هـيـثـم الـبـوسـعـيـدي
كثر الحديث عن أسباب التخلف العربي وجذور الفشل وعوامل الانحطاط، وما تعيشه الأمة من آثار سلبية في كافة الجوانب على الرغم من التغيرات البسيطة في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم التي تتباهى بها الأنظمة من المشرق حتى المغرب وتطلق عليها في ذات الوقت عدة مصطلحات مثل "إنجاز" و" نهضة" و " تقدم".
وهذا الفشل الذريع والتردي الذي تتحدث عنه كثير من الدراسات أرجعه كثير من المفكريين والفلاسفة العرب لعدة أسباب جوهرية، من أبرزها وأهمها ما يعيشه العقل العربي الفردي والجماعي من أوضاع صعبة وظروف متردية تمتد جذورها لفترات زمنية طويلة غير محددة.
والعقل بالأساس هو حصيلة الأفكار والقيم والمبادئ والمعتقدات والعادات التي ترتكز عليها الثقافة المنتمي إليها ذلك العقل، ونظرة سريعة لصفات وخصائص العقل العربي تدفعنا لاكتشاف ما يمر به هذا العقل من حالات حرجة وأوضاع متأزمة وذلك بسبب سيطرة جملة من الأفكار على جزء من تكوينه وتفكيره، لتؤدي بمرور الزمان لوضعه في حاله أشبه بالأسير القابع في سجن كبير لا يستطيع الخلاص من قيوده ولا الفكاك من قبضة سجانه.
فهذا العقل يتصف بأنه عقل ماضوي جامد يتغنى بالماضي والأمجاد العتيقة، ويتعلق بجزء من المعتقدات ذات الطابع التقليدي التي لا تجر معها سوى الويلات والحروب الطائفية والمشاحنات القبلية.
كما أنه يلتصق دائما بسلبية الرجوع للخلف والالتصاق بالتفسير الماضوي لحقائق العلم والتقدم دون إعطاء فرصة للعقل للانطلاق والتوسع في مجالات التفكير، لذا فإن التفسيرات المحددة والدوران في الحلقات المفرغة يجعله دائما محبوس في مساحات ضيقة وحدود مغلقة.
وهو من جانب آخر عقل غير واعي يعيش حالة من الغيبوبة والسلبية والتناقض وخصوصا أمام "التطور الحاصل في العالم" دون أن يتفاعل معه أو يستفيد منه بطريقة جديدة من أجل تحقيق قفزات واسعة وانتشال أوطانه ومجتمعاته من حالات الانحطاط إلى حالات الازدهار، وذلك راجع بالأساس لاعتقاده أن مفهوم المعاصرة والحداثة عبارة عن حرب ثقافية ضد قلاعه الفكرية وحصونه العقائدية وميراثه الحضاري مما جعله في وضعية المشتت بين الحفاظ على الهوية الموروثة أو تمزيقها أو البحث عن هوية مصطنعة أخرى دون إدراك الأسباب الرئيسة لحدوث ذلك التخبط.
فجزء من تلك الأسباب واقع في سوء تعامل العقل العربي مع الواقع وتغافله عن إدراك تفاعلاته وطبيعة القوى التي تتحكم فيه كما أن أحد أسباب حدوث ذلك التخبط هو سوء فهم الأحداث الجارية الآن في المجالات العلمية والإنسانية في العالم كله.
هذا أسفر عنه وجود مسافة واسعة بين العقل العربي ومفهوم المعاصرة والتقدم دفعته نحو تجاهل تحديات المستقبل والتغافل عن اقتناص الفرص وإهمال التوجه نحو مسارات التقدم والحداثة.
والنقطة الأبرز في معاناة العقل العربي تتمثل في وجود ثقافة أحادية الجانب تسيطر على تفكير الأفراد في كثير من المجتمعات العربية، وتسعى لتوزيع قيم القبيلة أو الطائفة أو الانغلاق عن الذات بين أفرادها، وقيم أخرى ذات طابع انعزالي ونزعة شيفونية، بل تدمن هذه الثقافة بعض اللعب الغبية من أمثال " أضحوكة المؤامرة ".
وهذه الثقافة تمتد جذورها لما قبل الإسلام بحيث ظلت لوقتنا الحاضر ولم تستفد من الثورة الفكرية التي أحدثها الإسلام، فقد أنقلب العقل العربي بعد فترة من ظهور الإسلام على أجزاء مهمة من القيم العظيمة والمبادئ العليا، وأبرز تلك المبادئ " العدل " الذي غاب عن بلاط الحكام مما نتج عنه افتقار الحياة العربية لمبدأ " العدل " في شتى شؤون ونواحي الحياة عبر قرون طويلة.
كل ذلك أدى لوجود مجتمعات متخلفة تملؤها العواطف الساخنة والأوهام الكاذبة لتنتج عن تلك السلوكيات عدة مساوئ وأضرار منها: سوء الإدارة، مركزية الدولة، تسلط الفرد، انتشار الفساد، أنظمة تعليم متهالكة، اقتصاديات هشة، أشكال مختلفة للتعصب، غلبة العاطفة في الأمور الاجتماعية والسياسية، بروز" الأنا " المتضخمة ضد المخالف للمذهب والعرق والطائفة والوطن، بالإضافة إلى طغيان ماضوية المذاهب والفرق التي أغرقت الأفراد والمجتمعات بمزيد من الخلافات الحادة والأحقاد المدمرة.
والمتأمل قليلا لحالة الأمة يثبت له صحة النقاط سالفة الذكر، فالأمة حاليا في وضع محرج بحيث أصبحت غير قادرة على استقبال قيم التعددية وقبول الآخر والإيمان بعالمية العلم والمعرفة، بل فشلت فشلا ذريعا في حسن التعامل مع حركة حقوق الإنسان وحقوق المرأة ومبادئ الديموقراطية، كما أن الأنظمة الرسمية العربية على اختلافها هي بالأساس نتاج دول مزيفة وهزيلة وهذا ما أكدتها حادثة احتلال العراق، ولم تصل إلى مرحلة البلادة السياسية والإنسانية التي تعيشها في الوقت الحاضر إلا بعدما عبثت بالأوطان والمجتمعات بشتى أشكال القمع السياسي والاضطهاد الفكري مما أسفر عنه مجتمعات ضعيفة القرار غير قادرة على المشاركة في صناعة الحدث، ليصبح بعد ذلك المواطن العادي ذا طبيعة انهزامية، يبتعد عن مطالب الحرية والعدالة والمساواة ويتخذ مواقف ذليلة خانعة في كل الأمور المفروضة عليه مقابل " لقمة العيش " وبضعة دراهم، وفي نفس الوقت تمارس هذه الأنظمة العربية دور الخانع الذليل ولكن أمام القوى الكبرى في العالم.
أما المجتمعات العربية فهي تعيش اليوم أشبه بحالة اللاوعي والخوف من طرح الأفكار التجديدية والاطروحات التنويرية، مع وقوف عقل النخب العربية في الظل بحيث أمست غير قادرة على ممارسة دورها في رسم إشارات التقدم ووضع خطط فاعلة للخروج بالعقل العربي من مأزقه. والأصعب من ذلك أن الفشل في مواجهة النظام العالمي الجديد أدى وسيؤدي لغياب الكثير من القيم النبيلة وإلغاء الكثير من معالم الشخصية العربية وتحطيم الواقع أكان سياسيا أو معرفيا أو جغرافيا، وسيمهد نحو بروز إشكالية المجتمعات الاستهلاكية غير المنتجة وربما نصل سريعا إلى مرحلة المجتمعات المادية مما يؤدي بشكل كبير لتشويه العقل العربي أكثر مما هو مشوه ووضعه في خانة أشد مأساوية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل من سبيل لانتشال العقل العربي من مأساته ؟
الحل هو في إخضاعه لعميلة نقد واسعة ومراجعة دقيقة ودراسة متعمقة وتحليل منطقي يتم من خلالها مناقشة مجموعة الأفكار الحالية والمعتقدات والقضايا التاريخية القابعة في عقل الإنسان العربي لأجل غربلته من الشوائب وتنقيته من السلبيات مع الاحتفاظ بجزء من القيم الأصيلة والمبادئ العليا ذات الجذور الإسلامية والعربية، بالإضافة إلى أهمية قراءة التاريخ بنظرة دقيقة وفاحصة لفهم الحاضر والماضي والمستقبل والاهم من ذلك مناقشة تفاصيل اللحظة الراهنة بكل ما تحتويه من ظروف قاهرة وأوضاع مأساوية، وعندما يتحقق ذلك رغم استحالته سيتمهد الطريق نحو نقل العقل العربي من حالة الخمول إلى حالة النشاط بل سينقذ نفسه من وضعية التأزم إلى وضعية الانفراج، وسيكسر كافة القيود ويعبر كل الحواجز مهما كانت، وهنا ندرك في المحصلة النهائية أهمية نقطة تحرير العقل العربي التي هي أهم وسيلة لتخليص العرب بقياداتهم ودولهم ومجتمعاتهم ومثقفيهم وإفرادهم من قيود الانعزال والظلام إلى التنوير والانفتاح وتبني أفكار الحداثة التي تدعو لنشر مبادئ مرتبطة بالعقل والضمير والأخلاق والحرية والمساواة والإبداع في شتى المجالات.
وهذا الفشل الذريع والتردي الذي تتحدث عنه كثير من الدراسات أرجعه كثير من المفكريين والفلاسفة العرب لعدة أسباب جوهرية، من أبرزها وأهمها ما يعيشه العقل العربي الفردي والجماعي من أوضاع صعبة وظروف متردية تمتد جذورها لفترات زمنية طويلة غير محددة.
والعقل بالأساس هو حصيلة الأفكار والقيم والمبادئ والمعتقدات والعادات التي ترتكز عليها الثقافة المنتمي إليها ذلك العقل، ونظرة سريعة لصفات وخصائص العقل العربي تدفعنا لاكتشاف ما يمر به هذا العقل من حالات حرجة وأوضاع متأزمة وذلك بسبب سيطرة جملة من الأفكار على جزء من تكوينه وتفكيره، لتؤدي بمرور الزمان لوضعه في حاله أشبه بالأسير القابع في سجن كبير لا يستطيع الخلاص من قيوده ولا الفكاك من قبضة سجانه.
فهذا العقل يتصف بأنه عقل ماضوي جامد يتغنى بالماضي والأمجاد العتيقة، ويتعلق بجزء من المعتقدات ذات الطابع التقليدي التي لا تجر معها سوى الويلات والحروب الطائفية والمشاحنات القبلية.
كما أنه يلتصق دائما بسلبية الرجوع للخلف والالتصاق بالتفسير الماضوي لحقائق العلم والتقدم دون إعطاء فرصة للعقل للانطلاق والتوسع في مجالات التفكير، لذا فإن التفسيرات المحددة والدوران في الحلقات المفرغة يجعله دائما محبوس في مساحات ضيقة وحدود مغلقة.
وهو من جانب آخر عقل غير واعي يعيش حالة من الغيبوبة والسلبية والتناقض وخصوصا أمام "التطور الحاصل في العالم" دون أن يتفاعل معه أو يستفيد منه بطريقة جديدة من أجل تحقيق قفزات واسعة وانتشال أوطانه ومجتمعاته من حالات الانحطاط إلى حالات الازدهار، وذلك راجع بالأساس لاعتقاده أن مفهوم المعاصرة والحداثة عبارة عن حرب ثقافية ضد قلاعه الفكرية وحصونه العقائدية وميراثه الحضاري مما جعله في وضعية المشتت بين الحفاظ على الهوية الموروثة أو تمزيقها أو البحث عن هوية مصطنعة أخرى دون إدراك الأسباب الرئيسة لحدوث ذلك التخبط.
فجزء من تلك الأسباب واقع في سوء تعامل العقل العربي مع الواقع وتغافله عن إدراك تفاعلاته وطبيعة القوى التي تتحكم فيه كما أن أحد أسباب حدوث ذلك التخبط هو سوء فهم الأحداث الجارية الآن في المجالات العلمية والإنسانية في العالم كله.
هذا أسفر عنه وجود مسافة واسعة بين العقل العربي ومفهوم المعاصرة والتقدم دفعته نحو تجاهل تحديات المستقبل والتغافل عن اقتناص الفرص وإهمال التوجه نحو مسارات التقدم والحداثة.
والنقطة الأبرز في معاناة العقل العربي تتمثل في وجود ثقافة أحادية الجانب تسيطر على تفكير الأفراد في كثير من المجتمعات العربية، وتسعى لتوزيع قيم القبيلة أو الطائفة أو الانغلاق عن الذات بين أفرادها، وقيم أخرى ذات طابع انعزالي ونزعة شيفونية، بل تدمن هذه الثقافة بعض اللعب الغبية من أمثال " أضحوكة المؤامرة ".
وهذه الثقافة تمتد جذورها لما قبل الإسلام بحيث ظلت لوقتنا الحاضر ولم تستفد من الثورة الفكرية التي أحدثها الإسلام، فقد أنقلب العقل العربي بعد فترة من ظهور الإسلام على أجزاء مهمة من القيم العظيمة والمبادئ العليا، وأبرز تلك المبادئ " العدل " الذي غاب عن بلاط الحكام مما نتج عنه افتقار الحياة العربية لمبدأ " العدل " في شتى شؤون ونواحي الحياة عبر قرون طويلة.
كل ذلك أدى لوجود مجتمعات متخلفة تملؤها العواطف الساخنة والأوهام الكاذبة لتنتج عن تلك السلوكيات عدة مساوئ وأضرار منها: سوء الإدارة، مركزية الدولة، تسلط الفرد، انتشار الفساد، أنظمة تعليم متهالكة، اقتصاديات هشة، أشكال مختلفة للتعصب، غلبة العاطفة في الأمور الاجتماعية والسياسية، بروز" الأنا " المتضخمة ضد المخالف للمذهب والعرق والطائفة والوطن، بالإضافة إلى طغيان ماضوية المذاهب والفرق التي أغرقت الأفراد والمجتمعات بمزيد من الخلافات الحادة والأحقاد المدمرة.
والمتأمل قليلا لحالة الأمة يثبت له صحة النقاط سالفة الذكر، فالأمة حاليا في وضع محرج بحيث أصبحت غير قادرة على استقبال قيم التعددية وقبول الآخر والإيمان بعالمية العلم والمعرفة، بل فشلت فشلا ذريعا في حسن التعامل مع حركة حقوق الإنسان وحقوق المرأة ومبادئ الديموقراطية، كما أن الأنظمة الرسمية العربية على اختلافها هي بالأساس نتاج دول مزيفة وهزيلة وهذا ما أكدتها حادثة احتلال العراق، ولم تصل إلى مرحلة البلادة السياسية والإنسانية التي تعيشها في الوقت الحاضر إلا بعدما عبثت بالأوطان والمجتمعات بشتى أشكال القمع السياسي والاضطهاد الفكري مما أسفر عنه مجتمعات ضعيفة القرار غير قادرة على المشاركة في صناعة الحدث، ليصبح بعد ذلك المواطن العادي ذا طبيعة انهزامية، يبتعد عن مطالب الحرية والعدالة والمساواة ويتخذ مواقف ذليلة خانعة في كل الأمور المفروضة عليه مقابل " لقمة العيش " وبضعة دراهم، وفي نفس الوقت تمارس هذه الأنظمة العربية دور الخانع الذليل ولكن أمام القوى الكبرى في العالم.
أما المجتمعات العربية فهي تعيش اليوم أشبه بحالة اللاوعي والخوف من طرح الأفكار التجديدية والاطروحات التنويرية، مع وقوف عقل النخب العربية في الظل بحيث أمست غير قادرة على ممارسة دورها في رسم إشارات التقدم ووضع خطط فاعلة للخروج بالعقل العربي من مأزقه. والأصعب من ذلك أن الفشل في مواجهة النظام العالمي الجديد أدى وسيؤدي لغياب الكثير من القيم النبيلة وإلغاء الكثير من معالم الشخصية العربية وتحطيم الواقع أكان سياسيا أو معرفيا أو جغرافيا، وسيمهد نحو بروز إشكالية المجتمعات الاستهلاكية غير المنتجة وربما نصل سريعا إلى مرحلة المجتمعات المادية مما يؤدي بشكل كبير لتشويه العقل العربي أكثر مما هو مشوه ووضعه في خانة أشد مأساوية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل من سبيل لانتشال العقل العربي من مأساته ؟
الحل هو في إخضاعه لعميلة نقد واسعة ومراجعة دقيقة ودراسة متعمقة وتحليل منطقي يتم من خلالها مناقشة مجموعة الأفكار الحالية والمعتقدات والقضايا التاريخية القابعة في عقل الإنسان العربي لأجل غربلته من الشوائب وتنقيته من السلبيات مع الاحتفاظ بجزء من القيم الأصيلة والمبادئ العليا ذات الجذور الإسلامية والعربية، بالإضافة إلى أهمية قراءة التاريخ بنظرة دقيقة وفاحصة لفهم الحاضر والماضي والمستقبل والاهم من ذلك مناقشة تفاصيل اللحظة الراهنة بكل ما تحتويه من ظروف قاهرة وأوضاع مأساوية، وعندما يتحقق ذلك رغم استحالته سيتمهد الطريق نحو نقل العقل العربي من حالة الخمول إلى حالة النشاط بل سينقذ نفسه من وضعية التأزم إلى وضعية الانفراج، وسيكسر كافة القيود ويعبر كل الحواجز مهما كانت، وهنا ندرك في المحصلة النهائية أهمية نقطة تحرير العقل العربي التي هي أهم وسيلة لتخليص العرب بقياداتهم ودولهم ومجتمعاتهم ومثقفيهم وإفرادهم من قيود الانعزال والظلام إلى التنوير والانفتاح وتبني أفكار الحداثة التي تدعو لنشر مبادئ مرتبطة بالعقل والضمير والأخلاق والحرية والمساواة والإبداع في شتى المجالات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق