د. فايز أبو شمالة
أنظر في كومة بطاقات الدعوة لحضور حفل زفاف، واستغرب؛ أين الوقت الكافي لأغطي كل هذه المناسبات، ولاسيما أن قطاع غزة من شماله إلى جنوبه يعيش حالة فرح، ويعج بالسيارات المزينة التي جعلوا منها هودجاً لزفة العروس، أما موعد العرس فيحدده صاحب الصالة التي ستقام فيها السهرة، وليس العروسين، فصالات الأفراح في غزة معدودة، ومحجوزة لأسابيع قادمة. لذا عندما تصل بطاقة الدعوة تكون الفرحة قد اكتملت، ولم يبق إلا تنفيذ البرنامج الذي يشتمل على سهرتين:
أما السهرة الثانية فهي تخص النساء، أو سهرة ليلة العمر كما يسمونها في مصر، فهي تصنع الذاكرة المشتركة للعروسين، وتؤسس للتواصل الإنساني، وفي هذه السهرة يجلس أهل العروسين من الذكور خارج الصالة، ويتركون النسوة لوحدهن، ليظهرن في الصالة بما راق لهن، ويلبسن ما يحلو لهن، ويتنافسن، ويظهرن قدراتهن على الرقص فيما بينهن، والذكر الوحيد الغارق في أحلامه هو العريس، العريس فقط! مع التحذير من التصوير بالجوال داخل الصالة، والناس في غزة تتفهم ذلك في ظل الحصار الصهيوني الذي رفع أسعار كل شيء بما في ذلك سعر الشرف، فقد ربض على أرض غزة، ورفض أن يغير طبعه، فإذا بنساء غزة حجاب، وجلباب، ورحم فلسطينية تُصرُّ على الإنجاب.
أما السهرة الأولى فهي سهرة العريس، وتتم في الشارع العام دون وجود للمرأة، وفيها يستعرض الشباب قدراتهم على القفز، والرقص، والحركة الرياضية، وتنشيط الحنجرة، والمجاملة، والتمني بالعدوى، إنها ليلة لكل الحارة عندما يختلط عرق الرجال بالهواء الطلق، وكأنها إرادة البقاء مع أنغام: على دلعونا، ويا ظريف الطول، وأحياناً أغنية: فتحاوي ما يهاب الموت، أو أغنية: هلا يا صقر القسام، وليس صحيحاً ما يقال: بأن الرجل إذا رقصَ نقصَ، الرجل إذا رقصَ على طريقة غزة المحاصرة اقتنصَ مهارة، وخفة، ورشاقة، وحيوية.
وسط هذا الفرح الفلسطيني دوى الانفجار، لقد كان واضحاً أنه يستهدف حركة حماس قبل عائلة دحلان، إنه انفجار الفتنة، وإظهار عجز حماس عن حفظ الأمن، ولاسيما أن الفرح المستهدف يخص عائلة أحد قيادي حركة فتح البارزين، ومن يقدم على مثل هذا العمل هو جاهل بأصول علاقاتنا العائلية، ونسيجنا الاجتماعي، وهو غرٌ في السياسة، يحركه من له أهداف تخريبية ضد المجتمع، وهذا هو مكمن الخطر، ولاسيما إذا حاول التستر على جريمته بعباءة الدين الإسلامي، ليحلل ما طاب لمذاقه، ويحرم ما لا يتناسب ومقاسه!. فأين هو الحرام في أفراحنا المكشوفة، ومناسباتنا التي يتلصص عليها الطيران الإسرائيلي؟
في سجن نفحة الصحراوي، وبحضور السجين جبر وشاح، أقسم السجين محمد أبو شاويش: أنه إذا عاش، وخرج من السجن فلن يجالس الرجال، فقد ملّ رؤيتهم على مدار الساعة بعد عشر سنوات في السجن، وقال: سأجلس مع الحاجة صفية، وخديجة، وعائشة على باب الدار في معسكر النصيرات، وسأهجر الرجال.
بعد سنوات تحرر من السجن، وزرته في مكان عمله في غزة، فإذا به يجلس وسط عشرة موظفين رجال، ولا يوجد بينهم أي امرأة! . كان ذلك تعبير صادق عن حال غزة التي تحافظ على الأصول، وترفض الاختلاط، وهي تحتمي بدينها، وتصر أن تظل بئر زمزمٍ، وزئير جيلٍ عرمرمٍ، تمسك بيدها بندقية المقاومة، وهي تستعد للمواجهة القادمة.
fshamala@yahoo.com
أنظر في كومة بطاقات الدعوة لحضور حفل زفاف، واستغرب؛ أين الوقت الكافي لأغطي كل هذه المناسبات، ولاسيما أن قطاع غزة من شماله إلى جنوبه يعيش حالة فرح، ويعج بالسيارات المزينة التي جعلوا منها هودجاً لزفة العروس، أما موعد العرس فيحدده صاحب الصالة التي ستقام فيها السهرة، وليس العروسين، فصالات الأفراح في غزة معدودة، ومحجوزة لأسابيع قادمة. لذا عندما تصل بطاقة الدعوة تكون الفرحة قد اكتملت، ولم يبق إلا تنفيذ البرنامج الذي يشتمل على سهرتين:
أما السهرة الثانية فهي تخص النساء، أو سهرة ليلة العمر كما يسمونها في مصر، فهي تصنع الذاكرة المشتركة للعروسين، وتؤسس للتواصل الإنساني، وفي هذه السهرة يجلس أهل العروسين من الذكور خارج الصالة، ويتركون النسوة لوحدهن، ليظهرن في الصالة بما راق لهن، ويلبسن ما يحلو لهن، ويتنافسن، ويظهرن قدراتهن على الرقص فيما بينهن، والذكر الوحيد الغارق في أحلامه هو العريس، العريس فقط! مع التحذير من التصوير بالجوال داخل الصالة، والناس في غزة تتفهم ذلك في ظل الحصار الصهيوني الذي رفع أسعار كل شيء بما في ذلك سعر الشرف، فقد ربض على أرض غزة، ورفض أن يغير طبعه، فإذا بنساء غزة حجاب، وجلباب، ورحم فلسطينية تُصرُّ على الإنجاب.
أما السهرة الأولى فهي سهرة العريس، وتتم في الشارع العام دون وجود للمرأة، وفيها يستعرض الشباب قدراتهم على القفز، والرقص، والحركة الرياضية، وتنشيط الحنجرة، والمجاملة، والتمني بالعدوى، إنها ليلة لكل الحارة عندما يختلط عرق الرجال بالهواء الطلق، وكأنها إرادة البقاء مع أنغام: على دلعونا، ويا ظريف الطول، وأحياناً أغنية: فتحاوي ما يهاب الموت، أو أغنية: هلا يا صقر القسام، وليس صحيحاً ما يقال: بأن الرجل إذا رقصَ نقصَ، الرجل إذا رقصَ على طريقة غزة المحاصرة اقتنصَ مهارة، وخفة، ورشاقة، وحيوية.
وسط هذا الفرح الفلسطيني دوى الانفجار، لقد كان واضحاً أنه يستهدف حركة حماس قبل عائلة دحلان، إنه انفجار الفتنة، وإظهار عجز حماس عن حفظ الأمن، ولاسيما أن الفرح المستهدف يخص عائلة أحد قيادي حركة فتح البارزين، ومن يقدم على مثل هذا العمل هو جاهل بأصول علاقاتنا العائلية، ونسيجنا الاجتماعي، وهو غرٌ في السياسة، يحركه من له أهداف تخريبية ضد المجتمع، وهذا هو مكمن الخطر، ولاسيما إذا حاول التستر على جريمته بعباءة الدين الإسلامي، ليحلل ما طاب لمذاقه، ويحرم ما لا يتناسب ومقاسه!. فأين هو الحرام في أفراحنا المكشوفة، ومناسباتنا التي يتلصص عليها الطيران الإسرائيلي؟
في سجن نفحة الصحراوي، وبحضور السجين جبر وشاح، أقسم السجين محمد أبو شاويش: أنه إذا عاش، وخرج من السجن فلن يجالس الرجال، فقد ملّ رؤيتهم على مدار الساعة بعد عشر سنوات في السجن، وقال: سأجلس مع الحاجة صفية، وخديجة، وعائشة على باب الدار في معسكر النصيرات، وسأهجر الرجال.
بعد سنوات تحرر من السجن، وزرته في مكان عمله في غزة، فإذا به يجلس وسط عشرة موظفين رجال، ولا يوجد بينهم أي امرأة! . كان ذلك تعبير صادق عن حال غزة التي تحافظ على الأصول، وترفض الاختلاط، وهي تحتمي بدينها، وتصر أن تظل بئر زمزمٍ، وزئير جيلٍ عرمرمٍ، تمسك بيدها بندقية المقاومة، وهي تستعد للمواجهة القادمة.
fshamala@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق