محمد داود
كنا وقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن الاختلاف والتباين والذي لم يكن مقتصراً على مستوى إسرائيل الداخلي بل أيضاً كان يشمل يهود أميركا أنفسهم الذين أصبحوا مختلفين في الفكر والسياسة والأيديولوجية, فمنهم المتزمت المتشدد ومنهم المعتدل المهادن، بالتالي المشروع الكلاسيكي قائم كله على التوسع في ( أرض الميعاد ) وهو عقيدة ومبتغى إلهياَ بالنسبة لليهود وللصهيونية فلا جدال عليه، وضع حجار أساسه في مؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا عام 1897م، لكن في المقابل يوجد توجه ثاني يرمي إلى تقسيم فلسطين من خلال مشاريع معظمها تقوم على المصالح منها / مشروع قناة البحر الميت ومشروع أخر يتحدث عن تجزئة الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما تكلم عنه شمعون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" بما يعني السلام التجاري والتنموي، القائم على العلاقات الاقتصادية المتبادلة، لإنقاذ الأزمة الصهيونية من حالة الريبة والقلق التي تمر فيها بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشي الفساد الذي طال رأس الهرم في المؤسسة الصهيونية بالإضافة إلى تصاعد وتيرة المقاومة الفلسطينية التي تلجئ للأساليب نوعية وتقنية في عملياتها الفدائية التي اعتراف بها الاحتلال مرات عدة بأنها مقاومة وجيش منظم.
فالمشروع النضالي الفلسطيني صعب أن يتحقق بدون الارتكاز إلى عمق عربي أو إسلامي، لذلك نقول مسألة التحرير هي مهمة عربية قبل أن تكون فلسطينية وإسلامية قبل أن تكون عربية وفلسطينية، بالتالي هذا الاستهتار البالغ بالحقوق الفلسطينية يقع على عاتق العرب، فهم من يتحملون المسؤولية عن النكبة والنكسة وما تلتها من هزائم وتراجعات عند كلا المشروعين العربي والإسلامي ، لأن الحاجة كانت أكبر لتوفر العزيمة وروح الشجاعة والتصدي، وهذا ما شاهدناه في الجولة ألأولى في حرب تشرين الأول 1973 التي كان فيها نوع من التضامن العربي العملي دام سنوات, ثم تعمق الانقسام العربي وزادت درجات التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب عموماً وللولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، والدوران في مطاف النظام الدولي الجديد أو الشرق ألأوسط الكبير أو الجديد ... الخ من المسميات الصهيوأمريكية، والتي أخذت تنز من جدران الغرب في ألآونة الأخيرة عقب كل حرب أو عدوان تشنه ضد الشعوب العربية أو الإسلامية، بعد فشل أمريكا وحلفائها من تحقيق مأربهم فيما يسمى بنشر الديمقراطية أو الاستقرار كما تدعيه في أفغانستان أو في العراق أو عند المجتمعات العربية في محاولة لتبرير عدوانها ووجودها في المنطقة لتكرس هيمنتها على الموارد ومقدرات الأمة العربية والإسلامية وتعميق الانقسامات الداخلية، وفي نفس الوقت تبقى الحامية لأمن إسرائيل ووجودها ومصالحها في المنطقة. وما جرى في غزة- ستان اليوم هو البذرة نحو تشكيل شرق أوسط، بالانقلاب الفج على المشروع الوطني الذي كلل نجاحه بدماء مئات الألوف من الشهداء والجرحى والأسرى على طريق الحرية والاستقلال، ليشطر الجغرافية السياسية الفلسطيني إلى توأمين متنافرين تزداد وتيرته يوماً بعد يوم، فما يجري على الساحة الغزية من قتل واعتقال وملاحقة هو تدعيم للانقسام والتوجه نحو مزيد من التفتيت للنسيج الاجتماعي ، وهذا ما تدعمه وتقف خلفه أمريكا وإسرائيل، وإن كانت تدينه بشكل العلني المطروح، لأنه يخدم القضاء التام على حلم وطني فلسطيني، بقيام دولة متواصلة ومترابطة بعد أن قام الاستيطان والجدار العنصري وتقسيم المدن إلى كونتونات بدور بالغ في الحد من قيام دولة فلسطينية في المستقبل.
لأن الدولة اليهودية جاءت فكرتها على أن تكون دولة وظيفية أسسها الاستعمار الغربي لتقوم على وظيفة وهدف، وللمتتبع نجد أنها بدأت أولاً بوظيفة الهجوم على القومية العربية وضد التوجهات العربية نحو الاشتراكية ، ثم ما لبثت إلى أن انتقلت إلى الهجوم على الإسلام، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ووصفهم للإسلام بالأصولية الإسلامية أو "التنظيمات الإرهابية" تمهيداً لمحاربته، والعدوان على الشعوب، حيث غيرت إسرائيل من مضمون وظيفتها وقامت بوظيفة جديدة، بموجبها تم تصنيف المقاومة بالعنف والإرهاب ، وهذا ما نستشفه بأن الفكر الصهيوني قائم على "ديباجات" يخدم الغرب في المقاوم ألأول، وعليه تم نقل اليهود من أصقاع العالم وترحيلهم إلى فلسطين ضمن سياسة الإحلال، لكي يقوموا بوظيفة منوطة بهم لخدمة الغرب، هذا هو الأساس، بالتالي أفرز الفكر الصهيوني ديباجات ونصوص دينية وتاريخية دعم فيها حقه بأرض فلسطين مثلاً مقولاتهم : "لقد عدنا إلى أرض الميعاد بناء على ما جاء في التوراة والتلمود" ونحن شعب الله المختار ... إلخ.، والاستعانة بمقولتهم الشهيرة"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وقد تكلل المشروع الصهيوني بالنجاح، وذلك لعقلية الصهيوني الطموحة الممزوجة بالدقة والتنظيم والأداء القائم على روح التعاون وكسب عاطفة الرؤساء وصناع القرار في الدول الكبرى والمُستعمرة، ودورها ألتأثيري في الشعوب "جماعات الضغط والتأثير" مرتكزين على الفكر الأيديولوجي لتختلط صنيعته المثيولوجيا بالبراغماتية ليؤسس كيانهم، لكن الأزمة الصهيونية برزت في سياق تنفيذ المشروع الصهيوني، ودعنا نقف عن بعض الانتقادات التي وجهها أفرهام بورغ إلى مؤسستهم العسكرية من خلال كتابه والذي يسرد فيه مدى الخلل والتراجع في فكرة الصهيونية كالعصب الذي يرتوي منه المؤسسة العسكرية قائلاً : " لقد تحولت من دولة شابة ومفعمة بالحياة لناطقة بلسان الموتى أكثر مما تنطق بلسان الأحياء ، بل صارت الحرب عندنا دون أن نتنبه من ظاهرة شاذة لقاعدة .. إن الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة " ، فحركتنا الصهيونية الراهنة صدامية وحبلى بالمصائب " ، ويعلق بورغ عن مصير الدولة ألاستيطانية التي أصبحت ألان رهينة في أيدي بعض المستوطنين يسعون لزعزعة أسس الدول باسم حرية التعبير"، مما يفتح المجال أمام تفشي العنصرية، ويكشف بورغ مستقبل الصهيونية بأنها أمام مستقبل مجهول وأن لا حاجة لقيادة مستقبلية"!!. منتقداً أسلوب "النفاق الإعلامي بهدف إخفاء ممارساتها العنيفة والعدوانية والعنصرية تجاه الآخرين!! مسترشداً ببعض المصطلحات التي تستخدمها المؤسسة لتبرير جرائمها وعدوانها المستمر.
إذاً لا جدال على سلوك السياسة الصهيونية القائمة على أساس الإحلال والتهويد والاستيلاء، وجلب المزيد من المهاجرين واستيطان الأرض بدلً من أصحابها الأصليين وهم الفلسطينيين، لذلك كانت الأزمة البنيوية الصهيونية بوصفها تاريخية، فهي تأسست على فكرة نفي الآخر(الفلسطينيين)، وطمس تاريخه الحضاري والوجودي الذي يمتد جذوره لألف السنين، عندما أسسها الكنعانيون، في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، وما قام به سينا حريب ونبوخذ نصر بالقضاء على مملكة يهودا، وكسر شوكتهم، وهو ما يعرفونه، ويخشون من تكرار الماضي، لذلك يقومون بالعدوان على الشعوب والقضاء على أي نظام يحرض ضد كيانهم.
فلما فشلت في تحقيقه لجأت إلى وسائل أخرى على سبيل لا الحصر "التغييب الحضاري" والتي هي الأخرى سقطت كأوراق التوتِ وهو ما توقعه الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء "طلعت مسلم" بأن مستقبل المشروع الصهيوني على شافه الانتهاء ولكن لا يجب أن نعتمد على هذا الشعار دون العمل الجاد به، لأن الدراسات البحثية التي قارنت وطرحت مسألة الفشل العربي كمشروع نهضوي يواجه المشروع الصهيوني الذي يرتبط به الأخير عضوياً بالقوى الإمبريالية التي أسهم العرب في تشييدها لربما دون علم أو دراية منها : الإخفاق والهزيمة في المواجهة قد عزز نجاح المشروع الصهيوني الذي يسعى للهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية والتشبّث بالأرضي الفلسطينية المحتلّة، والعمل على تذويب وطمس معالم الهوية الإنسان الفلسطيني وكينونتها التاريخية منذ فجر التاريخ.
فالمشروع الصهيوني مر بقفزات وإسهامات دولية ساهمت بشكل مباشر وعلني على تكوين وتعزيز وجودها ومكانتها الدولية وأهمها / "إسقاط وتقاسم تركة الخلافة العثمانية، مروراً بتصريح بفلور المشئوم واتفاق الدول المستعمرة الكبرى والمنتصرة في حربها ألأولى في مؤتمر فرساي ومن ثم اتفاقية سايسكس بيكوا لنهب الثروات العربية وتكريس الوجود الصهيوأمريكي في فلسطين ومنطقة الشرق ألأوسط والذي توج عقب إعلان الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم لمعسكرين وكلا الاثنين تنافسوا على خدمة الحركة الصهيونية وتجزئة الأوطان والشعوب العربية، عبر خلقها للقلاقل والنزاعات الداخلية، وتشجيع الهجرة والاستيطان والاعتراف بالكيان الصهيوني كمشروع على الأراضي الفلسطينية، فما كاد يصمد الاتحاد السوفيتي طويلاً حتى أنهار أمام المعسكر الرأسمالي الغربي التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية التي هي الأخرى تعرضت لضربة عرفت بهجوم "الحادي عشر من سبتمبر 11 أيلول من العام 2001م، أما وقد استكملت أمريكا تفكيك المنطقة بعد احتلال العراق، وقبل ذلك محاصرة واعتقال الثورة الفلسطينية وكذلك محاصرة كل مواقع الثورة العربية ، والاستفراد بكل على حدة، والكل في الطابور ينتظر دوره، من المؤامرة الكبرى على العراق وأفغانستان الى حصار ليبيا وسوريا والسودان وتخريب الصومال وأحداث الجزائر ولبنان وفلسطين وغداً إيران وسوريا .. الخ. بالتالي تبقى الحركة الثورية المقاومة أسيرة المرحلة، ومحط أنظار العالم يجب الخلاص منها، ولا يهم من المجابه ومن يمارس الغلظة فربما يكون من أبناء جلدتنا وهو بالفعل ما جرى قبل أيام في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، فالحاجة ملحة وضرورية وهناك هجمة شرسة وأعلنها بوش سابقاً بأنها حرب صليبية، يتكاتف فيها الغرب بالتعاون مع الصهيونية فيما يبقى المشروع العربي والإسلامي المزري يتجه نحو مزيد من التبعية والتمزق والفرقة، وتبقى القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الممزق ليس بحال أفضل عن حال الأمتين العربية والإسلامية، إلا أن هذا لا ينكر كما أسلفنا وجود حركات وطنية قومية أحدثت اختراقاً كبيراً لدى المؤسسة الصهيونية، واختراقاً في الفكر العربي المعاصر، نحو اعتناق حركات التحرر ودعمها كمشاريع من أجل نيل الحقوق، بما أنها ورقة ضغط، في ظل سعي بعض القوى والتنظيمات المحلية والإقليمية والدولية لامتلاك أسلحة تقليدية لا سيما صراع الوقت الذي تخوضه إيران وبعض الدول الإسلامية لامتلاك أسلحة نووية، ومجارات الحداثة في ظل التقدم التكنولوجي والعسكري.
صحفي وكاتب وباحث فلسطيني
كنا وقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن الاختلاف والتباين والذي لم يكن مقتصراً على مستوى إسرائيل الداخلي بل أيضاً كان يشمل يهود أميركا أنفسهم الذين أصبحوا مختلفين في الفكر والسياسة والأيديولوجية, فمنهم المتزمت المتشدد ومنهم المعتدل المهادن، بالتالي المشروع الكلاسيكي قائم كله على التوسع في ( أرض الميعاد ) وهو عقيدة ومبتغى إلهياَ بالنسبة لليهود وللصهيونية فلا جدال عليه، وضع حجار أساسه في مؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا عام 1897م، لكن في المقابل يوجد توجه ثاني يرمي إلى تقسيم فلسطين من خلال مشاريع معظمها تقوم على المصالح منها / مشروع قناة البحر الميت ومشروع أخر يتحدث عن تجزئة الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما تكلم عنه شمعون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" بما يعني السلام التجاري والتنموي، القائم على العلاقات الاقتصادية المتبادلة، لإنقاذ الأزمة الصهيونية من حالة الريبة والقلق التي تمر فيها بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشي الفساد الذي طال رأس الهرم في المؤسسة الصهيونية بالإضافة إلى تصاعد وتيرة المقاومة الفلسطينية التي تلجئ للأساليب نوعية وتقنية في عملياتها الفدائية التي اعتراف بها الاحتلال مرات عدة بأنها مقاومة وجيش منظم.
فالمشروع النضالي الفلسطيني صعب أن يتحقق بدون الارتكاز إلى عمق عربي أو إسلامي، لذلك نقول مسألة التحرير هي مهمة عربية قبل أن تكون فلسطينية وإسلامية قبل أن تكون عربية وفلسطينية، بالتالي هذا الاستهتار البالغ بالحقوق الفلسطينية يقع على عاتق العرب، فهم من يتحملون المسؤولية عن النكبة والنكسة وما تلتها من هزائم وتراجعات عند كلا المشروعين العربي والإسلامي ، لأن الحاجة كانت أكبر لتوفر العزيمة وروح الشجاعة والتصدي، وهذا ما شاهدناه في الجولة ألأولى في حرب تشرين الأول 1973 التي كان فيها نوع من التضامن العربي العملي دام سنوات, ثم تعمق الانقسام العربي وزادت درجات التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب عموماً وللولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، والدوران في مطاف النظام الدولي الجديد أو الشرق ألأوسط الكبير أو الجديد ... الخ من المسميات الصهيوأمريكية، والتي أخذت تنز من جدران الغرب في ألآونة الأخيرة عقب كل حرب أو عدوان تشنه ضد الشعوب العربية أو الإسلامية، بعد فشل أمريكا وحلفائها من تحقيق مأربهم فيما يسمى بنشر الديمقراطية أو الاستقرار كما تدعيه في أفغانستان أو في العراق أو عند المجتمعات العربية في محاولة لتبرير عدوانها ووجودها في المنطقة لتكرس هيمنتها على الموارد ومقدرات الأمة العربية والإسلامية وتعميق الانقسامات الداخلية، وفي نفس الوقت تبقى الحامية لأمن إسرائيل ووجودها ومصالحها في المنطقة. وما جرى في غزة- ستان اليوم هو البذرة نحو تشكيل شرق أوسط، بالانقلاب الفج على المشروع الوطني الذي كلل نجاحه بدماء مئات الألوف من الشهداء والجرحى والأسرى على طريق الحرية والاستقلال، ليشطر الجغرافية السياسية الفلسطيني إلى توأمين متنافرين تزداد وتيرته يوماً بعد يوم، فما يجري على الساحة الغزية من قتل واعتقال وملاحقة هو تدعيم للانقسام والتوجه نحو مزيد من التفتيت للنسيج الاجتماعي ، وهذا ما تدعمه وتقف خلفه أمريكا وإسرائيل، وإن كانت تدينه بشكل العلني المطروح، لأنه يخدم القضاء التام على حلم وطني فلسطيني، بقيام دولة متواصلة ومترابطة بعد أن قام الاستيطان والجدار العنصري وتقسيم المدن إلى كونتونات بدور بالغ في الحد من قيام دولة فلسطينية في المستقبل.
لأن الدولة اليهودية جاءت فكرتها على أن تكون دولة وظيفية أسسها الاستعمار الغربي لتقوم على وظيفة وهدف، وللمتتبع نجد أنها بدأت أولاً بوظيفة الهجوم على القومية العربية وضد التوجهات العربية نحو الاشتراكية ، ثم ما لبثت إلى أن انتقلت إلى الهجوم على الإسلام، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ووصفهم للإسلام بالأصولية الإسلامية أو "التنظيمات الإرهابية" تمهيداً لمحاربته، والعدوان على الشعوب، حيث غيرت إسرائيل من مضمون وظيفتها وقامت بوظيفة جديدة، بموجبها تم تصنيف المقاومة بالعنف والإرهاب ، وهذا ما نستشفه بأن الفكر الصهيوني قائم على "ديباجات" يخدم الغرب في المقاوم ألأول، وعليه تم نقل اليهود من أصقاع العالم وترحيلهم إلى فلسطين ضمن سياسة الإحلال، لكي يقوموا بوظيفة منوطة بهم لخدمة الغرب، هذا هو الأساس، بالتالي أفرز الفكر الصهيوني ديباجات ونصوص دينية وتاريخية دعم فيها حقه بأرض فلسطين مثلاً مقولاتهم : "لقد عدنا إلى أرض الميعاد بناء على ما جاء في التوراة والتلمود" ونحن شعب الله المختار ... إلخ.، والاستعانة بمقولتهم الشهيرة"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وقد تكلل المشروع الصهيوني بالنجاح، وذلك لعقلية الصهيوني الطموحة الممزوجة بالدقة والتنظيم والأداء القائم على روح التعاون وكسب عاطفة الرؤساء وصناع القرار في الدول الكبرى والمُستعمرة، ودورها ألتأثيري في الشعوب "جماعات الضغط والتأثير" مرتكزين على الفكر الأيديولوجي لتختلط صنيعته المثيولوجيا بالبراغماتية ليؤسس كيانهم، لكن الأزمة الصهيونية برزت في سياق تنفيذ المشروع الصهيوني، ودعنا نقف عن بعض الانتقادات التي وجهها أفرهام بورغ إلى مؤسستهم العسكرية من خلال كتابه والذي يسرد فيه مدى الخلل والتراجع في فكرة الصهيونية كالعصب الذي يرتوي منه المؤسسة العسكرية قائلاً : " لقد تحولت من دولة شابة ومفعمة بالحياة لناطقة بلسان الموتى أكثر مما تنطق بلسان الأحياء ، بل صارت الحرب عندنا دون أن نتنبه من ظاهرة شاذة لقاعدة .. إن الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة " ، فحركتنا الصهيونية الراهنة صدامية وحبلى بالمصائب " ، ويعلق بورغ عن مصير الدولة ألاستيطانية التي أصبحت ألان رهينة في أيدي بعض المستوطنين يسعون لزعزعة أسس الدول باسم حرية التعبير"، مما يفتح المجال أمام تفشي العنصرية، ويكشف بورغ مستقبل الصهيونية بأنها أمام مستقبل مجهول وأن لا حاجة لقيادة مستقبلية"!!. منتقداً أسلوب "النفاق الإعلامي بهدف إخفاء ممارساتها العنيفة والعدوانية والعنصرية تجاه الآخرين!! مسترشداً ببعض المصطلحات التي تستخدمها المؤسسة لتبرير جرائمها وعدوانها المستمر.
إذاً لا جدال على سلوك السياسة الصهيونية القائمة على أساس الإحلال والتهويد والاستيلاء، وجلب المزيد من المهاجرين واستيطان الأرض بدلً من أصحابها الأصليين وهم الفلسطينيين، لذلك كانت الأزمة البنيوية الصهيونية بوصفها تاريخية، فهي تأسست على فكرة نفي الآخر(الفلسطينيين)، وطمس تاريخه الحضاري والوجودي الذي يمتد جذوره لألف السنين، عندما أسسها الكنعانيون، في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، وما قام به سينا حريب ونبوخذ نصر بالقضاء على مملكة يهودا، وكسر شوكتهم، وهو ما يعرفونه، ويخشون من تكرار الماضي، لذلك يقومون بالعدوان على الشعوب والقضاء على أي نظام يحرض ضد كيانهم.
فلما فشلت في تحقيقه لجأت إلى وسائل أخرى على سبيل لا الحصر "التغييب الحضاري" والتي هي الأخرى سقطت كأوراق التوتِ وهو ما توقعه الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء "طلعت مسلم" بأن مستقبل المشروع الصهيوني على شافه الانتهاء ولكن لا يجب أن نعتمد على هذا الشعار دون العمل الجاد به، لأن الدراسات البحثية التي قارنت وطرحت مسألة الفشل العربي كمشروع نهضوي يواجه المشروع الصهيوني الذي يرتبط به الأخير عضوياً بالقوى الإمبريالية التي أسهم العرب في تشييدها لربما دون علم أو دراية منها : الإخفاق والهزيمة في المواجهة قد عزز نجاح المشروع الصهيوني الذي يسعى للهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية والتشبّث بالأرضي الفلسطينية المحتلّة، والعمل على تذويب وطمس معالم الهوية الإنسان الفلسطيني وكينونتها التاريخية منذ فجر التاريخ.
فالمشروع الصهيوني مر بقفزات وإسهامات دولية ساهمت بشكل مباشر وعلني على تكوين وتعزيز وجودها ومكانتها الدولية وأهمها / "إسقاط وتقاسم تركة الخلافة العثمانية، مروراً بتصريح بفلور المشئوم واتفاق الدول المستعمرة الكبرى والمنتصرة في حربها ألأولى في مؤتمر فرساي ومن ثم اتفاقية سايسكس بيكوا لنهب الثروات العربية وتكريس الوجود الصهيوأمريكي في فلسطين ومنطقة الشرق ألأوسط والذي توج عقب إعلان الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم لمعسكرين وكلا الاثنين تنافسوا على خدمة الحركة الصهيونية وتجزئة الأوطان والشعوب العربية، عبر خلقها للقلاقل والنزاعات الداخلية، وتشجيع الهجرة والاستيطان والاعتراف بالكيان الصهيوني كمشروع على الأراضي الفلسطينية، فما كاد يصمد الاتحاد السوفيتي طويلاً حتى أنهار أمام المعسكر الرأسمالي الغربي التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية التي هي الأخرى تعرضت لضربة عرفت بهجوم "الحادي عشر من سبتمبر 11 أيلول من العام 2001م، أما وقد استكملت أمريكا تفكيك المنطقة بعد احتلال العراق، وقبل ذلك محاصرة واعتقال الثورة الفلسطينية وكذلك محاصرة كل مواقع الثورة العربية ، والاستفراد بكل على حدة، والكل في الطابور ينتظر دوره، من المؤامرة الكبرى على العراق وأفغانستان الى حصار ليبيا وسوريا والسودان وتخريب الصومال وأحداث الجزائر ولبنان وفلسطين وغداً إيران وسوريا .. الخ. بالتالي تبقى الحركة الثورية المقاومة أسيرة المرحلة، ومحط أنظار العالم يجب الخلاص منها، ولا يهم من المجابه ومن يمارس الغلظة فربما يكون من أبناء جلدتنا وهو بالفعل ما جرى قبل أيام في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، فالحاجة ملحة وضرورية وهناك هجمة شرسة وأعلنها بوش سابقاً بأنها حرب صليبية، يتكاتف فيها الغرب بالتعاون مع الصهيونية فيما يبقى المشروع العربي والإسلامي المزري يتجه نحو مزيد من التبعية والتمزق والفرقة، وتبقى القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الممزق ليس بحال أفضل عن حال الأمتين العربية والإسلامية، إلا أن هذا لا ينكر كما أسلفنا وجود حركات وطنية قومية أحدثت اختراقاً كبيراً لدى المؤسسة الصهيونية، واختراقاً في الفكر العربي المعاصر، نحو اعتناق حركات التحرر ودعمها كمشاريع من أجل نيل الحقوق، بما أنها ورقة ضغط، في ظل سعي بعض القوى والتنظيمات المحلية والإقليمية والدولية لامتلاك أسلحة تقليدية لا سيما صراع الوقت الذي تخوضه إيران وبعض الدول الإسلامية لامتلاك أسلحة نووية، ومجارات الحداثة في ظل التقدم التكنولوجي والعسكري.
صحفي وكاتب وباحث فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق