د. صلاح عودة الله
يقول المثل الروسي "ويل للخزف إذا وقع على الصخر، وويل له إذا وقع الصخر عليه"...! نتيجة لقسوة التاريخ, قسم الشعب الفلسطيني الى ثلاثة اجزاء, فأصبح كالمثلث باضلاعه الثلاثة: قاعدته سكان الضفة الغربية وغزة. وضلعه الأول هم فلسطينيو الشتات، بينما يشكل مواطنو" إسرائيل" الفلسطينيون، الضلع الثالث، الضلع الأقصر...وهم "المكوِّن" الأصغر، لكن ما من مثلث بدونهم. كما أنهم مختلفون لأنهم مواطنون في "إسرائيل"، مع كل المعاني الإيجابية والسلبية لذلك.
ألتسميات:
ان التسميات معقدة، فذلك يقول "فلسطينيي 48" وآخر "عرب 48" أو "عرب الداخل"، أو "الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل"، أو "الأقلية الفلسطينية في إسرائيل" رغم مأساوية تسمية أهل الوطن بـ "الأقلية"،أو فلسطينيي الاحتلال الأول(حسب رأيي الشخصي اعتبرها افضل تسمية) ولكن بالإمكان التعايش مع هذه المصطلحات، أما "عرب إسرائيل"، فحقا انها تسمية قاسية ولا ترحم، فقد يكون لإسرائيل عرب، ولكنهم قلّة، وقلّة جدا جدا. ان أية محاولة للتحليل العلمي للظروف الموضوعية لفلسطينيي الداخل، بحكم كونهم مواطنين في دولة "اسرائيل"، لا بد ان تنطلق من بديهية كونهم لم يناضلوا يوماً ما من اجل قيام هذه الدولة اسرائيل، لم يهاجروا الى الدولة الجديدة كمعظم الأقليات القومية والاثنية في العالم، ولم يتنازلوا يوماً ما عن انتمائهم القومي لشعبهم الفلسطيني وامتهم العربية ولا عن حقهم الشرعي في وطنهم بدل الالتحاق بكيان استعماري عنصري اقيم على انقاض شعبهم.
مفهوم الأقلية القومية: يجب ان نميز بين نوعين من الأقليات القومية "او الاثنية" في العالم. اولا، هنالك الاقليات الارادية التي هاجرت من محض ارادتها، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعتها للهجرة الى بلد جديد تاركة البلد الاصلي والوطن وراءها بهدف الاندماج والتعايش في المجتمع الجديد الذي هاجرت اليه. فهذا النوع من الاقليات الاثنية يتخذ من مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق المدنية في الدولة الجديدة التي اختارها المرجعية الاساسية لحقوقه الجماعية. اما النوع الثاني من الاقليات القومية فهو الاقليات غير الارادية والتي فرض عليها الواقع الاستعماري والهيمنة الخارجية بالقوة. فهذه الاقليات القومية تمتد قضيتها الى ابعد من حدود المواطنة في الكيان الاستعماري المفروض عليها رغم كل محاولات الهيمنة والترويض التي تُمارس ضدها لأن وجودها يتنافى اساساً مع وجود الاستعمار. لقد شغل هاجس جدلية العلاقة بين الانتماء والهوية القومية لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني ودورهم في مسيرة التحرر الوطني من جهة، وبين مطالب الناس وحقوقهم المدنية اليومية في ظل الظروف الموضوعية التي يعيشونها من جهة اخرى، معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية النشطة داخل فلسطين 1948 ففي حين غلب الطابع المطلبي البراغماتي على برامج احزاب التعايش والتكييف مع واقع الكيان الصهيوني الى حد تغييب الدور المناط بفلسطينيي الداخل في حركة التحرر الوطني (جميع احزاب البرلمان رغم التفاوت الشكلي بينها حول بعض القضايا الثانوية)، فقد تمسك التيار القومي والاسلامي الذي يرفض التعايش والاقرار بشرعية الكيان الصهيوني بالبعد الاستراتيجي للقضية الفلسطينية دون ان يتمكن من صياغة برنامج عملي يهتم بقضايا الناس المطلبية والحياتية "حركة الأرض ومن ثم حركة ابناء البلد والحركة الاسلامية". ان فلسطينيي 48 أكثر الجماعات اهتماماً في وضع نهاية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لأنهم يؤمنون من حيث المبدأ بوضع نهاية للاحتلال وبتقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولأنهم يعتقدون، من زاوية موقعهم كمواطنين، أيضاً أن إنهاء الاحتلال سيحسن العلاقات اليهودية-العربية. إلا أن هذه العلاقات ستشهد توتراً ما أن تظهر دولة فلسطينية إلى الوجود، مع صعود قضايا المساواة والتمييز وموقع الأقلية القومية وما سواها إلى المقدمة في إسرائيل...! لم تكل دولة إسرائيل ومؤيدوها من التبجح بادعاء أن إسرائيل ديمقراطية ومتسامحة وكافلة، في مقابل (هذا ما يضيفونه عموماً)الطغاة الشوفينيين والمتعصبين المحيطين بها في الشرق الأوسط. والدليل الأول في هذا الخداع الدعائي هو مواطنو إسرائيل الفلسطينيون، الذين يُقدمون على أنهم مواطنون يتمتعون بحقوق كاملة ومساوية في الدولة اليهودية والديمقراطية. ولكن كيف تتعامل الأقلية العربية في إسرائيل مع تعريف إسرائيل لنفسها على أنها دولة يهودية وديمقراطية؟ ان إسرائيل تعرف نفسها على أنها يهودية وديمقراطية، إلا أن المساواة منعدمة بين اليهود والعرب في مجالات الحياة كافة. ومعظم الفلسطينيين في اسرائيل لا يقبلون هذا التعريف؛ فهو يعمق اللامساواة. وثمة تناقض بين الديمقراطية وتعريف إثني لدولة يهودية. وفي المحصلة، فإن إسرائيل وفي كلا الأمرين "ديمقراطية ويهودية" بالفعل، لكنها ديمقراطية تجاه اليهود ويهودية تجاه العرب. تتغافل هذه الحيلة المبتذلة عن نقاط حاسمة، أكثرها وضوحاً هي حقيقة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي يعانون من تفرقة عنصرية رسمية وصريحة يعززها احتلال عسكري في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة. وبطبيعة الحال، تتناسى أيضاً التمييز الخطر الذي يواجهه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، بحكم القوانين وبحكم الأمر الواقع. فواقع الحال أن المجتمع الفلسطيني داخل الحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياًً أثبت مناعة كلية على الهضم من قبل الدولة اليهودية، وهو يشكل مصدر قلق عميق ومتنامٍ للأكثرية. ويظهر هذا القلق في أسطع صوره في الخطاب حول الديموغرافيا والسكان في إسرائيل، حيث تجري العادة على الإشارة إلى المواطنين الفلسطينيين بوصفهم "قنبلة سكانية موقوتة" أو "تهديداً ديموغرافياً"، وليس على أنهم بشراً. وقد تم عرض هذه المخاوف كاملة في مؤتمر هرزليا الذي انعقد في كانون الأول من العام 2003، عندها قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ورئيس حزب الليكود الحالي" بينيامين نتنياهو" إن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمثلون "التهديد الديموغرافي" الحقيقي للدولة اليهودية، فإذا تنامى عددهم من نسبة 20% الحالية إلى "ما بين 35-40%"، فإن إسرائيل ستصبح- مصيبة المصائب-"بلداً ثنائي القومية..! وذهب د. إسحاق رافيد، وهو باحث متمرس يعمل في سلطة تطوير الأسلحة التابعة للحكومة الإسرائيلية، إلى أبعد من ذلك فطالب إسرائيل في المؤتمر بأن "تنفذ سياسة صارمة في مجال تخطيط العائلة فيما يتعلق بسكانها من المسلمين". ونبه إلى أن "غرف التوليد في مشفى سوروكا في( الموجود في مدينة بئر السبع) قد تحولت إلى معمل لإنتاج سكان متخلفين". وبينما لم تنفذ سياسيات من هذا النوع بعد، فإن إجراءات تمييزية تحول دون ازدياد عدد المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين كانت قد نُفذت. ففي تموز من العام 2003، استحدث الكنيست قانون القومية والدخول إلى إسرائيل، مانعاً المواطنين الإسرائيليين المتزوجين من قاطني الأراضي المحتلة من العيش في إسرائيل مع أزواجهم. وقد صمم القانون خصوصاً لمنع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من توسيع نطاق منفعة وضعهم كمواطنين ليشمل فلسطينيين من الأراضي المحتلة عبر وسيلة الزواج. وبطبيعة الحال، فإن كل الآخرين ممن تزوجوا بإسرائيليين يمكنهم السفر إلى إسرائيل والعيش مع عائلاتهم. وما يكمن في قلب هذه المشاغل ليس الخوف من أن يقوض المواطنون الفلسطينيون في المستقبل مكانة الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين وحسب، بل والشك في أنهم سيشكلون طابوراً خامساً غير موالٍ أيضاً. فحضورهم هو تذكير دائم بالسكان العرب المهجرين، وبالخطيئة الأصلية للتطهير العرقي وطرد السكان، التي كانت عنصراً ضرورياً في اختلاق دولة يهودية في فلسطين. وبينما تنامى لدى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الاقتناع وتعلموا التعامل مع مفارقة هويتهم القومية، فقد كُثفت الجهود لقمع تعبيراتهم السياسية عن الذات. في تشرين الأول من العام 2000، انطلق الفلسطينيون داخل إسرائيل في عدد من المظاهرات دعماً للانتفاضة التي كانت قد بدأت قبل ذلك بأسابيع قليلة في الأراضي المحتلة"انتفاضة الأقصى" والتي كانت زيارة"شارون" الى الأقصى المسبب الرئيس لاندلاعها, وقد حدث ذلك عندما كان "ايهود باراك" زعيم حزب العمل الحالي رئيسا للوزراء الاسرائيلي. فقامت القوات الإسرائيلية بقمع هذه المظاهرات بوحشية ما كانت لتستخدمها ضد متظاهرين يهود، فقتلت 13 مواطناً فلسطينياً إسرائيلياً وجرحت المئات. هذه الحوادث هي برهان على الشقاق السياسي بين السكان الفلسطينيين واليهود في إسرائيل، وعلى الموقف العدائي أساساً لدولة إسرائيل تجاه مواطنيها العرب. وحكاية شبيهة بهذه هي قصة العمل السياسي لعزمي بشارة، الشخصية السياسية القيادية الفلسطينية في إسرائيل. فقد كان بشارة هو عضو الكنيست الوحيد الذي يتعرض لإطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين، كما واجه تهماً بالخيانة بسبب تأييده لحق اللبنانيين والفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي في المقاومة. ولا يتفوق على عداء الدولة الإسرائيلية لأقليتها العربية، برغم كل شيء، إلا عداء الجمهور اليهودي لها. فقد أظهر استطلاع للرأي جرى في حزيران من العام 2004 أن 64% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يعتقون أن على الحكومة أن تشجع المواطنين الفلسطينيين على الرحيل عن البلاد. وفوق ذلك، قال 55.3% من الإسرائيليين اليهود إن المواطنين الفلسطينيين يشكلون خطراً على الأمن القومي، وقال 45.3% أنه يتوجب منعهم من التصويت أو من الوصول إلى المناصب السياسية. وحقيقة الأمر أن تعريف إسرائيل القلق لذاتها كدولة "يهودية وديمقراطية" هو تعريف متنافر الحدود، ذلك أن تجربة أقليتها الفلسطينية الكبيرة والمتنامية- ناهيك عن ملايين المحرومين ممن يعيشون تحت وطأة الاحتلال العسكري- تشهد بوضوح على ذلك. بالفعل، فالمؤشرات الحالية تشير إلى أن إسرائيل تصبح أقل يهودية، بالمعنى الديموغرافي، كما تصبح أقل ديمقراطية. ان تصريحات وزيرة خارجية الكيان الصهيوني" تسيبي ليفني" في المؤتمر الصحفي الذي جمعها مع وزير الخارجية الفرنسي مؤخرا تكشف عن مخطط صهيوني لتهجير فلسطيني 48 الى خارج حدود دولة ما يسمى "اسرائيل" للحفاظ على عرقيتها اليهودية التي اكد عليها الزعماء الصهاينة مرارا في الاونة الاخيرة.هذا وكانت ليفني قد صرحت في الأيام الأخيرة وهي الفترة التي تسبق موعد انعقاد مؤتمر" أنابوليس المشؤوم" إن إقامة الدولة الفلسطينية لن تكون الحل القومي فقط للعرب في غزة والضفة الغربية، وليس فقط للاجئين الفلسطينيين، بل أيضاً لعرب إسرائيل (فلسطينيي الاحتلال الأول ). انه من الخطورة بمكان أن تخرج هذه التصريحات قبل مدة وجيزة على الاجتماع الدولي في أنابوليس مما يعطي إشارة واضحة إلى حجم الخطر الذي يتهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضاء على حق العودة. انه في الوقت الذي بدأ فيه شعبنا يعيش أجواء الذكرى الستين للنكبة وهو يتطلع للعودة، تأتي هذه التصريحات لتعطي إشارة لا لبس فيها على نوايا التطرف والعنصرية الصهيونية للبدء بعمليات تهجير جديدة لأهلنا في الأرض المحتلة عام1948.. إن التصريحات المكثفة التي خرجت من المسؤولين الصهاينة قبيل مؤتمر أنابوليس تريد التأكيد على (الخطوط الحمراء الصهيونية) والتي تلغي حق العودة في الوقت الذي يبدو فيه الطرف الفلسطيني المفاوض في أضعف حالاته ويلتزم الصمت إزاء كل هذا..!. انه من غير المعقول على السلطة الفلسطينية أن تذهب إلى مؤتمر هذه مقدماته ونؤكد هنا بأن الخطر ما عاد يتهدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وحسب، بل إن النوايا الصهيونية القديمة الجديدة لتفريغ أرضينا المحتلة عام 48 من سكانها باتت أكثر علانية ووضوحاً في ظل صعود اليمين الصهيوني والتيار الموسادي المخابراتي إلى مكاتب صنع القرار في الكيان الصهيوني..ومن هنا نطالب السيد محمود عباس بعدم المشاركة في هذا المؤتمر لأنه يأتي لتصفية ما تبقى من قضيتنا , ونطالبه كذلك بالعودة لطاولة الحوار الفلسطيني-الفلسطيني لاعادة الوحدة واللحمة الوطنية وهذا مطلب وطني وضروري في هذه المرحلة الصعبة التي تعصف بقضيتنا والتي لم تشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني.
واخيرا اقول: هل بدأ العد التنازلي لتهجير فلسطيني جديد..؟ وان بدأ, فحسب اعتقادي سيبدأ معه العد التنازلي للكيان الصهيوني لأن فلسطينيي الاحتلال الأول ورغم ضلعهم الأقصر هم مفتاح الحل للقضية الفلسطينية وبغض النظر عن نوعية هذا الحل..فهم الذين ما زالوا متشبثين في ارضهم ولا توجد اية قوة بامكانها اخراجهم وقلعهم منها..واذكر" ليفني" ورئيسها" اولمرت" ومن تواطأ معهم بما قاله المناضل الراحل توفيق زياد: "هنا . .على صدوركم باقون كالجدار/ نجوع نعْرى، نتحدى، نُنْشد الأشعار/ونملأ السجون كبرياء/ ونصنع الأطفال جيلاً ثائراً وراء جيل/ كأننا عشرون مستحيل/في اللد، والرملة، والجليل/ إنا هنا باقون../ فلتشربوا البحرا/ نحرس ظل التين والزيتون/ ونزرع الأفكار كالخمير في العجين/برودة الجليد في أعصابنا/ وفي قلوبنا جهنم حمرا/ إذا عطشنا نعصر الصخرا/ ونأكل التراب إن جعنا ولا نرحل/ وبالدم الزكي لا نبخل، لا نبخل/ هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل/ كأننا عشرون مستحيل/ في اللد والرملة والجليل/ يا جذرنا الحي تشبّث/ واضربي في القاع يا أصول"...!
يقول المثل الروسي "ويل للخزف إذا وقع على الصخر، وويل له إذا وقع الصخر عليه"...! نتيجة لقسوة التاريخ, قسم الشعب الفلسطيني الى ثلاثة اجزاء, فأصبح كالمثلث باضلاعه الثلاثة: قاعدته سكان الضفة الغربية وغزة. وضلعه الأول هم فلسطينيو الشتات، بينما يشكل مواطنو" إسرائيل" الفلسطينيون، الضلع الثالث، الضلع الأقصر...وهم "المكوِّن" الأصغر، لكن ما من مثلث بدونهم. كما أنهم مختلفون لأنهم مواطنون في "إسرائيل"، مع كل المعاني الإيجابية والسلبية لذلك.
ألتسميات:
ان التسميات معقدة، فذلك يقول "فلسطينيي 48" وآخر "عرب 48" أو "عرب الداخل"، أو "الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل"، أو "الأقلية الفلسطينية في إسرائيل" رغم مأساوية تسمية أهل الوطن بـ "الأقلية"،أو فلسطينيي الاحتلال الأول(حسب رأيي الشخصي اعتبرها افضل تسمية) ولكن بالإمكان التعايش مع هذه المصطلحات، أما "عرب إسرائيل"، فحقا انها تسمية قاسية ولا ترحم، فقد يكون لإسرائيل عرب، ولكنهم قلّة، وقلّة جدا جدا. ان أية محاولة للتحليل العلمي للظروف الموضوعية لفلسطينيي الداخل، بحكم كونهم مواطنين في دولة "اسرائيل"، لا بد ان تنطلق من بديهية كونهم لم يناضلوا يوماً ما من اجل قيام هذه الدولة اسرائيل، لم يهاجروا الى الدولة الجديدة كمعظم الأقليات القومية والاثنية في العالم، ولم يتنازلوا يوماً ما عن انتمائهم القومي لشعبهم الفلسطيني وامتهم العربية ولا عن حقهم الشرعي في وطنهم بدل الالتحاق بكيان استعماري عنصري اقيم على انقاض شعبهم.
مفهوم الأقلية القومية: يجب ان نميز بين نوعين من الأقليات القومية "او الاثنية" في العالم. اولا، هنالك الاقليات الارادية التي هاجرت من محض ارادتها، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعتها للهجرة الى بلد جديد تاركة البلد الاصلي والوطن وراءها بهدف الاندماج والتعايش في المجتمع الجديد الذي هاجرت اليه. فهذا النوع من الاقليات الاثنية يتخذ من مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق المدنية في الدولة الجديدة التي اختارها المرجعية الاساسية لحقوقه الجماعية. اما النوع الثاني من الاقليات القومية فهو الاقليات غير الارادية والتي فرض عليها الواقع الاستعماري والهيمنة الخارجية بالقوة. فهذه الاقليات القومية تمتد قضيتها الى ابعد من حدود المواطنة في الكيان الاستعماري المفروض عليها رغم كل محاولات الهيمنة والترويض التي تُمارس ضدها لأن وجودها يتنافى اساساً مع وجود الاستعمار. لقد شغل هاجس جدلية العلاقة بين الانتماء والهوية القومية لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني ودورهم في مسيرة التحرر الوطني من جهة، وبين مطالب الناس وحقوقهم المدنية اليومية في ظل الظروف الموضوعية التي يعيشونها من جهة اخرى، معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية النشطة داخل فلسطين 1948 ففي حين غلب الطابع المطلبي البراغماتي على برامج احزاب التعايش والتكييف مع واقع الكيان الصهيوني الى حد تغييب الدور المناط بفلسطينيي الداخل في حركة التحرر الوطني (جميع احزاب البرلمان رغم التفاوت الشكلي بينها حول بعض القضايا الثانوية)، فقد تمسك التيار القومي والاسلامي الذي يرفض التعايش والاقرار بشرعية الكيان الصهيوني بالبعد الاستراتيجي للقضية الفلسطينية دون ان يتمكن من صياغة برنامج عملي يهتم بقضايا الناس المطلبية والحياتية "حركة الأرض ومن ثم حركة ابناء البلد والحركة الاسلامية". ان فلسطينيي 48 أكثر الجماعات اهتماماً في وضع نهاية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لأنهم يؤمنون من حيث المبدأ بوضع نهاية للاحتلال وبتقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولأنهم يعتقدون، من زاوية موقعهم كمواطنين، أيضاً أن إنهاء الاحتلال سيحسن العلاقات اليهودية-العربية. إلا أن هذه العلاقات ستشهد توتراً ما أن تظهر دولة فلسطينية إلى الوجود، مع صعود قضايا المساواة والتمييز وموقع الأقلية القومية وما سواها إلى المقدمة في إسرائيل...! لم تكل دولة إسرائيل ومؤيدوها من التبجح بادعاء أن إسرائيل ديمقراطية ومتسامحة وكافلة، في مقابل (هذا ما يضيفونه عموماً)الطغاة الشوفينيين والمتعصبين المحيطين بها في الشرق الأوسط. والدليل الأول في هذا الخداع الدعائي هو مواطنو إسرائيل الفلسطينيون، الذين يُقدمون على أنهم مواطنون يتمتعون بحقوق كاملة ومساوية في الدولة اليهودية والديمقراطية. ولكن كيف تتعامل الأقلية العربية في إسرائيل مع تعريف إسرائيل لنفسها على أنها دولة يهودية وديمقراطية؟ ان إسرائيل تعرف نفسها على أنها يهودية وديمقراطية، إلا أن المساواة منعدمة بين اليهود والعرب في مجالات الحياة كافة. ومعظم الفلسطينيين في اسرائيل لا يقبلون هذا التعريف؛ فهو يعمق اللامساواة. وثمة تناقض بين الديمقراطية وتعريف إثني لدولة يهودية. وفي المحصلة، فإن إسرائيل وفي كلا الأمرين "ديمقراطية ويهودية" بالفعل، لكنها ديمقراطية تجاه اليهود ويهودية تجاه العرب. تتغافل هذه الحيلة المبتذلة عن نقاط حاسمة، أكثرها وضوحاً هي حقيقة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي يعانون من تفرقة عنصرية رسمية وصريحة يعززها احتلال عسكري في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة. وبطبيعة الحال، تتناسى أيضاً التمييز الخطر الذي يواجهه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، بحكم القوانين وبحكم الأمر الواقع. فواقع الحال أن المجتمع الفلسطيني داخل الحدود الإسرائيلية المعترف بها دولياًً أثبت مناعة كلية على الهضم من قبل الدولة اليهودية، وهو يشكل مصدر قلق عميق ومتنامٍ للأكثرية. ويظهر هذا القلق في أسطع صوره في الخطاب حول الديموغرافيا والسكان في إسرائيل، حيث تجري العادة على الإشارة إلى المواطنين الفلسطينيين بوصفهم "قنبلة سكانية موقوتة" أو "تهديداً ديموغرافياً"، وليس على أنهم بشراً. وقد تم عرض هذه المخاوف كاملة في مؤتمر هرزليا الذي انعقد في كانون الأول من العام 2003، عندها قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ورئيس حزب الليكود الحالي" بينيامين نتنياهو" إن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمثلون "التهديد الديموغرافي" الحقيقي للدولة اليهودية، فإذا تنامى عددهم من نسبة 20% الحالية إلى "ما بين 35-40%"، فإن إسرائيل ستصبح- مصيبة المصائب-"بلداً ثنائي القومية..! وذهب د. إسحاق رافيد، وهو باحث متمرس يعمل في سلطة تطوير الأسلحة التابعة للحكومة الإسرائيلية، إلى أبعد من ذلك فطالب إسرائيل في المؤتمر بأن "تنفذ سياسة صارمة في مجال تخطيط العائلة فيما يتعلق بسكانها من المسلمين". ونبه إلى أن "غرف التوليد في مشفى سوروكا في( الموجود في مدينة بئر السبع) قد تحولت إلى معمل لإنتاج سكان متخلفين". وبينما لم تنفذ سياسيات من هذا النوع بعد، فإن إجراءات تمييزية تحول دون ازدياد عدد المواطنين الفلسطينيين الإسرائيليين كانت قد نُفذت. ففي تموز من العام 2003، استحدث الكنيست قانون القومية والدخول إلى إسرائيل، مانعاً المواطنين الإسرائيليين المتزوجين من قاطني الأراضي المحتلة من العيش في إسرائيل مع أزواجهم. وقد صمم القانون خصوصاً لمنع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من توسيع نطاق منفعة وضعهم كمواطنين ليشمل فلسطينيين من الأراضي المحتلة عبر وسيلة الزواج. وبطبيعة الحال، فإن كل الآخرين ممن تزوجوا بإسرائيليين يمكنهم السفر إلى إسرائيل والعيش مع عائلاتهم. وما يكمن في قلب هذه المشاغل ليس الخوف من أن يقوض المواطنون الفلسطينيون في المستقبل مكانة الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين وحسب، بل والشك في أنهم سيشكلون طابوراً خامساً غير موالٍ أيضاً. فحضورهم هو تذكير دائم بالسكان العرب المهجرين، وبالخطيئة الأصلية للتطهير العرقي وطرد السكان، التي كانت عنصراً ضرورياً في اختلاق دولة يهودية في فلسطين. وبينما تنامى لدى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الاقتناع وتعلموا التعامل مع مفارقة هويتهم القومية، فقد كُثفت الجهود لقمع تعبيراتهم السياسية عن الذات. في تشرين الأول من العام 2000، انطلق الفلسطينيون داخل إسرائيل في عدد من المظاهرات دعماً للانتفاضة التي كانت قد بدأت قبل ذلك بأسابيع قليلة في الأراضي المحتلة"انتفاضة الأقصى" والتي كانت زيارة"شارون" الى الأقصى المسبب الرئيس لاندلاعها, وقد حدث ذلك عندما كان "ايهود باراك" زعيم حزب العمل الحالي رئيسا للوزراء الاسرائيلي. فقامت القوات الإسرائيلية بقمع هذه المظاهرات بوحشية ما كانت لتستخدمها ضد متظاهرين يهود، فقتلت 13 مواطناً فلسطينياً إسرائيلياً وجرحت المئات. هذه الحوادث هي برهان على الشقاق السياسي بين السكان الفلسطينيين واليهود في إسرائيل، وعلى الموقف العدائي أساساً لدولة إسرائيل تجاه مواطنيها العرب. وحكاية شبيهة بهذه هي قصة العمل السياسي لعزمي بشارة، الشخصية السياسية القيادية الفلسطينية في إسرائيل. فقد كان بشارة هو عضو الكنيست الوحيد الذي يتعرض لإطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين، كما واجه تهماً بالخيانة بسبب تأييده لحق اللبنانيين والفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي في المقاومة. ولا يتفوق على عداء الدولة الإسرائيلية لأقليتها العربية، برغم كل شيء، إلا عداء الجمهور اليهودي لها. فقد أظهر استطلاع للرأي جرى في حزيران من العام 2004 أن 64% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يعتقون أن على الحكومة أن تشجع المواطنين الفلسطينيين على الرحيل عن البلاد. وفوق ذلك، قال 55.3% من الإسرائيليين اليهود إن المواطنين الفلسطينيين يشكلون خطراً على الأمن القومي، وقال 45.3% أنه يتوجب منعهم من التصويت أو من الوصول إلى المناصب السياسية. وحقيقة الأمر أن تعريف إسرائيل القلق لذاتها كدولة "يهودية وديمقراطية" هو تعريف متنافر الحدود، ذلك أن تجربة أقليتها الفلسطينية الكبيرة والمتنامية- ناهيك عن ملايين المحرومين ممن يعيشون تحت وطأة الاحتلال العسكري- تشهد بوضوح على ذلك. بالفعل، فالمؤشرات الحالية تشير إلى أن إسرائيل تصبح أقل يهودية، بالمعنى الديموغرافي، كما تصبح أقل ديمقراطية. ان تصريحات وزيرة خارجية الكيان الصهيوني" تسيبي ليفني" في المؤتمر الصحفي الذي جمعها مع وزير الخارجية الفرنسي مؤخرا تكشف عن مخطط صهيوني لتهجير فلسطيني 48 الى خارج حدود دولة ما يسمى "اسرائيل" للحفاظ على عرقيتها اليهودية التي اكد عليها الزعماء الصهاينة مرارا في الاونة الاخيرة.هذا وكانت ليفني قد صرحت في الأيام الأخيرة وهي الفترة التي تسبق موعد انعقاد مؤتمر" أنابوليس المشؤوم" إن إقامة الدولة الفلسطينية لن تكون الحل القومي فقط للعرب في غزة والضفة الغربية، وليس فقط للاجئين الفلسطينيين، بل أيضاً لعرب إسرائيل (فلسطينيي الاحتلال الأول ). انه من الخطورة بمكان أن تخرج هذه التصريحات قبل مدة وجيزة على الاجتماع الدولي في أنابوليس مما يعطي إشارة واضحة إلى حجم الخطر الذي يتهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضاء على حق العودة. انه في الوقت الذي بدأ فيه شعبنا يعيش أجواء الذكرى الستين للنكبة وهو يتطلع للعودة، تأتي هذه التصريحات لتعطي إشارة لا لبس فيها على نوايا التطرف والعنصرية الصهيونية للبدء بعمليات تهجير جديدة لأهلنا في الأرض المحتلة عام1948.. إن التصريحات المكثفة التي خرجت من المسؤولين الصهاينة قبيل مؤتمر أنابوليس تريد التأكيد على (الخطوط الحمراء الصهيونية) والتي تلغي حق العودة في الوقت الذي يبدو فيه الطرف الفلسطيني المفاوض في أضعف حالاته ويلتزم الصمت إزاء كل هذا..!. انه من غير المعقول على السلطة الفلسطينية أن تذهب إلى مؤتمر هذه مقدماته ونؤكد هنا بأن الخطر ما عاد يتهدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وحسب، بل إن النوايا الصهيونية القديمة الجديدة لتفريغ أرضينا المحتلة عام 48 من سكانها باتت أكثر علانية ووضوحاً في ظل صعود اليمين الصهيوني والتيار الموسادي المخابراتي إلى مكاتب صنع القرار في الكيان الصهيوني..ومن هنا نطالب السيد محمود عباس بعدم المشاركة في هذا المؤتمر لأنه يأتي لتصفية ما تبقى من قضيتنا , ونطالبه كذلك بالعودة لطاولة الحوار الفلسطيني-الفلسطيني لاعادة الوحدة واللحمة الوطنية وهذا مطلب وطني وضروري في هذه المرحلة الصعبة التي تعصف بقضيتنا والتي لم تشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني.
واخيرا اقول: هل بدأ العد التنازلي لتهجير فلسطيني جديد..؟ وان بدأ, فحسب اعتقادي سيبدأ معه العد التنازلي للكيان الصهيوني لأن فلسطينيي الاحتلال الأول ورغم ضلعهم الأقصر هم مفتاح الحل للقضية الفلسطينية وبغض النظر عن نوعية هذا الحل..فهم الذين ما زالوا متشبثين في ارضهم ولا توجد اية قوة بامكانها اخراجهم وقلعهم منها..واذكر" ليفني" ورئيسها" اولمرت" ومن تواطأ معهم بما قاله المناضل الراحل توفيق زياد: "هنا . .على صدوركم باقون كالجدار/ نجوع نعْرى، نتحدى، نُنْشد الأشعار/ونملأ السجون كبرياء/ ونصنع الأطفال جيلاً ثائراً وراء جيل/ كأننا عشرون مستحيل/في اللد، والرملة، والجليل/ إنا هنا باقون../ فلتشربوا البحرا/ نحرس ظل التين والزيتون/ ونزرع الأفكار كالخمير في العجين/برودة الجليد في أعصابنا/ وفي قلوبنا جهنم حمرا/ إذا عطشنا نعصر الصخرا/ ونأكل التراب إن جعنا ولا نرحل/ وبالدم الزكي لا نبخل، لا نبخل/ هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل/ كأننا عشرون مستحيل/ في اللد والرملة والجليل/ يا جذرنا الحي تشبّث/ واضربي في القاع يا أصول"...!
تم الرجوع لبعض المصادر.
القدس المحتلة
القدس المحتلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق