علي عبدالعال
يترقب إقليم غرب أفريقيا وصول قوات عسكرية أوروبية قوامها (4000) جندي، سوف يجري نشرها أوائل شهر فبراير في كل من شرق تشاد (بالمنطقة الملاصقة لإقليم دارفور) وأفريقيا الوسطى، وتتشكل من 14 دولة عضو بالاتحاد الأوروبي على رأسها (فرنسا وبلجيكا وأيرلندا وبولندا).
وتأتي خطة نشر "يوفور" كأكبر عملية عسكرية ينفذها الاتحاد خارج القارة الأوروبية بدون مساعدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وحسب المعلن رسمياً فإن مهمة هذه القوات ـ التي سيتولى قيادتها الميدانية في ابيشي (شرق تشاد) الجنرال الفرنسي جان فيليب جاناسيا ـ تتمثل في حماية ما يقرب من (500) ألف لاجئ بعضهم سودانيين من دارفور مقيمين في شرق تشاد، وبعضهم من تشاد نفسها، و(20) ألفاً من مواطني جمهورية أفريقيا الوسطى، كلهم نازحون جراء أعمال عنف.
وهو ما دعا جهات عدة إلى التشكك في نوايا وحقيقة أهداف هذه القوات، وعلى رأس هذه الجهات الحكومة السودانية، والمعارضة التشادية ـ التي تسعى لإسقاط نظام إدريس ديبي في نجامينا ـ خاصة في ظل قلاقل واضطرابات تعاني منها المنطقة بأكملها، وأيضاً لأن أكثر من نصف العسكريين فرنسيين، وفرنسا هي القوة الاستعمارية السابقة لكل من تشاد وأفريقيا الوسطى، وتتواجد قواتها البرية وطائراتها الحربية ودباباتها داخل الأراضي التشادية منذ عشرين سنة في إطار قوة "إيبرفييه" بناء على اتفاق عسكري مع نجامينا، كان يهدف حينها إلى التصدي لما سمي بالمطامع الإقليمية والسياسية الليبية في تشاد.. ومن المتوقع ـ على نطاق واسع ـ أن ينتقل جنود فرنسيون من هذه القوات إلى "يوفور".
كما ستعمل تلك القوات أيضاً بالتنسيق الكامل مع القوات الأجنبية الهجينة التابعة للأمم المتحدة والأكبر حجماً فى إقليم دارفور(غرب السودان)، والتي كان قد تم نشرها في ظل ضغوط شديدة مورست على السودان من قبل قوى غربية على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا.
ومما أثار الاستغراب حول هذه القوات، أن تشاد كانت قد حذرت الاتحاد الأوروبي من أن تأجيل نشرها على حدوده الشرقية مع السودان يهدد "بإشعال المنطقة" بأكملها.. بل ومارس الرئيس إدريس ديبي ـ وهو طيار حربي سابق تلقى تدريبه في فرنسا ـ ضغوطه على بروكسل (عاصمة أوروبا الموحدة) لنشر قواتها، محذراً من حرب أهلية في بلاده ما لم يتم نشرها، واتهم السودان بتسليح المتمردين في بلاده من أجل عرقلة القوة الأوروبية.
ففي الآونة الأخيرة صعد النظام التشادي ـ وهو حليف قوي للغرب ـ من وتيرة المواجهة مع السودان "لاضعاف موقف حكومة الخرطوم في إقليم دارفور" وذلك بتكرار اعتداء قواته الجوية على بعض المناطق داخل الأراضي السودانية، تحت ذريعة مطاردة جماعات المعارضة.وفي ما يشير إلى درجة التداخل بين الأوضاع المتوترة في تشاد مع مثيلتها في السودان، شبهت (ماري روبنسون) ـ المفوضة السامية السابقة بالأمم المتحدة ـ في مقال لها نشرته "هيرالد تريبيون" ما أسمته "صراعي دارفور وشرق تشاد بطبقات حبة البصل في تداخل أحدهما مع الآخر".
إلا أنه وفيما ترزخ الخرطوم تحت وطأة الضغوط الغربية والعقوبات الأمريكية، تتدفق المعونات المالية والعسكرية بسخاء من الجهتين على النظام الحاكم في نجامينا بقيادة ديبي.
وكان آخرها مبلغ الـ (10) مليون يورو التي أعلن (لوي ميشيل) ـ المفوض الأوروبي المكلف بشؤون التنمية والمساعدات ـ أنه تم تخصيصها لدعم ما سماه الاستقرار في شرقي تشاد.
زاعماً أن هذه المبالغ تأتي فقط في إطار اتخاذ إجراءات للوقاية من أي صراعات مستقبلية. وفي أعقاب قصف تشاد للأراضي السودانية، ذهب حسن جيرمي ـ المتحدث باسم تحالف المعارضة التشادية ـ إلى أن الهدف من تنفيذ الهجوم يكمن في جر السودان إلى صراع إقليمي، تتدخل بموجبه فرنسا إلى جانب حكومة نجامينا حسب اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بينهما، موضحاً أن القوات الفرنسية جهزت قوة بكامل عتادها بجانب طائرات المساعدة للتدخل في حال اندلاع القتال.
وهي مخاوف لم يخفها المراقبون للأوضاع في المنطقة، خاصة مع القصف الذي بادرت تشاد ـ إحدى أكثر الدول فقراً في العالم ـ بشنه على السودان، والتصعيد الظاهر من لهجة الحكومة في نجامينا وعلو نبرة تهديدها تجاه الخرطوم. وهو ما لم يكن يأتي من فراغ ـ حسب المحللين ـ إذ تدور تساؤلات عديدة بشأن الدعم العسكري الكبير الذي يتلقاه إدريس ديبي من الفرنسيين في ظل تحالف شبه أبدي، وبفضل العملية الأخيرة التي سلم خلالها ديبي حليفه نيكولا ساركوزي (6) فرنسيين، أعضاء بمنظمة ضبطت وهي متلبسة بتهريب أطفال من السودان وتشاد إلى فرنسا.. فالرئيس التشادي يدرك أنه لن يستطيع مواجهة السودان عسكرياً ولكنه يريد حرباً تزيد من رغبة الغرب في دعمه والدخول بقواته إلى المنطقة.
إذ تقدم القوات والطائرات الفرنسية ـ الموجودة داخل الأراضي التشادية ـ دعماً مهماً في مجال الإمداد والتموين العسكري والاستخبارات لجيش ديبي، الذي يقاتل جماعات المعارضة في شرق البلاد.. وتتحدث التقارير عن أن باريس سلمت نجامينا أسلحة حديثة ومتطورة، منها صواريخ (ميلان) الفرنسية الشهيرة والتي تطلق لاسقاط الطائرات وغيرها.وفي (ابشي) ـ مقر قيادة القوة الأوروبية القادمة ـ توجد قاعدة جوية فرنسية ضخمة، كما تحتل الطائرات الحربية الفرنسية جزءاً كبير من مطار المدينة الضخم، إضافة إلى الأعداد الكبيرة من الدبابات والمصفحات الفرنسية.
وفي إطار الأجندة الغربية الموضوعة بشأن إقليم دارفور غربي السوداني، تتحدث تقارير صحفية بشأن مدفعية تشادية جرى تصويبها مؤخراً تجاه مدينة (الجنينة) ـ عاصمة ولاية غرب دارفور ـ وأن الآلاف من الجنود باتوا يعسكرون علي الحدود.
كما تتهم جهات إقليمية ومحلية إدريس ديبي بالتورط في عملية نقل أسلحة فرنسية لصالح حركة "العدل والمساواة" المتمردة في دارفور، عبر تاجر أسلحة تشادي يُدعى عبد الله هوكس وهو الشقيق الأكبر لزوجة ديبي، وكان وفد من "العدل والمساواة" وصل إلى مدينة (ابشي) لاستلام الأسلحة الفرنسية تحت غطاء أنها إمدادات للقوات التشادية بشرق البلاد.
وإذا كان هذا هو حال الدولة الأفريقية الفقيرة، التي يبدو أنها باتت مستعدة لتقديم تسهيلات لقوات أجنبية من أجل التحرك والانطلاق من أراضيها ضد أراضي دول بالمنطقة، وفي إطار الانتقادات الموجهة لنظامها الحاكم بشأن الهيمنة الغربية على القرار فيها.
لم تكن فرنسا هي اللاعب الغربي الوحيد بل تأتي تحركاتها بتوافق وتنسيق كاملين مع الولايات المتحدة، وكانا قد حسما معاً التدخلات الليبية التي اشعلت الأوضاع بعد أن سيطرت طرابلس على إقليم (اوزوا) التشادى فى بداية السبعينيات حتى 1988. وفي زيارته الأخيرة 19إبريل 2007 وجه جون نجروبونتي ـ مدير وكالة المخابرات الأمريكية السابق ـ "تعازي حكومتي الحارة لتشاد بالمدنيين الذين قتلوا ومؤاساتها لمن أُصيبوا بجراح أو شُردوا نتيجة هجمات مليشيات الجنجويد" التي يزعم الغرب أنها وراء أزمة دارفور وتدعمها حكومة السودان.
وفي سياق إشارته إلى دارفور ألمح نجروبونتي إلى أن أوضاع الإقليم تثير "اهتماماً كبيراً لدى الشعب الأمريكي والحكومة الأمريكية".ومن جهتها، تحقق الحكومة السويسرية في ما إذا كان نظام ديبي قد أرسل الطائرة السويسرية من طراز (PC-9) إلى إسرائيل من أجل تسليحها. مؤكدة أنه من الضروري الحصول على توضيحات بخصوص أنشطة تقنييـْن مختصّيْن في مجال الميكانيك تابعين لشركة (بيلاتوس) سُجل تواجدهما قبل عام في تشاد. ولمثل هذا الانصياع والممارسات التشادية يذهب المراقبون إلى إن المشكلة الأكثر تعقيداً فى حالة تشاد تكمن في أن الخارج يملك مفاتيح التغيير والتحول بأكثر مما يملك من يحكمون في الداخل.
وهي تجربة لها خلفياتها التاريخية بالنسبة لتشاد، إذ كانت ميزانية الدولة في نجامينا ـ قبل ظهور البترول ـ تعتمد بنسبة 90% على الحلفاء بالخارج وتحديداً فرنسا أو اللاعبين الإقليميين ليبيا تارة والسودان تارة أخرى. وقد شكل الوضع الاقتصادى المذرى الذى عرفته البلاد في الستينيات شكّل عنصراً حاسما فى جعل تشاد كدولة نهبًا لأجندات خارجية مختلفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق