عمر امين مصالحة
وضعت الأسس السياسية والثقافية للمجتمع اليهودي الاسرائيلي منذ الإنتداب البريطاني على فلسطين، بين السنوات 1917وحتى عام 1948، فخلال هذه المدة وقبيل إقامة اسرائيل، تبلور المجتمع اليهودي استناداً الى الأيديولوجية الصهيونية، وبدعم من المؤسسات اليهودية في جميع أنحاء العالم.(1)
كانت البداية في أواخر القرن التاسع عشر، أثر الهجرة اليهودية الاولى الى فلسطين بين السنوات 1882 وحتى 1903، فقد هاجرت الى البلاد مجموعة من اليهود الروس، الذين ترعرعوا على مبادىء الاشتراكية، فكان التطوع بمثابة العامود الفقري للنشاط السياسي لهذا المجتمع، في حين كان مبدأ المساواة بمثابة الضمان للتماسك الإجتماعي. وصلت بعدها الى فلسطين من دول اوروبا الشرقية بين السنوات 1904- 1914 مجموعات كبيرة من اليهود، الذين سموا بأبناء الهجرة الثانية، وفي تلك الفترة بدات فكرة إقامة التنظيمات السياسية، والاقتصادية للتجمعات اليهودية. في اعقاب الحرب العالمية الاولى وبعد العام 1922 هاجرت الى البلاد مجموعات واسعة من يهود اوروبا، الذي اطلق عليهم فيما بعد اسم "اليهود الأشكناز" - أي يهود ألمانيا .(2)
شهدت إسرائيل بعد قيامها عام 1948 أربع هجرات يهودية كبرى , بدأت أولى هذه الهجرات بعد الإعلان عن قيام الدولة اليهودية عام 1948 حيث تدفق حوالى 203 ألف يهودى من مختلف دول العالم إلى اسرائيل و ترجع ضخامة هذه الموجة من الهجرة إلى عاملين أساسين: الأول هو قرب لحظة تأسيس الدولة العبرية من الأحداث التى شهدتها أوروبا قبل و أثناء الحرب العالمية الثانية والتى دفعت أعدادا كبيرة من الجاليات اليهودية للبحث عن مأوى مؤقت ومع استمرار الخوف من التعرض للاضطهاد فى البلدان الاشتراكية هاجر الكثير من اليهود إلى إسرائيل بعد إنشائها باعتبارها المكان الوحيد الذين يستطيعون العيش فيه كيهود بحرية. كما لعب الحماس الذى نشأ بين جموع يهود الشتات بعد إعلان قيام دولة إسرائيل ورغبتهم فى الهجرة إليها باعتبارها كيان يجسد طموحاتهم القومية، وقد ساهم هذا الشعور في اقرار قانون العودة الذى أعطى لكل يهودي في العالم الحق في الحصول على جنسية إسرائيل فور هبوطه من الطائرة ولمس قدمه أرض الدولة الجديدة.(3)
أما الهجرة الثانية الكبرى فقد بدأت عام 1951 واستمرت خلال الخمسينات وتدفق خلالها اليهود خاصة القادمين من الدول العربية إلى داخل إسرائيل. حيث هاجر المئات من يهود الشرق إلى إسرائيل منذ عام 1951 وحتى بداية الستينيات، وقد وصل ما يزيد عن 380 ألف يهودى الى اسرائيل. ويرجع الارتفاع فى أعداد المهاجرين اليهود من دول الشرق إلى إسرائيل إلى سوء تقدير وتوقعات الأنظمة العربية، حيث قام بعضها بتضييق الخناق على اليهود كنوع من التعبير عن الغضب من الممارسات الإسرائيلية ضد بعض الدول العربية مثل مصر التى تعرضت للعدوان الثلاثى الذي شاركت فيه إسرائيل إلى جانب إنجلترا وفرنسا عام 1956 وأدى إلى ارتفاع موجة الكراهية ضد اليهود ليس فى مصر وحدها بل فى أنحاء متفرقة من العالم العربى. كما قامت العراق قبل ذلك بإصدار قانون يقضى بتجريد اليهود من الجنسية العراقية، كما تعرضت بعض التجمعات اليهودية فى عدة دول عربية لعدد من حوادث الاعتداء, وهناك وثائق على أن بعض المنظمات الصهيونية هي التي قامت ببعض التفجيرات والمضايقات ضد اليهود في العراق، لتدفعهم على الهجرة إلى إسرائيل. أما موجة الهجرة الثالثة فقد بدأت فى أعقاب حرب 1967, واستمرت هذه الموجة حتى اندلاع حرب 1973, وقد بلغ معدل الهجرة سنويا خلال تلك الفترة نحو 50 ألف يهودى. ويمكن رد كثافة الهجرة خلال هذه الموجة إلى مشاعر الحماس والإحساس بقوة واستقرار إسرائيل وقدرتها على استيعاب أعداد ضخمة من اليهود الراغبين فى تحقيق فكرة العيش في ما يسمى "أرض الميعاد" أو "أرض العسل والحليب"، وفي ظل ارتفاع مؤشرات ووعود التوسع الإقتصادي بعد احتلال إسرائيل لأراضى ثلاث دول عربية واستيلائها على الثروات الأقتصادية للأقاليم التى احتلتها، بدأت الهجرة الكبرى الرابعة منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات مع تفكك الاتحاد السوفيتى ومن قبله انهيار سور برلين وانتشار الديموقراطية فى دول شرق أوروبا, مما فتح الباب على مصراعيه أمام يهود روسيا والكتلة السوفيتية السابقة للهجرة. فمنذ عام 1989 وحتى عام 2000 هاجر إلى إسرائيل, طبقا لإحصاءات المكتب المركزى للإحصائيات في إسرائيل, قرابة المليون يهودي روسي. يضاف إلى ذلك موجة الهجرة التى أتت من إثيوبيا (الفلاشا) والتى بدأت فى منتصف الثمانينات.
يرتكز المجتمع الاسرائيلي أساساً على ثلاث مجموعات، على النحو الآتي:
أ. اليهود الذين ولدوا عاشوا في البلاد قبل قيام الدولة وسموا "التسبار" أي الصبار . ب. اليهود الذين قدموا من دول أوروبا وسموا " الأشكناز" ج. اليهود الذين هاجروا من الدول الإسلامية، ومن شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأطلق عليهم لقب "المزراحييم" أي الشرقيين. د. اليهود الروس الذين هاجروا الى اسرائيل في بداية التسعينات من القرن الماضي.
اليهود الشرقيين والاشكناز:
تعاني دولة إسرائيل ومنذ تأسيسها الانقسام والصراع بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين "الاشكناز". وأخذ هذا الانقسام شكل العنف، لكنه، ومنذ عام 1977، إثر التغييرات في الخريطة السياسية الاسرائيلية وفوز اليمين بقيادة "مناحيم بيغن"، بدأ اليهود الشرقيين يشعرون أنهم جزأ من التغيير بعد تأييدهم لأحزاب اليمين في تغير وجهة السياسة الاسرائيلية.(4)
وصل مئات الآلاف من يهود آسيا إلى اسرائيل في سنوات الخمسينات حتى بلغ عددهم في 1960 إلى قرابة 380 ألف، ونتيجة لهذه الهجرة أصبح اليهود الشرقيون يمثلون أكثر من نصف السكان اعتباراً من عام 1964، الأمر الذي أحدث تغيراً جذرياً في بنية وطبيعة المجتمع الاسرائيلي، وأفقده تجانسه العرقي والثقافي بعد أن كانت الغالبية العظمى منه من يهود وسط وغرب أوروبا حتى قيام الدولة. ومع هذا التحول الديموغرافي بدأ المجتمع الإسرائيلي يشهد انقساماً طبقياً بين مواطنيه اليهود على أساس انتمائهم العرقي. فقد عانى اليهود الشرقيين منذ مجيئهم إلى إسرائيل من استعلاء اليهود الغربيين عليهم، ووصفهم بالجهل، وهو ما أدى إلى التمييز ضدهم في كافة مناحي الحياة، بداية من إسكانهم في مجمعات سكنية "معبروت" تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الاساسية، واستغلالهم في أعمال بدائية ، كان اليهود الغربيين يرفضون ممارستها. ظل اليهود الغربيون يحتكرون الثروة والحكم مستغلين عوامل عدة أهمها: ارتفاع مستوى التعليم والثقافة لديهم بالنسبة لأقرانهم من أفريقيا وآسيا، إلى جانب نشأة الحركة الصهيونية ذاتها في أوروبا، مما مكنهم من استغلال مؤسساتها ومواردها لتعزيز مكانتهم في المجتمع وخدمة مصالحهم. حاولت المؤسسة الاسرائيلية العمل على دمج اليهود الشرقيين في المجتمع الاسرائيلي من خلال سياسة: "بوتقة الصهر"، في العقود الأولى للدولة من خلال صهر اليهود الشرقيين في الثقافة الغربية التي تنتمي إليها النخبة وليس تحقيق التوافق بين الثقافتين على اعتبار أن الثقافات الشرقية "بدائية وفقيرة"، وبالتالي يجب تخليص المجتمع منها. ولعل من أبسط الأمثلة على ذلك هو امتناع وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إذاعة الموسيقى الشرقية لفترة طويلة بحجة افتقارها للذوق. ولكن مع استمرار الثقافة الشرقية لدى قطاع كبير من المجتمع الإسرائيلي واكتساب هذا القطاع قوة نسبياً، وأيضاً مع ظهور فكرة التعددية الثقافية في الولايات المتحدة، أصبح موقف اليهود الغربيين، أكثر تقبلاً لبعض جوانب هذه الثقافة وسعياً لاكتشاف العناصر الإيجابية فيها. وعلى ذلك، بدأت وزارة التعليم في تدريس بعض جوانب التراث الشرقي في مناهجها، كما أقدمت وسائل الإعلام على عرض ألوان من الفنون الشعبية الشرقية. لكن على الرغم من هذه التطورات، لا يزال اليهود الغربيين يحسون بالتعالي تجاه الشرقيين ويرون أنهم لم يتخلصوا بعد من تفكيرهم وسلوكهم "المتخلف" وإن اتخذ هذا الموقف شكلاً مقنعاً أكثر تعقيداً عن ذي قبل. ونتيجة لهذه التفرقة، أصبح المجتمع الإسرائيلي منقسماً إلى نصفين يبدو وكأنهما منفصلين، "إسرائيل الأولى" وتشمل يهود أوروبا ذوي الثقافة الغربية، وهم الشريحة الأكثر ثروة والاعلى دراسة والأرقى ثقافة، و"إسرائيل الثانية" التي تتكون من اليهود الشرقيين الذين لا يزالون يحملون قيم المجتمعات التقليدية وهم الأكثر فقراً وأقل تعليماً ومهارة. والآن، بعد مرور أكثر من نصف قرن على قيام إسرائيل، لا تزال الفجوة بين الجماعتين قائمة، على الرغم من التحسن النسبي الذي طرأ على وضع اليهود الشرقيين وزيادة تمثيلهم في المناصب السياسية.(5)، وقد عبر اليهود الشرقيين عن سخطهم تجاه عنصرية الدولة في شكل حوادث احتجاج متفرقة طوال الخمسينيات والستينيات كان من أشهرها وأكثرها عنفاً حادث وادي صليب عام 1959 الذي شمل اضطرابات دامية بين اليهود المغاربة والشرطة الإسرائيلية استمرت أربعة أيام وامتدت إلى عدة مدن إسرائيلية. ثم نشأت حركة "الفهود السود" عام 1971 كجماعة سياسية قامت بتنظيم العديد من المظاهرات للمطالبة بتحسين أوضاع اليهود الشرقيين قبل أن تسعى لدخول الكنيست بالتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة منذ 1973، ثم اندمج الفهود السود في اطار الجبهة الدمقراطية للسلام، ولفتت هذه التصرفات اهتمام قادة الدولة، ولكنهم لم يفعلوا الكثير لحلها.
الهجرة الروسية:
واصلت اسرائيل على مر السنين استيعاب القادمين الجدد الذين توافدوا إلى البلاد في مجموعات كبيرة وصغيرة. وشملت آخر موجة من القادمين الجدد أعداداً كبيرة من يهود الإتحاد السوفياتي سابقاً، الذين ناضلوا لسنوات طويلة من أجل الحصول على حق الهجرة إلى اسرائيل. وتمكن حوالي 100,000 منهم من الهجرة خلال السبعينات، ومنذ عام 1989 وصل أكثر من مليون منهم إلى اسرائيل واستقروا فيها. لقد كان من بين القادمين الجدد الكثير من المثقفين وأصحاب المهن الحرة، وعلماء مشهورين وفنانين وموسيقيين ذوي مكانة مرموقة في العالم، وهم يساهمون مساهمة ملحوظة في المجالات الإقتصادية والعلمية والأكاديمية والثقافية في اسرائيل.(6)
شهدت الثمانينات والتسعينات وصول موجتين من القادمين الجدد من أبناء الطائفة اليهودية في اثيوبيا، اذ يعتقد بأنهم أقاموا في اثيوبيا منذ عهد الملك سليمان. ومع أن هؤلاء القادمين الجدد، الذين يبلغ عددهم 50,000 نسمة، يواجهون صعوبة في الانتقال من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي حديث، فإن الجيل الناشئ يتوق إلى الاندماج في المجتمع بسرعة، ولا شك أن هذه الطائفة التي كانت منعزلة عن سائر أبناء الشعب اليهودي ستنجح في نهاية المطاف في التغلب على الصعوبات. ومنذ عام 2000 وصل الى البلاد حوالي 35,000 قادم جديد من الارجنتين.
مجتمع علماني مقابل متدينين- متزمتين:
يتكون المجتمع اليهودي في اسرائيل الآن من يهود متدينين وغير متدينين، يختلفون في مدى تدينهم. فمنهم الارثوذكس المتطرفون "الحاريديم والحاسيديم"، ومنهم من يعتبرون أنفسهم علمانيين. على أية حال، ليست هناك خطوط تقسيم واضحة بين هذه الفئات. يمكن القول أن 20% من السكان اليهود ملتزمون بالفرائض والشعائر الدينية، وعلى هذا الأساس، يصنفون كأرثوذكس، وهناك حوالي 60% يلتزمون بقسم من الفرائض والشعائر حسب ميولهم الشخصية وتقاليدهم. يُعتبر حوالي 20% غير متدينين إطلاقاً. ولكن، نظرا لأن اسرائيل أنشئت كدولة يهودية، فقد حدّد يوم السبت وجميع أيام الاعياد الدينية والمناسبات الاحتفالية كأيام عطلة رسمية، يحتفل بها جميع السكان اليهود ويلتزمون بقدسيتها بدرجات مختلفة. هنالك مقاييس أخرى يمكن استخدامها لتحديد مدى التزام جمهور معين بأسلوب متدين، منها نسبة العائلات التي تسعى لتوجيه أطفالها إلى تيار تعليمي متدين، أو نسبة الناخبين الذين يدلون بأصواتهم للأحزاب المتدينة. ومع ذلك فان مغزى هذه الإحصاءات ليس واضحاً تماماً، اذ أن عائلات غير متدينة قد تسجل أطفالها في مدارس دينية، كما أن الكثيرين من المواطنين الارثوذكس قد يدلون بأصواتهم لاحزاب سياسية غير متدينة.(7)
عموماً، يمكن القول أن غالبية المجتمع اليهودي هم من اليهود العلمانيين الذين يتبعون أسلوب حياة حديث، ولكنهم قد يلتزمون، بمدى معين، بالشعائر الدينية. وفي إطار هذه الأغلبية، يختار الكثيرون أسلوب الحياة التقليدي المعتدل، ويتبع بعضهم اسلوب أحد التيارات الليبرالية. ومن بين أفراد الأقلية المتدينة، يتبع الكثيرون من اليهود السفارديم والاشكناز أسلوب الحياة الملتزم وأداء الفرائض الشريعة اليهودية من جهة، ويشاركون في الحياة اليومية- القومية للبلاد "المفدال" - التيار الديني الصهيوني الذين يرون في قيام دولة اسرائيل خطوة أولى ممهّدة لقدوم المخلّص (همشيح)، وبعث الشعب اليهودي في أرض اسرائيل. خلافاً لذلك، يعتقد أبناء فئة المتزمتين اليهود (الحريديم) بأن سيادة اليهود على أرض اسرائيل لا يمكن أن تتم إلا بعد قدوم المخلّص (همشيح). ويلتزم الحريديم التزاماً صارماً بأصول الشريعة اليهودية، ويقطنون أحياء منفردة، ويديرون مدارس خاصة بهم، ويرتدون لباساً تقليدياً. ويخصص مجتمعهم، القائم في أطر محددة شبه مغلقة، دوراً منفرداً للرجل والمرأة. وفي هذه الفئة مجموعتان رئيستان: مجموعة صغيرة ومتطرفة، لا تعترف بالدولة وتعيش في معزل عنها، ومجموعة أخرى كبيرة تتبنى اتجاهاً عملياً، فتشارك في الشؤون السياسية، مستهدفةً دعم الاتجاه الديني في دولة اسرائيل.
نظراً لأنه لا يوجد فصل واضح بين الدين والدولة، فان إحدى القضايا المركزية التي تثير جدلاً بين الفئات المختلفة هي: بأي مدى يتوجب على اسرائيل أن تبرز هويتها الدينية. ففي حين تعمل زعامة اليهود الارثوذكس على توسيع نطاق التشريع الديني ليتجاوز شؤون الأحوال الشخصية (حيث تنفرد المؤسسة الدينية الارثوذكسية بالصلاحيات القضائية)، يرى جمهور غير المتدينين أن في ذلك إكراهاً دينياً وتعدّياً على الطبيعة الديموقراطية للدولة يطرح دوماً السؤال: ما هي العناصر المطلوبة حتى يتم تعريف شخص ما، بأنه يهودي. ويصر القطاع الارثوذكسي على أن هذا التعريف يقتضي بأن يكون الشخص قد ولد لأم يهودية، بناء على نصوص الشريعة اليهودية. أما اليهود العلمانيون فانهم يرون أن المقياس لهذا التعريف يجب أن يكون القرار الفردي الذي يتخذه الشخص بتعريف نفسه بانه يهودي. نتيجة لهذا الجدال، ازدادت الجهود الرامية إلى إيجاد وسائل قانونية تحدد الخط الفاصل بين الدين والدولة. والى أن يتم التوصل الى حل شامل، فان الجهات المختلفة تعتمد على اتفاق شفوي كان قد ابرمه دافيد بن غوريون مع قادة الأحزاب الدينية، كان قد تمّ التوصل اليه عشية قيام الدولة، وهو الاتفاق المعروف باسم "ستاتوس كفو" أي (الحفاظ على الوضع القائم)، والذي ينص على عدم إدخال تغييرات جوهرية على الوضع القائم فيما يخص الدين.(8)
الهوامش:
1. يونتان شبيرا (1977). الديمقراطيه في اسرائيل. رمات غان: مسادا. (صفحه47-50)
2. أبا إيبن (1977). بلادي- ثلاثون سنه على قيام اسرائيل. تل ابيب: دار النشر العربي. (صفحه33-38)
3. قوانين الكنيست(1950). المجلد السادس. القدس.(صفحة 2035)
4. اليكس وينجرود(1998).اشكال التكيف الاثني.اعداد وتحرير عادل مناع وعزمي بشاره. دراسات في المجتمع العربي.(صفحة155-186)
5. بن مئير دوف(1973) شرخ في المجتمع الاسرائيلي. القدس: كارتا.(صفحة110-114)
6.ايلانه غومل(2006) ان تكون روسيا في اسرائيل. اصدار: زمورا بيتان.
7. دورون آدم (1983). فصول في التاريخ الحاضر.تل ابيب:عام عوبيد.(صفحة171-209)
8. المصدر السابق.
عمر مصالحة – باحث في الشؤون الاسرائيلية والديانة اليهودية
omasalha56@yahoo.com
وضعت الأسس السياسية والثقافية للمجتمع اليهودي الاسرائيلي منذ الإنتداب البريطاني على فلسطين، بين السنوات 1917وحتى عام 1948، فخلال هذه المدة وقبيل إقامة اسرائيل، تبلور المجتمع اليهودي استناداً الى الأيديولوجية الصهيونية، وبدعم من المؤسسات اليهودية في جميع أنحاء العالم.(1)
كانت البداية في أواخر القرن التاسع عشر، أثر الهجرة اليهودية الاولى الى فلسطين بين السنوات 1882 وحتى 1903، فقد هاجرت الى البلاد مجموعة من اليهود الروس، الذين ترعرعوا على مبادىء الاشتراكية، فكان التطوع بمثابة العامود الفقري للنشاط السياسي لهذا المجتمع، في حين كان مبدأ المساواة بمثابة الضمان للتماسك الإجتماعي. وصلت بعدها الى فلسطين من دول اوروبا الشرقية بين السنوات 1904- 1914 مجموعات كبيرة من اليهود، الذين سموا بأبناء الهجرة الثانية، وفي تلك الفترة بدات فكرة إقامة التنظيمات السياسية، والاقتصادية للتجمعات اليهودية. في اعقاب الحرب العالمية الاولى وبعد العام 1922 هاجرت الى البلاد مجموعات واسعة من يهود اوروبا، الذي اطلق عليهم فيما بعد اسم "اليهود الأشكناز" - أي يهود ألمانيا .(2)
شهدت إسرائيل بعد قيامها عام 1948 أربع هجرات يهودية كبرى , بدأت أولى هذه الهجرات بعد الإعلان عن قيام الدولة اليهودية عام 1948 حيث تدفق حوالى 203 ألف يهودى من مختلف دول العالم إلى اسرائيل و ترجع ضخامة هذه الموجة من الهجرة إلى عاملين أساسين: الأول هو قرب لحظة تأسيس الدولة العبرية من الأحداث التى شهدتها أوروبا قبل و أثناء الحرب العالمية الثانية والتى دفعت أعدادا كبيرة من الجاليات اليهودية للبحث عن مأوى مؤقت ومع استمرار الخوف من التعرض للاضطهاد فى البلدان الاشتراكية هاجر الكثير من اليهود إلى إسرائيل بعد إنشائها باعتبارها المكان الوحيد الذين يستطيعون العيش فيه كيهود بحرية. كما لعب الحماس الذى نشأ بين جموع يهود الشتات بعد إعلان قيام دولة إسرائيل ورغبتهم فى الهجرة إليها باعتبارها كيان يجسد طموحاتهم القومية، وقد ساهم هذا الشعور في اقرار قانون العودة الذى أعطى لكل يهودي في العالم الحق في الحصول على جنسية إسرائيل فور هبوطه من الطائرة ولمس قدمه أرض الدولة الجديدة.(3)
أما الهجرة الثانية الكبرى فقد بدأت عام 1951 واستمرت خلال الخمسينات وتدفق خلالها اليهود خاصة القادمين من الدول العربية إلى داخل إسرائيل. حيث هاجر المئات من يهود الشرق إلى إسرائيل منذ عام 1951 وحتى بداية الستينيات، وقد وصل ما يزيد عن 380 ألف يهودى الى اسرائيل. ويرجع الارتفاع فى أعداد المهاجرين اليهود من دول الشرق إلى إسرائيل إلى سوء تقدير وتوقعات الأنظمة العربية، حيث قام بعضها بتضييق الخناق على اليهود كنوع من التعبير عن الغضب من الممارسات الإسرائيلية ضد بعض الدول العربية مثل مصر التى تعرضت للعدوان الثلاثى الذي شاركت فيه إسرائيل إلى جانب إنجلترا وفرنسا عام 1956 وأدى إلى ارتفاع موجة الكراهية ضد اليهود ليس فى مصر وحدها بل فى أنحاء متفرقة من العالم العربى. كما قامت العراق قبل ذلك بإصدار قانون يقضى بتجريد اليهود من الجنسية العراقية، كما تعرضت بعض التجمعات اليهودية فى عدة دول عربية لعدد من حوادث الاعتداء, وهناك وثائق على أن بعض المنظمات الصهيونية هي التي قامت ببعض التفجيرات والمضايقات ضد اليهود في العراق، لتدفعهم على الهجرة إلى إسرائيل. أما موجة الهجرة الثالثة فقد بدأت فى أعقاب حرب 1967, واستمرت هذه الموجة حتى اندلاع حرب 1973, وقد بلغ معدل الهجرة سنويا خلال تلك الفترة نحو 50 ألف يهودى. ويمكن رد كثافة الهجرة خلال هذه الموجة إلى مشاعر الحماس والإحساس بقوة واستقرار إسرائيل وقدرتها على استيعاب أعداد ضخمة من اليهود الراغبين فى تحقيق فكرة العيش في ما يسمى "أرض الميعاد" أو "أرض العسل والحليب"، وفي ظل ارتفاع مؤشرات ووعود التوسع الإقتصادي بعد احتلال إسرائيل لأراضى ثلاث دول عربية واستيلائها على الثروات الأقتصادية للأقاليم التى احتلتها، بدأت الهجرة الكبرى الرابعة منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات مع تفكك الاتحاد السوفيتى ومن قبله انهيار سور برلين وانتشار الديموقراطية فى دول شرق أوروبا, مما فتح الباب على مصراعيه أمام يهود روسيا والكتلة السوفيتية السابقة للهجرة. فمنذ عام 1989 وحتى عام 2000 هاجر إلى إسرائيل, طبقا لإحصاءات المكتب المركزى للإحصائيات في إسرائيل, قرابة المليون يهودي روسي. يضاف إلى ذلك موجة الهجرة التى أتت من إثيوبيا (الفلاشا) والتى بدأت فى منتصف الثمانينات.
يرتكز المجتمع الاسرائيلي أساساً على ثلاث مجموعات، على النحو الآتي:
أ. اليهود الذين ولدوا عاشوا في البلاد قبل قيام الدولة وسموا "التسبار" أي الصبار . ب. اليهود الذين قدموا من دول أوروبا وسموا " الأشكناز" ج. اليهود الذين هاجروا من الدول الإسلامية، ومن شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأطلق عليهم لقب "المزراحييم" أي الشرقيين. د. اليهود الروس الذين هاجروا الى اسرائيل في بداية التسعينات من القرن الماضي.
اليهود الشرقيين والاشكناز:
تعاني دولة إسرائيل ومنذ تأسيسها الانقسام والصراع بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين "الاشكناز". وأخذ هذا الانقسام شكل العنف، لكنه، ومنذ عام 1977، إثر التغييرات في الخريطة السياسية الاسرائيلية وفوز اليمين بقيادة "مناحيم بيغن"، بدأ اليهود الشرقيين يشعرون أنهم جزأ من التغيير بعد تأييدهم لأحزاب اليمين في تغير وجهة السياسة الاسرائيلية.(4)
وصل مئات الآلاف من يهود آسيا إلى اسرائيل في سنوات الخمسينات حتى بلغ عددهم في 1960 إلى قرابة 380 ألف، ونتيجة لهذه الهجرة أصبح اليهود الشرقيون يمثلون أكثر من نصف السكان اعتباراً من عام 1964، الأمر الذي أحدث تغيراً جذرياً في بنية وطبيعة المجتمع الاسرائيلي، وأفقده تجانسه العرقي والثقافي بعد أن كانت الغالبية العظمى منه من يهود وسط وغرب أوروبا حتى قيام الدولة. ومع هذا التحول الديموغرافي بدأ المجتمع الإسرائيلي يشهد انقساماً طبقياً بين مواطنيه اليهود على أساس انتمائهم العرقي. فقد عانى اليهود الشرقيين منذ مجيئهم إلى إسرائيل من استعلاء اليهود الغربيين عليهم، ووصفهم بالجهل، وهو ما أدى إلى التمييز ضدهم في كافة مناحي الحياة، بداية من إسكانهم في مجمعات سكنية "معبروت" تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الاساسية، واستغلالهم في أعمال بدائية ، كان اليهود الغربيين يرفضون ممارستها. ظل اليهود الغربيون يحتكرون الثروة والحكم مستغلين عوامل عدة أهمها: ارتفاع مستوى التعليم والثقافة لديهم بالنسبة لأقرانهم من أفريقيا وآسيا، إلى جانب نشأة الحركة الصهيونية ذاتها في أوروبا، مما مكنهم من استغلال مؤسساتها ومواردها لتعزيز مكانتهم في المجتمع وخدمة مصالحهم. حاولت المؤسسة الاسرائيلية العمل على دمج اليهود الشرقيين في المجتمع الاسرائيلي من خلال سياسة: "بوتقة الصهر"، في العقود الأولى للدولة من خلال صهر اليهود الشرقيين في الثقافة الغربية التي تنتمي إليها النخبة وليس تحقيق التوافق بين الثقافتين على اعتبار أن الثقافات الشرقية "بدائية وفقيرة"، وبالتالي يجب تخليص المجتمع منها. ولعل من أبسط الأمثلة على ذلك هو امتناع وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إذاعة الموسيقى الشرقية لفترة طويلة بحجة افتقارها للذوق. ولكن مع استمرار الثقافة الشرقية لدى قطاع كبير من المجتمع الإسرائيلي واكتساب هذا القطاع قوة نسبياً، وأيضاً مع ظهور فكرة التعددية الثقافية في الولايات المتحدة، أصبح موقف اليهود الغربيين، أكثر تقبلاً لبعض جوانب هذه الثقافة وسعياً لاكتشاف العناصر الإيجابية فيها. وعلى ذلك، بدأت وزارة التعليم في تدريس بعض جوانب التراث الشرقي في مناهجها، كما أقدمت وسائل الإعلام على عرض ألوان من الفنون الشعبية الشرقية. لكن على الرغم من هذه التطورات، لا يزال اليهود الغربيين يحسون بالتعالي تجاه الشرقيين ويرون أنهم لم يتخلصوا بعد من تفكيرهم وسلوكهم "المتخلف" وإن اتخذ هذا الموقف شكلاً مقنعاً أكثر تعقيداً عن ذي قبل. ونتيجة لهذه التفرقة، أصبح المجتمع الإسرائيلي منقسماً إلى نصفين يبدو وكأنهما منفصلين، "إسرائيل الأولى" وتشمل يهود أوروبا ذوي الثقافة الغربية، وهم الشريحة الأكثر ثروة والاعلى دراسة والأرقى ثقافة، و"إسرائيل الثانية" التي تتكون من اليهود الشرقيين الذين لا يزالون يحملون قيم المجتمعات التقليدية وهم الأكثر فقراً وأقل تعليماً ومهارة. والآن، بعد مرور أكثر من نصف قرن على قيام إسرائيل، لا تزال الفجوة بين الجماعتين قائمة، على الرغم من التحسن النسبي الذي طرأ على وضع اليهود الشرقيين وزيادة تمثيلهم في المناصب السياسية.(5)، وقد عبر اليهود الشرقيين عن سخطهم تجاه عنصرية الدولة في شكل حوادث احتجاج متفرقة طوال الخمسينيات والستينيات كان من أشهرها وأكثرها عنفاً حادث وادي صليب عام 1959 الذي شمل اضطرابات دامية بين اليهود المغاربة والشرطة الإسرائيلية استمرت أربعة أيام وامتدت إلى عدة مدن إسرائيلية. ثم نشأت حركة "الفهود السود" عام 1971 كجماعة سياسية قامت بتنظيم العديد من المظاهرات للمطالبة بتحسين أوضاع اليهود الشرقيين قبل أن تسعى لدخول الكنيست بالتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة منذ 1973، ثم اندمج الفهود السود في اطار الجبهة الدمقراطية للسلام، ولفتت هذه التصرفات اهتمام قادة الدولة، ولكنهم لم يفعلوا الكثير لحلها.
الهجرة الروسية:
واصلت اسرائيل على مر السنين استيعاب القادمين الجدد الذين توافدوا إلى البلاد في مجموعات كبيرة وصغيرة. وشملت آخر موجة من القادمين الجدد أعداداً كبيرة من يهود الإتحاد السوفياتي سابقاً، الذين ناضلوا لسنوات طويلة من أجل الحصول على حق الهجرة إلى اسرائيل. وتمكن حوالي 100,000 منهم من الهجرة خلال السبعينات، ومنذ عام 1989 وصل أكثر من مليون منهم إلى اسرائيل واستقروا فيها. لقد كان من بين القادمين الجدد الكثير من المثقفين وأصحاب المهن الحرة، وعلماء مشهورين وفنانين وموسيقيين ذوي مكانة مرموقة في العالم، وهم يساهمون مساهمة ملحوظة في المجالات الإقتصادية والعلمية والأكاديمية والثقافية في اسرائيل.(6)
شهدت الثمانينات والتسعينات وصول موجتين من القادمين الجدد من أبناء الطائفة اليهودية في اثيوبيا، اذ يعتقد بأنهم أقاموا في اثيوبيا منذ عهد الملك سليمان. ومع أن هؤلاء القادمين الجدد، الذين يبلغ عددهم 50,000 نسمة، يواجهون صعوبة في الانتقال من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي حديث، فإن الجيل الناشئ يتوق إلى الاندماج في المجتمع بسرعة، ولا شك أن هذه الطائفة التي كانت منعزلة عن سائر أبناء الشعب اليهودي ستنجح في نهاية المطاف في التغلب على الصعوبات. ومنذ عام 2000 وصل الى البلاد حوالي 35,000 قادم جديد من الارجنتين.
مجتمع علماني مقابل متدينين- متزمتين:
يتكون المجتمع اليهودي في اسرائيل الآن من يهود متدينين وغير متدينين، يختلفون في مدى تدينهم. فمنهم الارثوذكس المتطرفون "الحاريديم والحاسيديم"، ومنهم من يعتبرون أنفسهم علمانيين. على أية حال، ليست هناك خطوط تقسيم واضحة بين هذه الفئات. يمكن القول أن 20% من السكان اليهود ملتزمون بالفرائض والشعائر الدينية، وعلى هذا الأساس، يصنفون كأرثوذكس، وهناك حوالي 60% يلتزمون بقسم من الفرائض والشعائر حسب ميولهم الشخصية وتقاليدهم. يُعتبر حوالي 20% غير متدينين إطلاقاً. ولكن، نظرا لأن اسرائيل أنشئت كدولة يهودية، فقد حدّد يوم السبت وجميع أيام الاعياد الدينية والمناسبات الاحتفالية كأيام عطلة رسمية، يحتفل بها جميع السكان اليهود ويلتزمون بقدسيتها بدرجات مختلفة. هنالك مقاييس أخرى يمكن استخدامها لتحديد مدى التزام جمهور معين بأسلوب متدين، منها نسبة العائلات التي تسعى لتوجيه أطفالها إلى تيار تعليمي متدين، أو نسبة الناخبين الذين يدلون بأصواتهم للأحزاب المتدينة. ومع ذلك فان مغزى هذه الإحصاءات ليس واضحاً تماماً، اذ أن عائلات غير متدينة قد تسجل أطفالها في مدارس دينية، كما أن الكثيرين من المواطنين الارثوذكس قد يدلون بأصواتهم لاحزاب سياسية غير متدينة.(7)
عموماً، يمكن القول أن غالبية المجتمع اليهودي هم من اليهود العلمانيين الذين يتبعون أسلوب حياة حديث، ولكنهم قد يلتزمون، بمدى معين، بالشعائر الدينية. وفي إطار هذه الأغلبية، يختار الكثيرون أسلوب الحياة التقليدي المعتدل، ويتبع بعضهم اسلوب أحد التيارات الليبرالية. ومن بين أفراد الأقلية المتدينة، يتبع الكثيرون من اليهود السفارديم والاشكناز أسلوب الحياة الملتزم وأداء الفرائض الشريعة اليهودية من جهة، ويشاركون في الحياة اليومية- القومية للبلاد "المفدال" - التيار الديني الصهيوني الذين يرون في قيام دولة اسرائيل خطوة أولى ممهّدة لقدوم المخلّص (همشيح)، وبعث الشعب اليهودي في أرض اسرائيل. خلافاً لذلك، يعتقد أبناء فئة المتزمتين اليهود (الحريديم) بأن سيادة اليهود على أرض اسرائيل لا يمكن أن تتم إلا بعد قدوم المخلّص (همشيح). ويلتزم الحريديم التزاماً صارماً بأصول الشريعة اليهودية، ويقطنون أحياء منفردة، ويديرون مدارس خاصة بهم، ويرتدون لباساً تقليدياً. ويخصص مجتمعهم، القائم في أطر محددة شبه مغلقة، دوراً منفرداً للرجل والمرأة. وفي هذه الفئة مجموعتان رئيستان: مجموعة صغيرة ومتطرفة، لا تعترف بالدولة وتعيش في معزل عنها، ومجموعة أخرى كبيرة تتبنى اتجاهاً عملياً، فتشارك في الشؤون السياسية، مستهدفةً دعم الاتجاه الديني في دولة اسرائيل.
نظراً لأنه لا يوجد فصل واضح بين الدين والدولة، فان إحدى القضايا المركزية التي تثير جدلاً بين الفئات المختلفة هي: بأي مدى يتوجب على اسرائيل أن تبرز هويتها الدينية. ففي حين تعمل زعامة اليهود الارثوذكس على توسيع نطاق التشريع الديني ليتجاوز شؤون الأحوال الشخصية (حيث تنفرد المؤسسة الدينية الارثوذكسية بالصلاحيات القضائية)، يرى جمهور غير المتدينين أن في ذلك إكراهاً دينياً وتعدّياً على الطبيعة الديموقراطية للدولة يطرح دوماً السؤال: ما هي العناصر المطلوبة حتى يتم تعريف شخص ما، بأنه يهودي. ويصر القطاع الارثوذكسي على أن هذا التعريف يقتضي بأن يكون الشخص قد ولد لأم يهودية، بناء على نصوص الشريعة اليهودية. أما اليهود العلمانيون فانهم يرون أن المقياس لهذا التعريف يجب أن يكون القرار الفردي الذي يتخذه الشخص بتعريف نفسه بانه يهودي. نتيجة لهذا الجدال، ازدادت الجهود الرامية إلى إيجاد وسائل قانونية تحدد الخط الفاصل بين الدين والدولة. والى أن يتم التوصل الى حل شامل، فان الجهات المختلفة تعتمد على اتفاق شفوي كان قد ابرمه دافيد بن غوريون مع قادة الأحزاب الدينية، كان قد تمّ التوصل اليه عشية قيام الدولة، وهو الاتفاق المعروف باسم "ستاتوس كفو" أي (الحفاظ على الوضع القائم)، والذي ينص على عدم إدخال تغييرات جوهرية على الوضع القائم فيما يخص الدين.(8)
الهوامش:
1. يونتان شبيرا (1977). الديمقراطيه في اسرائيل. رمات غان: مسادا. (صفحه47-50)
2. أبا إيبن (1977). بلادي- ثلاثون سنه على قيام اسرائيل. تل ابيب: دار النشر العربي. (صفحه33-38)
3. قوانين الكنيست(1950). المجلد السادس. القدس.(صفحة 2035)
4. اليكس وينجرود(1998).اشكال التكيف الاثني.اعداد وتحرير عادل مناع وعزمي بشاره. دراسات في المجتمع العربي.(صفحة155-186)
5. بن مئير دوف(1973) شرخ في المجتمع الاسرائيلي. القدس: كارتا.(صفحة110-114)
6.ايلانه غومل(2006) ان تكون روسيا في اسرائيل. اصدار: زمورا بيتان.
7. دورون آدم (1983). فصول في التاريخ الحاضر.تل ابيب:عام عوبيد.(صفحة171-209)
8. المصدر السابق.
عمر مصالحة – باحث في الشؤون الاسرائيلية والديانة اليهودية
omasalha56@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق