نقولا ناصر
(خلط الأوراق السياسية الفلسطينية الناجم عن "وثيقة" القدومي سيربك أكثر بالتأكيد الاستعدادات المتسارعة لاستئناف مفاوضات "السلام")
بغض النظر عن صحة أو عدم صحة ما قال أمين سر حركة فتح ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، فاروق القدومي، إنه "وثيقة" تتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقيادات مصطفة معه بالتورط في تنسيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في تسميم ياسر عرفات، عنوان الحركة الوطنية الفلسطينية طوال ما يقارب الأربعين عاما، وعن صحة أو عدم صحة الاتهام نفسه، فإن الاتهام يستمد الأهمية السياسية التي أثارها إعلانه من الاختلافات التي تجسدت خلافا بلغ حد القطيعة بين الرئاسة الفلسطينية الحالية المتهمة وفريقها وبين عرفات قبل استشهاده وبعده حول تكتيكات الوصول إلى "حل الدولتين" كهدف استراتيجي أو مرحلي لم يختلف الجانبان عليه، أكثر مما يستمد أهميته من صحة أو عدم صحة الوثيقة، التي ربما سيمضي وقت طويل جدا قبل إثبات صحتها أو عدم صحتها تماما مثل إثبات تفاصيل جريمة التخلص من عرفات.
كما يستمد الاتهام أهميته من حقيقة أن المستفيد من غياب عرفات كان هو الفريق الذي اختلف معه في حياته والذي فشل الدعم الأميركي – الأوروبي في تمكينه من صنع القرار الفلسطيني في حياة عرفات بالرغم من نجاحه في انتزاع صلاحيات رئاسية كانت لعرفات لصالح منصب رئيس وزراء مستحدث سرعان ما أعيدت للرئاسة بعد رحيل عرفات، مما يضع العاصفة التي أثارها القدومي في إطارها الصحيح باعتبارها خلافا سياسيا تحاول الرئاسة الفلسطينية وفريقها الآن، بقراءة ردود فعلها على الاتهام، اختزاله في خلاف فني يركز على عدم صحة "الوثيقة" (المأخوذة من موقع "ديبكا" الإلكتروني الإسرائيلي ذي الصلة بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، كما قال عباس في تركيا) وبالتالي فإن الموضوع كله لا يتعدى كونه "زوبعة في فنجان".
غير أن خلط الأوراق السياسية الفلسطينية الناجم عن هذه "الزوبعة" والانقسام القديم – الجديد الذي ظهر إلى العلن في معسكر الرئاسة الفلسطينية، فأزاح إلى الظل الانقسام بين هذا المعسكر وبين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المحاصرة في قطاع غزة والملاحقة أمنيا وسياسيا في الضفة الغربية، هو خلط سيربك أكثر بالتأكيد الاستعدادات المتسارعة لاستئناف "عملية سلام" بنسخة جديدة لا جديد فيها سوى اسم الرئيس الأميركي الجديد "باراك أوباما" الذي تحمله والدور "العربي" المخطط له فيها، وهذا الخلط والإرباك ليسا بالتأكيد زوبعة عابرة.
فعندما يوجه قائد تاريخي مؤسس في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، مثل القدومي، اتهاما كهذا إلى نظير له مثل عباس الذي يشغل حاليا كل المواقع التي كان يشغلها عرفات في قيادة الحركة ومنظمة التحرير ورئاسة سلطة الحكم الذاتي والتي استكملها بمنصب "رئيس دولة فلسطين" الذي منحه له "المجلس المركزي" في المنظمة مؤخرا في إجراء يطعن فيه خصومه بحجة أنه من صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني، لا "المركزي"، وعندما يكون الرجلان هما الناجيان الوحيدان من الرعيل الأول المؤسس للحركة، وينفجر الخلاف بينهما علنا بعد أن كان يدور لفترة طويلة وراء الكواليس، التي كانت "شفافة" على كل حال، عشية انعقاد مؤتمر للحركة تم تغييبه طوال عشرين عاما وتحول انعقاده بدوره إلى موضوع لخلاف ساخن مباشر بين الرجلين وفريقيهما، فعندما يحدث كل ذلك وغيره بينما كل الأنظار الفلسطينية والعربية والدولية موجهة نحو البيت الأبيض الأميركي في انتظار أن يعلن الرئيس باراك أوباما عن "خطة" جديدة مرتقبة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في إطار عربي – إقليمي "للسلام في الشرق الأوسط"، ثم يوجه القدومي اتهاما يرقى إلى ما وصفه المراقبون ب "تهمة الخيانة العظمى" كانت نتيجته العملية صرف الأنظار بعيدا عن أوباما وخطته، فيقطع بذلك خط الرجعة إلى ما كان وصفه ب"قانون المحبة" الذي حافظ على وحدة صف الحركة منذ تأسيسها، فإن هذا في حد ذاته "عاصفة" وليس "زوبعة في فنجان" كما وصف عباس ما قال إنه "الأكاذيب" الواردة في اتهام القدومي، وبخاصة إذا وضع الاتهام في إطار توقيته وفي سياق "عملية السلام" الجديدة التي تستعد الإدارة الأميركية على قدم وساق لإطلاق مفاوضاتها.
فقد توقعت يومية هآرتس الإسرائيلية الخميس الماضي أن يعلن أوباما "قريبا" عن "خطة دبلوماسية"، يقدمها إلى عباس ورئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لاستئناف المحادثات الثنائية، توفر "إطار عمل للتفاوض"،و"آليات متابعة"، و"إجراءات بناء ثقة" ربما يكون منها ما هو تكرار لمسلسل قمم عباس مع إيهود أولمرت، سلف نتنياهو، وتتضمن "جدولا زمنيا ملزما" للتفاوض على قضايا الحل النهائي، "مع أن ما كان ممكنا قبل عشرين عاما أصعب كثيرا الآن" كما قال أوباما في خطابه بالقاهرة أوائل الشهر الماضي في إشارة إلى "حل الدولتين".
وقد حثت وزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، الأربعاء الماضي سلطة الحكم الذاتي على تحسين أمنها أكثر و"العمل بقوة ضد التحريض" على العنف، كما حثت الدول العربية على "قبول اقتراحنا باتخاذ تدابير ملموسة الآن" للتطبيع مع دولة الاحتلال، وأكدت بأن إدارتهما "تعمل حرفيا دون توقف لتوفير الشروط" لاستئناف المفاوضات كهدف لها "في هذه المرحلة". وتركت إدارة أوباما التهديد لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خافير سولانا، الذي حذر بأنه "بعد الموعد النهائي" المحدد لاختتام المفاوضات في الجدول الزمني، فإن "على مجلس أمن الأمم المتحدة أن يعلن تبني حل الدولتين" إذا لم يتفق المتفاوضون.
وبينما يجري وراء الكواليس بحث إرسال قوة "حفظ سلام" دولية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة كجزء من الضمانات التي تطلبها دولة الاحتلال لأمنها، تكتسب فكرة "دور أمني عربي قوة دفع" تبني على التنسيق الأمني المصري الوثيق مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة وسلطة الحكم الذاتي في رام الله حول قطاع غزة وعلى الدور الذي يلعبه الأردن في "استضافة برنامج أميركي طموح لتدريب قوى الأمن الفلسطينية" في الضفة الغربية (شينخوا، 2/7/2009).
وهذه الاستعدادات، أولا، لا تترك مجالا كبيرا للشك في أن رفض الرئاسة الفلسطينية الحالي لاستئناف التفاوض مع حكومة نتنياهو لا يعدو كونه رفضا تكتيكيا مؤقتا بانتظار إعلان أوباما عن خطته وأن استئناف عملية التفاوض ما هو إلا مسألة وقت.
وهي، ثانيا، ترجح أن يكون مؤتمر فتح السادس الذي قرر عباس عقده في بيت لحم في الرابع من الشهر المقبل نسخة مكررة عن "مظاهرة" المجلس الوطني الفلسطيني الذي "عدل" ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية في غزة عام 1996، يمنح "شرعية تمثيلية" شعبية باسم الحركة التي قادت النضال الوطني الفلسطيني طيلة العقود القليلة الماضية ل"خطة سلام" جديدة تشير كل الدلائل إلى وجود معارضة وطنية واسعة لها وبخاصة من القوى الفلسطينية التي لا تعرف عنها سوى ما يتسرب من وسائل الإعلام عن خطوطها العامة لأن أحدا لم يفكر أصلا في اخذ رأيها فيها.
ومن تجربة تعايش رئاسة عباس مع الانقسام الحالي بين شطري الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 في قطاع غزة والضفة الغربية لا يعود أمرا مستبعدا، ثالثا، أن تتعايش الرئاسة مع انقسام في حركة فتح يراه مراقب عن كثب للوضع الفلسطيني مثل المحلل بلال الحسن " انقلابا داخل حركة فتح يقوده وينفذه رئيس الحركة ويهدف في النهاية إلى السيطرة عليها تنظيميا وفكريا وسياسيا".
وإن حدث ما توقعه بلال الحسن فإن أحد شقي الحركة سيتحول، رابعا، إلى حزب لسلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، دون أي ضمانات تؤكد بأن الشق الآخر سيواصل المسيرة التاريخية لفتح كحركة تحرر وطني، ناهيك عن أي دور قيادي كان لها حتى الآن.
وتوحي الاستعدادات الجارية لإعلان "خطة أوباما"، خامسا، بتكرار لتجربة أوسلو واتفاقياتها التي اقتضت تغييب كل المؤسسات التمثيلية الفلسطينية من أجل تمريرها على أمل أن يقود نجاحها إلى انتزاع موافقة هذه المؤسسات عليها لاحقا.
وفي هذا السياق لا يعود من التجني، ،سادسا، الاستنتاج بأن مشاركة الرئاسة في مسلسل الحوار الوطني الفلسطيني بالقاهرة إنما يندرج في باب المناورة إذ يكاد يكون من المؤكد أن الإعلان المرتقب لخطة أوباما والاستئناف المتوقع للمفاوضات بناء عليها سيحكم بالفشل على الحوار، وبخاصة أن كل العملية الجديدة تستبعد أي دور لحماس ومن المتوقع أن تنطلق بينما الحصار على قطاع غزة متواصل إلى أمد مفتوح.
ثم، سابعا، وفي إطار هذه المعطيات، تكون التقارير "الإسرائيلية" التي تؤكدها معطيات الوضع الفلسطيني الراهن تقارير واقعية عن تحبيذ الرئاسة وحكومتها تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية لتجنب أي تغيير في الوضع الراهن كأفضل حاضنة لتمرير خطة أوباما في معزل عن أي مفاجآت كتلك التي حدثت في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2006.
إن توقيت العاصفة التي أثارها القدومي المتزامن مع هذه الاستعدادات ومع عقد مؤتمر فتح في الداخل ربما يكون هو العامل الأهم الذي لا يجعلها مجرد "زوبعة" عابرة. والأهمية السياسية لعقد مؤتمر لفتح على قاعدة الانقسام فيها تكمن في كونه مفصلا حاسما لتعزيز أو إضعاف شرعية الرئاسة الفلسطينية الحالية والملاذ الأخير أمام الرئاسة لتعزيز شرعيتها فلسطينيا، بحكم الدور الهام الذي ما زالت فتح تلعبه في الحركة الوطنية ولأن أي موقف يتخذه مؤتمرها في اتجاه يتساوق سياسيا مع توجهات القدومي سوف يسقط بالتأكيد شرعية فتح التي تتستر بها حكومة "طوارئ" د. سلام فياض لتسيير الأعمال في رام الله -- وهي حكومة الرئاسة كما يقول الرئيس ويقول رئيس وزرائها معا -- والعكس صحيح، والمؤتمر كذلك هو ملاذ الرئاسة الأخير لتعزيز شرعيتها دوليا قبل انتهاء ولايتها بعد أشهر بنهاية العام الحالي حسب تفسيرها هي نفسها للقانون الأساسي للسلطة، لا حسب تفسير حماس التي تعتبر ولاية الرئاسة منتهية منذ أوائل عام 2009.
ووضع تصريحات القدومي في إطارها السياسي يوضح أهمية عقد المؤتمر في الداخل بالنسبة لعباس حتى لو خاطر بانقسام في الحركة. فقد أطلق القدومي اتهامه على قاعدة رفض إسقاط خيار المقاومة، وعلى أساس المعارضة لاتفاقيات أوسلو الموقعة مع دولة الاحتلال، ومعارضة أن تستمر هذه الاتفاقيات هي المرجعية للتفاوض، وقرن اتهامه بالدعوة إلى نقل عملية التفاوض إلى خارج الأرض المحتلة، وإلى نقل مكان انعقاد كل المؤسسات التمثيلية الفلسطينية من تحت مظلة الاحتلال إلى الحضن "الدافئ" لمنافي اللاجئين الفلسطينيين والحضن "البارد" للعواصم العربية، عل الدفء والبرودة كلاهما يعقمانها ضد جراثيم الاحتلال الكامنة، وبالدعوة كذلك إلى تغيير القيادة المفاوضة على أساس اتفاق القاهرة عام 2005 الذي دعا إلى تفعيل منظمة التحرير وتجديد ولاية مؤسساتها وبالتالي قيادتها، فكان في كل ذلك وغيره في تصادم مباشر مع النهج السياسي الرسمي المعلن للرئيس الفلسطيني.
والقدومي عندما يفعل ذلك إنما يظهر كمن لا يسعى فقط إلى نقل الحركة إلى أرضية سياسية مشتركة تمهد لوحدة وطنية على أرض صلبة، بخاصة مع الفصائل غير المؤتلفة في منظمة التحرير، بل كمن يريد إن ينقل أيضا اتهامه من كونه مجرد تعبير عن خلاف "فتحاوي" داخلي على البرنامج السياسي وبالتالي على قيادة الحركة – وهو اتهام خطير يستحق في كل الأحوال إجراء تحقيق جاد فيه يتجاوز لجان التحقيق السابقة التي ميعت التحقيق – إلى قضية وطنية تستحق سياسيا وضعها في رأس جداول أعمال أي مؤتمر سادس للحركة أينما ومتى انعقد، وأي مجلس وطني ينعقد للمنظمة، لكن الأهم وضعه في رأس جدول أعمال أي حوار فلسطيني يجري بهدف تحقيق الوحدة الوطنية كون اتهامات ودعوات مماثلة، قديمة – جديدة، ما زالت تكمن في صلب الأسباب الرئيسية للانقسام الفلسطيني الراهن التي ما زالت تحول دون نجاح سلسلة لم تنقطع من الحوارات الفلسطينية في العاصمة المصرية وغيرها.
ويبدو الرئيس عباس اليوم كمن يربح العالم ويخسر شعبه، وبخاصة بعد بيان اللجنة "الرباعية" الدولية الأخير، ليبدو محاصرا سياسيا في الداخل، بمعارضة حماس ثم القدومي ومعارضة الفصائل المؤتلفة في إطار المنظمة لحواره "الثنائي" مع حماس، حصارا ربما يقارنه بالحصار الدولي لخصمه التفاوضي نتنياهو فيستمد منه قوة لمواجهة المعارضة السياسية المتسعة داخليا باعتبارها أهون الشرين، لكن يغيب عنه، كما يقول معارضوه، أن الوضع الداخلي القوي لنتنياهو يمكنه من مقاومة أي حصار دولي حقيقي أو متوهم، بينما وضع عباس الداخلي الذي يزداد انقساما وضعفا يضعه في موقف أضعف من أن يقاوم أية ضغوط دولية في مرحلة تاريخية حاسمة يتوجه خلالها المجتمع الدولي نحو "فرض" حل في الصراع العربي – الإسرائيلي، وبخاصة في عقدته الفلسطينية.
ويبدو المشهد العام مثل رسم كاريكاتيري لحفل زواج بالإكراه، حيث الراعي الأميركي يعد تفاصيل إجراءات العرس و"يمكن" العروس الفلسطينية لكي تقاوم أهلها ويضغط على أعمامها العرب للموافقة وحضور العرس الذي يصر الجميع على تغييب الشقيق التوأم للعروس في قطاع غزة عنه، بينما هي تتمنع علنا وفي سرها تتهالك على إتمام الزواج، الذي تستعد موسكو لتنظيم حفله "الدولي" في مؤتمر بنهاية العام، كما أكد الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف في القاهرة مؤخرا، باستثناء مشكلة واحدة ما زالت تهدد بقلب طاولات الفرح المرتقب على رؤوس المحتفلين جميعا، وبخاصة العروس، وهي أن العريس نتنياهو ما زال يرفض، أو هو في أحسن الحالات سيوافق مرغما على زواج أمر واقع عرفي لا يلزم دولة الاحتلال بأي استحقاقات للزواج الشرعي ويستعد فيه مسبقا للطلاق في أول فرصة تسنح له (بشهادة والده)، ومع ذلك ف"نحن ننتظر الخطة الأميركية لإطلاق مفاوضات السلام الشامل على جميع المسارات" كما قال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أواخر الشهر الماضي، معبرا عن الموقف العربي العام، بينما فلسطينيا يعتبر أوباما "منقذنا .. وفرصتنا الأخيرة" كما قال أوائل الشهر الجاري ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة الذي كان يبحث في جنيف عن تمويل سويسري جديد حصل عليه ل"مبادرة جنيف" المرفوضة فلسطينيا.
لقد كان الانقسام في منظمة التحرير حول أوسلو أقدم وأعمق من الانقسام الحالي بينها وبين حماس، وإذا كانت المعارضة لأوسلو في فتح والمنظمة سلبية في السابق -- وسلبيتها عززت من المعارضة الإيجابية لحماس والجهاد الإسلامي وغيرهما – فإن انتقال هذه المعارضة من السلب إلى الإيجاب كان مسألة وقت فقط بعد اتفاق الجميع على وفاة أوسلو باستثناء القيادة الحالية للمنظمة التي ما زالت ترفض إصدار شهادة وفاتها.
وإذا كان أوباما جادا في إنجاز تسوية سياسية ذات صدقية فلسطينيا، لا تكرر تجربة أوسلو المرة التي فرضت على الشعب الفلسطيني بالإكراه، فإن عليه أن يفعل ما لم يفعله حتى الآن وهو أن يفترق تاريخيا عن أسلافه الذين ارتهنوا أي تسوية إقليمية لأمن دولة الاحتلال وحولوا الأرض العربية المحتلة إلى رهينة لفرض تسوية بشروط الاحتلال على العرب، وألا يقرأ قنبلة القدومي باعتبارها مجرد عاصفة عابرة في فنجان، ، بل باعتبارها تعبيرا عن واقع فلسطيني يؤكد مجددا بأن المعارضة الوطنية لتسوية سياسية تفرض بالإكراه هي معارضة لا تقتصر على حماس أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية وغيرهم من المصنفين أميركيا وإسرائيليا ك"إرهابيين" بل هي معارضة أوسع نطاقا بكثير وأعمق جذورا.
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
(خلط الأوراق السياسية الفلسطينية الناجم عن "وثيقة" القدومي سيربك أكثر بالتأكيد الاستعدادات المتسارعة لاستئناف مفاوضات "السلام")
بغض النظر عن صحة أو عدم صحة ما قال أمين سر حركة فتح ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، فاروق القدومي، إنه "وثيقة" تتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقيادات مصطفة معه بالتورط في تنسيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في تسميم ياسر عرفات، عنوان الحركة الوطنية الفلسطينية طوال ما يقارب الأربعين عاما، وعن صحة أو عدم صحة الاتهام نفسه، فإن الاتهام يستمد الأهمية السياسية التي أثارها إعلانه من الاختلافات التي تجسدت خلافا بلغ حد القطيعة بين الرئاسة الفلسطينية الحالية المتهمة وفريقها وبين عرفات قبل استشهاده وبعده حول تكتيكات الوصول إلى "حل الدولتين" كهدف استراتيجي أو مرحلي لم يختلف الجانبان عليه، أكثر مما يستمد أهميته من صحة أو عدم صحة الوثيقة، التي ربما سيمضي وقت طويل جدا قبل إثبات صحتها أو عدم صحتها تماما مثل إثبات تفاصيل جريمة التخلص من عرفات.
كما يستمد الاتهام أهميته من حقيقة أن المستفيد من غياب عرفات كان هو الفريق الذي اختلف معه في حياته والذي فشل الدعم الأميركي – الأوروبي في تمكينه من صنع القرار الفلسطيني في حياة عرفات بالرغم من نجاحه في انتزاع صلاحيات رئاسية كانت لعرفات لصالح منصب رئيس وزراء مستحدث سرعان ما أعيدت للرئاسة بعد رحيل عرفات، مما يضع العاصفة التي أثارها القدومي في إطارها الصحيح باعتبارها خلافا سياسيا تحاول الرئاسة الفلسطينية وفريقها الآن، بقراءة ردود فعلها على الاتهام، اختزاله في خلاف فني يركز على عدم صحة "الوثيقة" (المأخوذة من موقع "ديبكا" الإلكتروني الإسرائيلي ذي الصلة بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، كما قال عباس في تركيا) وبالتالي فإن الموضوع كله لا يتعدى كونه "زوبعة في فنجان".
غير أن خلط الأوراق السياسية الفلسطينية الناجم عن هذه "الزوبعة" والانقسام القديم – الجديد الذي ظهر إلى العلن في معسكر الرئاسة الفلسطينية، فأزاح إلى الظل الانقسام بين هذا المعسكر وبين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المحاصرة في قطاع غزة والملاحقة أمنيا وسياسيا في الضفة الغربية، هو خلط سيربك أكثر بالتأكيد الاستعدادات المتسارعة لاستئناف "عملية سلام" بنسخة جديدة لا جديد فيها سوى اسم الرئيس الأميركي الجديد "باراك أوباما" الذي تحمله والدور "العربي" المخطط له فيها، وهذا الخلط والإرباك ليسا بالتأكيد زوبعة عابرة.
فعندما يوجه قائد تاريخي مؤسس في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، مثل القدومي، اتهاما كهذا إلى نظير له مثل عباس الذي يشغل حاليا كل المواقع التي كان يشغلها عرفات في قيادة الحركة ومنظمة التحرير ورئاسة سلطة الحكم الذاتي والتي استكملها بمنصب "رئيس دولة فلسطين" الذي منحه له "المجلس المركزي" في المنظمة مؤخرا في إجراء يطعن فيه خصومه بحجة أنه من صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني، لا "المركزي"، وعندما يكون الرجلان هما الناجيان الوحيدان من الرعيل الأول المؤسس للحركة، وينفجر الخلاف بينهما علنا بعد أن كان يدور لفترة طويلة وراء الكواليس، التي كانت "شفافة" على كل حال، عشية انعقاد مؤتمر للحركة تم تغييبه طوال عشرين عاما وتحول انعقاده بدوره إلى موضوع لخلاف ساخن مباشر بين الرجلين وفريقيهما، فعندما يحدث كل ذلك وغيره بينما كل الأنظار الفلسطينية والعربية والدولية موجهة نحو البيت الأبيض الأميركي في انتظار أن يعلن الرئيس باراك أوباما عن "خطة" جديدة مرتقبة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في إطار عربي – إقليمي "للسلام في الشرق الأوسط"، ثم يوجه القدومي اتهاما يرقى إلى ما وصفه المراقبون ب "تهمة الخيانة العظمى" كانت نتيجته العملية صرف الأنظار بعيدا عن أوباما وخطته، فيقطع بذلك خط الرجعة إلى ما كان وصفه ب"قانون المحبة" الذي حافظ على وحدة صف الحركة منذ تأسيسها، فإن هذا في حد ذاته "عاصفة" وليس "زوبعة في فنجان" كما وصف عباس ما قال إنه "الأكاذيب" الواردة في اتهام القدومي، وبخاصة إذا وضع الاتهام في إطار توقيته وفي سياق "عملية السلام" الجديدة التي تستعد الإدارة الأميركية على قدم وساق لإطلاق مفاوضاتها.
فقد توقعت يومية هآرتس الإسرائيلية الخميس الماضي أن يعلن أوباما "قريبا" عن "خطة دبلوماسية"، يقدمها إلى عباس ورئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لاستئناف المحادثات الثنائية، توفر "إطار عمل للتفاوض"،و"آليات متابعة"، و"إجراءات بناء ثقة" ربما يكون منها ما هو تكرار لمسلسل قمم عباس مع إيهود أولمرت، سلف نتنياهو، وتتضمن "جدولا زمنيا ملزما" للتفاوض على قضايا الحل النهائي، "مع أن ما كان ممكنا قبل عشرين عاما أصعب كثيرا الآن" كما قال أوباما في خطابه بالقاهرة أوائل الشهر الماضي في إشارة إلى "حل الدولتين".
وقد حثت وزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، الأربعاء الماضي سلطة الحكم الذاتي على تحسين أمنها أكثر و"العمل بقوة ضد التحريض" على العنف، كما حثت الدول العربية على "قبول اقتراحنا باتخاذ تدابير ملموسة الآن" للتطبيع مع دولة الاحتلال، وأكدت بأن إدارتهما "تعمل حرفيا دون توقف لتوفير الشروط" لاستئناف المفاوضات كهدف لها "في هذه المرحلة". وتركت إدارة أوباما التهديد لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خافير سولانا، الذي حذر بأنه "بعد الموعد النهائي" المحدد لاختتام المفاوضات في الجدول الزمني، فإن "على مجلس أمن الأمم المتحدة أن يعلن تبني حل الدولتين" إذا لم يتفق المتفاوضون.
وبينما يجري وراء الكواليس بحث إرسال قوة "حفظ سلام" دولية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة كجزء من الضمانات التي تطلبها دولة الاحتلال لأمنها، تكتسب فكرة "دور أمني عربي قوة دفع" تبني على التنسيق الأمني المصري الوثيق مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة وسلطة الحكم الذاتي في رام الله حول قطاع غزة وعلى الدور الذي يلعبه الأردن في "استضافة برنامج أميركي طموح لتدريب قوى الأمن الفلسطينية" في الضفة الغربية (شينخوا، 2/7/2009).
وهذه الاستعدادات، أولا، لا تترك مجالا كبيرا للشك في أن رفض الرئاسة الفلسطينية الحالي لاستئناف التفاوض مع حكومة نتنياهو لا يعدو كونه رفضا تكتيكيا مؤقتا بانتظار إعلان أوباما عن خطته وأن استئناف عملية التفاوض ما هو إلا مسألة وقت.
وهي، ثانيا، ترجح أن يكون مؤتمر فتح السادس الذي قرر عباس عقده في بيت لحم في الرابع من الشهر المقبل نسخة مكررة عن "مظاهرة" المجلس الوطني الفلسطيني الذي "عدل" ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية في غزة عام 1996، يمنح "شرعية تمثيلية" شعبية باسم الحركة التي قادت النضال الوطني الفلسطيني طيلة العقود القليلة الماضية ل"خطة سلام" جديدة تشير كل الدلائل إلى وجود معارضة وطنية واسعة لها وبخاصة من القوى الفلسطينية التي لا تعرف عنها سوى ما يتسرب من وسائل الإعلام عن خطوطها العامة لأن أحدا لم يفكر أصلا في اخذ رأيها فيها.
ومن تجربة تعايش رئاسة عباس مع الانقسام الحالي بين شطري الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 في قطاع غزة والضفة الغربية لا يعود أمرا مستبعدا، ثالثا، أن تتعايش الرئاسة مع انقسام في حركة فتح يراه مراقب عن كثب للوضع الفلسطيني مثل المحلل بلال الحسن " انقلابا داخل حركة فتح يقوده وينفذه رئيس الحركة ويهدف في النهاية إلى السيطرة عليها تنظيميا وفكريا وسياسيا".
وإن حدث ما توقعه بلال الحسن فإن أحد شقي الحركة سيتحول، رابعا، إلى حزب لسلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، دون أي ضمانات تؤكد بأن الشق الآخر سيواصل المسيرة التاريخية لفتح كحركة تحرر وطني، ناهيك عن أي دور قيادي كان لها حتى الآن.
وتوحي الاستعدادات الجارية لإعلان "خطة أوباما"، خامسا، بتكرار لتجربة أوسلو واتفاقياتها التي اقتضت تغييب كل المؤسسات التمثيلية الفلسطينية من أجل تمريرها على أمل أن يقود نجاحها إلى انتزاع موافقة هذه المؤسسات عليها لاحقا.
وفي هذا السياق لا يعود من التجني، ،سادسا، الاستنتاج بأن مشاركة الرئاسة في مسلسل الحوار الوطني الفلسطيني بالقاهرة إنما يندرج في باب المناورة إذ يكاد يكون من المؤكد أن الإعلان المرتقب لخطة أوباما والاستئناف المتوقع للمفاوضات بناء عليها سيحكم بالفشل على الحوار، وبخاصة أن كل العملية الجديدة تستبعد أي دور لحماس ومن المتوقع أن تنطلق بينما الحصار على قطاع غزة متواصل إلى أمد مفتوح.
ثم، سابعا، وفي إطار هذه المعطيات، تكون التقارير "الإسرائيلية" التي تؤكدها معطيات الوضع الفلسطيني الراهن تقارير واقعية عن تحبيذ الرئاسة وحكومتها تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية لتجنب أي تغيير في الوضع الراهن كأفضل حاضنة لتمرير خطة أوباما في معزل عن أي مفاجآت كتلك التي حدثت في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2006.
إن توقيت العاصفة التي أثارها القدومي المتزامن مع هذه الاستعدادات ومع عقد مؤتمر فتح في الداخل ربما يكون هو العامل الأهم الذي لا يجعلها مجرد "زوبعة" عابرة. والأهمية السياسية لعقد مؤتمر لفتح على قاعدة الانقسام فيها تكمن في كونه مفصلا حاسما لتعزيز أو إضعاف شرعية الرئاسة الفلسطينية الحالية والملاذ الأخير أمام الرئاسة لتعزيز شرعيتها فلسطينيا، بحكم الدور الهام الذي ما زالت فتح تلعبه في الحركة الوطنية ولأن أي موقف يتخذه مؤتمرها في اتجاه يتساوق سياسيا مع توجهات القدومي سوف يسقط بالتأكيد شرعية فتح التي تتستر بها حكومة "طوارئ" د. سلام فياض لتسيير الأعمال في رام الله -- وهي حكومة الرئاسة كما يقول الرئيس ويقول رئيس وزرائها معا -- والعكس صحيح، والمؤتمر كذلك هو ملاذ الرئاسة الأخير لتعزيز شرعيتها دوليا قبل انتهاء ولايتها بعد أشهر بنهاية العام الحالي حسب تفسيرها هي نفسها للقانون الأساسي للسلطة، لا حسب تفسير حماس التي تعتبر ولاية الرئاسة منتهية منذ أوائل عام 2009.
ووضع تصريحات القدومي في إطارها السياسي يوضح أهمية عقد المؤتمر في الداخل بالنسبة لعباس حتى لو خاطر بانقسام في الحركة. فقد أطلق القدومي اتهامه على قاعدة رفض إسقاط خيار المقاومة، وعلى أساس المعارضة لاتفاقيات أوسلو الموقعة مع دولة الاحتلال، ومعارضة أن تستمر هذه الاتفاقيات هي المرجعية للتفاوض، وقرن اتهامه بالدعوة إلى نقل عملية التفاوض إلى خارج الأرض المحتلة، وإلى نقل مكان انعقاد كل المؤسسات التمثيلية الفلسطينية من تحت مظلة الاحتلال إلى الحضن "الدافئ" لمنافي اللاجئين الفلسطينيين والحضن "البارد" للعواصم العربية، عل الدفء والبرودة كلاهما يعقمانها ضد جراثيم الاحتلال الكامنة، وبالدعوة كذلك إلى تغيير القيادة المفاوضة على أساس اتفاق القاهرة عام 2005 الذي دعا إلى تفعيل منظمة التحرير وتجديد ولاية مؤسساتها وبالتالي قيادتها، فكان في كل ذلك وغيره في تصادم مباشر مع النهج السياسي الرسمي المعلن للرئيس الفلسطيني.
والقدومي عندما يفعل ذلك إنما يظهر كمن لا يسعى فقط إلى نقل الحركة إلى أرضية سياسية مشتركة تمهد لوحدة وطنية على أرض صلبة، بخاصة مع الفصائل غير المؤتلفة في منظمة التحرير، بل كمن يريد إن ينقل أيضا اتهامه من كونه مجرد تعبير عن خلاف "فتحاوي" داخلي على البرنامج السياسي وبالتالي على قيادة الحركة – وهو اتهام خطير يستحق في كل الأحوال إجراء تحقيق جاد فيه يتجاوز لجان التحقيق السابقة التي ميعت التحقيق – إلى قضية وطنية تستحق سياسيا وضعها في رأس جداول أعمال أي مؤتمر سادس للحركة أينما ومتى انعقد، وأي مجلس وطني ينعقد للمنظمة، لكن الأهم وضعه في رأس جدول أعمال أي حوار فلسطيني يجري بهدف تحقيق الوحدة الوطنية كون اتهامات ودعوات مماثلة، قديمة – جديدة، ما زالت تكمن في صلب الأسباب الرئيسية للانقسام الفلسطيني الراهن التي ما زالت تحول دون نجاح سلسلة لم تنقطع من الحوارات الفلسطينية في العاصمة المصرية وغيرها.
ويبدو الرئيس عباس اليوم كمن يربح العالم ويخسر شعبه، وبخاصة بعد بيان اللجنة "الرباعية" الدولية الأخير، ليبدو محاصرا سياسيا في الداخل، بمعارضة حماس ثم القدومي ومعارضة الفصائل المؤتلفة في إطار المنظمة لحواره "الثنائي" مع حماس، حصارا ربما يقارنه بالحصار الدولي لخصمه التفاوضي نتنياهو فيستمد منه قوة لمواجهة المعارضة السياسية المتسعة داخليا باعتبارها أهون الشرين، لكن يغيب عنه، كما يقول معارضوه، أن الوضع الداخلي القوي لنتنياهو يمكنه من مقاومة أي حصار دولي حقيقي أو متوهم، بينما وضع عباس الداخلي الذي يزداد انقساما وضعفا يضعه في موقف أضعف من أن يقاوم أية ضغوط دولية في مرحلة تاريخية حاسمة يتوجه خلالها المجتمع الدولي نحو "فرض" حل في الصراع العربي – الإسرائيلي، وبخاصة في عقدته الفلسطينية.
ويبدو المشهد العام مثل رسم كاريكاتيري لحفل زواج بالإكراه، حيث الراعي الأميركي يعد تفاصيل إجراءات العرس و"يمكن" العروس الفلسطينية لكي تقاوم أهلها ويضغط على أعمامها العرب للموافقة وحضور العرس الذي يصر الجميع على تغييب الشقيق التوأم للعروس في قطاع غزة عنه، بينما هي تتمنع علنا وفي سرها تتهالك على إتمام الزواج، الذي تستعد موسكو لتنظيم حفله "الدولي" في مؤتمر بنهاية العام، كما أكد الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف في القاهرة مؤخرا، باستثناء مشكلة واحدة ما زالت تهدد بقلب طاولات الفرح المرتقب على رؤوس المحتفلين جميعا، وبخاصة العروس، وهي أن العريس نتنياهو ما زال يرفض، أو هو في أحسن الحالات سيوافق مرغما على زواج أمر واقع عرفي لا يلزم دولة الاحتلال بأي استحقاقات للزواج الشرعي ويستعد فيه مسبقا للطلاق في أول فرصة تسنح له (بشهادة والده)، ومع ذلك ف"نحن ننتظر الخطة الأميركية لإطلاق مفاوضات السلام الشامل على جميع المسارات" كما قال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أواخر الشهر الماضي، معبرا عن الموقف العربي العام، بينما فلسطينيا يعتبر أوباما "منقذنا .. وفرصتنا الأخيرة" كما قال أوائل الشهر الجاري ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة الذي كان يبحث في جنيف عن تمويل سويسري جديد حصل عليه ل"مبادرة جنيف" المرفوضة فلسطينيا.
لقد كان الانقسام في منظمة التحرير حول أوسلو أقدم وأعمق من الانقسام الحالي بينها وبين حماس، وإذا كانت المعارضة لأوسلو في فتح والمنظمة سلبية في السابق -- وسلبيتها عززت من المعارضة الإيجابية لحماس والجهاد الإسلامي وغيرهما – فإن انتقال هذه المعارضة من السلب إلى الإيجاب كان مسألة وقت فقط بعد اتفاق الجميع على وفاة أوسلو باستثناء القيادة الحالية للمنظمة التي ما زالت ترفض إصدار شهادة وفاتها.
وإذا كان أوباما جادا في إنجاز تسوية سياسية ذات صدقية فلسطينيا، لا تكرر تجربة أوسلو المرة التي فرضت على الشعب الفلسطيني بالإكراه، فإن عليه أن يفعل ما لم يفعله حتى الآن وهو أن يفترق تاريخيا عن أسلافه الذين ارتهنوا أي تسوية إقليمية لأمن دولة الاحتلال وحولوا الأرض العربية المحتلة إلى رهينة لفرض تسوية بشروط الاحتلال على العرب، وألا يقرأ قنبلة القدومي باعتبارها مجرد عاصفة عابرة في فنجان، ، بل باعتبارها تعبيرا عن واقع فلسطيني يؤكد مجددا بأن المعارضة الوطنية لتسوية سياسية تفرض بالإكراه هي معارضة لا تقتصر على حماس أو الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية وغيرهم من المصنفين أميركيا وإسرائيليا ك"إرهابيين" بل هي معارضة أوسع نطاقا بكثير وأعمق جذورا.
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق