السيد محمد علي الحسيني
يعتمد تحقيق التفوق لأية دولة على المستوى الاستراتيجي على عدة عوامل أساسية متداخلة ومترابطة مع بعضها وان کان أهمها وأکثرها تأثيرا العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتولي مختلف دول العالم بشکل أو بآخر أهمية لموضوع تحقيقها تقدما على الصعيدين الاقليمي أو الدولي أو کلاهما معا، في الوقت الذي نجد فيه ان هناك دولا حققت مستويات عالية من التفوق وحتى انها باتت تتحکم في لعبة التوازنات الاقليمية والدولية وتحدد المؤشرات والمقاييس التي في ضوئها تصعد أو تنزل دولة أو دول محددة.
وکما هو صعب ومرير مسألة تحقيق التفوق الاستراتيجي والوصول الى القمة أو مستويات مثالية، فإنه وفي نفس الوقت لن تکون عملية البقاء في القمة أو المستوى المثالي سهلة و هينة بل وانها قد تکون احيانا أصعب بکثير من عملية الصعود وأکثر مرارة منها.
وعند مراجعة المراحل التأريخية المتباينة نجد هناك العديد من الدول التي صعدت وبلغت مستويات غير عادية من التفوق الاستراتيجي وصارت تتحکم في مسارات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي نجد أن هذه الدول بنفسها قد تقهقرت الى الوراء ونزلت من مستوياتها الاستراتيجية الى مستويات متدنية فقدت على أثرها أغلب أوراق الضغط التي کانت في يديها.
ونظرة الى العالم القديم، وتحديدا الى الزمن الذي کانت فيه کل من الحضارات الرومانية والفارسية و الاغريقية هي الابرز والاقوى والاکثر تحکما في المسارات السياسية و الاقتصادية، فإننا نکتشف وبسهولة أن السبب الذي دفع بالاغريق والرومان والفرس الى بلوغ هکذا مستويات راقية کانت تعود أساسا الى منحها أهمية کبيرة لمسائل العلوم والثقافة وسن القوانين و التجارة وتنظيم الحياة الاجتماعية وبناء قوة عسکرية مقتدرة ناهيك عن أنها ولاسيما عند الرومان والاغريق قد أولت للجانب السياسي أهمية مميزة من حيث الترکيز على الابعاد الديمقراطية وإشراك أکبر عدد ممکن من الناس في صناعة وصياغة القرار السياسي والتشريعي. ونجد سبب نزول هذه الدول من مستويات رقيها وصعودها الاستراتيجي يتعلق بتراجع هذه الدول في الجوانب الاساسية التي صعدت من خلالها، وبتعبير أوضح وأدق، أن الامبراطوريتين الرومانية والفارسية وفي مراحل زمنية معينة، لم تتمکنا من المضي قدما بمستويات تقدميهما على الاصعدة العلمية والثقافية والقانونية والتجارية..الخ ولم تتمکنا من دفع عجلة التقدم بفعالية الى الامام وذلك ماولد عوامل الضعف والتراجع في آجم تلك الامبراطوريتين ودفعتهما لنزول حاد من علياء صعودهما الى حضيض خبو نجميهما.
ولو تمعنا في التأريخ العربي الاسلامي وطالعنا عصر صدر الاسلام والخلفاء الراشدين والعصور الاموية والعباسية والعثمانية، فإننا نجد ولاغرو صفحات مشرقة من التفوق العربي ـ الاسلامي على الصعيد الدولي وکيف انه تمکن من بسط نفوذه وسطوته على مختلف الاصعدة وبنفس السياق، فإن أسباب تراجع وسقوط الدول الاموية والعباسية والعثمانية تتعلق اساسا بتفشي الفساد والمحسوبية وعدم الشعور بالمسؤولية وغلبة الجهل على الثقافة وتراجع العلم والبحوث الدراسية.
أما الحديث عن العصور الوسطى، فإن ذلك سيقود للحديث عن دول مثل فرنسا وإمبراطورية النمسا والمجر کيف إنهما کانتا لفترات محددة تسيطران وبإحکام على مقاليد السياسة والاقتصاد والتجارة الدولية وکيف تراجعت هاتان الدولتان، أما الحديث عن العصر الذي صعدت فيه بريطانيا وصارت (الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس) فإن تقدمها الصناعي ـ الزراعي ـ العلمي ـ القضائي ـ السياسي داخليا کان متلازما لسطوتها وبسط نفوذها على مختلف بقاع العالم وکيف کانت تتحکم في ممرات التجارة الدولية وتلعب الدور الابرز ليس في تنصيب وعزل الملوك والرؤساء وانما حتى في بناء الدول ذاتها، هذه الامبراطورية بدأت بالتراجع مع صعود دول أخرى وبروزها وأخذها زمام المبادرة منها بمختلف المجالات الحساسة و المهمة وتکفي الاشارة الى دول مثل الولايات المتحدة الامريکية والمانيا(في فترة الحرب الباردة) واليابان وکيف ان کل واحدة منها بدأت تلعب دورا على صعيد أو عدة أصعدة حتى آل الامر الى هذا اليوم الذي نرى فيه بوادر تراجع وإنکسار وتقوقع في الغول الامريکي وکيف أن الازمة الاقتصادية الاخيرة قد أماطت اللثام عن الواقع الحقيقي للاوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية للولايات المتحدة الامريکية ووضعتها على المحك وهي الان في صراع مصيري من أجل ضمان مجرد بقائها في القمة وليس بقائها القوة الاوحد في العالم.
في هذا الخضم، وفي کل هذا التضارب السياسي ـ الفکري ـ الاجتماعي ـ الاقتصادي، تبلورت المراحل التأريخية التي حددت وبموجب سنن ومقومات واضحة اولويات تفوق دول معينة وتلاعبها بالتوازن الاستراتيجي بين الدول لحساب مصلحتها ومنفعتها الخاصة، وإذا ماوضعنا عصور التفوق العربي ـ الاسلامي التي استمرت لقرون جانبا، فإن العرب وببالغ الاسف لم يتمکنوا من أن يشغلوا دورا مهما وحيويا في لعبة التوازنات الاستراتيجية الاقليمية والدولية وأثبتت مجريات الوقائع والاحداث على الارض أن دور العرب بهذا السياق لم يکن أبدا في مستوى الطموح العربي ولافي مستوى صراعهم المصيري مع أعدائهم الاساسيين وعلى رأسهم الکيان الصهيوني الغاصب للقدس.
ولامناص من ان الحديث عن السعي الجدي لإحداث تغيير في المعادلة وتجيير التوازن الاستراتيجي الاقليمي والدولي بشکل أو بآخر باتجاه يصب في مصلحة العرب، ليست بتلك العملية السهلة کما قد يتصورها البعض وانما هي واحدة من أعقد وأشرس المعارك المصيرية "الصامتة" التي تتداخل وتتشابك فيها العديد من العوامل والظروف والملابسات. إلا أنه لاخيار للعرب سوى خوض هذه المعارك "الحضارية" وإثبات أحقيتهم بالتفوق من خلال سعيهم الحثيث من أجل کسب موطئ قدم اساسي وراسخ لهم في لعبة التوازنات الدولية وسوف نوضح تفاصيل ذلك لاحقا بعون الله تعالى.
*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
يعتمد تحقيق التفوق لأية دولة على المستوى الاستراتيجي على عدة عوامل أساسية متداخلة ومترابطة مع بعضها وان کان أهمها وأکثرها تأثيرا العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتولي مختلف دول العالم بشکل أو بآخر أهمية لموضوع تحقيقها تقدما على الصعيدين الاقليمي أو الدولي أو کلاهما معا، في الوقت الذي نجد فيه ان هناك دولا حققت مستويات عالية من التفوق وحتى انها باتت تتحکم في لعبة التوازنات الاقليمية والدولية وتحدد المؤشرات والمقاييس التي في ضوئها تصعد أو تنزل دولة أو دول محددة.
وکما هو صعب ومرير مسألة تحقيق التفوق الاستراتيجي والوصول الى القمة أو مستويات مثالية، فإنه وفي نفس الوقت لن تکون عملية البقاء في القمة أو المستوى المثالي سهلة و هينة بل وانها قد تکون احيانا أصعب بکثير من عملية الصعود وأکثر مرارة منها.
وعند مراجعة المراحل التأريخية المتباينة نجد هناك العديد من الدول التي صعدت وبلغت مستويات غير عادية من التفوق الاستراتيجي وصارت تتحکم في مسارات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي نجد أن هذه الدول بنفسها قد تقهقرت الى الوراء ونزلت من مستوياتها الاستراتيجية الى مستويات متدنية فقدت على أثرها أغلب أوراق الضغط التي کانت في يديها.
ونظرة الى العالم القديم، وتحديدا الى الزمن الذي کانت فيه کل من الحضارات الرومانية والفارسية و الاغريقية هي الابرز والاقوى والاکثر تحکما في المسارات السياسية و الاقتصادية، فإننا نکتشف وبسهولة أن السبب الذي دفع بالاغريق والرومان والفرس الى بلوغ هکذا مستويات راقية کانت تعود أساسا الى منحها أهمية کبيرة لمسائل العلوم والثقافة وسن القوانين و التجارة وتنظيم الحياة الاجتماعية وبناء قوة عسکرية مقتدرة ناهيك عن أنها ولاسيما عند الرومان والاغريق قد أولت للجانب السياسي أهمية مميزة من حيث الترکيز على الابعاد الديمقراطية وإشراك أکبر عدد ممکن من الناس في صناعة وصياغة القرار السياسي والتشريعي. ونجد سبب نزول هذه الدول من مستويات رقيها وصعودها الاستراتيجي يتعلق بتراجع هذه الدول في الجوانب الاساسية التي صعدت من خلالها، وبتعبير أوضح وأدق، أن الامبراطوريتين الرومانية والفارسية وفي مراحل زمنية معينة، لم تتمکنا من المضي قدما بمستويات تقدميهما على الاصعدة العلمية والثقافية والقانونية والتجارية..الخ ولم تتمکنا من دفع عجلة التقدم بفعالية الى الامام وذلك ماولد عوامل الضعف والتراجع في آجم تلك الامبراطوريتين ودفعتهما لنزول حاد من علياء صعودهما الى حضيض خبو نجميهما.
ولو تمعنا في التأريخ العربي الاسلامي وطالعنا عصر صدر الاسلام والخلفاء الراشدين والعصور الاموية والعباسية والعثمانية، فإننا نجد ولاغرو صفحات مشرقة من التفوق العربي ـ الاسلامي على الصعيد الدولي وکيف انه تمکن من بسط نفوذه وسطوته على مختلف الاصعدة وبنفس السياق، فإن أسباب تراجع وسقوط الدول الاموية والعباسية والعثمانية تتعلق اساسا بتفشي الفساد والمحسوبية وعدم الشعور بالمسؤولية وغلبة الجهل على الثقافة وتراجع العلم والبحوث الدراسية.
أما الحديث عن العصور الوسطى، فإن ذلك سيقود للحديث عن دول مثل فرنسا وإمبراطورية النمسا والمجر کيف إنهما کانتا لفترات محددة تسيطران وبإحکام على مقاليد السياسة والاقتصاد والتجارة الدولية وکيف تراجعت هاتان الدولتان، أما الحديث عن العصر الذي صعدت فيه بريطانيا وصارت (الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس) فإن تقدمها الصناعي ـ الزراعي ـ العلمي ـ القضائي ـ السياسي داخليا کان متلازما لسطوتها وبسط نفوذها على مختلف بقاع العالم وکيف کانت تتحکم في ممرات التجارة الدولية وتلعب الدور الابرز ليس في تنصيب وعزل الملوك والرؤساء وانما حتى في بناء الدول ذاتها، هذه الامبراطورية بدأت بالتراجع مع صعود دول أخرى وبروزها وأخذها زمام المبادرة منها بمختلف المجالات الحساسة و المهمة وتکفي الاشارة الى دول مثل الولايات المتحدة الامريکية والمانيا(في فترة الحرب الباردة) واليابان وکيف ان کل واحدة منها بدأت تلعب دورا على صعيد أو عدة أصعدة حتى آل الامر الى هذا اليوم الذي نرى فيه بوادر تراجع وإنکسار وتقوقع في الغول الامريکي وکيف أن الازمة الاقتصادية الاخيرة قد أماطت اللثام عن الواقع الحقيقي للاوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية للولايات المتحدة الامريکية ووضعتها على المحك وهي الان في صراع مصيري من أجل ضمان مجرد بقائها في القمة وليس بقائها القوة الاوحد في العالم.
في هذا الخضم، وفي کل هذا التضارب السياسي ـ الفکري ـ الاجتماعي ـ الاقتصادي، تبلورت المراحل التأريخية التي حددت وبموجب سنن ومقومات واضحة اولويات تفوق دول معينة وتلاعبها بالتوازن الاستراتيجي بين الدول لحساب مصلحتها ومنفعتها الخاصة، وإذا ماوضعنا عصور التفوق العربي ـ الاسلامي التي استمرت لقرون جانبا، فإن العرب وببالغ الاسف لم يتمکنوا من أن يشغلوا دورا مهما وحيويا في لعبة التوازنات الاستراتيجية الاقليمية والدولية وأثبتت مجريات الوقائع والاحداث على الارض أن دور العرب بهذا السياق لم يکن أبدا في مستوى الطموح العربي ولافي مستوى صراعهم المصيري مع أعدائهم الاساسيين وعلى رأسهم الکيان الصهيوني الغاصب للقدس.
ولامناص من ان الحديث عن السعي الجدي لإحداث تغيير في المعادلة وتجيير التوازن الاستراتيجي الاقليمي والدولي بشکل أو بآخر باتجاه يصب في مصلحة العرب، ليست بتلك العملية السهلة کما قد يتصورها البعض وانما هي واحدة من أعقد وأشرس المعارك المصيرية "الصامتة" التي تتداخل وتتشابك فيها العديد من العوامل والظروف والملابسات. إلا أنه لاخيار للعرب سوى خوض هذه المعارك "الحضارية" وإثبات أحقيتهم بالتفوق من خلال سعيهم الحثيث من أجل کسب موطئ قدم اساسي وراسخ لهم في لعبة التوازنات الدولية وسوف نوضح تفاصيل ذلك لاحقا بعون الله تعالى.
*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق