نقولا ناصر
ان "التاييد السلبي" الذي حظي به الرئيس الأميركي جورج دبليو. بوش من القادة العرب الذين التقاهم خلال جولته الاخيرة في المنطقة لحملته ضد البرنامج النووي الايراني قد اوجد ارضية مشتركة عربية – ايرانية لتفاهم إستراتيجي اقليمي عماده شراكة عربية – ايرانية تضمن الامن الاقليمي عوضا عن الشراكة العربية – الاميركية التي كانت وسوف تبقى احد المصادر الاساسية لانعدام الامن وعدم الاستقرار في الشرق الاوسط ، بالإضافة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي ، تفاهم يمكنه ان يقود الى حل القضايا الخلافية التي تسمم العلاقات العربية الايرانية منذ عهد الشاة الذي كان اختار الشراكة مع التحالف الأميركي – الإسرائيلي.
ويبدو ان حرارة الدم المسفوك في الحرب العراقية – الايرانية ما زالت اسخن من ان تطفئها انهار الدماء العربية العراقية التي يسفحها المحتل الاميركي في العراق منذ خمس سنوات بغطاء ايراني ، وما زالت تحول دون اي استشراف موضوعي لمستقبل العلاقات العربية الايرانية ولعلاقة الطرفين بالوجود العسكري الاميركي العدواني الذي يتسع في المنطقة لحماية مصالح تقول واشنطن انها "حيوية" لها فيها إلى حد بدات عنده هذه المصالح في تجاوز اية حدود منطقية للعلاقات العادية بين الدول وفي تامين نفسها بالاحتلال والقوة المسلحة على حساب المصالح الحيوية لشعوب المنطقة حد تهديد وجودها كسيادة وثقافة وهوية عمرها آلاف السنين.
وقد بدات منذ الغزو الاميركي للعراق في عام 2003 تنهار حدود ما كانت دول في المنطقة تقول انه "شراكة" عربية اميركية بحيث باتت الاطراف العربية في هذه الشراكة المٌدعاة ، بحكم الامر الواقع وبغض النظر عن المسوغات والنوايا ، تتحول إلى قواعد عسكرية للولايات المتحدة او في احسن الحالات الى قواعد اسناد عسكري لها وتتحول سياسيا إلى توابع تدور في الفلك الاميركي.
وتغيب عن طرفي المعادلة العربية الايرانية حقيقة ان دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الشريك الوحيد لدولة الاحتلال الاميركي وحقيقة ان واشنطن اذا ارادت حلفاء اضافيين اقليميا فانها تبحث عنهم بين الاوروبيين لا بين العرب وانه اذا خذلها الحليف الاوروبي البريطاني فانها تستبدله بفرنسي لا بعربي ، كما يثبت قفز الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي الى المقعد الاميركي الذي اخلاه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
وتغيب عن الطرف العربي في هذه المعادلة حقيقة ان النفوذ الايراني الاقليمي قد اصبح امرا واقعا ، خصوصا في العراق ، فقط تحت مظلة "الشراكة العربية الاميركية" التي يكتشف الطرف العربي الآن ان المخاطر الاستراتيجية على امنه قد ازدادت ولم تقل نتيجة توفر هذه المظلة كغطاء لغزو العراق ومشروع احتلاله وربما يكمن في هذا الاكتشاف السبب في عدم تجاوب الطرف العربي مع الضغط الاميركي الذي مارسه بوش لاستخدام المظلة نفسها لحرب جديدة على ايران ، فهذا الطرف العربي لم يعد في وسعه استيعاب مغامرة عسكرية جديدة تقود الى حرب خليجية رابعة خلال ما يزيد قليلا على ربع قرن من الزمن يكون هذا الطرف هو ميدانها ووقودها والخاسر الاكبر فيها كما اثبتت الحرب الاميركية الجارية على العراق التي ان استفاد بعض العرب منها فان ترتيبهم في الاستفادة ياتي تاليا للمستفيد الاميركي فالايراني والاسرائيلي والاوروبي.
كما تغيب عن الطرف العربي في هذه المعادلة حقيقة ان بدء انهيار اي مصداقية لاية "شراكة عربية – اميركية" تتزامن مع بوادر جنوح اميركي نحو البحث عن امكانيات احياء الشراكة الاميركية – الايرانية التي كانت قد اثبتت جدواها ، من وجهة نظر اميركية طبعا ، في عهد الشاة . وقد بدات هذه البوادر تلوح منذ اصدرت المجموعة الجمهورية – الديموقراطية المشتركة تقرير جيمس بيكر – لي هاملتون حول العراق الذي اوصى بالاتصال مع ايران بدل استعدائها في العراق والذي انبثقت عنه جولات الحوار الاميركي – الايراني على مستوى السفراء والتي يستعد الطرفان الآن لجولة رابعة لها لتوزيع الأدوار بينهما من اجل المشاركة في ضمان امن مشروع الاحتلال الاميركي للعراق.
وقد ظهرت مؤخرا عدة مؤشرات إلى ان ادارة بوش سوف تنحو هذا المنحى بعد فشل جولة بوش الاخيرة في المنطقة في تجنيد الدعم العربي لخططه الحربية ضد ايران ، فلماذا لا يبادر العرب الى استشراف شراكة عربية – ايرانية اسوة ب"شريكهم" الاميركي؟
ولا تعفى ايران نفسها من المسؤولية عن مبادرة تاريخية كهذه ، وطهران طبعا واعية لهكذا توجه استراتيجي وهي تعلنه بل تطالب به وتدعو إلى شراكة عربية ايرانية في الحفاظ على امن الخليج وتلوم النفوذ الاميركي المهيمن على المنطقة لعدم الاستجابة العربية لمطالبتها هذه ، لكنها لا تقرن القول بالفعل وبدل ان تزيد في اطمئنان جيرانها العرب إلى نواياها فانها تزيد مخاوفهم منها وبالتالي فانها تدفعهم دفعا الى البحث عن الامن والامان عند الاميركان وغيرهم من الاجانب عن المنطقة . اليست مفارقة ان يبحث الشريك التجاري الاماراتي الاهم لايران عن ضمانات لامنه بمنح الشريك الفرنسي الجديد لمن تعتبره طهران "الشيطان الاكبر" الاميركي قاعدة فوق اراضيها؟
ان قرارا استراتيجيا ايرانيا شجاعا يعيد الجزر العربية الاماراتية الثلاث إلى اصحابها بالتفاوض والاتفاق او بالتحكيم الدولي ، وكذلك قرارا إستراتيجيا ايرانيا شجاعا بالتسامي على ثارات الحرب العراقية الايرانية التي يتخذ منها تيار مقرر في المؤسسة الحاكمة الايرانية ذريعة وغطاء لاطماع غير اسلامية في العراق تشارك الاحتلال الاميركي حربه على المقاومة الوطنية ، سوف يفتح الباب على مصراعيه بالتاكيد لشراكة عربية ايرانية اقليمية ذات آفاق استراتيجية تاريخية ، اذ هنا تصنع مصداقية اي توجه ايراني واقعي لا لفظي لشراكة مع العرب تبني على القواسم التاريخية والجيوبوليتيكية المشتركة معهم لا على ما يفرق بين الجانبين؟
لقد اثبت العرب خلال جولة بوش الاخيرة حكمتهم بتغليب ما هو مشترك لهم مع ايران على ما يفرقهم عنها مخاطرين باغضاب الاميركي الذي يملك مفتاح الحرب والسلام في المنطقة ويملك معه مفتاح زعزعة الامن والاستقرار الاقليميين وكان تاييدهم السلبي لبوش حيال ايران اشارة في منتهى الايجابية على طهران ان تسارع الى استثمارها بما يعزز مصداقيتها لديهم ، بالافعال لا بالاقوال.
شهدت الاشهر والايام القليلة الماضية انهيار الذرائع وتهافت الحجج الاميركية التي كانت تروجها ادارة الرئيس بوش حول البرنامج النووي الإيراني لتشديد العقوبات على ايران في سياق الخطط الاميركية للعدوان العسكري عليها, تماما كما انهارت كل المسوغات الكاذبة التي روجتها واشنطن لغزو العراق, لكن بفارق ماساوي واحد هو ان الذرائع الاميركية للحرب على ايران قد تهافتت الواحدة تلو الاخرى قبل غزوها بينما تهاوت الحجج الاميركية لغزو العراق بعد احتلاله.
فقد اشاد رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي يوم الجمعة الماضي بـ "التقدم" في تعاون ايران مع وكالته بعد زيارته لها في الاسبوع الماضي وبـ "الشفافية القصوى" التي ابدتها طهران لتبديد المخاوف الدولية من برنامجها النووي.
وبالرغم من خلافات العرب مع ايران حول المضاعفات الامنية لنفوذها الاقليمي المتنامي على امنهم واستقرارهم الداخلي ومن منازعاتهم القومية معها حول العراق والجزر الاماراتية الثلاث ومن تقاطع مصالحها الاستراتيجية مع الاحتلال الاميركي للعراق, اختار معظم العرب التضامن الايجابي او السلبي معها او في الاقل الحياد في صراعها مع كتلة غربية تقودها الولايات المتحدة حول برنامجها النووي, رافضين بحكمة الانجرار إلى حرب عدوانية اميركية عليها يكونون وامنهم وثرواتهم وقودا لها في رابع حرب خليجية خلال ربع قرن من الزمن تقريبا بحجة تروجها الدعاية الاميركية حول الخطر النووي الايراني العسكري او البيئي عليهم.
والعرب في موقفهم هذا الذي يرفض الحرب الاميركية على ايران بالرغم من خلافاتهم العميقة معها انما يغلبون القواسم الجيوبوليتيكية المشتركة مع الجار الايراني وهي القواسم التي تجاهلتها طهران عندما لم تستطع مقاومة اغراء الفرصة التاريخية التي اتاحها لها الاحتلال الاميركي للعراق لكي تحقق تحت المظلة العسكرية الاميركية في العراق ما عجزت عن تحقيقه في المواجهة العسكرية المباشرة.
ان هذا الموقف العربي الذي لمسه بوش خلال جولته الاخيرة في بلدان كان يضغط عليها للانضمام إلى خططه الحربية للعدوان على ايران كان احد العوامل التي تكاد تحبط خططه تلك وقد ظهر خلال الأيام القليلة الماضية مؤشران اميركيان الى انتكاس هذه الخطط, فقد اعلن البيت الأبيض يوم الخميس الماضي ان بوش نفسه قد اقر "مجمل ما ورد في تقرير التقديرات الاستخبارية" الذي اكد اواخر العام الماضي ان طهران اوقفت برنامجها العسكري النووي عام 2003 اي ان بوش هدم باقراره هذا الاساس الذي بنى عليه حملته الدبلوماسية والسياسية والإعلامية لتشديد العقوبات على ايران تمهيدا للعدوان عليها.
وربما يفسر هذا الاقرار ايضا القرار بالاستقالة الذي اعلنه يوم الجمعة نيكولاس بيرنز, كبير مستشاريه ومفاوضيه الذي قاد المفاوضات الدولية لإصدار مجلس الأمن الدولي قراريه بفرض الحزمتين الاولى والثانية من العقوبات على ايران, وبيرنز هذا الذي كان صقرا لمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية هو نفسه الذي قاد مفاوضات الاتفاق الاميركي مع الهند الذي فتح أمام نيودلهي طريق الوصول إلى الوقود والمعدات النووية الاميركية لاول مرة منذ ثلاثين عاما.
ويبدو ان هناك اطارا عاما للاستراتيجية العربية يتبلور الان تجاه البرنامج النووي الايراني بخاصة وتجاه ادخال التكنولوجيا النووية للمنطقة سواء امتلاكا او شراء بعامة. وتتضح ملامح ثلاثة ركائز لهذه الاستراتيجية اولها الرفض العربي لـ "تسييس" موضوع التكنولوجيا النووية, وثانيها حق المنطقة في امتلاكها للاغراض السلمية بما في ذلك حق ايران, وثالثها اخلاء المنطقة من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل بما في ذلك الاسلحة النووية الاسرائيلية.
وكان المقرر ان تبدا الأحد الماضي ولمدة يومين في مقر الامانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة اجتماعات الدورة الثالثة والعشرين للجنة العربية لمتابعة النشاط النووي والصاروخي الاسرائيلي ومتابعة تنفيذ القرار الوزاري العربي الخاص ببلورة موقف عربي موحد لاخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي ووضع خطط مرحلية للتحرك دوليا لكسر سياسة الغموض النووي الاسرائيلية وبحث التنسيق العربي لاعمال مؤتمر الدول الاطراف في معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية لاستعراض المعاهدة عام 2010 والتحضير للجنة التحضيرية الثانية عام 2008 المقرر انعقادها بجنيف في 28 نيسان المقبل.
وحسنا فعلت الدول العربية التي زارها بوش في جولته الأخيرة عندما تحفظت على الضغط الاميركي لتجنيدها ضد برنامج إيران النووي بالرغم من كون الولايات المتحدة "صديقا وحليفا وشريكا" كما قال عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة وفعلت مصر افضل من ذلك عندما دافعت بقوة عن حق ايران في امتلاك التكنولوجيا الذرية للاغراض السلمية, لانها في الحقيقة كانت تدافع عن حقها وحق بقية العرب والشعوب النامية في دخول القرن الحادي والعشرين وهي غير محرومة من تكنولوجيا يمتلكها الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فايران موقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية وخاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومتعاونة معها, حيث تزامن وجود رئيس الوكالة البرادعي في طهران مع وصول الرئيس الاميركي جورج بوش الى الخليج العربي للتحريض ضدها اواسط الشهر الجاري, والاهم ان الخبراء يقولون انها غير قادرة على صنع اسلحة نووية لا بل إن المخابرات الاميركية اكدت انها اوقفت محاولات لها لصنعها منذ عام 2003 ، لكن طهران تقول انها تريد امتلاك التكنولوجيا النووية للاغراض السلمية, ويبدو ان المشكلة هي هذه على وجه التحديد, اي امتلاك ايران او غيرها من الدول النامية للتكنولوجيا النووية بحيث تكسر احتكار النادي النووي لها ليظل العالم النامي او الثالث او المتخلف متخلفا ومشتريا مستهلكا فقط لهذه التكنولوجيا.
ان إصرار الغرب على ان "المجتمع الدولي" مصمم على ان "الازمة حول برنامج ايران النووي باقية... على جدول الاعمال" كما قال وزير الخارجية الالماني فرانك - وولتر شتانميير عشية اجتماع المانيا والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي في برلين اليوم الثلاثاء للاتفاق على حزمة ثالثة من العقوبات على ايران ليس اصرارا على عدم "السماح بتلك التكنولوجيا للاسلحة النووية" بل هو اصرار على عدم السماح لغير النادي النووي بامتلاك "تلك التكنولوجيا" سواء لاغراض حربية او سلمية.
ويتضح هذا الاصرار الغربي جليا في قوس الاحتياطي النفطي العالمي الاستراتيجي الممتد من آسيا الوسطى الى العربية السعودية مرورا بالعراق وايران حيث تتوفر اكبر قوة شرائية لمنتجات التكنولوجيا النووية وغير النووية الغربية وبخاصة العسكرية منها نتيجة لوفرة العائدات النفطية التي يحرص الغرب على اعادة تدويرها بمبيعاته التكنولوجية قبل ان تتراكم لتتحول الى احتياطي مالي إستراتيجي يمكنه ان يحقق قفزة نوعية في تنمية المنطقة.
وخلال الاسبوع الماضي كان هناك خبران يكشف "الصمت" الاميركي بخاصة والغربي عامة حولهما الاهداف الحقيقية للحملة على ايران بقدر ما يكشف ازدواجية المعايير الغربية.
الخبر الاول كان تسليم روسيا لايران يوم الجمعة الماضي الشحنة الثالثة من ثماني شحنات متعاقد عليها تزن كل منها احد عشر طنا من الوقود النووي وهو خبر لم يثر اي احتجاجات من النادي النووي لان هذا هو النموذج الذي يسعى النادي لترسيخه للعلاقة بينه وبين المستهلكين لمنتجاته النووية لكنه بالتاكيد كان سيثير عاصفة من الاحتجاجات لو ان ايران قد انتجت هذه الكمية او اكثر او اقل منها بنفسها, وكان الغرب بقيادة الولايات المتحدة قد أثار عاصفة كهذه عندما اعلنت طهران امتلاكها للمعرفة العلمية اللازمة لانتاج هذا الوقود.
اما الخبر الثاني فكان نجاح دولة الاحتلال الاسرائيلي يوم الخميس قبل الماضي في اطلاق صاروخ باليستي طويل المدى ليقابل اطلاقه بـ "صمت" غربي مطبق يذكر بالعاصفة الغربية الاحتجاجية على الصواريخ العراقية الاكثر تواضعا التي اتخذ منها الامريكان احدى الذرائع لغزو العراق وكذلك العاصفة التي اثيرت حول نجاح ايران في اطلاق صواريخ مماثلة اقصر مدى. وكان تحريض وزيرة خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي لروسيا من موسكو يوم الخميس الماضي لكي تتخذ موقفا "حازما" من برنامج ايران النووي ذروة العجرفة المستقوية بدعم حليفها الاميركي فيما كان رئيس وزراء حكومتها في تل ابيب - وهي الوحيدة في الشرق الاوسط التي تمتلك اسلحة نووية دون أن تكون موقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية ولا خاضعة لاي رقابة دولية - يسوغ برنامجها الصاروخي الممول امريكيا بتكرار القول إن "جميع الخيارات على الطاولة" لمنع إيران من امتلاك اسلحة نووية.
ان هذا الخلط الإسرائيلي الغربي المتعمد بين امتلاك ايران للتكنولوجيا النووية وبين "احتمال" امتلاكها لاسلحة نووية يستهدف منع ايران من امتلاك هذه التكنولوجيا لا منعها من امتلاك اسلحة نووية قال الخبراء الدوليون والوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقرير الاستخبارات الاميركية نفسها انها لا تملكها ولا تملك حتى الآن القدرة على صنعها وانها اوقفت محاولة لبرنامج كهذا قبل اربع سنوات.
اما الاستخدام المزدوج العسكري - المدني للتكنولوجيا النووية فهو حجة من غير المقبول رفعها سيفا مسلطا على برنامج ايران النووي فقط في وقت يتوزع فيه اكثر من (460) مفاعلا نوويا على بلدان العالم كافة, خصوصا بعد التوجه الاميركي الجديد برفع الحظر الذي كانت تفرضه واشنطن على امتلاك العرب لهذه التكنولوجيا او في الاقل لمنتجاتها.
الم تكن مفارقة تكشف الازدواجية والتناقض في السياسة الخارجية لواشنطن ان يؤكد وزير الطاقة الاميركي صموئيل بودمان يوم الخميس المنصرم "اننا يجب ان نعترف بان الطلب العالمي على الطاقة لا يمكنه إلا ان يزداد وان العالم لا يستطيع الاعتماد على الهيدروكربون وحده" ليعترف في عمان بحق الاردن وبلدان عربية اخرى في تنويع مصادر طاقتها بالاستثمار في الطاقة النووية بينما تنكر ادارته هذا الحق على ايران؟
ان هذا الاعتراف الاميركي المتاخر اكثر من ستين عاما لا تفسير له سوى ان واشنطن تسعى الى تلبية احتياجات السوق العربية لاستخدامات التكنولوجيا النووية قبل أن تمتلك ايران او غيرها في العالم النامي هذه التكنولوجيا لتبيع منتجاتها باسعار منافسة في هذه السوق الطبيعية المجاورة لايران.
ويبدو ان إيران اصبحت بعد إسرائيل المثال الصارخ لازدواجية المعايير الاميركية فقد كانت الولايات المتحدة هي اول من اسهم في انشاء محطات نووية ايرانية في عهد الشاة, وهي تدرك امكانية الاستخدام المدني - العسكري المزدوج لها, املا في ان تجعل من ايران الشاة قوة ردع في مواجهة الإتحاد السوفييتي السابق وربما من المفيد التذكير بان روسيا ورثت محطة بوشهر من شركة سيمنز الالمانية التي ينساق وزير خارجية بلادها الآن متحمسا وراء الحملة التي تقودها واشنطن ضد البرنامج النووي الإيراني.
لقد تزامنت ثلاثة احداث خلال الاسبوع الماضي سلطت الضوء على حقيقة ما يرى الغرب فيه مشكلة في برنامج ايران النووي واظهرت المنطقة سوقا استهلاكية كبرى للتكنولوجيا الغربية تجعل من المنطقي تماما ان يبذل الغرب كل ما وسعه ليس فقط لكي لا يخسرها بل ايضا لمنعها من امتلاك المعرفة العلمية التي يمكن ان تحولها إلى منتج منافس له لهذه التكنولوجيا.
كان الحدث الاول هو الاستئناف الروسي لشحن الوقود النووي لمحطة بوشهر الايرانية وكان الحدث الثاني هو الدخول الفرنسي القوي تحت مظلة "الصداقة" الفرنسية - الاميركية "الجديدة" إلى المنطقة العربية لتسويق المنتجات الفرنسية للتكنولوجيا النووية بصفة رئيسية وكان الحدث الثالث هو استغلال بوش خلال جولته في المنطقة لـ"البعبع الايراني" لتسويق منتجات التكنولوجيا العسكرية الاميركية, والقاسم المشترك بين الاحداث الثلاثة يتلخص في تصميم غربي واضح على اعادة تدوير العائدات النفطية الاقليمية, عربية وايرانية على حد سواء, وكذلك على ابقاء المنطقة مستهلكة لا منتجة للتكنولوجيا نووية كانت او عسكرية, باستثناء الحليف الإستراتيجي الإسرائيلي طبعا.
*كاتب عربي من فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق