أسامه طلفاح
بعد سقوط بغداد في التاسع من نيسان للعام 2003 ، تبين للعالم التحالف " الأمرو إيراني " حول نظام صدام حسين ، بحيث كانت الحرب مشتركة بصرف النظر عن جنسية أو عرقية القوة العسكرية التي شنت الحرب على العراق في ذلك العام ، فبدا للعيان أن هنالك تحالف " أمرو إيراني" مشترك ضد النظام السابق في العراق و كانت العملية – عملية مقايضة ، ليس إلا بين أمريكا و إيران و أطراف أخرى ، فقد جاء الدور الإيراني بدايةً مبهم و غير واضح و غير معلن بشأن تلك الحرب و لكن ما أن سقطت بغداد و تواجد الحرس الثوري الإيراني في بغداد بعد ذلك التاريخ ، اتضحت الصورة شيئاً فشيئاً .
لم يكن صدام حسين بشخصه مثلاً عائقاً في طريق تحقيق أمريكا و خلفها اسرائيل مبتغاها جراء احتلال العراق ، و لنا في تصريحات الكثير من المسؤولين الأمريكيين حول هذا الأمر مثالٌ واضح و صريح ، أن هدفهم لم يكن صدام حسين بتاتاً ، و لكنه كان شماعة و ذريعة بالنسبة للأمريكان و غيرهم جراء الاعتداء على بلد عربي مسلم عريق له مكانته الكبيرة في الساحة العربية و الدولية من شتى النواحي و خصوصاً أن نظام صدام حسين كان و لو بالظاهر يهدد ما يسمى الكيان الصهيوني .
لكن الأمر مختلفٌ تماماً بالنسبة لإيران ، فقد كان صدام حسين لحينٍ من الدهر عائقاً كبيراً لتحقيق ما تريد الوصول له إيران بشأن عدة أمور ، و خصوصاً ما يسمى تصدير الثورة مع استغلال نسبة الشيعة في العراق و نسبة المواليين لإيران من أبناء العراق ، و لهذا الأمر أهداف باطنة كثيرة ، بلا شك أنها لا تخرج عن إطار الأطماع الاستعمارية في بلد بمكانة العراق ، ساهم و بشكل كبير جداً و حدّ من الهيمنة الفارسية عليه و على دول الخليج العربي و بعض الدول العربية من حيثية تصدير الثورة و تشكيل ما يسمى المثلث الشيعي.
فقد نهبت و سرقت أمريكا و عملائها في العراق آثار وأموال و نفط العراق و أعادته آلاف السنين للوراء ـ بالمقابل فُتح المجال للجانب الإيراني من حيثية ما يسمى تصدير الثورة و السيطرة على العراق من منحنى فكري باتباع طرق كثيرة ، من التهجير و القتل و التعذيب و التفجيرات التي بلا شك أن إيران و أمريكا شاركت بها بالتعاون مع عملاء كل منهما المباشرين و غير المباشرين ، لزلزلة العراق و جعله عبارة عن شلال من الدماء و جبال من الدمار ، و أُخذت هذه الأمور ذريعة لكلٍ من أمريكا و إيران للبقاء و السيطرة على العراق كل حسب اتفاقه.
لكن ما انفك الامر حتى اكتشفت أمريكا ماهية الدور الذي تلعبه إيران في العراق و تأثيرها على بعض الدول العربية الاخرى و خصوصاً ضد اسرائيل و " انقلاب السحر على الساحر"، و تناست الإدارة الأمريكية مبدأ " إيجاد عدو آخر قبل أن يوجد" ، بعد ما شُغلت بالحرب على العراق و حصاره منذ على ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً ، فكانت إيران في ذلك الوقت تعمل بشكل كبير للغاية على تمكين نفسها عسكرياً حتى أصبحت من الدول العظمى عسكريا التي يحسب لها ألف حساب ـ و كانت إيران قد كونت نفسها سياسياً و اتخذت من مبدأ سياسة "العصا و الجزرة "و" شد الحبل" مع اختيار المكان و الزمان المناسبين منبعاً لتسيير أمورها .
فقد كانت سياستها في السنوات القليلة الماضية سياسة ذكية للغاية ، أجادت من خلالها لعب عدة نظريات و ألعاب سياسية مباغتة ، مستفيدة من نظريات و خطط "شطرنجية" .
و كانت سياستها الفكرية هي الأقوى من بين كل السياسات ؛ و التي جاءت بنتائج سريعة تعتبر ايجابية مقارنة بسياسة أمريكا ، و بهذا سيطرت إيران بشكل أكبر على العراق من حيثيات كثيرة أكثر مما سيطرت أمريكا و حلفاءها على العراق من الحيثيات الأخرى المتنوعة.
جاء الاكتشاف الأمريكي لما يسمى " بالخطر الإيراني" في وقت متأخر نوعاً ما ، و أدركت الإدارة الامريكية و حلفاءها الخطر الإيراني الذي يواجه قواتها في الخليج العربي و منطقة الشرق الأوسط و بالأخص الخطر الذي يواجه اسرائيل من قبل إيران ، و خصوصاً بعد ما تبين التطور العسكري الإيراني بهذا الشكل ووجود البرنامج النووي الإيراني الذي أصبح بلا شك شغل و شاغل العالم و خصوصاً أمريكا و اسرائيل.
فحاولت أمريكا قدر الإمكان من خلال الدبلوماسية الأمريكية حلّ هذه المشكلة و لم تنجح بالوصول إلى أي نقطة مع الإدارة الإيرانية ، و حاولت بعدها من خلال جلسات مجلس الأمن و الضغط الدولي على إيران بإيعاز من الإدارة الأمريكية حول انهاء البرنامج النووي الإيراني و لم تنجح أي الأطراف بالوصول إلى نتيجة إيجابية حول هذا الامر.
فبدت حدة التوتر " الأمرو إيرانية" تزداد بشكل ملحوظ للعالم و خصوصاً حول العراق و أمنه و دور إيران الآن في زعزعة أمن العراق و دعمها للمنظمات التي تطلق عليها الإدارة الأمريكية "إرهابية" و التي تشكل خطر كبير على الابن المدلل لأمريكا ألا و هي اسرائيل.
و مع كل الضغوطات الأمريكية و الدولية على إيران للعدول عن برنامجها النووي ، لم تصغي إيران لأي من تلك الأصوات ، و بدأت كل من الدولتين إيران و أمريكا تلعب لعبة سياسية واحدة كل منها تجاه الأخرى ، و لا بد لنا من الإشارة هنا إلى الدور الذي تلعبه الدول الغربية بدعمها للموقف الأمريكي ، و الدور الذي تلعبه روسياً باطنياً و الصين بشأن موقفها الذي يعتبر محايداً حول الشأن الإيراني.
فبدأت التهديدات بازدياد مستمر من قبل الإدارة الأمريكية المتخبطة كثيرا في العراق و أفغانستان على إيران ، و التي بلا شك إن صحت تلك التهديدات و أصبحت حقيقة ملموسة لن تكون أمريكا الطرف الوحيد في حربها ضد إيران . و يلعب الاتحاد السوفيتي بقيادة " فلامدير بوتين" الرئيس الروسي دوراً كبيراً بالشأن العالمي اليوم ، الأمر الذي لم تأخذه بعض الأطراف على محمل الجد من ماهية عودة روسيا إلى الساحة الدولية اليوم و بقوة بعد ما ظن البعض أن ما يسمى " العدو الشيوعي الأحمر" الذي كان يشكل خطراً على أمريكا في السيطرة على العالم قد انهار تماماً و لا يقوى على الوقوف من جديد و خصوصاً بهذه السرعه.
و كلنا يعي تماماً أن أمريكا و روسياً طرفا صراع و معسكرين منفصلين تماماً ، بينهما توتر كبير و خوف من الآخر ، و بهذا من المعلوم أن روسيا تقف بجانب الصف الإيراني و كذلك الامر بالنسبة لبعض الدول الأخرى التي ستكون مفاجأة جديدة على الساحة الدولية من حيث القوة العكسرية و التي يظنها البعض أنها " أحادية الضغط" .
إيران اليوم على أهبة الاستعداد للمواجهة القادمة التي حذر منها الكثيرون ، حيث أنها تقف في واجهة المعسكر الآخر المعادي لأمريكا و حلفاءها ، و خصوصاً بعد الكم الهائل من التصريحات التي أدلى بها المسؤولين الأمريكيين و أولهم الرئيس بوش ، و بعد التهديدات التي كانت و لا زالت تخرج كل يومٍ من الإدارة الأمريكية و القوة الأخرى المسيطرة في العالم بشأن إيران .
مقدمة و صورة بسيطة يتضح لنا من خلالها عدة تأملات على حافة النهاية (قد) تنذر بعالمية ثالثة ، ستكون أمتنا العربية حاضنتها بلا شك ، متخبطين كالعادة بين "حانا و مانا" ، و يبقى السؤال قائماً : هل سيسقط التمثال و المثال و يبقى الكابوس؟!!.
هذا ما ستجيبنا به الأيام القليلة القادمة ...
يتبع ..
كاتب و باحث أردني
otelfah@hotmail.com
بعد سقوط بغداد في التاسع من نيسان للعام 2003 ، تبين للعالم التحالف " الأمرو إيراني " حول نظام صدام حسين ، بحيث كانت الحرب مشتركة بصرف النظر عن جنسية أو عرقية القوة العسكرية التي شنت الحرب على العراق في ذلك العام ، فبدا للعيان أن هنالك تحالف " أمرو إيراني" مشترك ضد النظام السابق في العراق و كانت العملية – عملية مقايضة ، ليس إلا بين أمريكا و إيران و أطراف أخرى ، فقد جاء الدور الإيراني بدايةً مبهم و غير واضح و غير معلن بشأن تلك الحرب و لكن ما أن سقطت بغداد و تواجد الحرس الثوري الإيراني في بغداد بعد ذلك التاريخ ، اتضحت الصورة شيئاً فشيئاً .
لم يكن صدام حسين بشخصه مثلاً عائقاً في طريق تحقيق أمريكا و خلفها اسرائيل مبتغاها جراء احتلال العراق ، و لنا في تصريحات الكثير من المسؤولين الأمريكيين حول هذا الأمر مثالٌ واضح و صريح ، أن هدفهم لم يكن صدام حسين بتاتاً ، و لكنه كان شماعة و ذريعة بالنسبة للأمريكان و غيرهم جراء الاعتداء على بلد عربي مسلم عريق له مكانته الكبيرة في الساحة العربية و الدولية من شتى النواحي و خصوصاً أن نظام صدام حسين كان و لو بالظاهر يهدد ما يسمى الكيان الصهيوني .
لكن الأمر مختلفٌ تماماً بالنسبة لإيران ، فقد كان صدام حسين لحينٍ من الدهر عائقاً كبيراً لتحقيق ما تريد الوصول له إيران بشأن عدة أمور ، و خصوصاً ما يسمى تصدير الثورة مع استغلال نسبة الشيعة في العراق و نسبة المواليين لإيران من أبناء العراق ، و لهذا الأمر أهداف باطنة كثيرة ، بلا شك أنها لا تخرج عن إطار الأطماع الاستعمارية في بلد بمكانة العراق ، ساهم و بشكل كبير جداً و حدّ من الهيمنة الفارسية عليه و على دول الخليج العربي و بعض الدول العربية من حيثية تصدير الثورة و تشكيل ما يسمى المثلث الشيعي.
فقد نهبت و سرقت أمريكا و عملائها في العراق آثار وأموال و نفط العراق و أعادته آلاف السنين للوراء ـ بالمقابل فُتح المجال للجانب الإيراني من حيثية ما يسمى تصدير الثورة و السيطرة على العراق من منحنى فكري باتباع طرق كثيرة ، من التهجير و القتل و التعذيب و التفجيرات التي بلا شك أن إيران و أمريكا شاركت بها بالتعاون مع عملاء كل منهما المباشرين و غير المباشرين ، لزلزلة العراق و جعله عبارة عن شلال من الدماء و جبال من الدمار ، و أُخذت هذه الأمور ذريعة لكلٍ من أمريكا و إيران للبقاء و السيطرة على العراق كل حسب اتفاقه.
لكن ما انفك الامر حتى اكتشفت أمريكا ماهية الدور الذي تلعبه إيران في العراق و تأثيرها على بعض الدول العربية الاخرى و خصوصاً ضد اسرائيل و " انقلاب السحر على الساحر"، و تناست الإدارة الأمريكية مبدأ " إيجاد عدو آخر قبل أن يوجد" ، بعد ما شُغلت بالحرب على العراق و حصاره منذ على ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً ، فكانت إيران في ذلك الوقت تعمل بشكل كبير للغاية على تمكين نفسها عسكرياً حتى أصبحت من الدول العظمى عسكريا التي يحسب لها ألف حساب ـ و كانت إيران قد كونت نفسها سياسياً و اتخذت من مبدأ سياسة "العصا و الجزرة "و" شد الحبل" مع اختيار المكان و الزمان المناسبين منبعاً لتسيير أمورها .
فقد كانت سياستها في السنوات القليلة الماضية سياسة ذكية للغاية ، أجادت من خلالها لعب عدة نظريات و ألعاب سياسية مباغتة ، مستفيدة من نظريات و خطط "شطرنجية" .
و كانت سياستها الفكرية هي الأقوى من بين كل السياسات ؛ و التي جاءت بنتائج سريعة تعتبر ايجابية مقارنة بسياسة أمريكا ، و بهذا سيطرت إيران بشكل أكبر على العراق من حيثيات كثيرة أكثر مما سيطرت أمريكا و حلفاءها على العراق من الحيثيات الأخرى المتنوعة.
جاء الاكتشاف الأمريكي لما يسمى " بالخطر الإيراني" في وقت متأخر نوعاً ما ، و أدركت الإدارة الامريكية و حلفاءها الخطر الإيراني الذي يواجه قواتها في الخليج العربي و منطقة الشرق الأوسط و بالأخص الخطر الذي يواجه اسرائيل من قبل إيران ، و خصوصاً بعد ما تبين التطور العسكري الإيراني بهذا الشكل ووجود البرنامج النووي الإيراني الذي أصبح بلا شك شغل و شاغل العالم و خصوصاً أمريكا و اسرائيل.
فحاولت أمريكا قدر الإمكان من خلال الدبلوماسية الأمريكية حلّ هذه المشكلة و لم تنجح بالوصول إلى أي نقطة مع الإدارة الإيرانية ، و حاولت بعدها من خلال جلسات مجلس الأمن و الضغط الدولي على إيران بإيعاز من الإدارة الأمريكية حول انهاء البرنامج النووي الإيراني و لم تنجح أي الأطراف بالوصول إلى نتيجة إيجابية حول هذا الامر.
فبدت حدة التوتر " الأمرو إيرانية" تزداد بشكل ملحوظ للعالم و خصوصاً حول العراق و أمنه و دور إيران الآن في زعزعة أمن العراق و دعمها للمنظمات التي تطلق عليها الإدارة الأمريكية "إرهابية" و التي تشكل خطر كبير على الابن المدلل لأمريكا ألا و هي اسرائيل.
و مع كل الضغوطات الأمريكية و الدولية على إيران للعدول عن برنامجها النووي ، لم تصغي إيران لأي من تلك الأصوات ، و بدأت كل من الدولتين إيران و أمريكا تلعب لعبة سياسية واحدة كل منها تجاه الأخرى ، و لا بد لنا من الإشارة هنا إلى الدور الذي تلعبه الدول الغربية بدعمها للموقف الأمريكي ، و الدور الذي تلعبه روسياً باطنياً و الصين بشأن موقفها الذي يعتبر محايداً حول الشأن الإيراني.
فبدأت التهديدات بازدياد مستمر من قبل الإدارة الأمريكية المتخبطة كثيرا في العراق و أفغانستان على إيران ، و التي بلا شك إن صحت تلك التهديدات و أصبحت حقيقة ملموسة لن تكون أمريكا الطرف الوحيد في حربها ضد إيران . و يلعب الاتحاد السوفيتي بقيادة " فلامدير بوتين" الرئيس الروسي دوراً كبيراً بالشأن العالمي اليوم ، الأمر الذي لم تأخذه بعض الأطراف على محمل الجد من ماهية عودة روسيا إلى الساحة الدولية اليوم و بقوة بعد ما ظن البعض أن ما يسمى " العدو الشيوعي الأحمر" الذي كان يشكل خطراً على أمريكا في السيطرة على العالم قد انهار تماماً و لا يقوى على الوقوف من جديد و خصوصاً بهذه السرعه.
و كلنا يعي تماماً أن أمريكا و روسياً طرفا صراع و معسكرين منفصلين تماماً ، بينهما توتر كبير و خوف من الآخر ، و بهذا من المعلوم أن روسيا تقف بجانب الصف الإيراني و كذلك الامر بالنسبة لبعض الدول الأخرى التي ستكون مفاجأة جديدة على الساحة الدولية من حيث القوة العكسرية و التي يظنها البعض أنها " أحادية الضغط" .
إيران اليوم على أهبة الاستعداد للمواجهة القادمة التي حذر منها الكثيرون ، حيث أنها تقف في واجهة المعسكر الآخر المعادي لأمريكا و حلفاءها ، و خصوصاً بعد الكم الهائل من التصريحات التي أدلى بها المسؤولين الأمريكيين و أولهم الرئيس بوش ، و بعد التهديدات التي كانت و لا زالت تخرج كل يومٍ من الإدارة الأمريكية و القوة الأخرى المسيطرة في العالم بشأن إيران .
مقدمة و صورة بسيطة يتضح لنا من خلالها عدة تأملات على حافة النهاية (قد) تنذر بعالمية ثالثة ، ستكون أمتنا العربية حاضنتها بلا شك ، متخبطين كالعادة بين "حانا و مانا" ، و يبقى السؤال قائماً : هل سيسقط التمثال و المثال و يبقى الكابوس؟!!.
هذا ما ستجيبنا به الأيام القليلة القادمة ...
يتبع ..
كاتب و باحث أردني
otelfah@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق