د. صلاح عودة الله
* يمكن مشاهدة صورة الكاتب ضمن الشريط المعروض في أعلى الصفحة
تمرعلينا الذكرى العشرون لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الاولى..انتفاضة"اطفال الحجارة" وشعبنا الفلسطيني يمر بمرحلة من الانقسام والعداء والتشرذم لم يشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني.
الانتفاضة لغة: هي التحرك فقط، فقد جاء في المعاجم العربية: نفضت الثوب والشجر إذا حركته لينتفض. وكذلك، انتفض الشيء: تحرك واضطرب، وهذا يعني أن الانتفاضة، وهي مصدر المرة والهيئة من فعل انتفض، هي حركة واضطراب. وأما اصطلاحاً: فهي ذلك التحرك الشّعبي الهائل، الذي انطلق في 8 كانون اول/ديسمبر 1987، وامتد عبر كل أرض فلسطين، لمواجهة القوة الصهيونية المسلحة. بل هي الثورة الجماهيرية، التي تعد فريدة في بابها وسلاحها. وقد جاء في أسباب اندلاع الانتفاضة، أن الشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، عندما وصل درجة بالغة من الإحباط واليأس، اندفعت انتفاضة شعبية عارمة، بدأت في ديسمبر 1987؛ وفيها جابه الشباب والأطفال، العدو الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة، وهو مجردون من أي سلاح إلاّ إيمانهم بالله، وبعدالة قضيتهم، والحجارة، غير عابئين بالنتائج، التي يمكن أن تسفر عنها هذه المجابهة الحتمية، وهي القتل، والتمثيل، والإصابات والاعتقالات، والتعذيب، وهدم البيوت، وقطع الأرزاق، والطرد من البلاد. ومن هنا أُطلق على عناصر هذه الانتفاضة، مصطلح "أطفال الحجارة". وقد استمرت الانتفاضة زمناً طويلاً، حتى فرض المصطلح نفسه على الساحة السياسية، ودخل ميدان الصحافة العربية، والصحافة الأجنبية، بلفظة العربي، وكذلك دخل الموسوعات الأجنبية، وفرض نفسه، أيضاً، على المحللين والمؤلفين في الوسط الإسرائيلي، فألف الصحفيان زئيف شيف، وإيهود يعاري، كتاباً عنها، كان عنوانه Intifada مثلت الانتفاضات الفلسطينية معلماً أساسياً من معالم التحول النضالي والكفاحي لشعوب العالم ضد الاحتلال والاستعمار، والتي كانت ذروتها باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى في ديسمبر 1987، والتي قدمت صورة حقيقية لواقع الاحتلال وإجرامه وممارساته اللاإنسانية ووفرت للقضية الفلسطينية ولأول مرة محضناً شعبياً متكاملاً وموحداً داخل فلسطين المحتلة. وبرغم التطور الذي أصاب هذه الانتفاضة خلال مسيرته طوال ست سنوات متواصلة غير أن حجم الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية تسبب بإشكالات عديدة لها ، ناهيك عن الخلاف الفلسطيني حول طبيعة التحولات المطلوبة لتحقيق أهدافها بالتحرر والاستقلال بين الاستثمار السياسي غير الناضج الذي تبنته حركة فتح وتوسيع دائرتها ودعمها بخط المقاومة المسلحة الذي تبنته حركة حماس وفرضته مع بواكير العام 1992 بانطلاقة جناحها العسكري تحت اسم " كتائب القسام". غير أن الإمكانات والعجلة الدولية والإقليمية كانت أكبر من الإرادة الفلسطينية في حينه، حيث فرضت الأجندة السياسية نسفها ليتمخض عن جهود احتواء الانتفاضة انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بعد انهيار النظام العربي والاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية إبان الحرب الأميركية على العراق، ثم توقيع اتفاقات أوسلو ومعاهدة وادي عربة، واللتان شكلتا اختراقاً كبيراً لصالح الاحتلال الإسرائيلي، فيما قدمتا مكاسب محدودة للجانبين الفلسطيني والأردني، وبذلك أجهضت الانتفاضة وحرف اتجاهها لتصبح ورقة رهان بيد اللاعبين السياسيين عبر مفاوضات مباشرة مع الاحتلال. عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، في كانون الأول من عام سبعة وثمانين، في مدن الضفة والقطاع، قال رئيس البلدية الصهيونية في القدس، "تيدي كوليك": " إن الفلسطينيين في القدس لن يشاركوا في الانتفاضة. وإن طريقته الأبوية في الحكم ستبرهن أنها أفضل الطرق". بعد عشرة أيام من هذا التصريح، قال كوليك وهو يرى الانتفاضة تمتد لتشعل القدس:"إن المدينة لم تعد موحدة، وقد انتهى التعايش بين اليهود والعرب إلى غير رجعة"..! هي ثورة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. بدأت في قطاع غزة في كانون الأول 1987 وامتدت إلى أرجاء الضفة الغربية. استمرت الانتفاضة 6 سنوات، حتى توقيع اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين سنة 1993. كانت السمة البارزة للانتفاضة هي بعدها الشعبي بالمظاهرات الحاشدة والإضرابات والعصيان المدني ضد الاحتلال(عل سبيل المثال، عدم دفع الضرائب، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية) وقذف جنود الاحتلال بالحجارة، عادة على يدي الأطفال والشبان الصغار.الانتفاضة الفلسطينية هي مرحلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي منذ قيام إسرائيل، إذ انتقل الكفاح الفلسطيني إلى داخل الأراضي الفلسطينية بعد أن كان خارجها.
نهض الشعب الفلسطيني من تحت ركام وأنقاض الدمار الذي خلفه الاحتلال ليعلن عن مولد انتفاضة ثورية جديدة " ثورة الحجارة " ، حينما ثار بركان الغضب الشعبي من مخيم الصمود" مخيم جباليا" شمال قطاع غزة ، في إطار أضخم وأطول انتفاضة جماهيرية شعبية عارمة شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتسطر أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء في عصر عزَّ فيه الرجال ، طفلٌ و شابٌ وامرأةٌ وشيخٌ عجوز واجهوا بصدورهم العارية رصاص جنود الاحتلال وغازهم السام ، وتصدوا للاحتلال مسلحين بحجارتهم التي لم يعهدها العالم أجمع، ولم تشهده ثوراته على مدى التاريخ الطويل واضعين نصب أعينهم هدفًا واحداً يتلخص في دحر الاحتلال وتحرير فلسطين كل فلسطين وعودة حقوقهم التي سلبها الاحتلال منهم ، مقدّمين أرواحهم وأموالهم وأبناءهم قرباناً على مذبح الحرية والفداء. هكذا بدأت الحكاية ولكن فصولها لم تنتهي بعد ، لأنها حلقة من مسلسلٍ طويل حافل بالثورات والانتفاضات التي لقنت الاحتلال درساً في فنون التضحية والفداء ، شعبٌ يخضع للاحتلال من حقه ممارسة كافة أشكال المقاومة والمواجهة ، فالمقاومة خيارُ لا يمكن ولا يجوز التفريط به طالما بقي الاحتلال جاثماً على صدورنا، لأن المقاومة والمواجهة أنجع وسيلة في دحر الاحتلال كما أثبتت التجربة في غزة، وفي كافة شعوب العالم التي دحرت الاحتلال عن أرضها بالثورات والمقاومة ، في وقت أثبتت فيه كافة المشاريع والمخططات والتسويات السياسية المثيرة للجدل فشلها الذريع في نيل الحرية والاستقلال ، ولم تقف عند هذا الحد بل عملت على الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته المشروعة ، واكتشف الشعب زيف وكذب الساسة ليؤمن بخيار واحد "خيار المقاومة والمواجهة. إن الانتفاضة الفسلطينية ليست حالة ظرفية مؤقتة تدفع بها أحداث ومواقف وتزول بزوالها، وإنما هي حالة شعبية دائمة ومستمرة ما كان هناك احتلال، وهي لم تأت بقرار سياسي حتى تنتهي بمثله، بل هي تعني وتهدف استعادة الحقوق الكاملة للشعب الفسلطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف وحقه في العودة وحقه في المقاومة من أجل إنهاء الاحتلال. يتساءل الإنسان الفلسطيني والعربي البسيط المجروح الوجدان بالعجز و خيبة الأمل ، يتساءل إلى أين ؟ وهو بين مكذّب و مصدق أن "مزاد التصفية" يتـناوله على مرأى منه و أمام عينيه, و إلى أين ستأخذه مرحلة "تهافت التهافت" التي فرضت عليه منذ مؤتمر مدريد 1991م. و يتساءل أيضـًا لماذا يحاول البعض من أبناء جلدتنا تكرار خطيئة "أوسلو" في محاولة يائسة لإيهامنا من جديد بأن إنهاء الانتفاضة و الدخول في مفاوضات سرية أخرى ستقود إلي نتائج أخرى..؟ كيف خطر في عقول أصحاب "أوسلو الأولى" أن يعيدوا بيع الوهم لشعبهم مرة أخرى في ظلّ حرب الإبادة و التطهير العرقي و الفصل العنصري التي تشنّها آلة الحرب الصهيونية ضد أطفالنا و نسائنا و شيوخنا و كلّ ما هو فلسطيني؟ لماذا يقود (عرّاب أوسلو) حملة ضد الانتفاضة الفلسطينية ؟ لماذا يتوهّم "عرّاب أوسلو" أن شعبه قد انتفض لتحقيق ظروف معيشية يومية ؟ .. ألم تصل إلى مسامعه الحقيقة التي تؤكّد بأن هذا الشعب قد انتفض لأنه ضاق ذرعاً من المفاوضات على مدى اكثرمن عشر سنوات.
لقد استمرت الانتفاضة الباسلة حتى تم التوقيع على اتفاقية "اوسلو" المشؤومة والتي كان احد اهدافها قمع المقاومة الفلسطينية وبالتالي التمهيد لاقتتال فلسطيني داخلي, وهذا ما حصل فعلا, والثمن كان غاليا جدا..لم يصبح الدم الفلسطيني خطا احمر فاريقت الدماء وانقسم ما تبقى من القضية الى شطرين..ترفض حكومة محمود عباس الحوار مع حماس وبتعنت بينما نراهم يهرولون وراء "اولمرت" و"رايس" وذهبوا الى مؤتمر تصفية ما تبقى من قضيتنا"انابوليس"..عليهم العودة الى طاولة الحوار واعادة اللحمة الوطنية ولا بديل عن ذلك..! إن على "عرّاب أوسلو" و زمرة المتساقطين الذين يكيلون التهم للانتفاضة في محاولة يائسة لكسب رضى العدو الصهيوني أن يدركوا جيدًا شرعية المقاومة في ممارسة حقوقها و واجباتها ، تلك الحقوق التي كفلتها كل الأنظمة و الشرائع و هي حقوق تولّدت من معاناة طويلة لآثار احتلال طارد زعماء و قادة و كوادر المقاومة و قتلهم أمام عائلاتهم و أطفالهم ، و انتقل بكلّ هذه الجرائم من صفّ الدولة إلى صف العصابة. إن الشعب الفلسطيني هو شعب النضال و التضحيات ، لم يهن و لم يستسلم منذ أكثر من قرن من الزمن ، و لم يتوقف شلال الدم على أرض فلسطين على الرغم من كل التسويات و التـنازلات و الانهيارات ، كان الشعب الفلسطيني يخرج دائمـًا من تحت الأنقاض كطائر الفينيق فيعيد الروح ليس فقط إلى الانتفاضة بل و إلى كل الأمة العربية و إلى كل الشعوب المحبة للسلام و العدالة.
قال الشاعر الفلسطيني الراحل"راشد حسين":
سنفهم الصخر ان لم يفهم البشر**ان الشعوب اذا هبت ستنتصر
ومهما صنعتم من النيران نخمدها**الم تروا اننا من لفحها سمر
ولو قضيتم على الثوار كلهم**تمرد الشيخ والعكاز والحجر..! لقد استخدم الشعب الفلسطيني و طوال قرن من الزمن ، كل أشكال و وسائل النضال المعروفة و غير المعروفة ، حتى تلك التي لا يتخيّلها بشر .. من وفود إلى المحافل الدولية ، إلى جمعيات إسلامية مسيحية ، إلى إضرابٍ و اعتصام ، إلى عصيان مدني دام ستة أشهر (1936) ، إلى التسلّل الفردي عبر الحدود لرؤية القرية و البيارة و المنـزل ، إلى طعنٍ بالسكاكين ، إلى بيع حليّ الزوجة لشراء بندقية ، إلى كفاح مسلّح لم يعرف العالم له مثيلاً ، إلى حرب الجيوش النظامية على الحدود ، إلى العمليات الاستشهادية ، إلى .. و إلى .. الانتفاضة حيث الحجارة هي السلاح ، و الطفل داوود يواجه الوحش متسلّحـًا بالمقلاع .. و لا يوجد قوة في العالم تستطيع أن تـنزع عن هذا الشعب حقّه في الجهاد و المقاومة و الحياة الحرة الكريمة فوق أرضه. المهم أن لا تضيع الإنجازات و التضحيات و لنتذكر مقولة :(إن الإنسان لا يموت إلا حين يموت حلمه)، فلنعمل جميعـًا على إبقاء الحلم حيـًا في عيون الأجيال القادمة ..في عيون أطفال الحجارة .. أبطال النصر ، رجال الدولة الفلسطينية التاريخية و عاصمتها القدس ، لأن هذا الحلم يلخّص كل القيم الإنسانية في العدالة و الحرية و الاستقلال.
وهنا استذكر ما قاله عملاق الشعر العربي الراحل نزار قباني: "بهروا الدنيا/ وما في يدهم الا حجارة/ واضاؤوا كالقناديل/ وجاؤوا كالبشارة/قاوموا وانفجروا واستشهدوا/ وبقينا دببا قطبية/صفحت أجسادها ضد الحرارة..! قاتلوا عنا الى ان قتلوا/ وبقينا في مقاهينا كبصاق المحارة/ واحد يبحث منا عن تجارة/واحد يطلب مليارا جديدا/وزواجا رابعا/ ونهودا صقلتهن الحضارة/واحد يبحث في لندن عن قصر منيف/ واحد يطلب في (البازات) ثارة/ واحد يبحث عن عرش..وجيش وامارة..! آه…يا جيل الخيانات../ ويا جيل العمولات/ ويا جيل النفايات/ ويا جيل الدعارة/سوف يجتاحك- مها أبطأ التاريخ/أطفال الحجارة"...! عاشت فلسطين الأبية..عاش شعبنا البطل..المجد والخلود لشهدائنا..الخزي والعار للأعداء والعملاء ومن سار في فلكهم, وانها لثورة مستمرة حتى تحرير الأرض والانسان..!
القدس المحتلة
* يمكن مشاهدة صورة الكاتب ضمن الشريط المعروض في أعلى الصفحة
تمرعلينا الذكرى العشرون لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الاولى..انتفاضة"اطفال الحجارة" وشعبنا الفلسطيني يمر بمرحلة من الانقسام والعداء والتشرذم لم يشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني.
الانتفاضة لغة: هي التحرك فقط، فقد جاء في المعاجم العربية: نفضت الثوب والشجر إذا حركته لينتفض. وكذلك، انتفض الشيء: تحرك واضطرب، وهذا يعني أن الانتفاضة، وهي مصدر المرة والهيئة من فعل انتفض، هي حركة واضطراب. وأما اصطلاحاً: فهي ذلك التحرك الشّعبي الهائل، الذي انطلق في 8 كانون اول/ديسمبر 1987، وامتد عبر كل أرض فلسطين، لمواجهة القوة الصهيونية المسلحة. بل هي الثورة الجماهيرية، التي تعد فريدة في بابها وسلاحها. وقد جاء في أسباب اندلاع الانتفاضة، أن الشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، عندما وصل درجة بالغة من الإحباط واليأس، اندفعت انتفاضة شعبية عارمة، بدأت في ديسمبر 1987؛ وفيها جابه الشباب والأطفال، العدو الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة، وهو مجردون من أي سلاح إلاّ إيمانهم بالله، وبعدالة قضيتهم، والحجارة، غير عابئين بالنتائج، التي يمكن أن تسفر عنها هذه المجابهة الحتمية، وهي القتل، والتمثيل، والإصابات والاعتقالات، والتعذيب، وهدم البيوت، وقطع الأرزاق، والطرد من البلاد. ومن هنا أُطلق على عناصر هذه الانتفاضة، مصطلح "أطفال الحجارة". وقد استمرت الانتفاضة زمناً طويلاً، حتى فرض المصطلح نفسه على الساحة السياسية، ودخل ميدان الصحافة العربية، والصحافة الأجنبية، بلفظة العربي، وكذلك دخل الموسوعات الأجنبية، وفرض نفسه، أيضاً، على المحللين والمؤلفين في الوسط الإسرائيلي، فألف الصحفيان زئيف شيف، وإيهود يعاري، كتاباً عنها، كان عنوانه Intifada مثلت الانتفاضات الفلسطينية معلماً أساسياً من معالم التحول النضالي والكفاحي لشعوب العالم ضد الاحتلال والاستعمار، والتي كانت ذروتها باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى في ديسمبر 1987، والتي قدمت صورة حقيقية لواقع الاحتلال وإجرامه وممارساته اللاإنسانية ووفرت للقضية الفلسطينية ولأول مرة محضناً شعبياً متكاملاً وموحداً داخل فلسطين المحتلة. وبرغم التطور الذي أصاب هذه الانتفاضة خلال مسيرته طوال ست سنوات متواصلة غير أن حجم الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية تسبب بإشكالات عديدة لها ، ناهيك عن الخلاف الفلسطيني حول طبيعة التحولات المطلوبة لتحقيق أهدافها بالتحرر والاستقلال بين الاستثمار السياسي غير الناضج الذي تبنته حركة فتح وتوسيع دائرتها ودعمها بخط المقاومة المسلحة الذي تبنته حركة حماس وفرضته مع بواكير العام 1992 بانطلاقة جناحها العسكري تحت اسم " كتائب القسام". غير أن الإمكانات والعجلة الدولية والإقليمية كانت أكبر من الإرادة الفلسطينية في حينه، حيث فرضت الأجندة السياسية نسفها ليتمخض عن جهود احتواء الانتفاضة انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بعد انهيار النظام العربي والاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية إبان الحرب الأميركية على العراق، ثم توقيع اتفاقات أوسلو ومعاهدة وادي عربة، واللتان شكلتا اختراقاً كبيراً لصالح الاحتلال الإسرائيلي، فيما قدمتا مكاسب محدودة للجانبين الفلسطيني والأردني، وبذلك أجهضت الانتفاضة وحرف اتجاهها لتصبح ورقة رهان بيد اللاعبين السياسيين عبر مفاوضات مباشرة مع الاحتلال. عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، في كانون الأول من عام سبعة وثمانين، في مدن الضفة والقطاع، قال رئيس البلدية الصهيونية في القدس، "تيدي كوليك": " إن الفلسطينيين في القدس لن يشاركوا في الانتفاضة. وإن طريقته الأبوية في الحكم ستبرهن أنها أفضل الطرق". بعد عشرة أيام من هذا التصريح، قال كوليك وهو يرى الانتفاضة تمتد لتشعل القدس:"إن المدينة لم تعد موحدة، وقد انتهى التعايش بين اليهود والعرب إلى غير رجعة"..! هي ثورة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. بدأت في قطاع غزة في كانون الأول 1987 وامتدت إلى أرجاء الضفة الغربية. استمرت الانتفاضة 6 سنوات، حتى توقيع اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين سنة 1993. كانت السمة البارزة للانتفاضة هي بعدها الشعبي بالمظاهرات الحاشدة والإضرابات والعصيان المدني ضد الاحتلال(عل سبيل المثال، عدم دفع الضرائب، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية) وقذف جنود الاحتلال بالحجارة، عادة على يدي الأطفال والشبان الصغار.الانتفاضة الفلسطينية هي مرحلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي منذ قيام إسرائيل، إذ انتقل الكفاح الفلسطيني إلى داخل الأراضي الفلسطينية بعد أن كان خارجها.
نهض الشعب الفلسطيني من تحت ركام وأنقاض الدمار الذي خلفه الاحتلال ليعلن عن مولد انتفاضة ثورية جديدة " ثورة الحجارة " ، حينما ثار بركان الغضب الشعبي من مخيم الصمود" مخيم جباليا" شمال قطاع غزة ، في إطار أضخم وأطول انتفاضة جماهيرية شعبية عارمة شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتسطر أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء في عصر عزَّ فيه الرجال ، طفلٌ و شابٌ وامرأةٌ وشيخٌ عجوز واجهوا بصدورهم العارية رصاص جنود الاحتلال وغازهم السام ، وتصدوا للاحتلال مسلحين بحجارتهم التي لم يعهدها العالم أجمع، ولم تشهده ثوراته على مدى التاريخ الطويل واضعين نصب أعينهم هدفًا واحداً يتلخص في دحر الاحتلال وتحرير فلسطين كل فلسطين وعودة حقوقهم التي سلبها الاحتلال منهم ، مقدّمين أرواحهم وأموالهم وأبناءهم قرباناً على مذبح الحرية والفداء. هكذا بدأت الحكاية ولكن فصولها لم تنتهي بعد ، لأنها حلقة من مسلسلٍ طويل حافل بالثورات والانتفاضات التي لقنت الاحتلال درساً في فنون التضحية والفداء ، شعبٌ يخضع للاحتلال من حقه ممارسة كافة أشكال المقاومة والمواجهة ، فالمقاومة خيارُ لا يمكن ولا يجوز التفريط به طالما بقي الاحتلال جاثماً على صدورنا، لأن المقاومة والمواجهة أنجع وسيلة في دحر الاحتلال كما أثبتت التجربة في غزة، وفي كافة شعوب العالم التي دحرت الاحتلال عن أرضها بالثورات والمقاومة ، في وقت أثبتت فيه كافة المشاريع والمخططات والتسويات السياسية المثيرة للجدل فشلها الذريع في نيل الحرية والاستقلال ، ولم تقف عند هذا الحد بل عملت على الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته المشروعة ، واكتشف الشعب زيف وكذب الساسة ليؤمن بخيار واحد "خيار المقاومة والمواجهة. إن الانتفاضة الفسلطينية ليست حالة ظرفية مؤقتة تدفع بها أحداث ومواقف وتزول بزوالها، وإنما هي حالة شعبية دائمة ومستمرة ما كان هناك احتلال، وهي لم تأت بقرار سياسي حتى تنتهي بمثله، بل هي تعني وتهدف استعادة الحقوق الكاملة للشعب الفسلطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف وحقه في العودة وحقه في المقاومة من أجل إنهاء الاحتلال. يتساءل الإنسان الفلسطيني والعربي البسيط المجروح الوجدان بالعجز و خيبة الأمل ، يتساءل إلى أين ؟ وهو بين مكذّب و مصدق أن "مزاد التصفية" يتـناوله على مرأى منه و أمام عينيه, و إلى أين ستأخذه مرحلة "تهافت التهافت" التي فرضت عليه منذ مؤتمر مدريد 1991م. و يتساءل أيضـًا لماذا يحاول البعض من أبناء جلدتنا تكرار خطيئة "أوسلو" في محاولة يائسة لإيهامنا من جديد بأن إنهاء الانتفاضة و الدخول في مفاوضات سرية أخرى ستقود إلي نتائج أخرى..؟ كيف خطر في عقول أصحاب "أوسلو الأولى" أن يعيدوا بيع الوهم لشعبهم مرة أخرى في ظلّ حرب الإبادة و التطهير العرقي و الفصل العنصري التي تشنّها آلة الحرب الصهيونية ضد أطفالنا و نسائنا و شيوخنا و كلّ ما هو فلسطيني؟ لماذا يقود (عرّاب أوسلو) حملة ضد الانتفاضة الفلسطينية ؟ لماذا يتوهّم "عرّاب أوسلو" أن شعبه قد انتفض لتحقيق ظروف معيشية يومية ؟ .. ألم تصل إلى مسامعه الحقيقة التي تؤكّد بأن هذا الشعب قد انتفض لأنه ضاق ذرعاً من المفاوضات على مدى اكثرمن عشر سنوات.
لقد استمرت الانتفاضة الباسلة حتى تم التوقيع على اتفاقية "اوسلو" المشؤومة والتي كان احد اهدافها قمع المقاومة الفلسطينية وبالتالي التمهيد لاقتتال فلسطيني داخلي, وهذا ما حصل فعلا, والثمن كان غاليا جدا..لم يصبح الدم الفلسطيني خطا احمر فاريقت الدماء وانقسم ما تبقى من القضية الى شطرين..ترفض حكومة محمود عباس الحوار مع حماس وبتعنت بينما نراهم يهرولون وراء "اولمرت" و"رايس" وذهبوا الى مؤتمر تصفية ما تبقى من قضيتنا"انابوليس"..عليهم العودة الى طاولة الحوار واعادة اللحمة الوطنية ولا بديل عن ذلك..! إن على "عرّاب أوسلو" و زمرة المتساقطين الذين يكيلون التهم للانتفاضة في محاولة يائسة لكسب رضى العدو الصهيوني أن يدركوا جيدًا شرعية المقاومة في ممارسة حقوقها و واجباتها ، تلك الحقوق التي كفلتها كل الأنظمة و الشرائع و هي حقوق تولّدت من معاناة طويلة لآثار احتلال طارد زعماء و قادة و كوادر المقاومة و قتلهم أمام عائلاتهم و أطفالهم ، و انتقل بكلّ هذه الجرائم من صفّ الدولة إلى صف العصابة. إن الشعب الفلسطيني هو شعب النضال و التضحيات ، لم يهن و لم يستسلم منذ أكثر من قرن من الزمن ، و لم يتوقف شلال الدم على أرض فلسطين على الرغم من كل التسويات و التـنازلات و الانهيارات ، كان الشعب الفلسطيني يخرج دائمـًا من تحت الأنقاض كطائر الفينيق فيعيد الروح ليس فقط إلى الانتفاضة بل و إلى كل الأمة العربية و إلى كل الشعوب المحبة للسلام و العدالة.
قال الشاعر الفلسطيني الراحل"راشد حسين":
سنفهم الصخر ان لم يفهم البشر**ان الشعوب اذا هبت ستنتصر
ومهما صنعتم من النيران نخمدها**الم تروا اننا من لفحها سمر
ولو قضيتم على الثوار كلهم**تمرد الشيخ والعكاز والحجر..! لقد استخدم الشعب الفلسطيني و طوال قرن من الزمن ، كل أشكال و وسائل النضال المعروفة و غير المعروفة ، حتى تلك التي لا يتخيّلها بشر .. من وفود إلى المحافل الدولية ، إلى جمعيات إسلامية مسيحية ، إلى إضرابٍ و اعتصام ، إلى عصيان مدني دام ستة أشهر (1936) ، إلى التسلّل الفردي عبر الحدود لرؤية القرية و البيارة و المنـزل ، إلى طعنٍ بالسكاكين ، إلى بيع حليّ الزوجة لشراء بندقية ، إلى كفاح مسلّح لم يعرف العالم له مثيلاً ، إلى حرب الجيوش النظامية على الحدود ، إلى العمليات الاستشهادية ، إلى .. و إلى .. الانتفاضة حيث الحجارة هي السلاح ، و الطفل داوود يواجه الوحش متسلّحـًا بالمقلاع .. و لا يوجد قوة في العالم تستطيع أن تـنزع عن هذا الشعب حقّه في الجهاد و المقاومة و الحياة الحرة الكريمة فوق أرضه. المهم أن لا تضيع الإنجازات و التضحيات و لنتذكر مقولة :(إن الإنسان لا يموت إلا حين يموت حلمه)، فلنعمل جميعـًا على إبقاء الحلم حيـًا في عيون الأجيال القادمة ..في عيون أطفال الحجارة .. أبطال النصر ، رجال الدولة الفلسطينية التاريخية و عاصمتها القدس ، لأن هذا الحلم يلخّص كل القيم الإنسانية في العدالة و الحرية و الاستقلال.
وهنا استذكر ما قاله عملاق الشعر العربي الراحل نزار قباني: "بهروا الدنيا/ وما في يدهم الا حجارة/ واضاؤوا كالقناديل/ وجاؤوا كالبشارة/قاوموا وانفجروا واستشهدوا/ وبقينا دببا قطبية/صفحت أجسادها ضد الحرارة..! قاتلوا عنا الى ان قتلوا/ وبقينا في مقاهينا كبصاق المحارة/ واحد يبحث منا عن تجارة/واحد يطلب مليارا جديدا/وزواجا رابعا/ ونهودا صقلتهن الحضارة/واحد يبحث في لندن عن قصر منيف/ واحد يطلب في (البازات) ثارة/ واحد يبحث عن عرش..وجيش وامارة..! آه…يا جيل الخيانات../ ويا جيل العمولات/ ويا جيل النفايات/ ويا جيل الدعارة/سوف يجتاحك- مها أبطأ التاريخ/أطفال الحجارة"...! عاشت فلسطين الأبية..عاش شعبنا البطل..المجد والخلود لشهدائنا..الخزي والعار للأعداء والعملاء ومن سار في فلكهم, وانها لثورة مستمرة حتى تحرير الأرض والانسان..!
القدس المحتلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق