راسم عبيدات
...... يكثرون الحديث عن "الهولوكست" وعن النازية والعنصرية، ويقيمون النصب التذكارية"يد فاشيم" لضحايا النازية، هذا النصب الذي ما أن يأتي ضيف رسمي إلى اسرائيل إلا ويزوره ويضع أكاليل الورود عليه، تعاطفاً وتضامناً مع الشعب اليهودي في محنته، والضيف أو الزائر الذي لا يتوجه لهذا النصب التذكاري، يتهم مباشرة بالعنصرية والمعاداة للسامية وغيرها. وهذا "الهولوكست" الذي نحن الفلسطينيون والعرب لسنا مسؤولين عنه لا من قريب أو بعيد ،بل أن أوروبا الغربية هي المسؤولة عن ذلك وبغض النظر عن صحة ودقة الأرقام والأعداد من اليهود والذين جرى إبادتهم على يد النازية، فإننا نحن الفلسطينيون والعرب أدنا ذلك ووقفنا ضده واعتبرنا ذلك جرائم ضد الإنسانية،على اعتبار ان بني البشر لا فرق بينهم في اللون والدين والجنس والطائفة،استناداً للقوانين والشرائع السماوية والإنسانية، ومن هنا فإن القيم والمبادئ والمعايير الإنسانية التي تحكم بني البشر ،يجب أن تكون واحدة، ولكن نكتشف أن تلك المعايير والقيم والمبادئ ،لا تطبق ولا تسري على العرب والمسلمين بالتحديد،بسبب رؤيا مغرقة في العنصرية من قبل الغرب الاستعماري وشركاءه وأدواته في المنطقة،تجاه العرب والمسلمين، واعتبارهم أنهم خارج البشرية العاقلة، ولديهم جينات"ارهابية" بالوراثة، وكذلك حالة الذل والمهانة والتراجع والانكسار والضعف،التي أوصلت بها القيادات والزعامات العربية الأمة إلى هذه الحالة، وفرت المبرر والغطاء لهذا الغرب المجرم، للتعامل معنا نحن العرب والمسلمين،على أننا مجرد أرقام ومجرمين"وارهابين"،والجميع في العالم وخصوصاً ما يسمى بدعاة وحماة الديمقراطية وحقوق الإنسان، يشاهدون ويسمعون عن الجرائم التي ترتكبها قوات ما يسمى بالتحالف في أفغانستان ،وكذلك الجرائم الأمريكية المتتالية والمستمرة في العراق، والتي ليس فقط هي جرائم حرب، بل هي شكل من أشكال التطهير العرقي والإبادة الجماعية، وهذه الجرائم بسبب السطوة الأمريكية والغربية على المؤسسات الدولية،فإن من يرتكبون تلك الجرائم من قادتها وجنودها محصنون ، من محاكمتهم أمام المحاكم الدولية كمجرمي حرب، وما يحدث عندنا في فلسطين، يظهر بشكل فاضح وسافر ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، فمنذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية كانون ثاني/2006 ، والشعب الفلسطيني يتعرض بأكمله لعقاب جماعي حيث التجويع والحصار ،بل وصل الأمر مؤخراً حد القتل والإبادة الجماعية، حيث أغلقت إسرائيل كل المعابر إلى القطاع ، ومنعت عن سكانه الوقود والغذاء والدواء،بما ينذر بقتلاً وإبادة جماعية لمليون ونصف إنسان، لا ذنب لهم إلا أنهم ،يريدون أن يحيوا ويعيشوا بكرامة وحرية ،كباقي أبناء البشر، ويرفضون التخلي عن حقوقهم وثوابتهم الوطنية، والشيء المضحك المبكي،أن الرئيس الأمريكي بوش، والذي في جولته الأخيرة للمنطقة ،استقبل استقبال الأبطال والفاتحين، ورقص بالسيف العربي وأهدي الصقور والقلائد الذهبية، يعتبر ما تقوم به إسرائيل من إبادة جماعية لسكان غزة، يندرج في إطار الدفاع المشروع عن النفس، أما الموقف العربي الرسمي ،فهو كالعادة لم يرتقى حتى إلى أضعف الإيمان،واكتفى بالشجب والادانة والاستنكار، والدعوة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، قراراتها لا تجد لها طريقاً للتنفيذ ،حيث الفيتو الأمريكي جاهز، والموقف الشعبي الأنظمة العربية خبيرة في تطويعه وتفريغه من محتواه ، من خلال السماح للجماهير في الاعتصام والتظاهر،تحت أعين أجهزتها الأمنية .
وما نحن بصدده هنا، أن ما يجري في القطاع خاصة، وفي الأراضي الفلسطينية عموماً،من عمليات قتل واغتيال واعتقال،وتدمير ممنهج لكل مناحي حياة الشعب الفلسطيني، بالضرورة أن يشعل الضوء الأحمر، أمام قطبي السياسة الفلسطينية(فتح وحماس)، من أجل ترك خلافاتهم جانباً، والارتقاء الى مستوى المسؤولية والحدث، بدلاً من الاستمرار في التراشق الإعلامي والقدح والقدح المضاد، والابتعاد عن التصريحات والمؤتمرات الإعلامية التوتيرية، والتي تصب النار على الزيت، وتشكل خدمة وهدايا مجانية للاحتلال، والذي يستهدف الشعب الفلسطيني بأكمله،وليس فصيلاً بعينه، ولعل الجميع من شعبنا الفلسطيني،سمع رئيس الوزراء الإسرائيلي"يهود أولمرت"، وهو يدعو سكان القطاع للإنقضاض على سلطة حماس، وزلزلة الأرض تحت أقدامها، على اعتبار أن حماس هي المسؤولة عن معاناة سكان القطاع، وليس الاحتلال الذي يقوده ويتزعمه"أولمرت" وحكومته، وهذه الأساليب خبرها شعبنا والشعوب العربية جيداً، فالأمريكان والذين يحتلون بلاد الرافدين، ويعملون في أهلها القتل والدمار اليومي، في سبيل مصالحهم وأهدافهم، قديمو للعراق تحت حجج وذرائع ، امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وتخليصه من قيادته الديكتاتورية ونشر وتعميم الديمقراطية، وتثبت الحقائق والواقع لاحقاً، كذب وزيف كل هذه الادعاءات، حيث تم نشر الخراب والدمار في كل أرجاء العراق، وتنهب ثرواته، ويغتال علمائه،وتتقسم وتتشظى وحدته الجغرافية بين الشيع والطوائف،وتصادر فيه أبسط الحقوق الإنسانية، في الوقت الذي كان فيه العراق في ظل قيادة الرئيس الشهيد صدام حسين،ينعم بالأمن ولا يجوع فيه عراقي، وفي فلسطين رأينا كيف أن الاحتلال الإسرائيلي،حاول ومعه أمريكيا والغرب ، تصوير المعاناة الفلسطينية ،بان سببها القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس الشهيد ياسر عرفات والذي لا يريد"السلام"، وأنه بمجرد إزاحة هذا القيادة ،فإن الشعب الفلسطيني سينال حقوقه، وينعم بالأمن والاستقرار، وتتحول فلسطين إلى أرض اللبن والعسل، وتأتي التطورات اللاحقة لتثبت زيف وكذب هذه الإدعاءات، ففي فترة الرئيس الشهيد الراحل أبو عمار،ادعو بعدم وجود الشريك الفلسطيني،وعندما تولى أبو مازن رئاسة السلطة ،قالوا بأنه ضعيف وغير قادر على أن يكون شريك.
كل هذه الحجج والذرائع وفنون الكذب والدجل، والنفاق والمعايير المزدوجة الدولية، والتي خبرناها وجربناها المرة تلو المرة، لم توصلنا لتحقيق حتى الحد الأدنى من حقوقنا ، بل تم استغلالها من أجل فرض المزيد من الوقائع على الأرض ، من خلال تكثيف الاستيطان،ونشر الرعب والقتل والدمار في كل الأراضي المحتلة، مع حديث ممجوج ومكرر عن السلام والتنازلات المؤلمة، ودعم لمعسكر الاعتدال العربي، هذا الدعم لم يصل حد تفكيك بؤرة استيطانية عشوائية ،أو حتى إطلاق أسير فلسطيني واحد ممن تصفهم اسرائيل"بالملطخة أيديهم بالدماء"، فهل ما يحدث في غزة من حصار وتجويع وقتل وابادة جماعية، يجعلنا ندرك حجم الإخطار الحقيقية المحدقة بقضيتنا ومشروعنا الوطني،أم سنستمر في الصراع على وهم السلطة والكراسي والمصالح والامتيازات،وتضيع كل منجزاتنا وحقوقنا ويتبدد مشروعنا الوطني.؟
القدس- فلسطين
Quds.45@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق