او حتى خارجها فهم أشهر من أن يعرف بهما،وعلى حسب علمي ومعرفتي أنهما لم يترك سجن من سجون الإحتلال يعتب عليهم إلا ودخلوه وطبعاً ليس بمحض إرادتهم، بل قسراً إما نقلاً أو قمعاً ً من إدارات السجون الإسرائيلية ، لدورهم القيادي والريادي في قيادة الحركة الأسيرة الفلسطينية، وهم بعامهم الإعتقالي الحادي والعشرين، شاركوا في جميع المعارك الإعتقالية التي خاضتها الحركة الأسيرة الفلسطينية ،دفاعاً عن منجزاتها ومكتسباتها في وجه جلاديها من إدارات السجون الإسرائيلية، و"الشيص" وأبو السعود، إرتبط إسمهما بمشروع التقاسم الوظيفي،والذي كان مطروحاً لحل القضية الفلسطينية في عام 1985، ولكون هذا المشروع يشكل خطر جدي على القضية الفلسطينية، فإنه كان المطلوب التصدي له وإسقاطه ، ومن هنا فإن ما قام به هؤلاء الرفاق جاء في إطار قرار سياسي من الجبهة الشعبية ، ولعل دورهم في هذا الجانب كان حاسماً في التصدي لهذا المشروع وإسقاطه، ومع دخولهما المعتقل عام 1987 تعرضا لحملة تنكيل منظمة من قبل ضباط وطواقم السجون الإسرائيلية المنتمين للطائفة الدرزية تحديداً ، لكون واحدة من العمليات التي نفذتها مجموعتهما العسكرية، كانت قتل أحد الضباط الدروز العاملين في إطار جيش الإحتلال، وهذه العملية التنكيلية مستمرة حتى اللحظة، وأبو السعود "والشيص" اللذان إلتقيتهما في سجن عسقلان عام 2002 ، ورغم أنهما أبناء مجموعة واحدة، إلا أن سجاياهما مختلف ومتمايزة، فأبو السعود قائد من الطراز الأول في العمل الحزبي والتنظيمي ، وهو في هذا الجانب صارم حتى " الستالينية" ، وهو فلاح بسيط ومخلص ومبدئي إلى حد التصوف والعبادة، والجيل الجديد من المعتقلين، والذي عاصر" التلفزيونات والستالايت" في المعتقلات وقادم من مجتمع غارق في الثقافة والإعلام الإستهلاكي، لا ينسجم مع أبو السعود، ويشعرون أنه يحاصر تطلعاتهم ورغباتهم، وأنه من الجيل القديم، الذي لم يستوعب التطورات والتغيرات ، وأنت تراه في لباسه الشخصي، يرفض إرتداء "الشورط" في المعتقل، أو المشاركة في سماع نكات ومزح ،تتضمن تلميحات وإيحاءات نسائية وجنسية، وتراه يقوم بإغلاق أزرار قميصه حتى الزر الأخير، ورغم ذلك إلا أن المعتقلين يشعرون أن أبو السعود في داخله طفولة لم يعشها أو يتمتع بها كغيره من أبناء شعبنا الفلسطيني، وانا لا أعرف سر محبة أبو السعود، لمطربة لبنانية تدعى الين خلف، حيث كان مهووس في سماع أغانيها، وخصوصاً أغنية "دلع الحبايب يا دلع"، حتى انه كان يطلب من الأسرى إيقاظه من النوم، عندما تغني الين خلف، وأبو السعود والحق يقال أنه ينتمي ليس فقط لأسرة وعائلة مناضلة، بل لبلدة مناضلة وحتى عريقة في النضال، قدمت وما زالت تقدم الكثير من الشهداء والجرحى على مذبح الحرية، وكنت عندما أريد أن أستفزه أقول له يا أبو السعود " إسمع ماذا كتبت الجريدة عن بلدتنا جبل المكبر، فلان أو فلانه يحققون نتائج باهرة في إمتحان التوجيهية العامة، وبلدة بيت فوريك غارقة في التخلف، وعندها يستفز ويقول نحن بلد الشهداء والجرحى ، وليس بلد المثقفين وأبناء" الشمينت " ، نوع من انواع اللبن الإسرائيلي، وكنت بدوري وبسلاطة لساني أرد عليه، بيت فوريك أولها مزبلة وآخرها مزبلة ولحد اليوم ما فيها كهرباء ولا ماء، وأبو السعود كالعجايز القديمات ،يحتفظ تحت"برشه" سريره، في كراتين يضع فيها أشياءه ومذكراته، وكذلك ما يحتاجه في عمل البراويز أو رثي الملابس وغيرها من "الكراكيب" .
أما المناضل العملاق مؤيد عبد الصمد" الشيص"، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الأسير المحرر رمضان داود الجعيدي، على إعتبار أن شكله أقرب إلى صنارة السمك، فهو بحق يحظى بإحترام كل ألوان الطيف السياسي الإعتقالي، الذين يتفقون أو يختلفون معه ،"والشيص" أنا أجزم أنه إنسان وطني من الدرجة الأولى ويغلب الإنتماء الوطني على الإنتماء الحزبي، وهو إنسان مثقف وواسع الإطلاع، ولديه جلد وصبر في التعامل مع المعتقلين، حيث تراه يقوم بتعليم معتقل جديد القراءة والكتابة، او كان يقوم بالقراءة للمعتقل الكفيف علاء البازيان، وعلى ما أذكر ويذكر المعتقلين أن الشخص الوحيد الذي كان يعتني بشكل متواصل بالمرحوم المناضل رجا نعيرات"أبورفعت"، حيث انه في السنوات الأخيرة من عمره بحكم السن ،وطول فترة الإعتقال أصيب بمرض "الزهايمر"، وكان ينسى إذا ما تناول الطعام أو لا، وينسى الغرفة التي يسكن فيها، و"الشيص" كان يقوم على حمامه والإعتناء به، و"الشيص" إنسان مرح وصاحب نكتة، وأذكر أنه في إحدى الخطوات الإحتجاجية على ممارسات إدارة السجن ضد الأسرى، أقنع "الشيص"و"الشمبر" ومعهم عدد آخر من الأسرى ، الأسرى ان يقوموا على العد المسائي بتقليد الكلب والنباح بشكل جماعي على طواقم العدد الإسرائيلية،و"الشيص" للعلم فهو كاتب متمكن في الجانب الأدبي ، وله إصدارات في هذا الجانب، وأذكر أنه في عام 2001، عندما ذهبت في شهر آب/2001 للمحكمة المركزية في القدس، وضعونا في "معبار" سجن الرملة تمهيداً لنقلنا صباحاً إلى المسكوبية في القدس،وطبعاً وضعونا في"إكسات" الواحدة تتسع بالكاد لشخصين، وكنا فيها أربعة مناضلين من ضمنهم مهراج من طولكرم ومحمود النادي من قلقيلية، وبعد منتصف الليل ونحن نيام ، فاضت المجاري داخل "الإكس" وإذا محمود النادي ومناضل آخر يسبحون في بركة من "الخراء" ، وللوهلة الأولى كان النادي يعتقد أن قنينة الماء التي يحتفظ بها قد سكبت عليه ، ولكن عندما إكتشف الحقيقة بدأ بالصراخ وإيقاظنا وهو يقول" غرقنا في "الخراء " يا أبو شادي، وبدأنا بالصراخ على ضباط السجن ، والذين لم يخرجونا منها إلا بعد مرور ساعة، ولك أن تتصور كيف يذهب معتقل للمحكمة وملابسه قد تعطرت"بالخراء"، وعندما عدنا لسجن عسقلان كانت الحادثة حديث المعتقل،"والشيص" اللئيم كتب موضوعة حول ذلك سماها"طوفان في المعبار" ووضع لها رسم كاريكاتيري، ونحن في ملابس المعتقل ، ونسبح في بركة من " الخراء"، وعلى ما أذكر أن ما كتبه"الشيص"، كان من أجمل ما كتب ،ويستحق ان يمثل من قبل المسرح الشعبي سنابل، حيث أن الفنان أحمد أبو سلعوم وفرقته، هم الأقدرعلى نقل الحدث وتصويره مسرحياً.
وبحق فإن"الشيص" وأبو السعود هما معلمان من معالم الحركة الأسيرة اللسطينية، وشاهد حي على عمق المأساة والخذلان التي يعيشانها،هما وباقي أبناء الحركة الأسيرة من السلطة والأحزاب والقوى الفلسطينية ، والتي قبلت لهما ولغيرهما في إتفاقيات أوسلو المذلة ،أن يجري تصنيفهما ضمن الأسرى الملطخة أيديهم"بالدماء" ، وهذا بحد ذاته ليس قتلاً للمناضلين، بل تصريحاً وتشريعاً لهم، لفقدان الثقة بمثل هكذا قيادات، تقبل أن تكون نضالاتهم مدار مساومة وإشتراطات إسرائيلية، و"الشيص" وأبو السعود رغم طول الأسر وكل مراحل الردة والإنكسار والتراجع والإنهيار، إلا أنهما مثالاً ورمزاً للشموخ والإباء الفلسطينيين.
القدس- فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق